في اليوم العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم بذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10ديسمبر 1948)، في ظل تقدُّم البشرية في كافة مناحي الحياة، إجتماعياً وإقصادياً، وسياسياً،
بينما يحتل السودان أدنى المراتب الأخيرة في تراتبية الدول الفاشلة، الفاسدة، بل والمنتهِكة لحقوق الإنسان.
في 10 ديسمبر 2012، تمضي السلطات عبر أجهزتها الأمنية، فى عدائها المُستحكم لحريّة الصحافة والتعبير، بسن قانون مرتقب للصحافة والمطبوعات، بشكل معيب، مُكرِّس للإستبداد وهيمنة الدولة الشموليّة على حساب حق التعبيروالصحافة، بل ومناف للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويتم طبخه – بليل- بعيداً عن مُشاركة أصحاب المصلحة الأساسيّة من الصحفيين والمجتمع بأكمله.
اليوم، وفى هذه الذكرى، يتواصل إستمرار نهج السلطة وممارساتها القمعيّة في الرقابة الأمنية – قبليّة وبعديّة – على الصحافة، ويتواصل إيقاف عدد مقدر من الصحفيين وكتاب الرأي عن الكتابة بأوامر أمنية، وتتّسع دائرة حجب المواقع الصحفية وتهكيرها، وإجبار المعتقلين – تحت وطأة التعذيب – على فتح بريدهم الإلكترونى والكشف عن محتويات رسائلهم وقوائم مراسلاتهم.
خلال العام الحقوقي المنصرم أُغلقت صُحف، ومُنعت أُخرى من الطباعة والنشر بقرارات أمنية (الميدان/ التيار/ رأي الشعب)، وتمّ تشريد مئات الصحفيين والعاملين فى المؤسسات الصحفية من العمل، وأُعتقل عشرات الصحفيين أثناء تأدية واجباتهم المهنية، وجرت محاكمات كيدية لعدد منهم، وبالقدر الذي منع فيه البعض من السفر، أُجبر آخرون على مغادرة البلاد قسراً.
وفي الوقت الذى تحتفل فيه أجزاء كبيرة من العالم وشعوبه، بسيادة حُكم القانون وإنجازالحقوق السياسيّة والمدنية الإجتماعية والإقتصادية، إغتالت السلطات الأمنية أربعة من طلاب جامعة الجزيرة بسبب مُطالبتهم ببعض حقوقهم المشروعة (إعفاء من رسوم الدراسة)، وما زال عدد من الطلاب معتقلين وبعضعم في سجل المفقودين، كما عادت للسطح من جديد سياسة التعذيب الممنهج للناشطين والصحفيين خلال النصف الثاني من العام.
ونحن إذ نقارن أوضاع بلادنا بغيرها، نلحظ حجم وطبيعة الهجمة الأمنية المنظمة على الحريّات العامة، مثل حق التجمع والتظاهر السلميين، وتعامل الشرطة والأمن مع المدنيين العُزَّل بأساليب قمعيّة وهمجيّة، ومن المُلاحظ في خلال هذه الفترة إستحداث السلطات الأمنية لأساليب جديدة في مواجهة المتظاهرين في الأحياء والقطاعات الأخرى، فقد كانت – ولا زالت – تنتهج السلطات في مجال (حركة الطلبة) أساليب (البلطجة – الربّاطة – كتائب ومليشيات المؤتمر الوطني المسلحة )، الشيء الذي أُستحدث وبات مُتّبعاً مع كافة المتظاهرين، مع إستمرار مسلسل الإعتقال والتعذيب والحرق بالنار والتشويه، بل وإغتيال عشرات الطلاب، كما حدث للطلّاب بمدينة نيالاوغيرها. ويتم إستهداف النساء بصورة ممنهجة، ومع كل ذلك، يتواصل النضال لإنتزاع كافّة الحقوق وهزيمة السلطة القمعيّة والإنتصار لقيم الديمقراطية والسلام وإحترام حقوق الإنسان.
منظمات المجتمع المدني نالت حظها من الإنتهاك والهجوم المنظّمين، فقد أُغلقت بعضها بقرارات تعسّفية أمنية مُباشرة، وجُفّفت مصادر تمويل ومجالات نشاط البعض منها، وما زالت هناك العديد من المنظمات ومراكز حقوق الإنسان الفاعلة تُعانى التضييق الأمني المُستمر بغرض إلإغلاق التام وحظر نشاطها القانونى.
ونحن، إذ نحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان، نُجدّد إعتزازنا بنضالات الصحفيين ونشطاء الحركات الشبابيّة ونشطاء الميديا الإجتماعيّة، الذين واجهوا، وما زالوا يواجهون صلف السلطة، يناضلون من أجل صحافة حُرّة تكشف الفساد، وتوثّق الإنتهاكات في كل شبر من أرض بلادنا الجريحة، كما نُثمّن نضالات قوانا المدنية والإجتماعية والسياسية السلمية التي تسعى مثابرة لتغيير النظام، وإستعادة كافّة الحقوق المسلوبة وبناء دولة المواطنة وإحترام وتعزيز حقوق الإنسان.
فى ذكرى اليوم العالمى لحقوق الإنسان تستدعي وقفة إجلال للشريفات والشرفاء من الصحفيات والصحفيين، الذين ما بدلوا مواقفهم، ولا لانت لهم عزيمة رغم أعاصير سياسات الترهيب والترغيب التي يمارسها النظام. ونجدد دعوتنا للمجتمع الصحفى وكافّة الذين يعز عليهم شعار حريّة الصحافة والتعبير والضمير، للإستمرار في تنظيم أنفسهم فى أكبر جبهة للدفاع عن الحُريّات والحقوق.
صحفيون لحقوق الإنسان (جهر)- السودان
10 ديسمبر 2012 – الخرطوم