فى ازمة المؤتمر الوطنى : المشير البشير وجها لوجه مع حزبه

بقلم : حسين اركو مناوى
 فى مجريات الاحداث المتدحرجة داخل المؤتمر الوطنى هنالك ثمة اشياء واشياء تتشكّل فى نظر المراقب وتأخذ اطوارا واطوارا تجاه تحوّل قد لا يختلف الناس كثيراً فى مآلاته اذا حدث فعلا, وهو لا شك تحول يلامس جوهر القضايا التى أختلف حولها أهل السودان طيلة العقود التى تلت الاستقلال ومن قبيل هذا التحول سيطيح بالمفاهيم والقوالب السائدة الان . سيأتى مثل هذا التحول نتيجة لتفاعل طويل ومعقد اتسم تارة بالعنف وتارة اخرى بحالة اللا سلم واللا حرب حول امور حيوية لم تُحسم حتى يومنا هذا لا عبر حوار ولا عبر الحرب, وهى امور فى الدرجة الاولى لها الصلة بالدولة وعناصرها الحيوية كالسلطة والثروة والامن, وتبعا لهذا الظرف الخانق ظلّ المؤتمر الوطنى على مدى ما يقرب ربع قرن وهى المدة التى تشبث فيها بالسلطة ، ظلّ هذه المدة فى مواجهة دائمة وشرسة مع كل القوى السياسية دون إستثناء . بيد أنّ الجديد فى هذاالصراع هو فى الاونة الاخيرة وخاصة بعد كارثة دارفور ومآلاتها من القرارات الدولية وإثر ذهاب جنوب السودان أخذت المواجهة بعداً جديداً ونوعياً من حيث المضامين, إذ اصبح المؤتمر الوطنى نفسه احد الروافد الاساسية التى تغذى المعارضة الداخلية للسلطة القائمة فى الخرطوم وإن كانت قواعد اللعبة هنا تختلف شكلا ونوعا عما  يحدث فى صراعه مع قوى المعارضة. الصراع الذى يحدث داخل مؤسسات المؤتمر الوطنى بدأ يتصاعد الى السطح رويداً رويدً كلما تقاطعت المصالح داخل منظومة الحزب وداخل مؤسسات الدولة جراء ضغوط دولية واقليمية ذات الصلة بالازمة فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان علاوة على ما تبقت من قضايا نيفاشا العالقة .
رغم أنّ الصراع الداخلى فى المؤتمر الوطنى ليس بجديد اىّ انه بدأ مبكراً عام 1999 عندما انشطر الحزب الى مؤتمرين (شعبى –ووطنى) إلأ أنّ الصراع الحالى يبدو مختلف الى حد ما عن سابقه حيث أن الصراع فى 1999 عند كثير من المحللين كان بين كتلتين الاولى اغلب عناصرها من ابناء غرب السودان بقيادة الدكتور الترابى والثانية ظاهريا بقيادة عمر البشير وفعليا بقيادة على عثمان محمد طه واغلب عناصرها من ابناءالنيل, وهو ما ذهب اليه الدكتور عبداللطيف سعيد فى مقاله فى جريدة الصحافة العدد 6665 بعنوان (الترابى والصادق اصطدما بصخرةالتضامن النيلى فتحطما) وهو مقال يعتبر شهادة ذات مغزى من كاتب ينتمى إثنياً الى الطبقة النيلية,ولقد لخص الكاتب فى هذا المقال جوهر الصراع القائم بين ابناء النيل وبقية الشعب السودانى منذ دولة سلطنة الزرقاء متجسداً فى حالة الدكتور الترابى والصادق المهدى. إذ قال ( حمل كل منهما جرثومة سقوطه دون ان يدرى, فأمدرمان والجزيرة ليستا المكانيين المناسبين فى السودان للبقاء فى قمة الهرم السياسى, فقمة الهرم السياسى موفّرة دائماً لاعضاء التضامن النيلى) المقصود من امدرمان والجزيرة هنا رمز للهامش كله.
