طيارة جاتنا تحوم، ضربت حمار كلتوم" في عهد جيش "اللمبي" وأمن البشير فايز الشيخ السليك

[email protected]
ما بين أغنية مبدعتنا الراحلة عائشة الفلاتية، ” طيارة جاتنا تحوم، جات تضرب الخرطوم، ضربت حمار كلتوم “، و صاروخ اسرائيلي، وسياسات داخلية رابط عضوي، ولو عن طريق المفارقات، فحينما ينطلق الصاروخ من منصة، أو بارجة داخل مياه البحر الأحمر، أو من جوف طائرة حربية تخترق الأجواء السودانية اليتيمة في مشهد متكرر، ثم يضرب سيارة متحركة داخل مدينة بورتسودان ، يطلق الإنقاذيون عناصرهم للبحث عن “فريسة” داخل المدينة ، أو العاصمة، وتفتيش حتى ” أسطوانات الغاز، أو معرفة ما يدور في داخل الأنفس، وما تخفي الأعين والصدور.

وبجدارة يمكن سودنة قصة الأرنب الذي يريدونه ” ثعلبا” “قوةً واقتدارا” ، والطرفة تقول ” إن مسابقة بين أجهزة الاستخابارات العالمية أُجريت داخل غابة كثيفة، وكان الهدف هو “ثعلب مكار” أُطلق وسط تلك الأشجار، وخصصت لجنة المسابقة زمناً للقبض على “الهدف” فعاد “السي آي أيه” بهدفه، وكذلك “الموساد”، وحتى “الكي جي بي”، “والسافاك”، و”المخابرات المصرية”، وكمان مخابرات جنوب أفريقيا، ودولة جيبوتي، لقد عاد عناصر هذه الأجهزة بالثعلب خلال فترات زمنية متفاوتة، كلٌ حسب امكاناته، وقدراته، إلا أن اللجنة افتقدت أحد الأجهزة، حيث لم يعد عناصرها حتى منتصف اليوم، ثم اليوم الذي يليه، فتقرر إرسال فريق مشترك للبحث عن المخابرات التائهة، وللمفاجأة ؛ وجد الفريق عناصر الجهاز الضائع وسط الغابة، ولما وصلوه وجدوهم يمسكون “أرنباً” ويجلدونه جلداً مبرحاً ، ويصيحون بأعلى أصواتهم ” قول أنا ثعلب، قول أنا ثعلب”.

وفيما تضرب القوات الخاصة الاسرائيلية داخل العمق السوداني؛ و كلما أرادت، دون أن نسمع بإحباط محاولة اختراق واحدة، تفرغ الأجهزة الأمنية السودانية شحناتها الغاضبة، في جماعات داخلية ، وهي جماعات في الغالب تبرز معلوماتها تحت ضوء الشمس كل صباح يوم جد، ففي أبريل 2011 فش جهاز الأمن والمخابرات ؛ ماركة المؤتمر الوطني غله في حادثة السوناتا الشهيرة في صحيفة “أجراس الحرية”، حيث قام بعملية انتشار ” نوعي” بقوة تقدر بثلاث سيارات حول أحد المطابع في بحري، لمحاصرة الصحيفة قبل خروجها، ويبدو أن عناصر الجهاز ضلت الطريق إلى بورتسودان، فآثرت الانتشار في مدينة بحري، وكنت أنا حينها قد كتبت ” طيارة جات بي فوق، جات تضرب الخرطوم ، ضربت حمار كلتوم ست اللبن، وهي أغنية تراثية مشهورة، أعتقد أنها للفنانة الراحلة عائشة الفلاتية، فبدلاً من ضرب الطائرات التي تخترق الأجواء في خيلاء، وتقوم بكل هدوء بتوجيه قذائفها نحو هدفها بدقة، وهي دقة يوضحها هذا التقرير الصحفي للأستاذ صالح عمار ، وقد نشر في صحيفة “أجراس الحرية” الموؤودة ، وأكد تفاصيل دقيقة من شهود عيان علي الحادثة، وعن هوية الضحايا الاثنين.،وذكر أحد مواطني منطقة (هوشيري) القريبة من موقع القصف ويدعي (أ.م) ” أن طائرتين حلقتا في المنطقة قرابة النصف ساعة قبل الحادثة علي علو منخفض، وبينما لم يكن متاحاً رؤيتهما لحلول الظلام فإن أصوات الطائرات كانت مسموعة حتي قبل قيامها بإطلاق الصواريخ. وبعد ذلك ، ودون سابق إنذار اوأي إنارة للمنطقة _ كما يحدث في مثل هذه العمليات _ أطلقت الطائرات قذائفها، ويقول محدثنا، وحلقت في الجو قرابة العشر دقائق، لتنسحب بعدها في إتجاه ميناء بشائر القريب من منطقة القصف. وعقب ذلك، أطلقت قوات الدفاع الجوي _ التي تمتلك وحدة كاملة علي بعد كيلومتر واحد من الموقع _ ذخائر وراجمات في الهواء، وتوجهت للمنطقة قوات من مختلف الاجهزة الامنية والعسكرية”.

