عودة (غودو) وتحول (الرئيس) إلى صرصور !
عبد المنعم سليمان
أسرج حصانه وطهمه ، ثم حمّل على ظهره بعض أغراضه قبل أن يعتليه مُغادراً ، سأله الحوذي : إلى أين يا شيخ ؟ ردّ الرجل الكذوب : سئمت غياب الحريات وانتهاكها هنا ، سأرحل ، سأرحل وحسب ، وأردف : وهو ينظر للحوذي بتعالٍ وغرور ، مصحوبان بحالة قرف (معروفة عنه) يتعامل بها دائماً مع حوارييه : سأرحل إلى أي مكان ، بعيداً عن هنا. وإنطلق بعدها بحصانه العجوز حتى اختفى عن الأنظار، وفي إثره نفر قليل من مُريديه الصامتين . ومنذ اختفاء الشيخ عن الساحة ظلّ مريديه يتحدثون عنه ، وينتظرون عودته التي ستمتلئ بها البلاد عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
لم يكن الرجل الغائب غير (حسن الترابي) الذي يريد أنصاره القدامى والجدد تصوير عودته كـعودة (غودو) الذي ينتظره الناس ، كما في مسرحية رائد المسرح العبثي صمويل بيكيت (في انتظار غودو) . ويبدو أن الاحتفاء المُبالغ فيه هذه الأيام بعودة الترابي لعشه القديم ، يُراد تصويرها كعودة (غودو) ، رغم أن المسرحية العبثية نفسها لم تقل لنا ، ماذا سيفعل (غودو) بعد عودته وما هي الحلول التي سيُقدمها للناس ؟!
أنا شخصياً من أنصار عودة الترابي إلى حضن البشير أو العكس ، ولم يقلقني أبداً اجتماعهم مرة أخرى ، بل وأتمنى أن يجتمع وينضم إليهم عبد الحي يوسف ، ومحمد عبد الكريم ، وأنصار السًنة ، و(أنصار الله) ، وأنصار جبهة النصرة ، وأنصار (داعش) ، وفروع الظواهري ، وكل قوى الظلام في السودان حتى نخلص منهم جميعهم مرة واحدة و (كوماً واحداً).
لقد سئمنا كذباً باسم الله والحرية . ولا أصدق إطلاقاً أن شخص ينتمي لهذه الجماعات يمكن أن يؤمن بالتعددية وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين ، هذا من جانب ، ثم أن اجتماعهما الأخير ليس مصدر قوة كما يتصور البعض ، فماذا فعلا بحق الجحيم ، وهما مجتمعين سابقاً ؟ وماذا نتج عن تحالفهما السابق ؟ غير الفساد والخزي والعار الذي يلاحقهما وسيظل يلاحقهما ما حييا على هذا البسيطة ، أو ذهبا إلى الرفيق الأعلى !
ولعل هذا ما يجعل تتبع أخبار هؤلاء القوم أمر يجلب المتعة والمؤانسة كما يجلب الكآبة والنكد ، وهذا شأن المسرحيات العبثية ، فانظروا معي ماذا سنرى حين نرفع الستار عنها :
تبدأ (مسرحية البشير/ الترابي) بمشهد مضحك وممتع ، فقد جاءت الأخبار بأن الترابي سيقود وساطة مع السعودية لمعالجة قرار إيقاف المصارف هناك تعاملاتها البنكية مع السودان ، يا سبحان الله !، ثم لم يتوقف الخبر المسرب إلى هذا الحد من الهزل والهزؤ من أهل السودان ، بل مد لسانه ساخراً منهم ، بقوله : أن الترابي يتمتع بقبولٍ لدى القيادة السياسية في العربية السعودية.
أما القول إن الترابي له علاقة جيّدة بالقيادة السياسية في المملكة فهذا ما يدخل في باب المتعة والمؤانسة مع الشعب ، وأما عن علاقاته القوية مع المصارف والبنوك السعودية ، فهذا هو مصدر النكد والكآبة اللذين دأبت الإنقاذ تحقن بهما شرايين الشعب ليل نهار.
هذه الدعاية الترابية الجديدة ليست لها هدف غير تخدير الشعب بالمزيد من الوعود ، وتشتيت تركيزة إلى أمور أخرى بغية أن ينسى معاناته التي لا مثيل لها بين الأمم . دعاية تذكرني بالإشاعة السخيفة التي سربتها السلطات في الخرطوم بعد دخول قوات الشهيد خليل ابراهيم (أمدرمان) ، حيث روجت صحف النظام شائعة تافهة تتحدث عن وجود سحرة أفارقة يسرقون أعضاء الرجال التناسلية بمجرد مصافحتهم ، وقتها رأيت الكثير من الرجال في نواحي السوق العربي يضعون أياديهم بين أرجلهم خشية سرقة آخر الأشياء (المرفوعة) المتبقية لديهم ، بعد أن أنزلت حكومتهم رؤوسهم إلى الحضيض بين خلق الله كافة ، وهكذ ظل الرجال مشغولون بحماية أعضائهم التناسلية ، لا يتحدثون عن خيبة وفضيحة جيشهم في المعركة ، وظل الحال هكذا إلى ان عاد خليل بقواته فإنتهت الشائعة .
مسرحيات سخيفة ينتجها نظام البشير ، بدأت بمسرحيته الضاحكة التي انتهت إلى (وثبة) خلفية عند شيخه السابق ، لكنه وبينما يسدر في تخبطه الحالي ، حتماً سينتهي به الأمر إلى أن يستيقظ ذات يوم كما استيقظ (جريغور سامسا) ، أحد أبطال رواية (المسخ) ليكتشف أنه تحول خلال نومه إلى (صرصور) كبير مليئ بالقروح النتنه ، فتخلى عنه الجميع حتى مات وحيداً .
مع أنني لا أتمنى لعمر البشير الموت بهذه الطريقة ، بل أتمنى أن تكون نهايته برشات و(زخات) كبيرة من (مُبيد) قوي يصيبه بالتتشنج فترة من الوقت ، ثم ينقلب على ظهره ميتاً ، تماماً كما يموت أي (صرصور).
[email protected]