إذاً الصراع الذى نشب  عام 1999 يُفهم فى سياق سياسة التضامن النيلى وتعاطيه مع قضايا السودان تجاه الهامش ولكن  ما يحدث الان جديد ويختلف عما سبق من لدن سلطنة الزرقاء الى احداث 1999 لأنّ عناصر الصراع فى هذة المرحلة من داخل المؤتمر الوطنى ومن خُلّص ابناء التضامن النيلى ومن داخل مؤسسة حزبية قابضة على مقاليد السلطة فى البلد وهو حدث جدير بالوقوف عليه والتأمل فيه.
أضافة الى ما ورد من خصوصيات هذا الصراع ايضا معظم عناصره ليسوا بعناصر هشة او مهمشة كما كان عام 1999 انما هم من عناصر ذات اقدام راسخة ومراكز قوة  داخل منظومة الحزب والدولة معا وإن كان مصدر القوة يختلف من طرف لاخر . فبعض الاطراف تحظى بقوة عسكرية والبعض الاخر لها قوة اقتصادية وهناك من يمتد نفوذه الى حدود ما بين المؤسسة الامنية والقصر الجمهورى وقواعد الحركة الاسلامية . ففى ظل هذا التوازن لا أحد يجرؤ على مغامرة شبيهة بمغامرة 1999 بل يحتاج كل طرف ان يحرك بيادقه بحذر شديد.  المتوقع حدوثه  قد يكون بعيدا عن كل التوقعات وتحليلات المراقبين وخصوصا اذا قدرنا طبيعة الميكانيزمات التى تضبط  أطر منظومة التضامن النيلى من شاكلة الصفقات والمساومات السياسية التى تساهم فى كبح جماح التطرف السياسى داخل منظومة الحزب ودولاب الدولة ويتضح هذا من التصريحات النارية الى تُطلق من حين لاخر من كبار المسؤلين فى الدولة او الحزب ومن ثم التراجع السريع دون اىّ مبرر يذكر.
ومع ذلك ، هنالك ثم  شئ من المقاربة بين ما حدث 1999 والوضع الماثل الآن داخل المؤتمر الوطنى, الواضح كلتا الحالتان تهدفان الى غاية واحدة الا وهى ازاحة الرئيس عمر البشير من قمة الهرم السياسى مع فارق كبير فى الاسباب, ففى عام 1999 كان التحرك لازاحة الرئيس كان فى الظاهر لادخال الديمقراطية فى مؤسسة الدولة بغض النظر عن الاسباب الخفية التى لا زالت مكان الخلاف بين اهل السودان, اما الوضع الان مختلف تماما إذ أنّ الرئيس نفسه اصبح عبئاً ثقيلا على مؤسسة الدولة والحزب على حد سواء بسبب أحداث دارفور التى ساقت الرئيس الى القضاء الدولى فسقطت بذلك هيبة الدولة وشرعية السلطة الى درجة ان الوفود الاجنبية الزائرة وخاصة الدبلوماسيين يجوبون شوارع الخرطوم ليلا ونهارا ويمتنعون عن مقابلة الرئيس او مصافحته . هيبة الدولة وشرعية السلطة بالنسبة للمؤتمر الوطنى دونهما خرط القتاد لانّ بهما يحي ويتنفس حزب المؤتمر الوطنى الذى نشأ اصلا فى رحم السلطة ولا يحتمل البقاء خارج السلطة ولو دقيقة واحدة تماماً كالسمكة التى تُقذف خارج الماء….وعليه رجال المؤتمر الوطنى هم امام خيارين لا ثالث لهما واحلاهما مر ، اما الرئيس (الفرد الفانى) او الحزب
( المؤسسة الباقية ) والبقاء لله. الصورة تبدو واضحة كلما اقتربنا من شواطئ المؤتمر الوطنى لنرى الى أىّ مدى يكابد الهيجان والاضطراب فى اعماقه.
قبيل الانتخابات العامة فى 2010 شهدت اوساط المؤتمر الوطنى حالة من التململ والعصيان من            شريحة واسعة من عضويته التى رغبت الترشح فى دوائر تراها اهلا لها ولكن هذه الرغبة قوبلت بالتعنت والرفض من قبل قيادة المؤتمر الوطنى مما خلق جوا من التوتر بين العضوية والقيادة وانتهى الامر بنزول عدد كبير من العضوية كمرشحين مستقلين فى دوائر انتخابية على مستويات مختلفة دون موافقة الجهاز التنظيمى للحزب الامر الذى فسره بعد الاعضاء فى الحزب بظاهرة غياب الحرية والديمقراطية داخل اجهزة الحزب ولكن بعض الاخر من العضوية فسر الظاهرة ببداية الانفلات داخل الحزب دون الخوض فى التفاصيل والاسباب ولكن بكل المقاييس كانت ظاهرة دخيلة بالنسبة للمؤتمر الوطنى الذى عرف بقوة التحكم فى هياكل الحزب وضبط عضويته ولكن فوجئ الحزب الذى (لا يقهر) بفيروس بدأ يضرب نسيج جسده وهذا الفيروس لم يأت من الفراغ, المؤتمر الوطنى بسياساته واعماله جلب الكثير من المتاعب لنفسه وهذا ما ذكرته فى البداية من ان تفاعلا حدث فى الساحة السياسية واتسم هذا التفاعل بالعنف تارة وباللا سلم واللا حرب تارة اخرى وكانت نتائج هذا العنف ادت الى اضعاف المؤتمر الوطنى الى درجة فقد قبضته الداخلية ناهيك الانفلات الذى ضرب باضنابه كل ارجاء البلاد. بالتزامن مع هذا الانفلات الظاهرى كان هناك فى الخفاء انفلات آخر ينمو ويتطور ولكن فى نطاق ضيق وهو ما يتعلق بوضعية الرئيس عمر البشير كرئيس مطالب امام القضاء الدولى بسبب جرائم الحرب التى ارتكبت فى دارفور وكان هذا الموضوع يتم تداوله فى نطاق اولئك الذين لهم الدراية ببواطن امور الدولة وعلاقاتها الخارجية. فعلا بدأت مكانة عمر البشير كالرئيس تتزحزح قبل اعلان نتيجة الانتخابات وبالتحديد إبّان التنافس الحاد الذى خيّم الاجواء السياسية على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية بين عمر البشير وياسر عرمان . النتيجة فى الجولة الاولى لم تُحسم لصالح أىّ من المرشحين بل قيل النسب كانت متقاربة جدا وكل المؤشرات تشير الى امكانية فوز ياسر عرمان على عمر البشير فى الجولة الثانية وخاصة اذا وضعنا فى الحسبان قوة الدفع التى يتحرك بها ياسر عرمان عبر الناخب الجنوبى, ويقال فى هذه اللحظة بدأ التدخل السريع من عدة اطراف اقليمية ودولية لانقاذ الموقف باقناع ياسر عرمان بالانسحاب من الماراثون لا لصالح عمر البشير ولكن لصالح اتفاقية السلام الشامل التى من المقرر ان ترسو الى نهاياتها بحلول عام 2011 ونجاح هذه الاتفاقية يتوقف اساسا على استقرار الاوضاع السياسية فى الشمال وبالتحديد وجود المؤتمر الوطنى فى سدة الحكم مع احتفاظ عمر البشير على الاقل لفترة ما بمنصب رئيس الجمهورية فلذا يقال ان اتفاقية السلام الشامل هى التى انقذت عمر البشير وليس العكس كما يدّعى عمر البشير.  مهما يكن لحظة ابعاد الرئيس عمر البشير عن قمة الهرم السياسى سواء كان بالامس او اليوم يعتبر حدث فى طياته معانى ودلالات كثيرة ليس للشعب السودانى وللمؤتمر الوطنى وحدهما بل المجتمع الانسانى بأثره ومهما ظن البعض بذهاب هذا الرجل ستكون هناك متاعب جمة فى الساحة السياسية فإن الاوضاع فى البلاد لا يمكن ان تبقى رهينة الى الابد بمصير شخص تهلوسه لعنة شعبه وتطارده العدالة الدولية.
