!!طه يهتُف:دبابين وما ماشين جعانين وما عايزين
بقلم /بدرالدين عُشر
[email protected]
الحِراك الثورى المدنى الذي يشهده السودان هذه الأيام أربكت حسابات حكومة نظام البشير المتسلطة التى جعلت الدين الإسلامى غاية لوسيلة التسلط و التجهيل والتضليل ،إ على مدى 23 عاما ،إلا أن الشعب السودانى أراد أن يحسم أمر ولاية هؤلاء الأفاكون الذين بلغوا أعلى مراتب فى آفاق وذروة الخاينة الوطنية .
لعل ما ذكرني هذا الهتاف الذى مازال يرن علي أطراف اُذني وكأنما أصغي إليه الآن تماماً ، هوالنقاش الذى أثاره أحد زملائ عما إذا كان هنالك تقارب ما بين الاخوان المسلمون فى مصر وحزب المؤتمر الوطنى فى السودان ،على الرغم من أن رأيي كان خِلافاً عن رأيه الذى يميل إلى أن ألاخوان المسلمين فى مصر يمتازون بالصدق والأمانة أكثر من أقرانهم ، وبذا يدافع بشدة عن رأيه و يؤكد وجوب إعطاءهم الفرصة حتى نبتعد عن التكهن بِأنهم ينتهجوا ذات النهج الإسلاموى العازم على الهلاك و الذي يدعوا الى كل ما هومخالف للقواعد الشرعية ،خصوصاً الذي يتعلق بالنفاق السياسي بإسم الدين الاسلامى .
فإن إعتراف على عثمان محمد طه بأن جزء من أموال الدولة ذهبت إلى ما وصفه بالبذخ السياسيي ماهو إلا بند من بنود الصرف الإستقطابي للنفاق السياسي ، الذى يقوم بتجنيد العناصر على غرار الشبيحه فى سوريا ، والبلطجية فى مصر مع إختلاف جوهري فى الكيفية والوسيله .
في بداية إند لاع الثورة المسلحة بدارفورفوقتئذٍ إتضح العديد من الطرق الحديثه للإستقطاب لدي هؤلاء المشعوذون فإليك عزيزى القاري بعضاً من الأمثلة التى تحدث فى الخرطوم والولايات عن البذخ فى اوجه التمليش .
ففي يوم من الأيام و في بداية هذه الالفية ‘هاتفنى احد الأصدقاء وأبلغنى بحفل (زواج) لأحد أقربائه وأفادنى بحضورالدعوة المقامة على شرف ذلك الحفل الذى سيقام بنادي ضباط الشرطة (في بُري) فوافقت على الفور لتشريفهم ، ولم أكن أعرف بِأن صاحبنا قائد برتبه كبيرة( لشبيحة النظام )، فعندما لبيتُ الدعوة فى التأريخ المحدد ،بالفعل وجدتُ صاحبنا يقف امام باب النادي وبرفقته مجموعة اخري من قادة الشبيحة فا ستقبلونى بحرارة وقاموا بإرشادي نحو القاعة المعدة والمخصصة للزفاف فتماديت بالدخول إلي أن وجدت أكثر من خمسين شابا داخل القاعة نفسها فشكل القاعة ونوعية الحضور جعلنى أشك فيما إذا كان هذا حفل للزواج أم حفل زفاف لبداية التشبح ،فإن ما فاجأنى هو ان اكثر من ثلاث اشخاص من بين الحضور كنا نسكن مع بعض فى مجمع سكنى واحد ، ولكن، كل منا قُدِمَ له الدعوة بطريقتة فكان الذهول سيطر على عواطف الجميع لأنهم إستخدموا خطة الإتصال الفردى كأحدٍ من فنون مراحل االتشبح .
بعد فترة قصيرة من جلوسنا في تلك القاعة الضخمة التى تتخللها منا ظر الرفاهية والبذخ بدأنا نتبادل همسات الحديث ولكن لم اكن محظوظاً، لان معظم الذين جاورتهم في الجلوس كانوا ممن وقع كل منهم كفريسة سهله لدي أعداء الأخلاق فإلى أن اشارإلينا أحد العاملين بالنادى نحو باب داخلى فبعدما دخلنا إلى ما أُشير الينا وجدنا قاعه دائرية لتناول الوجبات ، ففيه كل ما لذ وطاب ومعظمها مستوردة من دول الخليج وكل مجموعة مصنفة على حده حسب نوعيته فلحوم الطيور بفصائلها واللحوم الحمراء بانواعها ، أو بمعنى ان الترتيب بدأ من فصيلة الحمام الى الإبل ،فضلا عن الفواكه الأجنبية باشكالها وبالأضافة الى المشروبات الباردة بأنواعها والساخنة وكذلك الخبائذ الغربية ،فعُرض بطريقة التباهى بالنعمة والإفتخار بها بصورة متناهية وغريبه لأن المأكولات بقت كما هى وذات الوقت هنالك أطفال يجوبون شوارع الخرطوم ويلتقطون بقايا المطاعم من مجاري الصرف الصحي ،وكان أحد الشبان يقوم بدور تعريفنا بنوعية الطعام، حتى قال لي أحد الزملاء ممن إلتقيت بهم هناك فقال مازحاً، اليوم ممكن نشرب البيسبسي عشان يهضم الكلام ده (حيث أنه فى إحدي الايام ونحن نتمشى فى طرقات ام درمان فقلت له يأخي نجلس قليلا فى احد ي المحلات لنتناول مشروب ولكنه اصر على الإستمرار فقلت له ربما هذا المشروب سيساعد على الهضم فردقائلاً (مِنو القال ليك أنا عايزوا يَهضِهم ) فى إشارة إلى صعوبة تنظيم الوجبات بالنسبة للطالب الجامعي خاصة أولئك الوافدون من الاقاليم .
