علي إثر التحولات العميقة في المحيط العربي و التي عرفت إصطلاحا ” بالربيع العربي” ، المؤكد أن عناوين إعلامية بصرية عديدة – نتفق أو نختلف معها – لعبت دورا إيجابا أو سلبا تجاه معادلة التحولات الديمقراطية في عدد من البلدان العربية .
و عليه ، يتبين لنا هنا و من بين قنوات فضائية مختلفة التوجه و الرسالة و المضمون نجد أن قناة الجزيرة لعبت دورا ملموسا في ضبط إيقاع تلكم التحولات للوصول لغاياتها ، هذا دون التقليل من أخريات لعبن أيضا دورا لا يقل أهمية عن قناة الجزيرة ، لتعيش معها أحزمة الدكتاتوريات في المنطقة حالة طواري نفسية و عسكرية و أمنية و تخوفات ممزوجة بقلق منقطع النظير من طبيعة محتوي العديد من المواد الإعلامية التي تقدمها هذه القنوات خصوصا في قضايا الديمقراطية و التحولات و الإصلاح و التغيير التي تشهدها المنطقة حتي لا تنفجر براكينها و زلازلها النائمة و المرتقبة و المغطي عليها بسياج الحفاظ علي الأمن القومي أو المواطن أو الوطن أو السيادة أو الوحدة أو حتي الإرهاب …..إلخ
في هذا الباب السودان ليس ببعيد و بإعتباره عضوا مؤسسا و أصيلا في هذا الحزام الدكتاتوري، كما يتنافس من حيث المرتبة و الدرجة و التقييم و كشف النقط ليحرز أولي المراتب ، و بالتالي يهمه سياسة ضبط النفس و المراوغة و المرونة لكي لا يقع الصدام مع هذه القنوات و بالأخص قناة الجزيرة و التي تحظي مع أخريات طبعا بنسبة مشاهدة عالية بل مؤثرة و بدينامكية جد سريعة في السودان و هي المحصلة التي دفعت بأحد محترفي صناعة الرأي العام و قياسه إلي القول ” إن شاركت قناة الجزيرة الشعب السوداني في إشاعة قيم الديمقراطية و الحريات و حقوق الإنسان و سيادة القانون كثقافة بدأت تدب في محيطنا الجغرافي تكون قد إختصرت و منعت وقوع المذبحة السودانية المرتقبة لأجل نظام ديمقراطي تعددي و الذي قد نصله في فترة لا تتعدي الأيام أو أسابيع معدودة بالنظر إلي الواقع السوداني الجاهز و المعد سلفا ” . و هو معطي إلتقطته و قرأته أجهزة الحكومة السودانية المعلنة و المستترة و تلك العاملة عبر الوكالة بسرعة و ليتحول فعل الإلتقاط الحكومي السوداني فيما بعد إلي خطة محكمة الإعداد و الهندسة و التخطيط رغم أنه لا يغير من الحقيقة في شيء ، حقيقة التغيير في السودان قائمة و واقعة و إن إنعدمت المساعدة الإعلامية الخارجية أو غيرها لأن أعمدتها جاهزة و الآن في طور التنفيذ ، و الجدير بالإشارة الحالة السودانية تختلف سياقاتها و موضوعها و بنيتها عن الأنظمة العربية الأخري أو تلك التي شهدت تحولات أو ما زالت تعيشها أو تسعي إليها .
إلي الجزيرة مباشرة!!