الاجواء التى صاحبت الانتخابات وما سبقت من الترتيبات ونتائجها ارسلت اشارات قوية لقيادات المؤتمر الوطنى بافول نجم الرئيس عمر البشير وعدم امكانية خوضه للانتخابات فى الدورة القادمة عام 2015 وكانت تصريحات بعض رموز المؤتمر لوطنى بأنّ الرئيس لا ينوى الترشح للمرة اخرى خير دليل على ما ذهبنا اليه واكده  الرئيس بنفسه فى صحيفة الراية القطرية وهو القول الذى عزّزه ايضاً مدير جهاز المخابرات السابق قطبى المهدى فى جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 5 سبتمبر 2012 , كل هذه التصريحات تجعلنا نقرأ ما بين السطور وضعية الرئيس فى الوقت الراهن وكأنّ ستاراً قد أُسدل عليها بشكل او باخر من عناصر نافذة داخل المؤتمر الوطنى حتى لو لم يتخذ اىّ قرارمن اجهزة الحزب بخصوص الموضوع.
كثير ما يتحدث الناس عن الصراع دخل المؤتمر الوطنى ولكن حديثا من هذا النوع يفتقر فى احايين كثيرة الى الادلة والشواهد التى يمكن ان تقدم للقارئ كبرهان للواقع المتأزم داخل المؤتمر الوطنى, إلأ أن فى الآونة الاخيرة صدر كتاب بعنوان (ازمة القيادة) لكاتبه عبدالغنى احمد ادريس الذى يقال انه صهر دكتور غازى صلاح الدين العتبانى . هذا الكتاب قبل ان يخرج الينا كتابا بهذا العنوان كان مجرد وثيقة بدون عنوان يتم تداولها فى نطاق ضيق تحت عبارة ( هذه الوثيقة تخضع لترقيم تأمينى) ولكنها فى فترة وجيزة مع تسارع الاحداث داخل المؤتمر الوطنى تحولت الى كتاب يضع كثير من النقاط فوق الحروف فى شأن المؤتمر الوطنى ونظام حكمه, الكتاب اشار الى كثير من العلل والخلل اللذان يعانى منهما المؤتمر الوطنى, والكتاب فى الواقع ليس ببعيد من افكار الدكتور غازى صلاح الدين مما حدا ببعض المحللين بان الكتاب اما تم بجهد الدكتور نفسه او بعون منه للكاتب.
على الصعيد العسكرى حقيقة الصراع  داخل المؤتمر الوطنى لم تكن متاحة لعامة الناس لما للمؤسسة العسكرية من قيود وضوابط صارمة الا ان ما ورد فى هذا الكتاب هو اكبر شاهد حتى الان فى مدى تدهور اوضاع المؤتمر الوطنى داخل المؤسسة العسكرية, فقد ذكر الكاتب حالة الانقسام داخل المؤسسة العسكرية الى فئتين والصراع بين الفئتين ظلّ قائما لفترة الى ان انتهى تدريجيا لصالح الفئة الثانية بقيادة عبدالرحيم محمد حسين وبكرى حسن صالح وهذا الصراع أدى الى انفجار الوضع داخليا مساء الاثنين 28 مارس 2011 حينما قام ضباط سلاح المدرعات بالخرطوم منطقة الشجرة العسكرية بقيادة اللواء صديق فضل باغلاق بوابات السلاح ووضع كل القطع المدرعة فى وضع الاستعداد للتحرك القتالى وقد شمل هذا الاستعداد كل المواقع الرئيسية للمدرعات حول العاصمة فى القيادة العامة وجبل الاولياء وسوبا وشمبات وشرق النيل ووادى سيدنا والقاعدة الطبية امدرمان . على حسب زعم الكاتب هذا الوضع استمر منذ الساعة السابعة والنصف مساءاً حتى الساعة السابعة والنصف صباح اليوم التالى وبسبب هذا الموقف تم الغاء زيارة رئيس الجمهورية الى الدوحة عاصمة قطر , ويبدو كان التحرك الاقوى فى نوعه بيد انّ الميكانيزميات التى ذكرتها داخل منظومة التضامن النيلى ادت مفعولها فى تخفيف التوتر والحؤول دون المواجهة العسكرية عبر شكل من اشكال الصفقات والمساومات.
اما على الصعيد السياسى الصراع داخل المؤتمر الوطنى فى فترة ما بين نهاية عام 2011 حتى تاريخ اليوم لم يكن خفيا على الشعب فى بلد التداخل بين ما هو سياسى واجتماعى وشأن مهنى ظاهرة يومية فمجالس السودان لا تخلو من ( ونسات) فى الامور السياسية فى اىّ جلسة اجماعية اسرية فمثلا تسمع فى ( ونسة) الليل عن خلاف بين الرئيس ونائبه وغدا تقرأ فى الصحف شيئا يعطيك احساسا من قبيل ما سمعته ولكن بتلطيف شديد بسبب الرقابة الصارمة على الصحف. هذا الوضع كان سائدا فى اعلامنا ومجالسنا حتى ظهور مذكرة الالف أخ ولكن بعدها بدأت تطفح على السطح كثير من هذه الخلافات,لان المذكرة خلقت ضغطا كبيرا جداً على القيادة واستطاعت ان تستنطق كثير من رموز الحزب عبر تصريحات تعضد حقيقة الخلافات الداخلية وفى صحف يملكها الحزب او اشخاص نافذين فى الحزب والدولة وجاء فى كتاب( ازمة القيادة) ان المذكرة ليست بسرية فقد التقى الشباب بنائبى الرئيس على عثمان ونافع على نافع واطلعا على حقيقة الوضع وحجم التحرك وفور هذا اللقاء توالت تصريحات من قيادات عليا فى الحزب معظمها تدعم فى اتجاه الذى ذهب اليه الشباب ففى 14 يناير 2012 فى صحيفة الانتباهة قال والى شمال كردفان معتصم زاكى الدين بأنه مع المذكرة بدون تحفظ  وفى نفس العدد نادت د. سعاد الفاتح باستجابة مطالب الشباب وساندها صلاح غوش مدير جهاز الامن السابق وكذلك وقف د. قطبى مهدى مع المذكرة وفى ندوة جامعة الخرطوم اكد كل من غازى صلاح الدين وامين حسن عمر مساندتهم للمذكرة, مما يؤكد ان تحريك الامور تجاه تغير القيادة او اصلاحها قطع شوطا مقدرا ولكن كما يقال تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فيبدو سفن المؤتمر الوطنى تواجهة صعوبات جمة فكانت ردة فعل رئيس الجمهورية عكس ما ذهب اليه معظم قيادات الحزب اذ فاجأ الناس بهجوم مضاد حيث قال ان المذكرة خارج المؤسسية وهؤلاء الشباب مقارنة بعضوية الحزب التى تقارب خمسة ملايين لا تسوى شيئ.  فى ظل هذا الصراع هناك ايضا سباق محموم قبل انعقاد مؤتمر الحركة الاسلامية فى نوفمبر القادم من اجل السيطرة على مراكز القوة فى الحزب وربما بدأ الاصطفاف فعلا بين قطبين فى الحزب كل يحاول ان يمتلك ادوات قوية لمصارعة خصمه فى المواجهة المحتملة, والمؤكد ان الرئيس لن يتردد فى استخدام ما هو تحت تصرفه من مقدرات الدولة والنفوذ لقطع الطريق امام الطرف الاخر فى استخدام شريحة الشباب ضده فهناك جهات اعلامية كشفت النقاب عن ان الرئيس كون لجنة شبابية للتحضير للمؤتمر القادم وإن صّح الخبر فأنها بداية (تنفيس) التحرك وتوجيه المسار ضد الطرف الاخر.
فى هذا الجو الملبّد بالغيوم, الجو الذى يُقرأ من خلاله نذر الشؤم وعدم الطمأنينة والاستقرار, فى هذا الجو بدأ كل طرف داخل (رقعة شطرنج المؤتمر الوطنى) يأخذ موقعه دفاعا او هجوما بتحريك بيادقه ليرى ما اذا كان من الممكن الصعود الى قمة الهرم السياسى فى الخرطوم او الدفاع عنه, ولكن مثلما ذكرنا من قبل هذه المرة المعادلة تحتاج الى الدقة فى كل خطوة وتحتاج الى عدد من مناورات وتكتيكات قد تفوق عدد ذرات الرمل فى فناء القصر الجمهورى قبل ان يصل كل طرف الى هدفه, وفى هذه المعمعة تبرز شخوص ودوائر قوة كل من حقه ان يدّعى إنّه ابن الجلا وطلّاع الثنايا ومع احاطة كل طرف العلم بجملة استحقاقات مرحلة ما قبل عام 2015 العام الذى من المفترض ان يكون السودان خاليا من اىّ شوائب عالقة لا على الصعيد الداخلى ولا على الدولى, وتاتى فى مقدمة هذه الشوائب وضعية عمر البشير ليس بسبب انه شخص أدمن كرسى الرئاسة غصبا عن ارادة شعبه ولكنه اصبح عبئاً ثقيلا على كل فرد فى السودان وعبئاً لا يطاق على حزبه والانسانية بأسره لما اقترفه من الجرائم فى حق وطنه وشعبه, الرجل بسببه اندلعت الحرائق فى كل ركن من اركان السودان ولم تسعفه حكمته فى اطفاء هذه الحرائق بل طفق يضيف كل يوم حرائق جديدة.  مثلما يراقب كل السودان عقارب الساعة مشدوهاً فى انتظار لحظة مغادرة البشير للقصر ايضا يرى حزبه التخلص منه أولى أولويات المرحلة لحسابات يعلمونها جيداً قبل غيرهم وكما يعلمون هذه الغاية لا تدرك بالتمنى لان الرجل ليس وحده فى دائرة سلطته بل هناك من لهم المصلحة فى بقاءه فى قمة الهرم السياسى وخاصة المتورطون معه فى الجرائم من السياسيين وذوى القربى من العشيرة والقبيلة وعدد لابأس من جنرالات المؤسسة العسكرية الذين ارتبط وجودهم فى المؤسسة بوجود الرجل فى قمة السلطة فبهؤلاء بدأ الرجل يبنى من حوله سياجا متيناً قوامه المال وآلة الاعلام وادوات القتال فلذا نلاحظ دائما معسكر الرئيس عمر البشير يبتدر فى اختبار قدرات الطرف الذى يشكّل الخطورة فى تقديراتهم وخاصة معسكر النائب الاول على عثمان محمد طه حيث وجهت اليه سهام قوية عبر الصحف التى يمتلكها معسكر الرئيس فى مواقف متعددة عن اتفاقية السلام الشامل والتعامل مع الاطراف الدولية بحكم أنّ النائب الاول هو المسئول المباشر فى تنفيذ الاتفاقية بل وصل النقد احيانا الى درجة اتهامه بالخيانة والغريب الرودود من طرف النائب الاول حيال هذا الاستهداف لم تتخطى الخطوط الحمراء وإن كانت هناك حدّة فى بعض المرات كما حدث بين الطيب مصطفى خال الرئيس ومجموعة وفد التفاوض برئاسة ادريس عبدالقادر والوفد اصلا مصنف من ضمن مجموعة  النائب الاول , ويبدو هناك من يحرك مثل هذه الافتعالات اما لجس النبط او للردع.
أيّاً كان الغرض يظل الخلاف القائم بين المعسكرين هو الشريان الذى يغذى الاستقطاب داخل المؤتمر الوطنى وجناح الحركة لاسلامية التابع له ويعتبر النائب الاول على عثمان هو القطب المحتمل فى مواجهة معسكر الرئيس لان الرجل رغم الغموض الذى يكتنف حوله هو الشخص الاجدر على امساك عدد من الخيوط فى آن واحد لادارة الازمات وتحريكها لكسب اىّ جولة علاوة على انه الشخص الوحيد فى الحركة الاسلامية لم يفارق قط مؤسسات الدولة منذ تخرجه فى جامعة الخرطوم , فبعد ان انهى الخدمة بالسلك القضائى ما بين عام1973-1976 انتقل فورا الى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية بمناصب دستورية إذ ظل متنقلا منذ 1977 حتى تاريخ اليوم ما بين البرلمان ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية ,ولم يغادر رئاسة الجمهورية منذ 1998 حتى لحظة كتابة هذا المقال الى حد الذى يسميه البعض بربيب شارعى الجامعة والقصر كناية على عمق علاقته بالسياسة السودانية ويظن بعض الاسلاميين انه صاحب الفضل فى تمكين الترابى فى الفترة ما بين 1977 -1999 أى حتى التاريخ الذى انشطر فيه الحركة الاسلامية بدور فاعل من على عثمان محمد طه, ولكن السؤال أىّ دور سيلعب الرجل  فى الازمة المتفشية داخل حزبه اليوم ؟
 
حسين اركو مناوى
سبتمبر2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *