عفوا سيادة نائب الرئيس: الجمهورية الثانية ام الإمبراطورية الثانية؟
بقلم: دهب الخزين مأمون
[email protected]
أكد الأستاذ علي عثمان محمد طه – نائب الرئيس – في مؤتمره الصحفي بتاريخ 02/02/2011م، قيام الجمهورية الثانية وأكد كذلك بأن حكومته لا تخشى الحريات وتكفل حرية التعبير في إطار القانون، وأضاف: “السودان ليس بمعزل عما جرى في تونس ومصر، ولكنه وضع معالجات لتحجيم ارتفاع أسعار السلع ودعم الشرائح الفقيرة في المجتمع”. وتعهد نائب الرئيس بالإبقاء على الحريات الواردة في الدستور، مشيراً إلى أنه: “لا بقاء للنظام الذي لا يحترم الحريات ويمارس الكبت الذي يولد الانفجار”. وقال إن الحكومة: “ليس لديها ما تخشاه”، مشيراً إلى: “رجوعها والى المواطن في كل ما يتصل بالحياة العامة من انتخابات وأخذ الرأي في القضايا التي تتصل بمعاشه” ورأى انه: “لا مجال لتفكيك مؤسسات الدولة، باعتبار أن مؤسسات الحكم الحالية دستورية وليست انتقالية”.
تراجع من إقامة دولة الخلافة إلى الاكتفاء بجمهورية ثانية منقوصة:
فى بيانها الأول زعمت الإنقاذ أنها أتت للمحافظة علي دولة السودان (بلد المليون ميل مربع) وبسط الأمن فى ربوعه (خاصة فى الجنوب ودارفور) بل بلغ بها الطموح إلي ان تدعي بأنها تسعي لإقامة الخلافة الإسلامية انطلاقا من السودان دولة التوجه الحضاري، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فقد انهزمت أجندة دولة التوجه الحضاري التي لم تستطع المحافظة علي حدود السودان القديم بعد انفصال جنوبه العزيز الذي لم يؤرقها لثانية واحدة وها هو الرئيس البشير والنائب الثاني يعلنان – بجرأة غير مشهودة – عن قيام الجمهورية الثانية علي أنقاض دولة السودان التاريخية التي بذل فيها أجدادنا وآباء الاستقلال الغالي والنفيس لتكون الدولة النموذج فى إفريقيا والشرق الأوسط من حيث التنمية والديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وصيانة حقوق الإنسان.
كذبا كاذب يا سيادة نائب الرئيس!!! كشف المستور من الفساد هو ما تخشاه الإنقاذ:
في معرض حديثه فى مؤتمره الصحفي قال نائب الرئيس إن الحكومة: “ليس لديها ما تخشاه”، ولكن الجميع يعلم ان الحكومة ترتجف خوفا من انتفاضة وثورة الشعب الذي أنهكه فساد حكومة الحزب الواحد، “المؤتمر الوطني”: الفساد الذي تضم شبكات عصاباته أقرباء الرئيس البشير والمتنفذين فى المؤتمر الوطني ابتداء من نائب الرئيس علي عثمان ومساعد الرئيس نافع وكل الولاة ورجال أعمال (وبلطجية) المؤتمر الوطني الذين سرقوا طعم السكر من أفواه أبناء الشعب لتمويل حزبهم المتسلط فى الانتخابات المضروبة. يشمل فساد نظام الإنقاذ تبديد إيرادات البترول علي أهل الثقة والمحاسيب فى حزب المؤتمر الوطني وسرقة النظام المصرفي (بنك ام درمان الوطني وبنك النيلين وبنك نيما والجوكية) وقضايا الاعتداء علي الأموال العامة حسب ما يرد فى تقارير المراجع العام السنوية وقضايا الفساد في شركات الاتصالات وقضايا الفساد فى شركة الخرطوم للإنشاءات وفساد خصخصة النقل النهري وفساد الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة وقضية انهيار جامعة الرباط وقضية اختلاس ديوان الزكاة وقضية موقف مواصلات العاصمة الجديد وقضية سوق المواسير فى الفاشر وقضايا فساد الخدمة المدنية وقضية فساد الصندوق القومي لرعاية الطلاب وقضايا فساد المتعافي والي الخرطوم السابق وقضايا فساد توطين العلاج وقضايا الفساد فى هيئة الإمدادات الطبية وقضايا الفساد فى طريق الإنقاذ الغربي وقضايا سرقة عقودات التنمية فى جنوب كردفان وقضايا الفساد فى الخطوط الجوية السودانية وقضايا الفساد فى ولاية الجزيرة وولاية جنوب دارفور وولاية القضارف وولاية البحر الحمر وولاية كسلا والنيل الأبيض وولاية شمال دارفور وولاية سنار وقضايا فساد منح الأراضي الزراعية فى ولاية نهر النيل لمستثمرين أردنيين. هذا غيض من فيض وللمزيد من قضايا الفساد يرجع لكتاب: “الفساد فى الإنقاذ حتى لا ننسي – حالات الفساد الموثقة فى الإعلام” المنشور فى المواقع الالكترونية السودانية فى الانترنت.