و الحديث هنا ذي صلة ، ففي الثلث الأخير من العام الماضي تم تأسيس تحالف ثوري عسكري سوداني بمنطقة ” كاودا ” السودانية و أطلق عليه ” الجبهة الثورية السودانية ” أو تحالف كاودا – في إشارة إلي موقع المؤتمر -و يضم كل حركات المقاومة الثورية السودانية شمالا و غربا و وسطا وجنوبا فضلا عن تيارات سياسية أخري مثل حزب الأمة و الحزب الإتحادي الأصل ، و بدأت تتحرك في دائرة الممنوع الواقعة علي تخوم المركز السوداني و أعلنت في وضوح تام عبر مانفستو الجبهة الرئيسي أنها تسعي لإسقاط نظم الحكم في الخرطوم و إسترداد الدولة السودانية و من ثم إشاعة القيم الحديثة لبناء الدولة و تصحيح كل الماضي العنيف في السودان ، محددة في هذا المنحي مساحة عملها الميداني و العسكري و بموجبها أكدت عدم فاعلية أي عملية عسكرية في الأطراف السودانية إلا ما هو إستراتيجيا في مشروع دولة الشمال السودانية الغير متفق عليه أصلا حتي كتابة هذا المقال ، لتشكل الجبهة اليوم أهم التحديات علي الإطلاق تاريخا و راهنا لمشوار ما يعرف بالدولة السودانية ، قبل الإنفصال و بعده ، ناهيك عن نظام حكم البشير الراعي في تشويه كل لاءت الوطنية و العرقية و القبلية و الدينية و الإقتصادية و الإجتماعية و كذا المنزلية . و لتصبح الجبهة بذلك الحاضر الغائب في الأزمة بين شمال و جنوب السودان عبر مزاعم و إسقاطات حكم الشمال ، حيث الجبهة جسم سياسي عسكري مقاوم للدكتاتورية و جنسيته شمالية بالميلاد أو بالتجنس كما تري دولة منح الهوية ، إلا أنها لم تكن جنوبية بالميلاد أو بالتجنس و بالتالي نري أن إدارة المؤتمر الوطني للصراع مع الآخر السوداني المختلف و المقاوم بمفهوم خطاب التدخل الخارجي مثل الجبهة الثورية غير ذي معني و لا مردودية بل لا طعم و لا رائحة له ،لأن إرادة المقاومة الثورية كما نعلم و نؤكد هي ماضية و تسعي إلي تحقيق الإنجاز التاريخي في السودان بعدما حددت بدقة الجمادات العائقة للتحول و الذي يمنع الشعب السوداني من الإحتفاء بيوم الإنجاز التاريخي ، ليس علي غرار إحتفاء أجهزة الأمن السودانية و مؤيدي المؤتمر الوطني بإنسحاب جيش الجنوب من هجليج و ليس وفق قولهم القائل ب ” تحرير هجليج ” الأمر مختلف و الدلائل تؤكد الأولي ، حيث أن هجليج السودانية حررها – إن قبلنا بكلمة تحرير في هذه العبارة – المجتمع الدولي بضغطه علي رئيس جمهورية جنوب السودان بالإنسحاب، و بالتالي لا ضير في أن يحتفل المؤتمر الوطني الحزب و الدولة و لو كان إحتفالا وهميا لإمتصاص حصار الداخل السوداني ، فضلا عن كونه ليس هناك قانون يمنع الإحتفال حتي و لو كان سبب الإحتفال قائما علي فرضية أن النظام إنجب إبنة ماعز ” سخلة” أو إبن دجاجة ” ديك مثلا” . مؤسسة تسيطر علي الدولة أرادت أن تحتفل و لو بهزيمتها و هو إنتصارها كما سُوق للعالمين جميعا فماذا أنتم فاعلون؟!
و بالعودة إلي بعبع نظام الحكم في الخرطوم و نعني به الجبهة الثورية السودانية ، و بموازة مع إعلانها و فعلها الميداني و رسالتها السياسية و عدتها و تجهيزاتها إرتفعت درجت الإنذار عند الرئيس السوداني و أمرائه مستوي الخطوط الحمراء و في كل شيء ، لتتحول الدولة السودانية برمتها اليوم إلي دولة طوارىء أيضا في كل شيء للحد من النتيجة السريعة لفعل الجبهة الثورية علي الأرض و كذا في إطار شكل الصراع المحدد و الضيق و هو الشيء الذي حدا بكاتب يعتبر ” بارزا” وفق شروط البروز و النبوغ للحكم السوداني و المحددة حصريا خلال العقدين الماضيين ، و أهم ما فيها الإرتباط العضوي مع مواقف الحاكم السوداني و إشاعة عقل الكراهية و العمل علي صناعة هوتو سودانيين ضد توتسي سودانيين أو العكس – و ذلك حسب ملمين بتفاصيل الشأن السوداني-، و هو ما دفع بالكاتب السلطاني ليقول و يطلب و يناشد في عاموده البارز ” قناة الجزيرة ، بل يطالب الرئيس السوداني بالتوسط و بشكل عاجل لديها ، حيث يريد أن يصل مكتوبه بالبريد الأكثر سرعة إن وجد ، فيقول في عاموده المسمي ” زفرات حري ” و تحت عنوان “بين قناة الجزيرة و تحالف كاود” الأتي : ….
