عثمان ميرغني
هل قرأتم القصة الخبرية التي تزينت بها صحيفة (التيار) في صفحتها الأولى اليوم؟ ربما لمساعدة من يحصلون على هذا العمود –عبر الوسائط مثلاً- معزولاً عن بقية الصفحات أختصر لكم القصة..
زميلنا المخرج المعروف ميرغني سوار الذهب تعرض قبل عدة أيام لتجربة فريدة.. استقل “ركشة” وكان يحمل مبلغاً مهولاً من المال.. غادر “الركشة” ونسي المال فيها.. عندما اكتشف الفاجعة كان الأمر في وضع (فات الأوان)، فالشاب سائق “الركشة” اختفى ولا من سبيل يدل على أثره..
العشم في معجزة جعل زميلنا سوار الذهب يعود إلى المكان الذي أنزله فيه سائق”الركشة”، ويسأل بعض من صادفهم إن وقع بصرهم على سائق “الركشة”.. فتكون المفاجأة الكبرى.. أخبروه أنَّ شاباً يقود “ركشة” كان يسأل قبل قليل عن شخص أنزله في هذا الموقع.. المهم؛ أعاد الشاب المال كاملاً لا ينقص ولا قرشاً واحداً .. حاول زميلنا ميرغني سوار الذهب منحه مكافأة تعادل 10% من المبلغ.. وهي لوحدها رقم مهول.. إلا أنَّ الشاب على فقره المدقع رفض بكل إباء وشمم.. زميلنا الصحفي أحمد عمر خوجلي زار أمس الشاب وأسرته في منزلهم بالثورة (غرب الحارات).. ونقل إليكم المشهد الذي رآه (تجدونه بالداخل) أسرة فقيرة للغاية بمقياس المال.. ثرية حد الثراء بمقياس شاعرنا الكبير محمد الفيتوري في رائعته “ياقوت العرش” إذ يقول:
دنيا لا يملكُها من يملكُها
أغنى أهليها سادتُها الفقراءْ
الخاسرُ من لم يأخذ منها
ما تعطيه على استحياء
والغافل من ظنَّ الأشياءَ
هي الأشياء !
هذا الشاب واسمه (محمد موسى) من أبناء ضواحي مدينة “الدلنج” هو من عمق تراب هذا الوطن، حده في التعليم مرحلة الأساس، لكن سقفه في الأخلاق وعزة النفس وجاه الاستقامة، فوق السحاب.. صورة طبق الأصل من غالبية أبناء هذا البلد المغبون على نفسه..
أصررنا على نقل هذه الواقعة إليكم لا لنعيد سيرة الراعي السوداني الشهيرة في الشقيقة المملكة العربية السعودية، لا.. لكن لننتشل من قاع البئر روحاً معنوية وطنية هدها مسلسل الفساد وإدمان سرقة المال العام الذي جلب الإحباط واليأس..
في مقابل الصورة التي قدمها لنا الشاب محمد موسى، صور كثيرة أخرى تفيض بها وسائط الإعلام والتواصل الاجتماعي، تحكي عن أغنياء متخمين بالمال والجاه لكن نفوسهم فقيرة لا ترتوي عروقهم من أموال الشعب المكلوم في وطنه.. أثرياء كلما امتلأت بطونهم بالسحت قالت لهم هل من مزيد..
صدقوني؛ نحن وطن ثري بأخلاقنا وقيمنا أولاً.. وبمواردنا ونعم الله علينا ثانياً.. ولكن!!
ولكن؛ لعن الله السياسة!!
ألبستنا العري، وأطعمتنا الجوع، كالعيس بالبيداء يقتلها الظمأ والمال فوق ظهورها محمول.
التيار