وقبل حادثة “البرادو” قبل يومين ؛ يعيش زميلنا الأستاذ الصحفي فيصل محمد صالح ، صموده، لا معانته ،وهو رجل خلوق، ومهذب، ومهني، ومتواضع، ووطني، وصادق، وشفاف، وهو بالطبع لن يكون “أرنباً ” يحولونه ” ثعلباً” ، وفي ذات يوم الحادث استدعى جهاز الأمن والمخابرات الناشطة الأستاذة نجلاء سيد أحمد، وهي معروفة، وإنسانة مهمومة بتوثيق الأحداث المهمة؛ سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، بل عادةً ما تسبق نجلاء الصحافيين المحترفين ، والفضائيات الكبيرة في الوصول إلى موقع الحدث، بل وتوثيقه، ونقله، وهو ما يجعل جهاز يريد أن يحكم البلاد بسياسات الحديد والنار يتشغل غيظاً من مجرد ظهور هذه الشابة الشجاعة، كما يمارس الجهاز حظراً يومياً على صحيفة ” الميدان” ، برغم أنها لسان حزب سياسي ، مسجل، ومعروف، ويعمل وفق شروط الإنقاذ لممارسة النشاط السياسي، والإعلامي.

وجاءت الضربة الثالثة، هذه المرة، والنظام يعلن ” الاستنفار”، و” الجهاد” ورئيسه يمني النفس بالصلاة في كاودا، أو دخول جوبا” وجماعته من الرجرجة ، والدهماء، والانتهازيين يهتفون ” كل القوة جوبا جوة” وهي ذات المدينة التي ذبحوا يوم استقلالها الثيران السوداء ، فرحاً بانفصال الجنوب، وما كانوا يذبحون سوى الوطن!. ويعلن أن من يمد يده إلىنا فسوف نقطعها” ، وغيرها من العنتريات التي ما قتلت ذبابة، فدخلت اسرائيل بطائراتها، وبوارجها، وخلاياها، ولا تزال تمد لسانها ” ساخرةً” من الظاهرة الصوتية الكبيرة، وما سمعنا حتى مظاهرة على طريقة ” أهالي قرية أم طرقا عراض تحذر نتنياهو للمرة الأخيرة” . أو أن البشير ينوي الصلاة في تل أبيب!. أو أن نرى جوقة المغنيين يرتدون الزي العسكري ويلهبون الحماس للدفاع عن السيادة، والأرض، والتراب، ودعوة الشباب لللإنخراط في صفوف الجهاد.

إلا أن أجهزة البشير وجماعته الحاكمة ؛ لا تجد حرجاً ، في أن تحول خيبتها، وهزيمتها إلى ” حالة نصر متوهم”بحرق القرى في دارفور، وجنوب كردفان، وفي النيل الأزرق، وقصف الأبرياء من السودانيين الجنوبيين داخل أراضي الجزء الآخر من الوطن المكلوم، أو أن تفتح النيران الكثيفة على المتظاهرين العزل، أو اغتيال شابة في عقر دارها مثلما فعلت مع الشهيدة عوضية، أو اكثر من مائة طالب ، آخرهم الشهيد عبد الحكم، أوأن تقوم بحرق مساكن المهمشين في قلب العاصمة، وأذلال العباد، وجلد الفتيات جهاراً نهاراً، وبدلاً عن ذلك تفضل الشرطة جلد كل الوطن بسياط العنصرية، والاستبداد، والعنجهية، أما جهاز الأمن والمخابرات، فيعوض اخفاقه بتحقيق انتصارات تتمثل في فرض الرقابة على الصحف، وملاحقة الناشطين، وحظر الصحافيين من الكتابة، وهو ما قد يكون فعله يوم أمس في حادثة بورتسودان، فهو بدلاً عن القيام بتشخيص دقيق للداء، يقوم بكتابة دواء غير ناجع، وبدلاً عن حماية الوطن، يقيم الليل والنهار تقرباً من البشير، وإظهار الحرص على حماية مكتسبات عصابة المؤتمر الوطني، وبدلاً من ضبط الجواسيس الحقيقين، وليس مستبعداً أن يكونوا من داخل كابنة القيادة، يصر الجهاز على أنه يعلم بما تخفي الأنفس، وما يعتمل في الصدور، ويؤكد لنا قدراته الفائقة في رصد حركة دبيب النمل في الليل البهيم!.