“…..أقول إن- و الحديث للكاتب – على الحكومة السودانية أن توضِّح للقيادة القطرية ما ينطوي عليه مشروع «الجبهة الثورية السودانية» بقيادة عرمان ممثلاً لحكومة جنوب السودان والحركة الشعبية وعضوية متمردي دارفور «خليل وعبد الواحد ومناوي» الذين يشكِّلون أكبر مهدِّد ……..
أرى أن تعجّل الحكومة بتوضيح الأمر إلى القيادة القطرية و والله إني لأعتبر الموضوع مستحقاً لتدخل الرئيس شخصياً لتوضيح حقيقة أن تحالف كاودا العنصري أو الجبهة الثورية المزعومة الجديدة يشكِّلان خطراً على الأمن القومي …….وهل من تهديد أكبر من أن يتحالف عقار والحلو وعرمان مع خليل وعبد الواحد ومناوي في إطار مشروع السودان الجديد الذي لا يزال عرمان يهذي به ويهرف وهل من خطر أكبر من أن تضم الحركة ممثلة في رئيسها سلفا كير ـ أن تضم دارفور إلى ما سمَّوه بالجنوب الجديد الذي يشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأبيي؟! طبعاً لا أظن الدبلوماسية السودانية تنسى علاوة على التنبيه لدور قناة الجزيرة……إلخ”
مماسبق ، الواضح أو هكذا نتخيل ، أننا أزاء طلب سوداني و موضوعا عليه الخاتم الخاص و الموجه إلي قناة الجزيرة ، و موضوعه أن تتدخل الحكومة السودانية عبر وزرائها أو حتي رئيسها لأن الأمر جلل للجزيرة أو لحكومة قطر بأن لا تبث أو تستضيف أو تعكس أي نشاط للجبهة الثورية .. و الخطاب كما تقدم متبوعا بإسقاطات مستهلكة مثل العنصرية و الجهوية و “الرويبضة” …… و هي مفردات تمثل جزءا من مفردات الصحن السياسي السوداني و منطوق أحكامه الجاهزة و التي لا تصدر عن أي فعل سوداني مهما كان إلا تلك الأفعال التي لا تتأسس في الخرطوم أو تأتي بمواصفات المركز الإستعماري.، حيث كل فعل خارج عن هذه الدائرة النمطية هو فعل غير سوداني و مدعوما من الخارج و في أحسن الأحوال هو عنصريا أو جهويا ….. إلخ
و الأمثلة هنا كثيرة و لا داعي للخوض فيها ، بالإضافة إلي ذلك تبدو الرسالة إنطلقت من خليفة إعلامية خاصة جدا ، و هو إعلام حزب المؤتمر الوطني و الفضائية السودانية و التي فيها إن لم يعجبوا بالضيف لصفعوه و أخرجوه من الأستديو ، بل أسقطوا عليه عقوبة الحد ، حيث البث علي الهواء مباشرة ، إلي ذلك كونها واقعة في دائرة الإعتقاد بأن التلفزيون السوداني أو الفضائية السودانية ذات أغراض رسالية كشكل الحكم الرسالي المقدس تحت قيادة ” نبي” سوداني و فيه قد يجيز حتي حكم الإعدام تلفزيونا و بالأخص عندما يكون زعيم ثوري أو رويبضة – وفق الوصف- و هو رويبضة، و سوف يظل كذلك لأنه ظل يرفض علي مدي تاريخه السياسي المشاركة في المشروع العنصري الواضح و المركب تركيبا بإسم قيم السماء و الوطن وتحت لبوس قيادة العرق و السحنة أو الجيب و يساوي جمع المال بحلاله و حرامه و ما بينهما ما دام الأمر كله لله و لا للجاه إستنادا إلي شعار إسلامويي الخرطوم ، أو قل أحياء الخرطوم .
ملخص القول ، أن الخطاب المستعجل و الممهور بالقلق و الخوف و فقدان الشرعية السياسية و الإجتماعية في قيادة البلاد أو إدارتها، تناسي أو قصد التناسي في أن الشعوب السودانية شمالا قادرة اليوم أكثر من أي وقت مضي علي فك حبل المشنقة عنها و لو عبر بدعة التنجيم …. عليه ، إنتهي الطلب و الرد قادم لا محالة ، ليس من الجزيرة طبعا و لكن من الشعب السوداني و قواه العسكرية الثورية و المدنية. و وقتها الجزيرة تقوم بدورها كوسيط إعلامي ، محايد أو مستقل أو موجه أو ، أو …. لا يهم كثيرا!!
*مستشار رئيس حركة العدل والمساواة للشئون الاعلامية