فضيحة الضمير الانسانى: التجويع الجماعى لاهالى جبال النوبة والنيل الازرق
” نحن نسمع قصص صادمة عن اناس يعتمدون فى العيش على جذور الاشجار واوراقها. نحن فى عام 2013 , وحين يكون هناك مئات الالاف من الناس يعيشون فى هذه الظروف البائسة والتى تحض من الكرامة, وان لا نتمكن من الوصول اليهم لمساعدتهم كمنظمات انسانية هو امر غير مقبول” السيد جون قينق, مدير العمليات فى مكتب تنسيق الامم المتحدة فى السودان, فى تصريح بعد اجتماعه مع مجلس الامن حول الوضع الانسانى فى النيل الازرق وجنوب كردفان فى 8 يناير 2013.
ان كلمات السيد جون قينق الى مجلس الامن يبدو انها لم تلقى صداها العام الماضى مما اضطره الى تكرار ندائه للمجلس ليتحرك لفتح المسارات الانسانية وتفعيل القرار 2046 حول التفاوض السلمى
وتقديم المساعدات للعالقين فى مناطق الحرب قى جبال النوبة والنيل الازرق. الا ان مساعى السيد قينق وغيره من مؤسسات الامم المتحدة والمنظمات الانسانية الاخرى ترتطم بحائط التعنت المفرط لنظام الخرطوم والذى بسببه تم الغاء تطعيم مئات الالاف من الاطفال فى المنطقتين فى نوفمبر الماضى , مما يعرض هؤلاء الاطفال لشتى انواع امراض الطفولة المهلكة والمعيقة للنمو, مما يعنى تهديد حياة عشرات الالاف من الاطفال فى المنطقتين ودون ابداء اسباب حقيقية واضحة لتوقف الترتيبات لتنفيذ الحملة من قبل سلطات الخرطوم.
وعلى ذات النسق من التجاهل للحاجات الانسانية فى المنطقتين, قامت السلطات السودانية فى الايام الماضية بايقاف نشاط الصليب الاحمر والذى يقوم بتقديم مساعدات كبيرة فى دارفور وفى مناطق من جبال النوبة فى داخل مناطق سيطرة الحكومة وخاصة الخدمات الطبية. وكان السبب هو ما تحاول الحكومة فرضه على جميع المنظمات الانسانية الدولية, الا وهو اخضاعها لعمليات سيطرة وتحكم كامل من قبل الحكومة ومنظماتها الطوعية الوهمية, بحيث تسيطر تماما على المعونات الانسانية وتوزعها فى المناطق التى تريد وتمنعها عن من تريد. وهذا بالفعل ما تقوم به مفوضية العون الانسانى التى وصل الامر بها الى حد انكار وجود النازحين كما هو الوضع فى مناطق العباسية والتى بها اكثر من 20- 27 الف نازح فى حين تنكر تقارير المفوضية وجودهم ولا توصل اليهم اى مساعدات من اى نوع , وغيرهم من النازحين الداخليين فى مناطق جبال النوبة المختلفة والتى تقع فى داخل سيطرة الحكومة.
اما الوضع فى مناطق سيطرة الحركة الشعبية فهو كارثى, حيث ان معظم سكان السكان نزحوا من قراهم التى قصفتها طائرات النظام للاحتماء فى مناطق سيطرة الحركة الشعبية, فتقدر اعداد النازحين داخليا فى جبال النوبة باكثر من نصف مليون انسان,معظمهم من النساء والاطفال, الذين فقدوا كل شىء فى قراهم ومزارعهم المحترقة على ايدى مليشيات النظام.