ويقولون لو أعاد التاريخ نفسه فهذا يعني ” كارثة”، لكن في السودان، يعيد التاريخ نفسه كل يوم، إن لم تكن كل ساعة وبالتالي حق لنا أن نعتبر بلادنا الحزينة بأنها بلد المليون كارثة، وليس مليون ميل مربع، وهذا يعني وجود شلل تام في داخل أجهزة الدولة، وقصور عقلي أعجز القائمين على الأمر أدارة شؤون هذا البلد المفجوع، فرئيسه عنصري، يصف البشر بالحشرات، وبعقلية القطيع تلك يعزف ” حملة دكتوراة” وزعماء أحزاب” سيمفونية العنصرية البغيضة، ويرقص معارضون على أيقاع “الوطني ” ، والذي تلبس بسلوفان الوطنية، ويجد المقهورون غايتهم في وصف الآخرين بالمخذلين، والعملاء، وتوزيع صكوك الوطنية، لكن ذات الأصوات تختفي اليوم!، وكأن بورتسودان ليست هي ميناء هذا البلد المفجوع!.

أما وزير دفاع البشير، أو صديقه الشخصي؛ فهو رجل غير مؤهل لكي يتولي أي منصب قيادي، حتى ولو كان قيادة جمعية تعاونية، في إحدى قرى السودان النائية، وبالمناسبة أتذكر كيف أن ذات الشخص، حين كان يتولي منصب وزير الداخلية، عندما انطلقت صواريخ توماهوك الأمريكية من مياه البحر الأحمر لتدك مصنع الشفاء/ أعلن أن القصف كان بطائرات قادمة من الشمال؛ في اشارة إلى مصر، وحين سأله مذيع هيئة الإذاعة البريطانية ” بي بي سي” عن كيفية رصد الطائرات القادمة من الشمال قبل أن تقذف بحممها وتسوي المصنع بالأرض، رد الوزير الهمام ” شافوها المواطنين، شافوها المواطنين”!. وهو ذاته من يبرر ضربة بورتسودان الثانية “أن الدنيا ضلام والكهرباء كانت قاطعة”.! هي كوميديا، وحقاً فقد أبدع من أطلق علي هذا “الوزير” اسم اللمبي، تلك الشخصية التي يتقمصها الممثل المصري محمد سعد.

وفي عهد ذات الوزير الأنقاذي نجحت دولة اسرائيل في اختراق الأجواء السودانية ثلاث مرات، ووصلت قوات العدل والمساواة إلى قلب أم درمان، فأعلن أنه لا يمتلك سوى أسلحة من الحرب العالمية الثانيةـ مع أن الميزانية المخصصة للأمن والدفاع تتجاوز نسبة الـ70%، وهي ميزانية على حساب الصحة والتعليم، وفتفر الدولة من واجباتها الحقيقية نحو المواطن، بل تلهب جسده المنهك بسياط الأتاوات والضرائب، والجبايات ؛ لتتحول كل الدولة إلى دولة ” جباية لا دولة رعاية”.

 

ليس أمامي سوى أغنية عائشة الفلاتية رحمها الله، ” طيارة جاتنا تحوم، جات تضرب الخرطوم ضربت حمار كلتوم ست اللبن”، بمعنى أن “الانقاذ” بدلاً عن ضرب الهدف، ولو كان في “تل أبيب” دفعها الغضب لضرب “أجراس الحرية”، على طريقة غلبتو مرتو أدب حماتو”، ومسكينة ست اللبن، والتي لا ناقة لها ولا بقر في الموضوع، لكنها كانت “الحيطة القصيرة”، والتي هي مثل بقية شعوب السودان المستضعفة ، وأحزابهم السياسية التي تشكو حالها لطوب الأرض، ولسانها يخاطب الحكومة “أسد علي ومع الآخرين نعامة”!ّ. من منا لا يستحي من أن يكون هذا هو حال بلاده؟. وهل يكفي شعور الاستحياء وحده؟؟؟.
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *