أكاد اسمي عبد الله مسار بأنه ظاهرة مؤقتة ، ولو جردنا حساب الإنقاذ سوف نجد مثيله ، عبد الله محمد أحمد ، محمد الأمين البصير ، عبد الباسط سبدرات ، الزهاوي إبراهيم مالك ، أحمد المرضي ، وهناك المزيد من الاسماء التي عملت مع الإنقاذ بموجب العقد الموسمي ، وقد إنتهت هذه الظواهر وفقاً لقانون العرض والطلب ، لكن عبد الله مسار تميز عن جميع من سبقوه ، فالرجل كان أشبه بفقاعة الصابون التي تنفجر قبل أن يمسها أي إنسان ، كان عبد الله مسار كثير الضجيج وعالي الصوت ، صديق لي يعمل في فضائية عربية أفضى ألى بسر حول عبد الله مسار ، حيث قال إن هذا الرجل لا يغلق هاتفه الجوال في وجه مراسلي الفضائيات ، بل أنه أحياناً ، ومن حسابه الشخصي ، يتصل بهم ليدلو بدلوه ، وفي حالة التعسر للوصول إلى ابراهيم غندور أو ربيع عبد العاطي تلجأ الفضائيات لعبد الله مسار وذلك لسرعة الوصول إليه .
ينقسم رجال الإنقاذ إلى بدريين ومخضرمين ومؤلفة قلوبهم ، البدريون هم الذين حاربوا مع الإنقاذ ومنهم بروفيسور الزبير طه ووزير الخارجية الحالي علي أحمد كرتي ، والمخضرمين هم الذين تقلبوا في الحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها ، وأحياناً يُطلق عليهم الشيوخ ومن بين هؤلاء أحمد عبد الرحمن وبروفيسور عبد الرحيم علي ، أما المؤلفة قلوبهم فهم الذين دخلوا جبة الإنقاذ بناءً على قانون التوالي الذي أبتكره الترابي ، وضيفنا عبد الله مسار هو من الشريحة الأخيرة ، فهو ينتمي لحزب لا يتجاوز عدد أفراده العشرون وولكنهم جميعاً يشغلون مناصب كبيرة في الدولة ، فحزب الأمة الإصلاح والتجديد ليس حزباً ، فهو أشبه بالنادي الرياضي أو الجمعية التعاونية ، وهو ليس مفتوحاً أمام الجماهير والدليل على ذلك أن عدد أعضائه يتناقصون كلما فقد أحد أعضائه وظيفته في الدولة .
وقبل أن ندخل في موضوع مسار وما جرى له من إهانة ، علينا في البداية أن ندرس حجم الاستاذ/عوض جادين ، فهو من جماعة البدريين ، كما أنه اشترط على الرئيس من البداية بأن لا يتدخل أحد في عمله ، وهذا يدل على تفشي الفساد الإداري في هذا البلد ، فجميع رجال الإنقاذ يعتقدون أنهم مثل المختار في فلم (Matrix)، لذلك كان عبد الله مسار اشبه بمن لحقت حتفها بسبب ظلفها ، توهم عبد الله مسار بأن منصبه حقيقي وبأنه وزير إعلام بقدر ما تعني هذه الكلمة من معنى ،ولذلك دخل في معركة كلفته منصبه ، وقد كان كل من سناء حمد العوض والاستاذ عوض جادين يلعبون بنظام (Tick tack team) ، وغير ذلك هم يعلمون جيداً أن المرجعية في القصر الجمهوري لن تتخلى عنهم ، ولذلك كانت مسرحية إعفاء سناء العوض من منصبها حتى لا يشعر عبد الله مسار بالغبن ، ولا أعتقد أن الاستاذة سناء كانت في حاجة لهذا المنصب لأنها تستطيع أن تخدم النظام من كل المنابر ، فهي معبأة ايدلوجياً ولذلك لم استغرب عندما رايتها تعرض صورها في وسائل الإعلام وهي تحمل الكلاش في معية نجل الدكتور نافع علي نافع ، وكان ذلك بعد إنسحاب الحركة الشعبية من حقل هجليج النفطي ، وهناك مراقبون للشان الإعلامي في السودان يقولون أن زوج الوزيرة المعفية كان من المؤسسين لمنظمة الفداء للإنتاج الإعلامي ، وهي منظمة إعلامية حربية تعبوية تم تأسيسها في ايام حرب الجنوب على نسق الحرس الثوري الإيراني ، وبهذا يكون عبد الله مسار دخل عش الثعابين من غير أن يحمل معه الترياق ، ومن هنا أستطيع أن أجزم أنه تمت إقالته ولم يستقيل كما زعم .
والبدريون من رجال الإنقاذ لم يكونوا راضين عن أداء الاستاذ/عبد الله مسار في ايام أزمة هجليج ، وقد كثر الحديث عن عدم مهنيته ، وهذا تسبب في بروز دور الاستاذة/سناء العوض بصورة متكررة في وسائل الإعلام المختلفة ، وغير كل ذلك أنهم يعتقدون أنه أختار توقيتاً سيئاً لخوض معركة غير ضرورية مع عوض جادين ، اضف إلى ذلك أن عبد الله مسار في أزمة هجليج كان يركز كل هجومه على دور حركات المقاومة في دارفور في أزمة إحتلال هجليج ، وهو من هنا ينطلق من بعده الشخصي في إدارة الأزمة وليس من البعد الموضوعي ،و أهل الإنقاذ كانوا يروون أن التعبئة ضد الحركة الشعبية تُؤتي أكلها أفضل من التركيز على حركات دارفور المسلحة والتي في نظرهم إنتهت بعد إغتيال الدكتور خليل إبراهيم ، وذلك بحكم أن هناك قواعد ثابتة للدعاية الحربية ضد الحركة الشعبية ، كما أن مواطن الشمال لن ينقاد للإعلام إذا تم تصوير الحرب بأنها صراع بين حركة العدل والمساواة وحكومة شمال السودان ، وهذه المرة لن يلزم اضفاء صفة المرتزقة التشاديين على قادة المقاومة في دارفور لأن الرئيس إدريس دبي اضحى حليفاً للنظام ، نظام الخرطوم يريد أن يكون العدو الأوحد هو دولة جنوب السودان بقيادة سلفاكير ، وبذلك يكون عبد الله مسار قد غرّد خارج السرب ، ونظريته الفجة عن إحتلال إسرائيلي لمدينة الأبيض وضرب السدود والكباري في السودان لم تجد القبول المطلوب ، فإتهام إسرائيل في هذا الوقت لن يسهل مهمة المبعوث الأمريكي الذي لعب دور الجندي المجهول في تحرير هجليج ، فربما يكون رجال الإنقاذ كانوا محقين في عدم مهنية عبد الله مسار ، فمدرسته الإعلامية كانت مبنية على الضجيج والصياح ، وعلىّ هنا أن اشير ان دور وزير الخارجية الحالي علي كرتي غطى الثغرات الإعلامية التي خلفها عبد الله مسار ، بل أنه كان هادئاً طوال هذه الأزمة ، وعلى الرغم من تشدده إلا أنه لم يظهر ذلك على المستوى الخارجي ، وفي الخاتمة متى يعود عبد الله مسار لمنصبه ؟؟ الإجابة عند حركة العدل والمساواة ..فلو نفذت اي عملية ناجحة ضد النظام سوف يعود عبد الله مسار مثل العصفور الطليق ويمكنه أن يغرد أن تحد سياجه سناء العوض أو يخرسه عوض جادين.
سارة عيسي
sara issa [[email protected]