الحِساب يوم القِيَامة ..
ضمن أعماله الكثيرة كتب الكوميدي المسرحي الفرنسي جون باتيست بوكلان الملقب بـ (موليير) مسرحية بعنوان (تارتوف) وكان ذلك منتصف القرن السابع عشر (1664) وتدور وقائعها حول سلوكيات رجل دين فاسد اسمه تارتوف. كان يتمسك بالدين متظاهراً، ويتزلف بالتقوى تمظهراً، في الوقت الذي يجتهد فيه في تزيين الباطل والانصياع وراء رغباته الوضيعة من وراء حجاب. لهذا لم يكن غريباً أن تثور ثائرة الكنيسة الكاثوليكية ضد موليير ومسرحيته، إلى أن نجحت في حجبها عن العرض لبضع سنوات، وإن لم تطل. وبرغم تعسف الكنيسة فإن مسرحية تارتوف كما سائر مسرحيات موليير أصبحت محط أنظار الشعوب الأوروبية، وبنفس القدر أضحت مصدر إلهام لكثير من كتاب المسرح الكلاسيكي. ولأجل هذا فرض عنوان المسرحية نفسه على الواقع الأوروبي، إذ أصبحت كلمة تارتوفTartuffe في اللغة الانجليزية كما في اللغة الفرنسية، كما في بعض اللغات اللاتينية، تعني رجل الدين المُنافق أو المُرائي أو مُدعي الورع. وكذلك اشتقت منها كلمة تارترس Tartarus والتي تعني الجحيم في الميثولوجيا الكلاسيكية القديمة. ولم يكن العالم العربي استثناءً، فقد قام عثمان بك جلال (1873) بتعريبها وتمصيرها وسمَّاها (الشيخ متلوف) وفي العصر الحديث ونسبة للتأثير الثقافي بين دول المغرب العربي وفرنسا، فقد تناولها أكثر من مؤلف مسرحي وبالأخص المغاربة، منهم عبد الصمد الكنفاري باسم (سي التافي) وكذلك الطيب العلج الذي اقتبس منها اسم مسرحيته (ولي الله) وربَّ سائلٍ عن السودان وأهله. فمن عجب إنه حينما كثر فيه (التارتوفات) في العقود الأخيرة، قلَّ فيه رفاق موليير القادرين على التمام ومسرحة الواقع!
إذا كنت مثلي – يا عزيزي القاريء – لابد وأنك ممن يتساءلون.. عن كيف أن الدِين الذي نعرفه بكل مُثله وقِيمه وتعاليمه السمحة، أصبح مطية لأناس يعبثون به كيفما شاءوا. وإن كنت مثلي – يا قارئيء الكريم – فلا أخالك إلا والحيرة قد ضربت أقطار نفسك، وأنت ترى الدِين الذي تعلمه بكل نقائه وصفائه ونبل مقاصده، وقد أضحى سلعةً عند تجار دنيا لا يخشون بوارها. وإذا كنت مثلي – يا قارئي الصبور – ممن احاطت بك الدهشة من كل جانب، وأنت تسمع المؤتفكة يصمون الغرب بالكذب والفجور والفسوق وينسون أنفسهم. وإذا عزَّ عليك التمييز بين المتدين لوجه الله والمتدين لوجه البشر، وإذا صعب عليك أن تعرف معنى الفساد في ظل دولة الاستبداد والنظام الشمولي، فتأمل حولك لترى كم تارتوف يعج بهم واقع مأفون، وهم يمشون بين الناس في خيلاء، كأنهم يريدون أن يخرقوا الأرض ويبلغوا الجبال طولاً!
هذه وثيقة تروي محنة من مِحن العصبة ذوي البأس، والتي ما فتئت تسلسل لنا أحاجيها على مدى عقدين من الزمن بلا رحمة أو هوادة. هي قصة تحتاج لموليير، ولأننا لا ندَّعي ملكاته الابداعية، ما أيسر أن نضعها بحذفارها بين يدي القراء، وما اصعب أن تحملها وهناً على وهناً فوق ظهور أضناها المسير، وما أتعس أن تتواري الحقيقة في زمن تحجبت فيه الألسن وتنقبت فيه العقول!
