عرمان لـ «الشرق الأوسط»: البشير يدافع عن كرسي الرئاسة.. وليس عن «الشريعة»
نائب الأمين العام للحركة الشعبية: عليهم الاتجاه صوب طيب أردوغان.. وليس إلى طالبان
عيدروس عبد العزيز
قال ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان، والقيادي النافذ فيها، إن دولة شمال السودان تحتاج إلى ترتيبات دستورية جديدة، إذا صوت الجنوبيون لصالح الانفصال خلال الاستفتاء على تقرير المصير الذي سيجرى الأحد المقبل. وقال عرمان، وهو عضو المكتب السياسي بالحركة، إن ما قاله الرئيس السوداني عمر البشير، بأن «العروبة والإسلام سيكونان هوية الشمال بعد الانفصال»، لا يستقيم، وليس في مصلحة الإسلام والعروبة. وأوضح «ما قاله البشير ليس دفاعا عن الإسلام، لكنه دفاع عن السلطة. فالشريعة كرست خلال السنوات الماضية من أجل الحفاظ على السلطة». وطالب عرمان «المؤتمر الوطني» الحاكم بقيادة الرئيس البشير بأن يبحث عن مشروع جديد يستوعب الجميع.. والاستفادة من تجربة الجنوب».. وقال «هو يستطيع فعل ذلك إذا أراد.. عليهم الاتجاه صوب طيب أردوغان، وليس إلى طالبان».
وقال عرمان إن قطاع الشمال في الحركة الشعبية، الذي يرأسه، سيكون نواة لحزب جديد يحمل اسم الحركة الشعبية وأفكارها، لكنه مستقل عنها بالكامل. ورفض أن تكون دولة الجنوب ستقوم على «أساس فصل عنصري» يستبعد الشماليين من الذين قاتلوا معها، وقال «نحن سنكون نواة الشمال، نحمل أفكار الحركة في الشمال.. مثل أحزاب الخضر المنتشرة في أوروبا والديمقراطيين المسيحيين، ومثل جماعة الإخوان المسلمين عالميا، وأحزاب البعث، والأحزاب الاشتراكية من إسبانيا إلى جنوب أفريقيا». وأضاف «ما الذي يجعل القرضاوي يأتي ليقوم بوساطة لتوحيد الحركة الإسلامية في السودان؟.. هذه ليست عمالة، بل هي أفكار مشتركة».
* نحن على أبواب ميلاد دولة جديدة بجنوب السودان.. هل هذه هي النتيجة التي حاربتم من أجلها لسنوات.. وما هي انطباعاتك الآن، هل أنت حزين أم فرح؟
– لم تكن النتيجة المرجوة.. ولم تكن ما نحلم به. ومثلنا مثل ملايين السودانيين نأسف لهذه الحالة.. كنا نريد سودانا موحدا جديدا.. فالسودان كان مشروعا عظيما.. ولا يزال. ليس لنا وحدنا، لكن لأفريقيا كلها وللعالمين العربي والإسلامي. هذا البلد الذي يوجد به أكثر من 570 قبيلة و32 لغة و7 آلاف عام من التاريخ، وبه مليون مليون ميل مربع من الأراضي، كان يمكن أن يحافظ على وحدته بإدخال إصلاحات رئيسية على مشروعه الوطني، وعلى السلطة في مركزه في الخرطوم. وهذا لم يتم. فالمسيرة إذن لتحقيق هذا المشروع ستكون أطول مما توقعنا.. لكن نحن والأجيال القادمة سنواصل العمل من أجل تحقيق هذا الهدف. وإن لم ينجزه جيلنا نحن فالأجيال المقبلة ستواصل المسيرة.