المؤسسات المستقلة هي ركيزة الجمهورية الراشدة:
كل طالب مبتدئ فى العلوم السياسية يعلم أن مقومات أي جمهورية (رئاسية أو برلمانية) راشدة هي السلطات الثلاثة: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. هذه السلطات الثلاث يجب ان تكون مستقلة عن بعضها البعض وتعمل بآليات متناغمة وتحرسها السلطة الرابعة وهي الصحافة. ولكن دولة الإنقاذ لم تراعي هذه الاستقلالية فالقضاء فى السودان يعاني من عدم الاستقلالية ومن تدخل السلطة التنفيذية كما أن السلطة التشريعية غير مستقلة وتحكمها أهواء الحزب الحاكم الذي يسيطر علي أغلبية النواب (بالانتخابات المضروبة) ولا تلعب السلطة التشريعية الدور الرقابي والتشريعي المنوط بها لغياب المعارضة من داخل البرلمان. إضافة إلى ذلك فإن السلطة التنفيذية تتدخل تدخلا سلبيا فى أعمال كل من السلطتين القضائية والتشريعية.
علي كل، فإن المعارضة الفعالة من داخل البرلمان – وكما يعلم نائب الرئيس الذي كان زعيما للمعارضة فى الديمقراطية الثالثة – تعتبر مسألة أهم من توسيع قاعدة السلطة التنفيذية بأحزاب متوالية علي أساس برنامج حزبي أحادي. إن من المهم مراعاة المشاركة السياسية لممثلي كافة القوي الجماهيرية، وقد أوضحت تجربة الحكم الاتحادي ترهل هياكل وأطر ومؤسسات الحكم الاتحادي المكلفة ماليا وقيامه علي ولاءات جهوية وقبلية غير مؤهلة وغير فعالة، كما ان انعدام الحريات وبالأخص حرية التعبير فى ظل دولة الإنقاذ أدي إلى تراجع الدور الرقابي للأفراد ولمنظمات المجتمع المدني مما يقدح فى كل هياكل ومؤسسات الجمهورية التي تستلزم إعادة الهيكلة بما يقصر الظل الإداري وتخفيض التكاليف المالية وتعيين المؤهلين من ذوي الخبرة والكفاءة.
الجمهورية الثانية: التغيير فى الأشخاص والمؤسسات:
إذا أراد نائب الرئيس وأراد الحزب الحاكم المضي قدما فى إصلاح آليات ومؤسسات الدولة والحكم فلا بد أن ينطوي ذلك علي تغيير الدستور (وتقليص صلاحيات الرئيس وإلغاء منصب نائب الرئيس والمستشارين الرئاسيين واستحداث منصب رئيس وزراء بصلاحيات تنفيذية كبيرة يحاسبه عليها من البرلمان) وانتخاب جمعية تأسيسية بموجب انتخابات حرة ونزيهة لصياغة الدستور الدائم للسودان وذلك بمشاركة كافة القوي السياسية وإلا فلينتظر حزب المؤتمر الوطني (الإنقاذ) مصير حزب التجمع الدستوري التونسي والحزب الوطني المصري.