خاص السودان اليوم
كثيرون استغربوا للحكم الذى اصدرته المحكمة بحق الاستاذ عثمان ميرغنى – رئيس تحرير الزميلة التيار – فى القضية المرفوعة ضده من جهاز الامن والمخابرات الوطنى ، ومثار الاستغراب منشؤه عدة اعتبارات اولها ان القضية قد مرت عليها سنوات ونالت الصحيفة عقوبة مغلظة بسييها تمثلت فى الايقاف القسرى لسنتين كاملتين قبل ان تعود بحكم المحكمة الدستورية التى ابطلت الايقاف ، وتعتبر عقوبة الايقاف لسنتين اكثر من كافية فكيف يتم تكرار العقوبة على فعل واحد؟ هذا كان السبب الاول الذى اثار الاستغراب والسبب الثاتى كون القضية تعتبر من قضايا التعبير وابداء الرأى وليس فيها تعديا على شخص بعينه، ، اضف الى ان تناول الشخصيات العامة بالنقد والاعتراض على سياساتهم والمجاهرة بالخلاف معهم لا يسوق الى السجن و
تكميم الافواه وانما رد على الكلام بكلام مثله ، وكان يجدر بالجهة المتضررة ان ترسل مقالا ترد فيه على ما تعتبره كلاما خاطئا ولها الحق فى المطالبة بنشره فى نفس الصحيفة بل فى نفس المكان وما كانت التيار او غيرها لترفض ذلك وهكذا كل الصحافة الحرة التى تحترم نفسها فى اصقاع الدنيا قاطبة ، لذا لم يتوقع الناس ان تاتى العقوبة مغلظة ويبدو منها التشفى ظاهرا وكأنها رسالة الى كل رؤساء التحرير ان يغلقوا صحفهم امام اى قول لاترتضيه السلطات ، ويفكروا كثيرا قبل السماح بنشر ما ربما لن يرضى الجهات الرسمية ، وهذا انحدار خطير فى مسيرة الاعلام الحر المسؤول والغاء لرسالته الهادفة وتكسير لمجاديفه وهو يسعى لرقابة الحكومة والمساهمة فى الاصلاح العام فى المجتمع مما يعود بالخير على الكل وفى مقدمتهم الحكام بلا شك ، اما السبب الثالث الذى اثار الاستغراب فهو صدور الحكم المغلظ فى وقت غير مناسب سياسيا اذ البلد تشهد تحولا وتنشد تغييرا كبيرا نحو الافضل بعد رفع الحصار الامريكى الذى طال عليها ولايخفى على احد ان من أهم مطلوبات امضاء التعاون التام الذى تنشده حكومتنا مع امريكا والغرب بشكل عام وتحسين صورتها فى وسط المنظمات والهيئات الدولية لا شك انه التقدم المنشود فى ملف حقوق الانسان والحريات والغاء القوانين التى لا تتماشى مع هذه المطلوبات فكيف يصدر هذا الحكم القاسى على السيد رئيس تحرير صحيفة لانه سمح بنشر مقال من خلال منبره ينتقد فيه رئاسة الجمهورية معلقا على الحوار التلفزيونى الذى اجراه حينها الاستاذ الطاهر حسن التوم مع السيد رئيس الجمهورية ، وبغض النظر عن صوابية تلك الانتقادات من عدمها فان قضايا النشر لايمكن القبول بان تكون عقوبتها السجن المغلظ.
الاستاذ عثمان ميرغنى رفض ان يدفع الغرامة واختار السجن قائلا ان المسالة مبدا بالنسبة له ، وان الحقوق لا تتم المجاملة فيها معتبرا ان الحريات حق اصيل وليس لاحد ان ينتزعها او يعلقها وانه سيمضى فى قضيته الى النهاية ، ولم يغفل الاشارة الى احترامه للقضاء السودانى وثقته فيه مؤكدا ان السلطات تضيق ذرعا بالاصوات التى تنتقدها متعهدا ان تستمر صحيفته فى خطها التحريرى الذى انتهجته وتواصل مناصرتها لقضايا الناس وتقوم بدورها الذى تراه واجبا عليها فى رقابة الحكومة وكشف مواطن الخلل فيها دون ان يعنى ذلك انها تتبنى خطا سياسيا مواليا للحكومة او معارضا لها وانما رسالة الاعلام الحر النزيه هى حماية الحريات وحراسة حق الناس من ان تعتدى عليه اى جهة.
اطراف عديدة تفاعلت مع قضية السيد رئيس تحرير التيار واعلنت تضامنها معه ومن بينهم نواب برلمانيون من احزاب مشاركة فى الحكومة واخرى معارضة، اضافة الى هيئات ومنظمات وجهات مختلفة اجتمعت تحت عنوان مناصرة الحريات ودعم الاستاذ عثمان ميرغنى فى قضيته العادلة ورفض الحكم الذى اعتبروه جائرا بحقه ولايخدم البلد فى شيئ بل بالعكس راوه ياتى خصما على مسار الاستقرار والانفتاح
الحكومة من جانبها التزمت الصمت وان كان السيد وزير الاعلام قد قال للصحفيين فى البرلمان اثناء استطلاعهم السادة النواب بعد صدور الحكم قال انهم لايتدخلون فى الامر ولا يعلقون على احكام القضاء موضحا ان الحكومة تتالم لايقاف الصحف ومصادرتها داعيا الى التوافق على قانون الصحافة الجديد عندما يقدم قريبا الى البرلمان لتصبح المسائل واضحة للجميع ، ولسنا هنا فى وراد التعليق على كلام السيد الوزير لكن فقط نساله ألا تعتبرون فى الوزارة ان العقوبة التى تعرضت لها الزميلة التيار بالايقاف لسنتين عقوبة كافية؟
لا شك ان الكثيرين ممن تضامنوا مع الاستاذ عثمان ميرغنى لا يتفقون معه فى كل شيئ لكن لا خلاف بين الناس ان الاختلاف معه لا يعنى هضم حقوقه وعدم مناصرته فى مواقفه المحقة وهو فى هذا الامر محق ولا يستحق السجن ، وحسنا فعل وهو يقول السجن احب الى كما عبر الاستاذ محجوب عروة لانه بهذا الموقف يرسل رسالة للجميع ان الحقوق لابد من الوقوف بقوة خلفها والا لما نلناها
التحية للاستاذ عثمان ميرغنى وهو ينتصر على سجانيه بشموخه وهامته المرفوعة ، والتحية له وهو يرفض باباء وشموخ امضاء ما رآه يتعارض مع معركته لانتزاع الحريات