على العموم وبعد تَناولنا وجبة الزفاف المزعوم اُرشِدنا الى ذات القاعة التى اُستُقبِلنا فيها فدخل علينا (حاج ماجد سوار وزير الشباب والرياضة السابق والسفير الحالى للنظام فى ليبيا) وجلس اما منا وهو يحرك سبحته على نحو التسبيح (يعنى انه شيخ يسبح كثيرا ويحمده لله بكرة واصيلا)، فبدأ يتحدث ويقول اننا أصبحنا أخيار بعدما سلكنا طريق الحق وتركنا الباطل كأنه وصي علينا وأردف القول على اننا لم يكن لدينا مشكلة ماليه بعد اليوم فقط ماعليك إلأ لتقوم بملء الإستمارات وإختيار الوظيفة التى يخطر على بالك واضاف على انه ينصحنا لِأن نختار التوظيف فى وزارة الطاقة والتعدين ، وبعد ذلك سيتم منحنا رتب عليا ( قادة للشبيحه) وحينئذٍ تتكفل الدولة بمصروفاتنا المتعلقة بالإعاشة والسكن ،ومنحنا وسائل الحماية علاوة بمنحنا الراتب الشهري ، فكانت هنالك شاشات على القاعة ترصد كل الملاحظات فنشاهد بعضنا البعض من أعلى الشاشة بوضوح فكان التوترسيد الموقف لعدد من الحضور إلا أننا قمنا بمواجهتهم (بأن الرقم الذى ارادوا الاتصال عليه كان خطأًءً)فأخيرا عرفنا أن الذين قَبلوا بهذه العروض تم تأجير أفخم المنازل التى بها طوابق وتم تسليحهم بأنواع مختلفة ومتفاوتة للأسلحة النارية والبيضاء،فاذكر أن البعض سكنوا فى أم درمان حى الموردة فتم تكليفهم (بإعاقة انتخبات الإتحادات الجامعية التى تفوز فيها قوائم الوحدة الطلابية، وإعاقة وتشويش منابرتجمع روابط دارفور والتنظيمات السياسيةالأخرى المعارضة للنظام ،كما انها تقوم برصد ومتابعة الانشطة السياسية بالمجمعات السكنية ، وأيضاً من إختصاصات هذه المجموعة المتشبحه المتعطشة لمص الدماء هو إعتراض التظاهرات السلمية وإرتكاب إنتهاكات أخرى للوسائل المدنية والديمقراطية .
هذا نموذجاً من عدة نماذج عن طريقة حكومة العصابة الجاثمة لتكوين مليشيات موالية لها بهذه الطرق السهلة .
فمن الوسائل القديمة التى فطن إليهاالسودنيون مبكرا، في منتتصف تسعينيات القرن الماضي كان هنالك إستنفار للمجاهدين حيث دُعينا رسمياً لقطاع ولاية جنوب دارفور واذكر ان ذلك اليوم فى فصل الصيف ودرجة الحرارة كانت مرتفعة جداً يوم (الجمعة)فتم نصب خيمة داخل دار الحركة الأسلامية وبها منصة واشرطة الكاست الجهادية ترتفع اصوات مطبليها على مكبرات الصوت إلى أن حان وقت خطبة الجمعة توجهنا لأداء الفريضة ثم عُدنا مرة أخرى فلم يتناول الحضور أي وجبة منذ الصباح الباكر حتى وقت متأخر من مساءَ ذلك اليوم فعندما وصل شيخ قطاع الحركةالإسلامية بالخيمه سأل بعض الحضور عن انهم لم يفطروا حتى تلك اللحظه ،فإبتسم الشيخ المُهنِدس صاحب اللحي الطويل وتمايل قليلاَ ثم قال (أخي إحتسبها لله سبحانه و تعالى ، عسى الله أن يكتب لك أجراَ ) !! بينما نحن داخل الخيمه فجاْء منادٍ يُنادي الشيخ فذهب وبرفتقه عدد من كبارشيوخ (البلطجية) الى مكتب امين القطاع فأخينا طه كان مسئولا لمحلية الجنينه وهو شخص يمتاز بجرءةً وفكاهة، فعندما تأخر الشيخ المستشيخ قال لنا أن ثمة شئ يجري الآن لأنهم تأخروا فذهب زميلنا (طه) يتحسس عما يجري فرأى من أعلى الشباك الشيوخ (يضربوا في من جاور صدور الدجاج وعصائر الزجاج )فعاد إلينا طه مسرعا ما أن دخل الخيمه إلا وصعد المنصة التى كان بها كرسي مخصص للشيخ والجميع فى إنتظارهِ حتى ليخرج ويحاضرعن الصبر عن الجوع والإحتساب وفضائل الجهاد فى سبيل الله والعجلة للاستشهاد لأن الشهيد أملوا تأنى بسيتشهد، إلا أن زملينا لم ينتظر فتبوأ مقعد الشيخ و امسك بيده المايكرويفون وهتف بأعلى صوته (دبابيين وما ماشين جعانين وماعيزين) وظل يكرر لفترة طويله ويردد معظهم الحضور ما يقوله ،إلى أن خرج الشيوخ ففضحهم فكان على وزن (لا تنهى عن خُلُقٍ وتأتي بِمِثله عارٌعليك إذا ما فعلت عظيم ُ)هذه هى صفاتهم يكبرون ويهللون ذورا وبهتانا فيرتكبوا جرائماً ويفتون بما لم ينزل الله به من سلطان ويدعون بأنهم أخيار لأنهم اسلاميون والاسلام براء منهم.l