وفى خلال الاشهر الثلاثة الماضية شنت قوات النظام حملة عسكرية شرسة على جبال النوبة والنيل الازرق, حيث استخدمت الجنجويد والمرتزقة الاجانب فى محاولة يائسة لتحقيق انتصارات عسكرية , كان وعد بها البشير ومجرمو الحرب من حوله احمد هارون ووزير الدفاع ابراهيم محمد حسين. ولكن الحملة باءت بالفشل على المستوى العسكرى, لكنها شكلت وضعا انسانيا ماسوايا حيث اضطر الالاف الى هجران منازلهم بسبب هجمات الجنجويد التى طالت مناطق عدة مثل كيقا الخيل وجغيبة ودميك وغيرها, حيث احرق الجنجويد الاخضر واليابس واعتدوا على النساء واحرقوا الاسواق مما جعل اهالى المناطق المجاورة يفرون منها حماية للنساء وما تبقى من متلكات. وبالنتيجة كانت موجة نزوح ضخمة الى كادقلى والعباسية ورشاد, حيث تعانى والاطفال من اوضاع سيئة لا يمكن وصفها, ولم تصلهم اى مساعدات انسانية الى الان.
ومع القصف المستمر فى جبال النوبة والنيل الازرق وسياسة الارض الحروقة التى استخدمت فى دارفور لاجبار الاهالى لترك قراهم, فان مئات الالاف من اهل جبال النوبة هم الان فى وضع انسانى ينذر بالتحول الى مجاعة فى غضون اشهر قليلة اذا لم يتم اى تدخل سريع من قبل المنظمات الاغاثية الدولية. فالقصف يمنع السكان من الزراعة حتى الزراعة الصغيرة المنزلية, كما ان المواشى نفقت باعداد كبيرة, اما نتيجة للقصف او المواد الكمييائية التى لوثت بها المياه فى جبال النوبة خاصة , ناهيك عن السلب المتكرر لمواشى المواطنين من قبل الجنجويد ومليشيات النظام. ونتيجة لهذه الاوضاع الكارثية فان الناس يسدون رمقهم على جذور الاشجار وارواقها وبعض النباتات البرية, وهو الامر الذى يحض من كرامة الانسان فى عصر تعاهد فى العالم على حماية حقوق الانسان , واهمها حقه فى الحياة والتى تمثل الحق فى الماكل والمشرب مقوماتها الاساسية. ناهيك عن الحق فى الامن او التعليم او سواه.
وها نحن الان ندخل العام 2014, فى تستمر فضيحة الضمير الانسانى فى غضه البصر عن معاناة اهل جبال النوبة والنيل الازرق, بل تتفاقم الكارثة بالتحرك البطىء والبارد نحو ايجاد اى حلول سريعة او ناجعة. فتصبح الاوضاع الانسانية فى جبال النوبة تلك الوصمة المسكوت عنها فى جبين المجتمع الدولى والانسانى, حيث لم يتم الى الان ادانة حكومة الخرطوم على جرائمها فى المنطقتين, ولم يتمكن مجلس الامن اصدار اى قرارات رادعة فى حق الخرطوم لتطبق قرارات مجلس الامن وتسمح بدخول المساعدات, الامر الذى يسجله التاريخ فى خانة الفشل الذريع لمجلس الامن والمجتمع الدولى الى جانب تجاهله لنداءات الامم المتحدة والمنظات الحقوقية بفتح تحقيق فى ما يجرى فى المنطقتين من انتهاكات وتمكين البعثات الاممية من الدخول لاداء دورها فى الاغاثة والتوثيق لما يجرى فى المنطقتين.
وبهذا يكون نظام الخرطوم قد نجح الى الان فى حجب الحقائق حول جرائمه فى المنطقتين عبر منع دخول المساعدات الانسانية, وبصمت مجلس والمجتمع و فان النظام يحمل الضوء الاخضر لمواصلة جرائمه بلا خوف من المسائلة بل وتعزيز تلك الجرائم عبر المجاعة المصطنعة التى يفرضها النظام عبر منع المساعدات, وهو ما يعد جريمة اخرى, ولكن هذه الجريمة ليس الجانى فيها النظام وحده بل العالم اجمع وموسساته الدولية التى سمحت لنظام الخرطوم بقتل الناس جوعا, عبر منع دخول المساعدات اليهمو وهذه هى المسؤولية التى يجب على المجتمع الدولى ادراكها عاجلا و العمل فورا عل فك الحصار على المدنيين فى جبال النوبة وادخال المساعدات لهم باى وسيلة كانت, حتى لا يتحول الوضع الى ابادة جماعية عبر التجويع الجماعى لاهالى جبال النوبة والنيل الازرق.
[email protected]