تحت الرقم/ش س أع/ قض/صادر
الأخ أمين ديوان الزكاة الاتحادي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: دعم قناة الضحى
تهديكم قناة الضحى الفضائية اطيب تحياتها، وتشكر لكم كريم تعاونكم معها. وهي قناة تهتم بنهضة الامة ورعاية قضاياها وآمال المستضعفين في الأرض، ونشأت القناة من تكاتف الخيرين من امثالكم، وتشهد بداية انطلاقتها في مارس 2007 باذن الله. وردت إلينا مساهمات مقدرة من بعض الخيرين سيكون لها سهم وافر في تأسيس القناة، لكن مايزال ينقصنا بعضاً من مال التسيير الأول. نرجو من مؤسستكم العامرة وبما عرف عنها من خير فاض على الآخرين أن تكون من المساهمين في بروز هذا الصوت الصادع بالحق إلى الوجود علما بان ميزانية القناة تبلغ حوالي 21838000 دولار امريكي. ونرفع أكفنا لله ضارعين أن يبارك في جهودكم.
محمد حاتم سليمان/ رئيس مجلس الإدارة
ردَّ عليها بخط يده الأمين العام لديوان الزكاة والموجهة له هذه الرسالة بالتالي نصه:
الأخ إبراهيم حسن إبراهيم
نؤكد على دعم الديوان لهذه القناة الدعوية وإنها ستكون اضافة عالمية للعمل الاسلامي وعليه سيكون الدعم مستمراً لها حتى ترى النور وعليه تصدق لها الان بمبلغ 50 ألف دولار خمسون ألف دولار ستكون من بند (في سبيل الله) للعام 2007 وكذلك هناك تعليق جانبي للمذكور: الأخ أبوعلي عبيد يُكتب لهم شيك من الرصيد بالعملة الحرة.
التاريخ 2007/1/21 إنتهى
وللذين لا يعلمون أن السيد محمد حاتم سليمان المذكور أعلاه، هو رئيس مجلس إدارة التلفزيون الذي تضفي عليه صفة القومية زوراً وبهتاناً. أما الأمين العام لديوان الزكاة فهو البروفسير عبد القادر الفادني. وبالطبع فإن القناة المشار إليها لم تر النور حتى تاريخه، وذلك أمر لا يعيننا في كبير شيء، بقدر ما الذي يهمنا ويعنينا هو كيف جعل ديوان الزكاة من هذه القناة المصرف التاسع (أبناء السبيل) اضافة إلى مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في القرآن بنص صريح؟ لن نحتار كثيراً فقد جاءت الاجابة على لسان البروفسير الفادني الأمين العام وصاحب التوجيه والتوقيع أعلاه. وقد شاء أن يفك طلاسم فعله فزاد قارئه رهقاً على رهق. وجاء ذلك في حوار أجرته معه صحيفة الحرة (10/2/2010) ونقتطف منه الجزء الذي يخص الموضوع:
س – سبق أن دفع ديوان الزكاة مبلغاً من المال لقناة الضحى الفضائية.. فعلى أي فقه أو مصرف من مصارف الزكاة استند في ذلك؟.. والمسألة أصبحت بعد النشر رأياً عاماً؟
ج – أنا تحدثت عن ذلك قبلاً ولكنني أقول مجدداً، أنا دعيت لاجتماع مع عدد من الخيرين، وذكروا لي أنهم بصدد إنشاء قناة دعوية، وأولئك الناس ممن يشهد لهم بالثقة تماماً، وتبرعوا لهذا العمل وطلبوا منَّا أن نتبرع لها، وقلت لهم إنني سأدفع ولكني اشترطت عليهم عندما تبدأ القناة البث أن تقدم نشاط الزكاة وكل ما يتعلق بها في السودان، وكأن الديوان شريكا فيها. وكانت أمامهم قضية استقدام بعض الأجهزة ولقد قدمت لهم مبلغ ٥٠ ألف دولار.
