بسبب الإنقاذ، وبالطبع بسبب حكم الإخوان المسلمين، فقد المجتمع السوداني العديد من قيمه، اول هذه القيم جلسة أعضاء الاسرة حول صينية الطعام الواحدة ، وقراءة الصحيفة اليومية، كانت هناك صفحة مخصصة بإسم : أين تسهر اليوم؟؟، فلم (الفقمة الذهبية) يُعرض في سينما الفندق الكبير، بينما يعرض فلم البؤساء في قاعة سينما الأزرق، وهناك ليلة شعرية في قاعة الشارقة، ودرس للموسيقى في معهد جوتا، لم يك
ن غياب الخبز يحتل مساحةً كبيرة من تفكيرنا كمدا يحدث الان ، والسؤال الذي يشغل رب كل أسرة الأن ليس هو اليوم الذي مضى بخيره وبشره ، بل الكارثة التي سوف تداهمه في اليوم التالي، فهل هي أزمة الخبز أم إختفاء غاز الطبخ، وما ننعم به في ذلك الزمن كانت ونسات (الحبوبة)، هذه القامة الإجتماعية التي سقطت من حياتنا، لم تكن الحبوبة في عهدنا الحالي تعمر وتأخذ حقها من السنوات لتحكي لنا تجاربها وتقدم لنا النصح والإرشاد، صحيح أنه بسبب توفر الخدمات الطبية المخصصة عاش رجال المؤتمر الوطني ردحاً من الزمان وهم يتحدون حقيقة الموت، لكن لا يعني ذلك أن آجال السودانيين قد إستطالت، تراجع معدل الحياة العمرية في السودان بسبب تردي الوضع الصحي وغياب الرعاية الإجتماعية، أتذكر في عام 1996 انتقد المرحوم محمد طه محمد أحمد إبتعاث القيادي للجبهة الإسلامية الاستاذ أحمد عبد الرحمن لليابان لتعلم اسلوب الإدارة في الحكم، وسبب النقد أن هذا الشيخ القيادي قد بلغ السبعين من العمر، وبأنه بعد سنة أو سنتين سوف يلتقي هذا الشيخ بحبل المنايا وعندها سوف تذهب الخبرة التي اكتسبها من البعثة معه إلى القبر، لكن الشيخ أحمد عبد الرحمن امتدت به الحياة ولكنه لم يسأم منها كما فعل لبيد، وأظنه لا زال يشغل منصباً مرموقاً في الحزب الحاكم في خانة ما يُعرف بمجلس الشورى .
نعود للحبوبة وقصصها الجميلة، فقد كانت تحكي لنا عن (ود ام بعلو)، وهو مخلوق خرافي تخوفنا به الحبوبات حتى لا نخرج من البيت أو نحسن الأدب، ود أم بعلو لا يقرب الذي يمسح جسمه بزيت السمسم، وهي يختلف عن شخصية هانيبال في الثقافة الأوربية عشت أياماً أتخيل ود ام بعلو بشكله المخيف، ولم أن أعتقد أن السنوات سوف تمضي بي حتى أرى ود ام بعلو بحق وحقيقة، الضائقة الإقتصادية تفتك بالأخضر واليابس في السودان، يعيش الناس الأن في فقر مدقع بينما يستثمر النظام ثروة البلاد في بناء الجيوش وقوات الأمن، في اليومين الماضيين تحولت العاصمة الخرطوم لستالينغراد، كثافة عالية لقوات الأمن والشرطة وهي تهاجم حشود المحتجين السلميين، ويستيقظ البشير من ثباته العميق، ينادي بعودة التلميذ المطرود علي عثمان محمد طه، علي عثمان هو الحل، كان في ود أم بعلو رحمة لأنه يعلمنا النظام، أما علي عثمان طه، فهو الرجل الذي ابتكر مفردات الحركة الإسلامية مثل: صياغة الإنسان السوداني من جديد، هذا الإنسان الذي خلقه الله وأحسن صنعه يقول علي عثمان إنه غير مكتمل لأنه لا يؤمن بمعتقدات الحركة الإسلامية، بعد الصياغة المطرزة تحولنا لشعب مطارد في المنافي تحتقرنا الشعوب، ومن بقى في الداخل لا يريد فكراً او شعراً، يريد فقط خبزاً، صياغة الإنسان السوداني على يد عثمان طه، في زمن وزارة التخطيط الإجتماعي، علمت الناس النفاق والفساد والكذب، وجلبت سياسة التمكين التي اودعت الكثيرين لحساب الصالح العام واستعانت بالمحاسيب وذوي القربي، وثالثة الاثافي انها فصلت الجنوب وعمّقت أزمة دارفور، كل الحريق الذي التهم الناس والقرى في دارفور سببه علي عثمان طه، نعم سيعود علي عثمان طه من وادي الجحيم ليحكم من جديد، لكنه لن يكون ذلك الرجل ذو الحاشية والنفوذ، فقد تغيرت ملامح السودان كثيراً، والهرم والمرض المزمن نالا من سوطه الذي ان يجلد به الخصوم ، لكن إرتباط إسم الرجل بالمكر السياسي لا زال قوياً و فاعلاً، ومهارته في التخلص من الرفاق والأعداء هي التي استدعت حضوره. ونحن الان في انتظار الجلاد.