صلاح شعيب
الكثير من الجدل وسط الثوار، والمحللين، وعامة المواطنين، صاحب اتفاق الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الذي سينهى الأزمة الوطنية ريثما يتمكن المسؤولون الجدد في وضع خريطة طريق لحاضر ومستقبل المؤسسات السيادية، والتنفيذية، والتشريعية، والقضائية، للبلاد:
١- برغم أن الاتفاق سبب غبنا لبعض المناضلين الذين اتخذوا موقفا راديكاليا حادا من المجلس العسكري فإن فرحا غامرا غمر أيضا ذات الشخوص الذين ليسوا هم محل شك في نضالهم، ووطنيتهم، وحرصهم على اجتثاث النظام. ولقد وقفنا على فسيفساء من الآراء التي طرحت مخاوفها من العسكر، ووجود مليشيا الجنجويد، وعدم ثقة كثيرين في نجاعة التطبيق، وعدم ثقتهم أيضا في وجود عنصر معتدل ليوازن بين المدنيين والعسكريين في المجلس.
٢- لا بد من الاعتراف أن كل طرف – حتى المتحفظين – طرحوا حيثيات موضوعية لا يمكن إهمالها في إطار يؤكد أننا فعلا دخلنا مرحلة الحوار الديموقراطي الصحي الذي يضع اللبنات الأساسية للمرحلة الانتقالية التي نتوقع أن تفرز العديد من الخلافات، والتفاهمات كذلك. وذلك بناء على ثقل التركة الوطنية، والتعقيدات التي تسربلت بها قضايانا الجوهرية، فضلا عن وجود قدر هائل من الشبق في تبيين المواقف الحرة، والاعتداد بها، إن لم يكن التعصب.
٣- مع تفهم هذه المخاوف، وعدم تلبية الاتفاق – لا محالة – لكل السقوف التي وضعها الثائرون على الأرض، والمؤيدون للثورة، ولكن في المحصلة العامة فإن الرابح الأول من الاتفاق هو الوطن متى ما عملت القوى الثورية جميعها على توظيف مناخ الفترة الانتقالية لتحويل مسودة الاتفاق إلى تطبيق حاسم، وصارم، وبناء، خصوصا أن الأوضاع الامنية للوطن ما قبل الاتفاق كانت من الهشاشة بمكان. بل إن أقوى السيناريوهات التي كانت تشغل المراقبين كان التخوف من أن تتحول الأزمة إلى انفجار يقضي على أمن البلاد، ووحدتها، وبالتالي يعصف بكل ما حققته الثورة.
٤- إذا كنا نتحدث بمنطق الربح والخسارة فإن أكثر جهة ستدفع ثمنا باهظا لهذا الاتفاق هي فلول النظام، والجهات التي دعمته في الثلاثين عاما الماضية، ودول بعينها في الإقليم. ضف إلى كل هذا أن طبيعة العمل التحالفي الجبهوي الكثيف للحرية والتغيير لامسته تقاطعات ايديولوجية، ومنهجية، وجهوية، وأجندات، كان من الممكن ان تسهم في انهيار التحالف. ولعله لو كان الخلاف – الموضوعي، وغير الموضوعي – خلف الكواليس قد استقر أكثر فأكثر لصار الامر فادحا، وكئيبا، ومخيبا لآمال الثوار، وخصوصا الشباب.
٥- في المقابل فإن عند حال حدوث انشقاق في قوى الحرية لو لم يتم الاتفاق فإنه لا محالة سيدعم استراتيجيات المجلس العسكري، والفلول، والتدخلات الخارجية. ولعل هناك الكثير من الشواهد الدالة على أن تكالبا حدث لشق قوى الحرية والتغيير وإغرائها سواء من المجلس، أو توجهات خارجية معرفة بمواقفها. ولا ننسى أن بعضا من كتاب النظام، وعلي الحاج، سعوا لإحداث الوقيعة بين تيار “الإجماع الوطني” و”نداء السودان” من خلال التقرب من رموز في تيار نداء السودان، ومدحها، واستمالتها.
٦- أيا يكن تباين المواقف حيال الاتفاق الذي تم برعاية اثيوبية، وافريقية، ومسنود بدعم دولي، فإن واجب مكونات قوى الحرية والتغيير إثبات قدرتها على إقناع المناوئين للاتفاق بأنه قادر على تحقيق شعار “حرية، سلام، وعدالة”. وقبل كل هذا الاقتصاص العاجل ضد شهداء الثورة، وكذا الشهداء الذين راحوا ضحية محارق النظام، والوفاء لهم بترسيخ الديموقراطية، وتحقيق حلم الذين قدموا الغالي والنفيس، وكذا الأحياء الجرحى، والذين ضحوا بوقتهم، ومالهم، وراحتهم.