س – هل عُدت للجنة الفتوى قبل أن يدفع الديوان هذا المبلغ؟
ج – هذا بند دعوة وصُرف على منبر دعوي، ولقد أعطيت قبل ذلك اذاعة ساهرون وهي لا تحتاج الرجوع إلى لجنة فتوى، والمبلغ قدم في مجلس الأمناء ولم يقل أحد للأمين لم فعلت ذلك.
س – بروف ولكن مرّ زمن طويل ولم تقم القناة؟
ج – هذه ليست مسؤوليتي ولقد كتبت إلى القائمين على أمرها وقلت لهم:(عرِّفوا بأنفسكم أذكروا للناس لماذا لم تقم القناة حتى الآن) وذلك على خلفية ما نشر.
س – بروف هل استرددت ما دفعت للديوان؟
ج – لم أسترده ولكني سألت عنه. وأنا عندما دفعت هذا المبلغ استندت على علمي وفقهي وثقتي في هؤلاء الأخوان، واشتراطي المسبق بمشاركة الديوان في القناة عندما تبدأ بثها، وذلك بنشر أعمال الزكاة في السودان وكتبت أكثر من مرة أسأل عن سير العمل فيها خاصة بعد نشر (الحرة) المتكرر لهذه المسألة، ولقد ذكروا أنهم بصدد العمل، وأنهم في شأن إكمال التحويل مع إحدى شركات الإتصال في البلاد، وأظنهم كتبوا لكم أو لغيركم في ذلك بعد أن قلتم إنها قناة وهمية.. وأقول لكم الآن ربنا يسألني عن هذا المبلغ إن لم تقم تلك القناة ويسألهم عنه كذلك يوم القيامة.
س – قبل سؤال الله ويوم القيامة سيادة البروف ألا يتعين عليك استرداد هذا المبلغ إن لم تقم قناة الضحى؟.
ج – أنا سألتهم ولم يقولوا إنهم توقفوا عن العمل أو حتى عجزوا عنه حتى نطالب باسترداد المبلغ، وأنا زرت مبناهم لأتأكد من العمل ووجدت المبنى قائماً وأنتم في (الحرة) لماذا لم تتقصوا عن هذا العمل بأنفسكم وتروا أجهزتهم؟.. أليس هذا واجبكم كصحفيين؟.. ثم إن الديوان صرف على الفقراء والمساكين مؤخراً نحو أكثر من أربعمائة مليون جنيه (بالقديم) ولم تذكروها في (الحرة).. فهل تبرعنا لقناة دعوية هي القشّة التي قصمت ظهر الزكاة؟.. لماذا لا تقدموا الصورة كاملة للناس!
بالرغم من أن هذا حديث يشرح نفسه بنفسه، إلا أن ما يلفت الانتباه أن هناك تبرعات أخري لوسائل إعلاميه سمى منها (إذاعة ساهرون) ثمَّ انظر لتلك الشروط البائسة المتمثلة في الدعاية للزكاة،. وتأمل لغة طالب العون والمساعدة، السيد محمد حاتم الذي شاء ان يضع القناة (القومية) على يمينه والضحى على يساره، تمعن تلاعبه بعواطف المسلمين في قوله إن القناة ستحمل آمال وآلام الضعفاء. ثمَّ يكتشف المخدوعون إنها نكصت على عقبيها، وعوضاً عن أن تصدع بقول الحق كما إدعى، إذا بها تتصدع عن الحراك، وقبل ذلك تكشف عن مواهب هائلة في كيفية تديين الاعلام الرسالي! والأمر فيما يبدو لا يتوقف عند شطآن الضحى وشمسها