لمحة تأريخية عن منطقة { لبدو} . احمد محمود
[email protected]
في عام 1946تقريبآ كانت ثمة غابة كثيفة مكتظة بجميع أنواع السباع المفترسة، من اسد وذئاب وغيرها، الا أنها ورغم خطورتها كانت مصدر عيش لكثير من صيادي مناطق {دار داجو} التي تقع غربي وادي {بريمة فوري} وهو وادي يقع علي الشريط الحدودي بين دار قبيلة { البرقد} ودار قبيلة {الداجو} .
بيد ان هذه الغابة لم تطب فيها العيش عند فصل الصيف الجافة ، اذ أن الرعاة غالبا ما يرعون بالقرب منها في فصل الخريف فقط عند هطول الامطار ،دون ان يجرؤ أحد للتوغل داخل هذه الغابة ، والا صار وجبة غداء دسم لأشبال اللبوة المفترسة.
اخذ الرعاة يصولون حولها هذه المرة في فصل الصيف ، نسبة لتوفر الأعشاب للماشية وانعدامها في الاماكن الاخري ، الا انهم يقطعون مسافاة طويلة للوصول لأماكن ابآر المياه لسقي انعامهم ، حيث لا يوجد ماء بهذه الغابة في فصل الصيف ، او هكذا بدا لهم آنذاك .
ولعل من سخريات القدر ان جعل احد ارباب الماشية ويدعي {الحاج فضل } يفقد ثوره الوحيد الفحل وسط ابقاره ، مما جعله يبحث عنه في كل مكان الا انه لم يفلح في العثور عليه ، لم يجد اليأس لقلبه طريقآ ، لأنه لا بقاء {للمراح} دون فحل يباهي به أقرانه من ارباب الماشيه ، فاضطر احد رعاة ابقاره لدخول تلك الغابة التي لم يلجها احد قبله ،غير رجالات الصيد المدججون بأنواع لا بأس بها من سلاح الصيد آنذاك.
دخل الراعي الغابة خائفآ يترقب ، يلتفت يمنة ويسره ، يخطوا في حذر وخوف شديدين خشية سماع الاسود خشخشة اقدامه
ومن ثم الغدر به ، وبينما هو كذلك اذ صوت العصافير تخترق مسامعه لترشده الي مكان شيء ما ، فتسارعت خفقات قلبه ، وعلا جبينه حبات العرق، غير ان ذلك لم يثنه عن التقدم لمكان تجمع العصافير ، لعل هناك ما جعلت الطيور تتجمع ، واخذ يحدث نفسه: ياتري هل وجدت العصافير ثعبانآ ضخما أم فيلا ، ام وجدت الثور نفسه ، الي ان وصل للمكان ، فاذا به يجد نفسه امام حفرة {هلوف } {آكل النمل} ، وهو حيوان وحشى ضخم يحفر الأرض عشرات الامتار في وقت قصير ، وبالحفرة آثار اللين، وهو ما ينبئ بوجود ماء قريب من سطح الأرض ، والطيور بين داخلة وخارجة، عاد الراعي الي {الفريق} مسرعآ ليزف البشرى لأهل الفريق بوجود منهل بالقرب من مسعاهم مما يعني امكانية الحياة دون ترحال بسبب شح في المياه، فرح الحاج فضل بالخبر ونسى مسالة الثور اللعين، الا انه امر رعاته بأن يظل الخبر سرآ خوفآ من ازدهام بئرهم ببقية البادية ، مما يعكر صفو اهل الفريق .
بعد طول غياب عن الانظار جعلت البادية تتسائل عن مكان الحاج ومكان سقايته، حيث اعتادوا علي اللقيا مرات في
الاسبوع في آبار {بدنو} و{رهد عوم} و{مهاجرية} .
بحثوا بجد عن مكان الحاج فوجدوا مخبأه بمكان لا يتخيل احد وجود ماء هناك في فصل الصيف ، وانشر الخبر بان الحاج ورعاته{ لبدو }بتلك الغابة الخطرة ، وتهافتت بقية البادية للبئر الجديد بعد لن علمت بان القوم قد لبدو هناك، وهنا تبدأ التسمية ببئر لبدو ومن ثم بحلة لبدو وهي كلمة تعني الاختفاء والتستر ، لبدو : {بفتح اللام والباء} أي اختفوا واسستتروا .
لبدو القرية :
تحدثنا آنفآ عن اكتشاف منبع لبدو وسبب تسميته في سرد موجز ، في السطور التالية دعنا نفسح المجال لأجد مؤسسي المنطقة وهو عمنا / الشيخ محمد سعيد احمد ، امام مسجد لبدو العتيق من1961الي2004 حيث لم تخنه الذاكرة عن ادق التفاصيل منذ بداية تأسيس المنطقة فالى افاداته:
عندما اكتشف بئر لبدو وعلم الجميع به ،قرر نفر من الرعاة السكن جوار البئر بدلا من شد الرحال له كل يوم ، بجانب تمكنهم من امتهان مهنة الزراعة والسعية معآ .
فأول من سكن جوار البئر، الحاج فضل مكتشف البئر ، والد العمدة {عبد الله الحاج } الذي اغتيل في محرقة لبدو الشهيره
17/12م2004 له الرحمه والمغفرة.
ثم موسى برار ، وكان قد اسس حلة سميت ب{باجو ازرق } وتبعد قرابة كيلو ونصف شرق جنوب البئر {المدينة الاسلامية حاليآ} ثم تدفقت اليها الناس زرافات ووحدانا ، فحوت لبدو قبائل شتى ومنها برعت في حياكة اعلي واحلى واغلى نسيج اجتماعي يشهده التأريخ الانساني قاطبة، عاشت اهل لبدو دون حتى ان يعرف بضهم قبائل بعض ، {فاذا كان السودان مثلا لافريقيا مصغر، فان لبدو نموذجا واضحا لسودان مصغر .}
استقر الناس حول البئر واسسوا السوق فالمسجد الكبير، فالمدرسة ، فالشفخانة ……الخ
لبدو بعد اندلاع الحرب :
ظل القوم كذلك ، الي ان بزغت فجر الحركات الشبابية التحررية ، فكانت للبدو مهنتها ومحنتها فيها ، فقد اخذت الحرب خيرة شباب المنطقة ، ففي السابع عشرة من ديسمبر 2004اجتاحت الطائرات الحكومية منطقة لبدو ، لتدعها رمادا ، بعد النهب والقتل والتشريد ،بحجة ايوائها للمتمردين ، قتل اكثر من 783من سكان المنطقة بينهم اطفال ونساء ومسنين ، عاد بعض اهل المنطقة بعد كل هذا الخراب ، ليبدؤا حياتهم من صفر الا انهم لم يهنؤا بطيب العيش هناك ، اذ صارت المنطقة فتاة حسناء، فكل حين وآخر تتنقل في ايدي حكومة تختلف عن سابقتها ،
فتارة تجتاحها المؤتمر الوطني بجيشها وشبه جيبشها، لتخلف عددآ من القتلي والجرحى في صفوف المواطنين، وتارة تتوغلها قوات حركة العدل والمساوة ، لتتركها لحركة تحرير السودان ، لتستردها قوات اليوناميد
وهكذا ، والمواطن مغلوب علي امره ، لا حول له ولا قوة ، نزحت المنطقة اكثر من اربعة مرات ، وآخرها يوم 16ابريل من العام الجالي ، والآن يعيشون اوضاعا بالغة الصعوبة ، بمخيمات النزوح المختلفة ،آملين في ان تهدأ صوت السلاح ليعودوا الي منازلهم التي خرجوا منها قسرآ ، فلهم التحية اينما كانوا .
لانهم :
غامرني بالشوق والحنين…فرحان عشان انا منهم
لبدونا عامر بالجمال …..آه يا حنيني انا منهم
طيبه وشهامه وعنفوان …وكل المشاعر منهم .
انها للمحات موجزه عن انسان وتأريخ لبدو الاصيل
والي ان نلتقي في لقاء جديد .