* بالوصول إلى هذه النتيجة (الانفصال)، هل نستطيع أن نحكم على تجربتكم أنتم والآخرين في الجنوب والشمال بالفشل؟
– دعنا نضع الأمور في نصابها.. هذا فشل للبناء السياسي السوداني منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) 1955 (إعلان الاستقلال في البرلمان السوداني).. هذا فشل عمره 55 عاما. لكن «المؤتمر الوطني» يتحمل المسؤولية الكبرى.. لأن الأعوام العشرين الماضية كان الجنوب فيها مسرحا للجهاد. «المؤتمر الوطني» أدخل موضوع الدين كقضية رئيسية في الصراع.. وهذا أدخل البلاد في فتنة كبرى لا تزال باقية. ثانيا.. الجميع يعلم أن إعلان مبادئ منظمة الإيقاد كان ينادي بأن تقوم الدولة على أساس المواطنة.. وفي حالة تعذر ذلك، فمن حق الجنوبيين المطالبة بتقرير المصير. لكن قيادة المؤتمر الوطني رأت أن حق تقرير المصير هو الأخف والأفضل بالنسبة لها فعملت من أجله. ثالثا.. اتفاقية السلام في السودان صممت من أجل بناء إصلاحات هيكلية وبنيوية في بنية الدولة السودانية وفي السلطة. وما حدث أنه بعد 3 أيام من تنفيذ الاتفاقية صرح قطبي المهدي (أحد قيادات «المؤتمر الوطني») بأن وجود الدكتور جون قرنق (زعيم الحركة الشعبية الراحل) يعني وجود شخص تابع لإسرائيل في القصر الجمهوري. وبعد رحيل قرنق.. حاول «المؤتمر الوطني» ابتلاع الحركة الشعبية وتقسيمها وفشل في ذلك.. ورفض إدخال إصلاحات ظللنا نطالب بها، وأصر على أن يظل الجنوب جنوبا والشمال شمالا. والنتيجة أن الجنوب سيخرج عن السودان كما تنبأ له زعماء البرلمان الجنوبيون عام 1955، الذين قالوا «إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الجنوبيين فإن الجنوب سيخرج كما خرجت باكستان من الهند».
* هناك من يتحدث حتى داخل الحركة الشعبية عن أن الانفصال هو خيانة لمبادئ قرنق؟
– نحن حاربنا من أجل الوحدة.. وقدمنا تضحيات للحفاظ عليها.. لكن شرط الوحدة كان دائما هو أن تقام على أسس جديدة كما كان ينادي قرنق.. وعندما قررنا الانضمام إلى الحركة الشعبية في بدايتها كان ذلك إيمانا منا بما ينادي به قرنق. وعلى عكس حركة الأنانيا (حركة تمرد جنوبية) التي حاربت 17 عاما (من 1955 – 1972) من أجل فصل الجنوب، جاء قرنق (مؤسس الحركة الشعبية عام 1983) برؤية جديدة قائمة على توحيد السودان على أسس جديدة. حاربنا من أجل ذلك، ووجدنا مقاومة كبيرة من القوميين الجنوبيين ومن مركز السلطة في الخرطوم. لكن «المؤتمر الوطني» دفع بكل قوة من أجل فصل الجنوب من خلال تبني سياسات منفرة لا تعترف بالآخرين وحقهم في أن يكونوا آخرين. فقاد حربا في دارفور، وجعل المدن مخزنا للمعدمين. والأمر الأخطر الآن هو أن مناطق أخرى يمكن أن تخرج من السودان إذا استمرت الأمور كما هي عليه الآن. لذلك لا بد من إصلاحات سياسية في الخرطوم.
* ألا تعتقد أن ما وصلتم إليه هو نتيجة سياسات «التشنج».. الطرفان كانا يعرضان مشروعيهما بشكل متشنج؟
– ليس بسبب التشنج، لكن نتيجة لرفض تشكيل مشروع وطني يستوعب الجميع. فالسودان مثل أفريقيا مصغرة، ويعاني من قضية مزمنة في القارة الأفريقية، وهي كيف يتم بناء مشروع وطني يستوعب التعددية الإثنية والثقافية. الدول التي تحمل مشكلات شبيهة بالسودان ولم تعمل على استيعاب التنوع جميعها فشلت. لذا نحتاج لمشروع وطني جديد حتى نحافظ على ما تبقى من الشمال.
* لكن الرئيس البشير ينفي هذا التنوع في الشمال.. وقال مؤخرا إنه بعد فصل الجنوب ستكون الشريعة الإسلامية والعروبة هما هوية الجميع..
– هذا ليس في مصلحة الإسلام والعروبة.. ما قاله البشير ليس دفاعا عن الإسلام، لكنه دفاع عن السلطة. فالشريعة كرست خلال السنوات الماضية من أجل الحفاظ على السلطة. الشريعة الإسلامية تدعو للمساواة والعدالة.. ولا تقوم على معاقبة المخطئين المستضعفين فقط، بل محاسبة المخطئين من كبار القوم «وإذا سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها». والأديان جميعا جاءت لتكريس قيم العدالة.. لكن ما يفعله «المؤتمر الوطني» هو تكريس لدولة الشمولية والقهر للشعب. قرنق كان يقول إن السودانيين قبل أن يكونوا أفارقة أو عربا أو مسلمين أو مسيحيين يجب أن يكونوا سودانيين أولا.
ونقول أيضا إن الشمال ليس كله عربا.. فهناك الدناقلة والمحس والنوبة (أقصى الشمال).. والبجة (شرقا) والفور والزغاوة والمساليت (غربا)، كلها قبائل غير عربية. لذلك فإن حديث البشير لا يستقيم، ولا يؤدي إلى استقرار السودان. على «المؤتمر الوطني» أن يبحث عن مشروع جديد يستوعب الجميع.. والاستفادة من تجربة الجنوب.. وهو يستطيع فعل ذلك إذا أراد. عليهم الاتجاه صوب طيب أردوغان.. وليس إلى طالبان.
* كيف ترى السيناريوهات خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بعد الاستفتاء.. وما هي المخاوف؟
– هناك مخاوف.. وأسوأ المخاوف ألا تحسم القضايا الخلافية مثل الحدود وأبيي بعد الاستفتاء. يجب منع وقوع حرب، ولا يمكن تجنب حرب إلا بحل القضايا الخلافية العالقة، من خلال مشروع استراتيجي يعتمد على سياسة «الاعتماد المتبادل»، وهي أن يدعم الجنوب الشمال بما يحتاجه.. ويدعم الشمال الجنوب بما يريده. يجب خلق علاقات استراتيجية بحيث يكون الشمال هو نافذة الجنوب إلى العالمين العربي والإسلامي، ويكون منفذه إلى السعودية ومصر وليبيا والشرق الأوسط. ويجب أن يكون الجنوب هو نافذة الشمال إلى جنوب وشرق أفريقيا. يجب أن نعمل على إنشاء اتحاد بين دولتين مستقلتين. يجب ألا نخلق مناخا عدائيا.. يجب أن يكون هناك جوار جاذب.
* حسب معطيات الواقع الآن أي سيناريوهات أقرب.. المؤدية إلى التعاون، أم التخاصم؟
– المعطيات يمكن أن تتغير في كل يوم.. نحن عقدنا لقاءات مع الرئيس البشير ومساعده نافع علي نافع، وطرحنا تصورات وجدت أصداء. لكن ما ينقصنا الآن هو الإرادة السياسية. يمكن في ظرف يومين أن يجتمع البشير مع سلفا كير، ويتفقا على قرارات أساسية تؤدي إلى اتفاق استراتيجي، يعتمد على قاعدة «الاعتماد المتبادل». هذا ليس شيئا خارقا.. وقد يحدث. أتمنى أن يذهب البشير إلى الجنوب يوم إعلان نتيجة الاستفتاء ويلقي خطابا يفتح فيه أبواب الأمل.. ويفتح صفحة جديدة من التعاون. وأن يكون سلفا كير موجودا في الخرطوم، ويعطي رسالة إلى الشمال لبناء علاقة جديدة كانت مبنية على الوحدة، يمكن أن تبنى الآن على أساس اتحاد مشترك بين دولتين. الشمال لن يكون شمال أفغانستان، والجنوب لن يكون جنوب البرازيل.. الدولتان لن تكونا قابلتين للبقاء والعيش إلا باتخاذ قرارات جريئة.
* البعض يشير إلى وجود انقسامات في الحركة.. أنت شاركت في اجتماع مع قادة الأحزاب ناقش قضية الإطاحة بالحكم، وقام باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية بعده مؤكدا أن الحركة ضد الإطاحة بحكم البشير، أي أنكم تتحدثون بلسانين..
– لم يحدث هذا.. أنا لم أصرح وهو لم يصرح.. نحن اعتمدنا مبدأ الحوار مع القوى السياسية. وما حدث في الاجتماع مع قادة الأحزاب أنهم ناقشوا ضرورة إيجاد ترتيبات جديدة في الشمال، بعد الانفصال، من خلال مؤتمر دستوري، تحضره كل القوى السياسية، لتقديم رؤية حول كيفية حكم الشمال، وتم طرح فكرة إقامة حكومة قومية، وإذ رفض «المؤتمر الوطني» هذه الخطوات أجمعت القوى السياسية على ضرورة الإطاحة بالحكم. ونحن في الحركة الشعبية دعونا إلى عقد مؤتمر دستوري أيضا لتقرير كيف يحكم الجنوب وتكوين حكومة قومية.. وما قلناه يتفق فيه كل قادة الحركة، بأن الشمال يحتاج إلى ترتيبات دستورية جديدة، وهذا ما أكدنا عليه في الاجتماع مع الأحزاب السياسية.
* باقان أموم الأمين قال أيضا إن قطاع الشمال في الحركة الذي ترأسه سينفصل عنها، وسيكون حزبا سياسيا في الشمال لا علاقة له بالحركة.. هل يعني ذلك أنكم ستتخلون عن عضويتكم في الحركة عقب الانفصال؟
– حديث باقان جاء بعد اجتماع مطول عقدناه بيننا، اتفقنا فيه على فك الارتباط بين قطاع الشمال والحركة الشعبية في الجنوب تدريجيا خلال ستة أشهر. وهي الفترة التي تلي الاستفتاء مباشرة، حيث سيتم فك الارتباط على كل مستويات الدولة التشريعية والتنفيذية والسياسية بين الشمال والجنوب. وستعقد الحركة اجتماعا لمجلس التحرير والمكتب التنفيذي في الجنوب، سيتم فيه تقييم التجربة وإنشاء تنظيمين مستقلين كامل الاستقلال.. تنظيم في الشمال وآخر في الجنوب. لن تربطنا إلا الأفكار، مثل جماعة الخضر في النرويج وبريطانيا، والديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا وإيطاليا، ومثل ما يربط حركة الإخوان المسلمين في العالم.
والحركة ليست الحزب الوحيد الذي سيخطو هذه الخطوة، بل كل الأحزاب الممتدة بين الجانبين، مثل أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي، كلها سيكون لديها فروع هنا وهناك. هناك فترة 6 أشهر على جميع الأحزاب ترتيب أوضاعها فيها.. وأعتقد أن وجود هذه الأحزاب على الجانبين يمكن أن يشكل نواة وحدة مستقبلا.
* هل سيحمل الحزب الجديد الاسم نفسه، الحركة الشعبية؟
– التنظيم سيحمل اسم الحركة الشعبية.. لكن إذا أراد أعضاء التنظيم تغيير الاسم فهذا شأنهم.
* هناك أصوات تنادي بعزل الحركة الشعبية في الشمال.. وعدم السماح لها بإنشاء حزب..
– لن يستطيعوا.. لأن وجود الحركة على الأرض كبير وقانوني ودستوري.. وهي أقدم من «المؤتمر الوطني» في الحياة السياسية بتسميته الحالية. من المهم جدا أن نكون عقلانيين.. لأن وجود أحزاب تحمل أفكارا مشتركة في الجنوب والشمال يمكن أن يكون عامل توحد، مثلما حدث في أوروبا، فقد كان للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الدور الأكبر في توحيد القارة. يجب ألا ينظر إلينا نظرة عدائية وكمهدد للأمن. نحن نقطة التقاء، ويمكن أن نسهم في إيجاد علاقات متينة بين الشمال والجنوب مستقبلا. ونذكر أن الحركة لديها قوات على الأرض «من الشماليين» تعمل مع القوات المسلحة، ولديها مقاتلون سابقون يجب أن يستخدموا في العمل السلمي الديمقراطي، وعدد مقاتليها أكبر من مقاتلي حركات دارفور مجتمعة.. يجب ألا ننسى هذا لأن الانجرار وراء التصورات السالبة سيضر باستقرار الشمال بعد المعاناة الطويلة في الجنوب. لا نريد أن ينشأ جنوب آخر في الدولة الشمالية ينادي بنفس مطالب الجنوب الذي ولى.
* ما هو مصير الشماليين أعضاء الحركة الشعبية، هل يمكنهم تولي الوظائف في دولة الجنوب، وما مصيرهم؟
– الشماليون في الحركة لا علاقة لهم بالجنوب.. فهؤلاء مناضلون قاتلوا في الشمال مثلما قاتلوا في الجنوب.. وهم موجودون في كل أنحاء السودان، في 15 ولاية شمالية. هم قوى رئيسية في الشمال، وسيكونون حركة مستقلة لن تتلقى الأوامر من أي جهة خارجية.. وستكون حركة داخلية تحمل الاسم نفسه والأفكار.. مثلما تحمل أحزاب البعث في العالم الأفكار نفسها.. ومثلما تحمل الحركات الإسلامية الأفكار نفسها في جميع أنحاء العالم. ما الذي يجعل الشيخ القرضاوي يجتمع بقادة الحركة الإسلامية في السودان، وهم يلتقون من حين لآخر؟ ما الذي يجعل القرضاوي يأتي ليقوم بوساطة لتوحيد الحركة الإسلامية في السودان؟.. هذه ليست عمالة، بل هي أفكار مشتركة. ما الذي يجمع أحزاب العمال في أوروبا والخضر والأحزاب الاشتراكية من إسبانيا إلى جنوب أفريقيا ويجعلها تجتمع دوريا لوضع برامجها وأفكارها واتجاهاتها؟
* ما أرمي إليه.. هل سيتخلى الشماليون في الحركة عن عضويتهم في الحركة الجنوبية الأم؟
– هم سيكونون حركة شعبية مستقلة في شمال السودان.
* هل سيتخلى ياسر عرمان عن عضويته في الحركة الشعبية بعد الانفصال؟
– سأكون جزءا من الحركة الشعبية في الشمال.. هناك حركة شعبية في الجنوب، وأعضاؤها من الجنوبيين، وأخرى في الشمال للشماليين. هما منفصلتان تنظيميا، لكنهما تلتقيان في الأفكار كما هو حاصل عالميا.
* ألا ترى أن هذا «فصل عنصري».. لماذا لا يكون هناك شماليون يشغلون مناصب في دولة الجنوب ما دامت المسألة فكرية؟
– هذا ليس فصلا عنصريا.. هذا فصل فكري. هناك إطار دستوري وقانوني، ثم أنا لا أريد أن أذهب إلى الجنوب. أنا مواطن شمالي، لم أحارب وأناضل من أجل أن أكون مواطنا جنوبيا.. ذهبت بوصفي مواطنا شماليا.. والسودان ما عاد موحدا.
* هل قوانين الحركة تتيح للشمالي العضو فيها أن يتبوأ مناصب عليا؟
– يا سيدي.. هذا وضع جديد، لم يكن موجودا من قبل.. ستكون هناك دولتان.. هذا حدث جلل، هذا تسونامي، ستترتب عليه أوضاع جديدة، لم تختبر من قبل ولم تقنن. الآن نحن قرارنا واضح.. سنؤسس حركة شعبية مستقلة في الشمال.
* الدولة الجديدة.. ما اسمها؟
– هذه قضية تحددها حكومة الجنوب.. والقوى السياسية هناك.
* وترتفع أصوات أيضا في الشمال لتغيير اسم السودان؟
– نحن ضد هذه الفكرة تماما.. هذا الاتجاه تعبر عنه الصحف التي تستثمر في الكراهية والفتن في الخرطوم.. وتطالب بتغيير اسم السودان الشمالي. الشمال والجنوب يجب أن يحتفظا باسم السودان، لأنه رابط وجداني.. ويعكس حقائق الواقع في السودان. نحن أتينا من أزمنة بعيدة، ونحمل معنا ثقافات متعددة، ونحن مواطنون سود، والسواد لا يقدح فينا أو في ثقافتنا.. ولا يقدح في إنسانيتنا. هذا الاسم حملناه واشتهرنا به في العالم ونعتز به. لا نريد تغييره حتى لا نغير الأغاني والأشعار التي كتبناها ولا نغير وجداننا. السودان ملحمة تاريخية.. ليست كلها حروب.. بل فيها جوانب مشرقة كثيرة. وقامت على أرضه ممالك ودول تاريخية.
* هل يمكن أن نشهد نزاعا على الاسم؟
– يا سيدي الأهم من الاسم هو هل ستكون الدولة الوليدة ديمقراطية؟.. هل ستكون دولة عدالة اجتماعية؟.. هل ستحترم التنوع؟.. هل ستأتي بمشروع بناء وطني جديد يجمع الجنوبيين ولا يفرقهم؟ هل ستكون الدولة على غرار تجربة الخرطوم، أم ستكون جوبا جديدة؟
* هل تتخوفون من عقبات أمام إقامة مشروعكم السودان الجديد في الجنوب؟
– بالطبع نتخوف.. هناك تحد كبير، سيأتي بعد مرحلة التحرر. سنواجه تحديا في أن نقيم حكما ديمقراطيا.. يكافح الفساد، ويحترم التنوع والتعدد، ويقدم الخدمات والتنمية، ويخلق علاقات استراتيجية مع الشمال.
* قلت في إجابتك السابقة كلمة تحرر.. هل تعنيها؟
– نعم أعنيها.. الحرب دارت في الجنوب وقامت من أجل قضايا عادلة. كانت هناك مظالم حقيقية. لكننا نقول إن الانفصال ليس الحل.. الحل بإقامة دولة ديمقراطية وطنية..
* تقول إن الجيوش في النيل الأزرق أكبر من دارفور.. إلى ماذا تلمح، هل يمكن أن تقودا نزاعا جديدا؟
– هذا ليس تلميحا.. هذا تنبيه بأن الحل السلمي الديمقراطي هو المفضل لجميع الأطراف. وتتبنى الدولة سياسات واقعية، وأن يتم الاتفاق والإجماع على ترتيبات دستورية في الشمال تحترم التنوع. نحن سنعمل من أجل حلول ديمقراطية سلمية تعيد الحياة السياسية. ونحن جربنا الحرب، ونحن ضدها بالكامل ولا نريد العودة إليها مطلقا.. وعلى الذين يسعون لذلك أن يكفوا لأن ذلك ليس مفيدا لنا ولهم.