٧- لعل مهمة بناء الدولة الوطنية الثقيلة تحتاج إلى تفعيل مؤسسات الدولة في الفترة الانتقالية. وهناك محوران أساسيان يدعمان قوى الحرية والتغيير، وهما محورا الإعلام المحلي، والدبلوماسية الإقليمية، والدولية، والأممية. ولا بد من الاهتمام بهما بحسب أنهما يعينان في تحقيق أهداف الثورة، ومحاصرة أية رغبات ارتدادية للمجلس العسكري. وهذا التعويل على هذين المحورين فضلا عن محاور محلية عديدة سيمكنان من بناء مفاهيم تتعلق بتوطين دولة المواطنة من جهة، وكبح جماح أي محاولات للفلول من العودة للساحة السياسية بمفاهيمهم الاستبدادية، والرجعية، والتطرفية.
٨- الاتفاق منح السودانيين تذكيرا بأن حرص إثيوبيا، والمنظومة الأفريقية، ادعى لتمتين علاقات الجوار الأفريقي، وتوظيفه لصالح مكاسب اقتصادية، وأمنية، استراتيجية. ذلك خلافا للنطاق العربي الذي عمل على تحجيم التطلعات الثورية للسودانيين، ووضع المتاريس أمام حيازة دولة ديموقراطية وسط المنطقة. وينبغي في هذا الخصوص أن تكون لنا شراكات حقيقية مع هذه الدول التي أهملتها السياسة الدبلوماسية تاريخيا، وذلك لصالح بناء مصالح مشتركة حقيقية تتعلق بإعادة الدور السوداني المشرق في القارة الأفريقية، وإعانة السودان في المحافل الدولية، وتمكينه من حلحلة قضاياه المتصلة بالنزاعات الأهلية. ولا شك أن دور الاتحاد الأفريقي – وخصوصا إثيوبيا – مدخر لتحقيق السلام الشامل الذي ينهي عقودا من الاحتراب بين المركز والأطراف. ونعتقد أن دور جنوب السودان، وكينيا، ويوغندا، وإثيوبيا، واريتريا، أساسي عند معالجة أزمة مناطق النزاع في البلاد.
٩- الاتفاق، ولكونه أتى من خلال عملية تفاوض، كان طبيعيا أن يصاحبه التنازل من هنا، وآخر من هناك. وعلى هذا الأساس فإنه لا يمثل إيقافا لهدير تطلعات الجماهير في الشارع، ولذلك فإن الحاجة ماسة لحرية التظاهر السلمي المنظم الذي يذكر مجلس الوزراء، والسيادة، بأن رقابة المسيرات ضرورية لحمل المسؤولين على الاهتمام بقضايا الجماهير الحيوية. وعموما لا يعني الاتفاق إلا كونه مدخلا للممارسة الديموقراطية التي يكون الأساس فيها حق التظاهر الذي ينظمه القانون حتى يتاح للمشككين في الاتفاق الضغط لتحقيق المسائل المتصلة بمحاسبة أركان النظام نتاجا للجرم الجنائي الذي ارتكبوه تجاه متظاهري ثورة ديسمبر، والمعتصمين. وخصوصية هذه القضية لا تعني غض النظر عن القضايا الأخرى التي تتعلق بجرائم الإبادة، والحرب، وجرائم حقوق الإنسان.
١٠- الآن تتحول قوى الحرية والتغيير كجسم مرجعي للحكومة، ولذلك فإن النقد الموجه لها سيتكاثف بالنظر إلى ضخامة التركة، وكثافة القضايا الاولويات، ونحن نضع في البال هنا أن هناك قطاعات مستقلة معتبرة لا تنتمي للتيارات التي تشكل هذا التحالف. ولذلك فإن أول اختبار حقيقي ستواجهه قوى الحرية والتغيير هو قدرتها في التعامل مع “الجيمات الثلاثة” وهي الجغرافيا، والجندر، والجيل، وذلك عند اختيار عناصر المستويات الثلاثة للسلطة. فالنظر لاختياراتها سيتعلق بفحص قدرتها على تمثيل هذه المكونات المجتمعية المهمة التي لعبت دورا حيويا في الثورة، وإضعاف النظام. ولقد لاحظنا شكاوى عديدة خافتة حول التمثيل الضعيف للنساء، وبعض الأقاليم، والشباب في المفاوضات. ولذلك سيخضع الرأي العام كل تشكيلات المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي لفحص دقيق ليتأكدوا أن العدالة – وهو من شعار الثورة – قد تحققت بإرساء أولى المفاهيم الثورية. ومع ذلك فنحن على قناعة بأن بلادنا التي نزفت كثيرا طوال الثلاثين عاما الماضية موعودة بفهم جديد في ما يتعلق بهذه المسائل، وهناك أخرى متعددة، وكثيرة، تشغل بال الكوادر القيادية لقوى الحرية والتغيير الذين ساهموا في حفظ وحدة هذا التحالف وسط استهداف شرس لضربه من خارجه، وداخله. وكذا حافظوا على وحدة البلاد، ولا بد أنهم مصممون على تحقيق ديموقراطية كاملة الدسم، بما يصاحبها من إسهامات عاجلة على صعيد إعادة بناء البلاد، ووضعها في الطريق الصحيح نحو التقدم، وتوطيد دولة المؤسسات.