الغاربة، ولا عند ساهرون والليل الذي لم يعقبه صباح. فقد سألت الصحيفة السيد الفادني أيضاً عن مجموعة سيدات لهن منظمة باسم (المتحابات في الله) فكانت إجابته على النحو التالي (هي منظمة خاصة تديرها الأخت سعاد الفاتح، وهن نساء في منطقة أمدرمان، وهو عمل إن قلت لك إن غير سعاد يمكن أن تقوم به أكون كذبت عليكم.. وهي تدير هذا العمل قبل أن ندعمها من قبل الزكاة بنحو خمس سنوات. ولقد عملت مؤخراً دراسة ذكرت فيها إنها بصدد تدريب اولئك النسوة على صناعة الكيك والخبائز والحياكة والخياطة، ولديها مجموعة قادمة من سنار ستدربهن كقابلات، وكل ذلك مكتوب وموثّق. وكتبت إلينا خطاباً بأكثر من خمسمائة مليون جنيه، وقلنا لها إننا سندعمها بمئتين وخمسين مليون جنيه، وكتبنا لها خطاباً حددنا لها فيه صرف المبلغ في تدريب اولئك النسوة وتمليكهن أدوات العمل. ومؤخراً شهدنا عمل سعاد وحضرنا تخريجها للنسوة المتدريات وتمليكهن وسائل العمل.. وأكتبوا على لساني (يا رب يأتي علينا يوم في السودان نقدم فيه أموال الزكاة حلويات وبسكويت) ولكن هل يا ترى ذلك سيأتي في ظل العصبة ذوي البأس؟!
غير أن الذي راعني وأرعبني في القصة أعلاه، أن البروفسير الفادني، أضاف في حديثه قسماً لم يرد في كتاب الله، وإن ورد على لسان بعض عوام أهل السودان كثيراً، إذ قال للمحرر حتى يصدقه (علي الطلاق وأنا جعلي لو قلتوا في الحرة عايزين النسوان ديل، أجيب ليكم أكثر من أربعمائة إمرأة تدرّبت ومعهن عدة الشغل.. كل واحدة شايلة شنطتها ومكنتها)! وكان البروفسير كريماً حينما كرر ذات القسم مرة أخري في معرض حديثه عن القرض الحسن لفضائية الضحى فقال (إن لم تقم القناة ولن نسترد المبلغ ورأى إخواني في مجلس الأمناء رده، عليَّ الطلاق أرد المبلغ ده للديوان حتى لو أبيع بيتي) ونحن لا نريده أن يبيع بيته، فقد يلجأ للديوان ذاته كأحد الغارمين، ولكن قوله هذا ينسخ ما جاء على لسانه في الحوار نفسه (وأقول لكم الآن ربنا يسألني عن هذا المبلغ إن لم تقم تلك القناة ويسألهم عنه كذلك يوم القيامة) وفي واقع الأمر فإن السؤال المؤجل ليوم الآخرة ليست بدعة عنده وحده، وإنما ظاهرة كثيراً ما رددتها العصبة بهدف إظهار التطهر والتعفف والزهد. وكنت قد اقتبست في المقال الماضي قولاً مماثلاً نطق به السيد المشير عمر البشير باستاد الهلال يوم 13/2/2010 (نحن لا نعمل ليوم إعلان نتائج الانتخابات وإنما نعمل ليوم الحساب) علماً بأن ذلك قولا تردد كثيراً في العقدين الماضيين في ألسنة كثيرة، وسيان إن كان معداً أو مرتجلاً!
لم يبتدع الديوان مصارف جديدة للزكاة فحسب، وإنما زاد عليها بتنويع وتنغيم في جبايتها. وكنت قد سألت صديقاً من الثقاة الذين يعتد المرء برأيهم عن ملاحظاته حول الزكاة وديوانها؟ فقال لي اختصاراً بل استغراباً (هناك زكاة الراتب أي أنهم يأخذون من الأجير المستحق لأجرته مقدماً علماً بأن الزكاة حولية كما هو معروف) وقال لي صديق آخر من الذين فروا بدينهم ووظيفتهم كما هو حال كثير من مؤهلي أهل السودان في ظل العصبة ذوي البأس.. إنهم يأخذون من المغتربين أيضاً زكاة الراتب هذه. وذلك بالطبع يضاف لأتاوات كثيرة قصمت ظهر المغتربين منها رسوم إحسان لفضائية محمد حاتم نفسه، وهم الذين لم ينالوا منها سوى الاهمال. ومنها ضريبة ترعة كنانة والرهد وهي القناة التي لو كان حافروها نمل سيدنا سليمان لنبعت ماءً زلالاً منذ أمد بعيد. وهناك أيضاً دمغة لجريح لن يشفي أبداً، وقد اضيفت لها بعد (اتفاقية نيفاشا) ضريبة السلام الذي يأتي ولا يأتي. غير ان أطرف ما اتحفني به هذا الصديق القانوني، قوله إنه فوجيء أثناء اجراءات تسجيل عقار لأحد ابناء جلدتنا من الأقباط المسيحيين بموظفين غلاظ شداد كقوم عاد، قالوا أن مهمتم هي تقييم العقار لاقتطاع ما نسبته أثنين ونصف في المائة كزكاة، ولم يجد قول صديقي أن موكله مسيحي، لأن عباقرة العصبة الذين برعوا في سك المصطلحات والتسميات لم يألوا جهداً في تسميتها (ضريبة عدالة اجتماعية) ولن يسؤوهم بالطبع إنه زمن فرَّت فيه الاجتماعيات بالباب وهربت فيه العدالة بالشباك!
دعك مني – يا قارئي الكريم – وكذا أصدقائي، فربما قال لك أهل الديوان إن شهادتنا مجروحة. ولكن ما رأيهم في قول رجل لا يُنعت بالعلمانية مثلنا، ويقول إنه يقارعهم حذوك الآية بالآية والحديث بالحديث. ففي آخر حوار أجرى معه في الأيام الفائتة على صفحات موقع (سودانيل الإلكتروني) قال السيد الصادق المهدي صاحب برنامج نهج الصحوة (الزكاة صارت ضريبة من الضرائب، وجباية من الجبايات، والمدهش أن ديوان الزكاة يطبق هذا المشروع بصورة غير منضبطة شرعياً، وتفرض الزكاة على أي معاملة تجارية حتى بين بائعات الشاي، والتي لديها دجاجة أو غنماية ترغب في بيعها، كل هؤلاء من أفقر الناس تفرض عليهم الزكاة. فالزكاة صارت ضريبة مبادلات تجارية في كل الاحوال، وبكل اسف ديوان الزكاة يتعامل بصورة غير عادلة، ومن الظواهر المؤسفة التي تبين استغلال مال الزكاة في صرف غير شرعي، هو أنني شاهدت قبل عدة سنوات بند صرف قيمته 4 مليون جنيه، عبارة عن تغيير لون عربة المدير وهذا نوع من العبث، وكذلك ادخلوا اموال الزكاة في استثمارات، فالزكاة ليست مؤسسة استثمارية او تنموية. فالزكاة مؤسسة تكافل اجتماعي، واصبحت شوارع الخرطوم والمساجد تعج بالمرضى والمعوقين والفقراء والشحاذين يطلبون المساعدة، وذلك دليل على ان ديوان الزكاة لا يقوم بدوره تجاه هؤلاء) وهل بعد الكفر ذنب يا مولاي!
لكن ربَّ قائل أيضاً دعك من المهدي وخطرفاته. أذن ما بال الواقع الذي لا يكذب رائداً اسمه الفقر، والذي لم يبارح نسبة ال 90% منذ أن نطق بها الدكتور الترابي يوم أن كان الآمر المطاع. ففي ظل تلك النسبة – زادت أو قلت – نشرت دراسة حديثة (الصحافة 24/2/2010) كشف عنها المجلس القومي لرعاية الطفولة بالتعاون مع منظمة الطفولة السويدية، قالت إن هناك ما يزيد عن 13 ألف مشرد بولاية الخرطوم، يمثل الذكور منهم ما نسبته 78.2% والإناث 12.8%) وبالطبع يعلم الديوان علم اليقين عن أحوال أطفال المايقوما الذين يطلق عليهم فاقدي السند وعن استقبالها الرقم العشوائي الذي يقدر بأكثر من 800 طفل سنوياً. وكان للكاتب المبدع الفاتح جبرا قصب السبق في اثارة قضية فضائية محمد حاتم وتفرعها لقضية أطفال المايقوما وذلك في مقاله الراتب (الرأي العام 19/2/2010) وفيه طرح عدة تساؤلات بخصوص تلك القناة المزعومة، حملت مدير عام الزكاة والاعلام (الأمين علي علوة) على الرد عليه (الرأي العام 24/2/2010) لكن جاء رده خالياً من القضية الأساسية وهو يسوح في وادٍ غير ذي زرع. لكن ما يلفت الانتباة في رده، مثلما لفت انتباه المرسل له ايضا،ً تلك الأرقام غير المطابقة للنسبة المئوية الجامعة (100%) وذلك في تفصيله لها بزعم أن مجلس أمناء الديوان أجازها وهي كالتالي: الفقراء والمساكين (63%) من جملة جباية الزكاة (الفقراء 30% والمساكين 33%) العاملون عليها (14.5%) في سبيل الله (4%) المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب (8.5%) الغارمون (5%) إبن السبيل (0.5%) والمفارقة قول الفادني إن العاملين عليها والذين عددهم نحو 2500 يطالبون بزيادة مخصصاتهم إلى 17% فتأمل!
بيد أن ما زاد حيرتي أصلاً في الديوان وزكاته، ليست مخصصات العاملين فحسب وإنما ذاك الصرح العتيد الذي سمي بـ (المعهد العالي للزكاة) ومثلي لا يستغربه فحسب بل لا يرى له داعياً، فلا مصاريف الزكاة الثمانية ولا نسبتها المحددة بـ 2.5% يحتاجان لمعهد لا يغني ولا يسمن من جوع. وأعضد قولي هذا بما استلمحته في حديث الفادني نفسه في الحوار سيد الأدلة إذ قال: (هناك اشياء أصبحت ثابتة في فقه الزكاة، وأي عامل من العاملين عليها في السودان أصبح يميز الحالات) بل أن ما يثير الدهشة أكثر من هذا وذاك، تقارير المراجع العام، التي ظلت وعلى مدى سنوات تضع الديوان في مصاف المؤسسات الأكثر اختلاساً، وبالطبع مثلي ممن لا يحسنون الظن بأصحاب الأيادي المتوضئة والأفواة المتمضمضة، لا يستطيع حديث الفادني الذي أدلى به في البحرين بتاريخ 3/4/2006 أن ينزل السكينة والطمأنينة على قلبه الجزع الهلوع. إذ قال يومذاك في رهط من المغتربين رداً على سؤال حول الفساد المالي الذي تم اكتشافه (إن العاملين في الزكاة هم بشر مثل الآخرين، ولكن ما جرى من فعل في هذا الصدد قد تمَّ حسمه، وقد وضعت كل الضوابط الإدارية بالشكل الذي لا يمكن من حدوث أي فساد من نوعه) ولك أن تكر البصر في تاريخ الحديث! وأزيدك دهشة يا من ترى الواقع بأم عينيك في قوله أيضاً (أهمية زكاة المغتربين بالنسبة لتطوير حقل العمل الطبي والصحي بالبلاد، وأشار في حديثه للأرقام والإحصائيات إلى أن الأموال التي دفعها المغتربون ساهمت في شراء أجهزة طبية نادرة، فضلاً عن أهميتها بالنسبة لتمزيق فاتورة العلاج في الخارج، ومن ضمن الأجهزة تلك التي تتعلق بغسيل الكلى والعمليات الجراحية الخاصة بزراعة الكلى وجراحة القلب) فتحسس قلبك يا هذا!
بيد أنه في هذا وذاك زال عجبي تماماً حينما قرأت (سونا 26/7/2008) بياناً للديوان يعبر عن غضبة مضرية في ختام أحد انشطته (استنكر البيان الختامي لملتقي لجان الزكاة القاعدية توجيه لويس أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية تهم للرئيس عمر البشير، وأكد البيان أن الغرض من فرية مدعي لاهاي هو تمرير أجندة الدول المعادية للسودان والنيل من كرامته وسيادته وتجربته الحضارية والروحية، التي تراعي أوضاع الفقراء والمساكين والأيتام واهل الحاجة) فأدركت حينها أن للسيد اوكامبو أجندة باطنية أخري غير تهم الجرائم ضد الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية…ألا وهي استهداف مصاريف الزكاة!!
فتحي الضَّو
[email protected]
صحيفة (الأحداث
الأحاديث والتصريحات التي يطلقها المؤتمر الوطني ممثلاً في رئيسه ورئيس البلاد عمر البشير ونائب رئيسه للشؤون السياسية نافع علي نافع، تعكس حالة “القدرة” على الاستبداد التي يتمتع بها كثير من حكام العالم، و من بينهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم، و التي تتجلى في شكل تصريحات “مضحكة” باتهام الأحزاب السياسية والقوى السياسية بما ” ينضح” به إناء المؤتمر الوطني نفسه فعندما يقول “نافع” أنّ “من جرب المجرب ندمان” فهناك اتجاهين لا
ثالث لهما فإما أن نافع قرر الانضمام للمعارضة بعد أن اقتنع بفشل حزبه “المجرب” عدة عشرين عاماً و كل يوم يدخل البلاد في حفرة بسبب قصر نظره السياسي و الوطني حتى أننا أصبحنا في قائمة الأسوأ على طول الخط من الدولة الفاشلة إلى الأمراض المستوطنة إلى الخدمات الاجتماعية السيئة لا يتفوق علينا إلا الدول التي تشتعل أراضيها بالحروب و تعجز حكوماتها عن إطفاء تلك الحروب، أو أن نافع “مستبد” بدرجة الحجاج بن يوسف ولم يتسنَ له يوماً من الأيام “الوقوف أمام المرآة” لرؤية “عوجة رقبته” حتى يحاول اخفاءها بدلاً من “ان يضحك أب سن على أب سنين”، وكل التصريحات التي يلقيها نافع من بيته المصنوع من زجاج “لا يحتمل اللمس ولا النفخ” دعك من “جديع الحجارة تدل على ذلك، فعندما يتحدث نافع عن أحزاب الميوعة والفسق والتحلل تتعجب وأنت تقول لنفسك “شوف مين بقول إيه؟ لأنّ حزب المؤتمر الوطني هو الحزب الوحيد الذي تخرمه “ورق البنكنوت” وليس رؤية دينية أو وطنية، وهو أكبر تجمع انتهازي تجاري سياسي في تاريخ الأحزاب السودانية، ولا يشكر إلا في شفافيته لاستقطاب عضويته بالمال و المناصب ولا ثالث غيرهما.. وعندما يقف رئيسه و رئيسنا مدشناً حملته الإنتخابية متسائلاً ببراءة “اخوة يوسف”.. “جربتونا وجربناكم.. حصل كذبنا عليكم؟” لا تمتلك إلا أن تخبط يداً في يد. من “محن المؤتمر الوطني”.. واستبداد قادته الذين تعتبر “تعبيراتهم” هذه، امتداد في غيّهم واستبدادهم فهم لم يفعلوا حتى “ما فعلت الدكتورة فاطمة عبد المحمود مرشحة رئاسة الجمهورية اعتذرت عن مشاركتها في حكم ديكتاتوري مستبد احتراماً لعقول الناخبين وحقوقهم.. ليتساءل هؤلاء الذين كتبوا عند الله “كذابين” من شدة كذبهم هل حصل أن كذبوا.. ولكن من أين استمد هؤلاء كل هذه المقدرة على الاستبداد؟؟؟ هل وجدوا فعلاً تربة خصبة “للقابلية للاستعباد؟”.. نكتب عن ذلك في العمود القادم باذن الله،،،
أمل هباني
أجراس الحرية