في الظاهر أعلن الرئيس البشير عن عدم نيته فى الترشح لدورة جديدة فى 2020, لكنه حتى الان لم يعلق صراحة على ما يدور من حراك وسط دوائر حزبه الذين ينادون بتعديل الدستور ليترشح مرة اخرى. و ما تم فى 20/01/2018 فى مجلس الشورى بعدم ادراج ترشيح الرئيس فى الاجندة يؤكد شيئا واحدا هو فسح المجال لخلق قوة جماهيرية خارج اطار الحزب تؤدى الى ما يعتبرونه استفتاءا شعبيا على زعامة استثنائية تقتضى تعديل الدستور.
إلا أن د. أمين حسن عمر ومن معه يدركون جيداً حجم المأزق الاخلاقى الذي يعانى منه المؤتمر الوطنى الذى يمرّ بمرحلة حرجة ربما تؤدى الى ما لا
يحمدعقباه. أما الاخرون من الجماعة التى تتباهى ببعض الإنجازات التي يروج الإعلام الموالي للحزب بأنها تحققت في سنوات حكم الحركة الاسلامية، وتحتاج ان يواصل البشير المسيرة لاكمال ما بدأه رغم أن هذه الإنجازات تفتقر إلى قواعد و ركائز علمية تضمن استمرارها حتى في الشكل الذي تعنيه و تريده الحركة الاسلامية.
المرجح أن السنوات المقبلة لولاية رئاسية جديدة أن قدر لها أن تقوم ستكون صعيبة جدا على مراكز صنع القرار داخل المؤتمر الوطنى، حيث من المتوقع دخولهم في صراع داخلي عنيف على وراثة البشيرشخصيا والذي يتطلب بلورة شخصية قيادية بديلة ومقنعة، مع الحفاظ على الاستقرار داخل أجهزة السلطة و الحزب، ومؤسسات الدولة, يجعل الانتقال إلى المرحلة الجديدة حربا بين فصائلهم على اقتسام كعكة السلطة لا حرب على الفساد و الترهل الوظيفى و المحاصصة الذي أصاب الدولة فى مقتل و فتح الباب الى تراكم الاثقال الاقتصادية و السياسية داخل المجتمع السودانى
من المؤكد أن مرحلة البشير تقارب على الانتهاء، وإن رئاسته على وشك أن تصبح مرحلة من تاريخ السودان وأنه من الصعب معرفة كيف تكون نهايته و كيف ستتشكل المرحلة المقبلة.
فالمعارضة تعاني من انسداد كبير فى الافق. و لم تستطع أن تتجاوز تقوقعها الذى عانت منه بعد احتجاجات العام 2013، فمن الواضح أنها لم تتمكن من استيعاب ما يعانيه المجتمع نتيجة عدم قدرتها على تجاوزخلافاتها و تتوحد تحت برامج تخاطب هموم المواطن.
شهدت الايام الماضية أهم الدراما السياسية في تاريخ المؤتمر الوطنى الحديث، فهزت نظامه السياسي الهش، وذكّرت الجميع بأن الاستقرار في هذا البلد ليس مضموناً بأي حال من الأحوال. فمنذ بداية الحراك الجماهيرى الحالية وقفت الاجهزة الامنية ضد المظاهرات السلمية التي نادت بشعارات ضد الحرامية. فلم يكن باستطاعة النظام تحمل ضغوط جديدة كتلك التي تشكلت جرّاء الربيع العربى و تداعيات نجاح المتظاهرين في إسقاط النظام سلمياً.
لذلك الهدف الحقيقى من التصدى العنيف للحراك الجماهيرى منذ البداية هو حماية البشيرشخصيا. لهذا جاء سيناريو الحشود على الحدود بين السودان و اريتريا و التدخل العسكري المصرى الاريترى لصرف الانظار تحت حجة حماية البلاد من الخطر الخارجى
أما القول بجاهزية القوات المسلحة للتصدى لعدوان خارجى قول مردود لان القوة التى حركها البشير من مليشيات الدعم السريع لن تستطيع الوقوف امام جيوش قومية لدول تساندها مدفعيات و طيران و غيرها. و ما يدعيه مادة يريد استثمارها في الحملة ضد الحراك الجماهيرى.
ثم المفاجئة الكبرى بأعادة تعيين الفريق أول صلاح قوش مديرا لجهاز الامن بديلا للفريق اول محمد عطا المولى. و البشير كغيره من الحكام والزعماء الذين انهمكوا في صناعة البطولات الهلامية والوهمية على حساب التنمية البشرية فى كل جوانبها أدى إلى تراجع التنمية المادية و الاخلاقية داخل المجتمع السودانى و عمق الأزمة بتقنين متلازمة الفساد والاستبداد. فليس من قبيل المصادفة الدور الذي لعبه د. أمين حسن عمر و د. نافع في هذه الأزمة بتأجيل البت فى أمر ترشيح البشير الى وقت لاحق، لانهما يعلمان أن مناقشة الامر فى هذا الظرف يفتح المجال للمعارضة للتصعيد و يعطيها وقودا للاشتعال.
إن لكليهما مصلحة ثابتة في استقرار واستعادة التوازن السياسي للسلطة ولو ظاهرياً. وعلاوة على الخطر الذي تشكله هذه المبارازات الحالية والمحتملة، يعرف الجميع أن الاضطرابات في النظام السياسي يمكن أن تدمر البلاد، مما يؤدي إلى موجة أخرى من الحراك الجماهيرى.
ما يجب الانتباه اليه بالتحديد عدم وجود أى مناورات حتى الآن لاختيار المرشحين المحتملين ليخلفوا الرئيس بعد انتهاء رئاسته. مرشحين لا يثيرون النزاع حول ترشحهم. فمن ناحية يجب ألا ينظر إلى المرشحين المحتملين على أنهم تهديد محتمل للقوى القائمة، ويجب أيضاً استرضاء البشير إلى حد ما.
يدرك المؤتمر الوطنى أن البشير لن يسمح بانتخاب رئيس يعرقل حياته الخاصة و يسلمه الى المحكمة الجنائية تحت الضغط الدولى مثلما حدث فى يوغسلافيا،. ويريد الحزب، أن يرى مرشحاً يبقى أليفاً، ويسمح للبشير بالافلات من العدالة و أن يُستخدم على أنه موافق على كل خطط الحزب، وعلى النقيض من ذلك سيصر على أن من يتبوأ سدة الرئاسة يجب أن يكون صاحب شخصية قوية تتمتع بخبرة سياسية كافية لتمكينه من مقاومة النفوذ العلمانى و الأجنبي، بما في ذلك التدخل من جانب البلدان ذات الطموحات السياسية في البلاد، وما يحرص عليه أن الشخص الذي سينتخب رئيساً يحتاج إلى أن يكون لديه الإصرار الكافي لوقف تحول السودان إلى بلد آخر تابع لقوى ايديولوجية لها أجندتها الخاصة.
بكرى حسن صالح الذي يرد اسمه مرات عدة مرشحاً للرئاسة تولى عدة مسؤوليات عسكرية و تنفيذية. ولديه علاقات كبيرة مع قادة الجيش بناها خلال سنوات طويلة، ولكنه ليست لديه علاقات إقليمية وعربية ودولية متنوعة، وقد أُشير إليه في عدة دوائر على أنه الشخص الذي بمقدوره أن يوحد الرأي العام ويعالج الانقسامات في المجتمع السودانى رغم قدراته المتواضعة فى الادارة والحكم
سيكون من المثير للاهتمام، بعد الأزمة التي عصفت بالبلاد مؤخراً، معرفة ما إذا كان الولوغ فى أمر ترشيح البشير سيؤدي إلى الاستقرار السياسي الذي يحتاجه بشكل حتمي، أم أنه سيبشر بفترة طويلة أخرى من خمول الفكر السياسي الذي تميزت به مرحلة البشير.
هل يستسلم البشير للضغوط التي تمارسها بعض القوى في الحزب وخارجه؟ وهل من الممكن قص أجنحة الكواسرمن نسور الحزب و منعها من التحرك لتمرير أجندتها و الاطاحة به؟
وهنا يجئ دور الفريق أول صلاح قوش لرئاسة جهازالامن كمرحلة أولى للتخلص من النفايات قبل تعديل الدستور لاعادة انتخاب البشير. و ربما تليه قرارات بخصوص الفساد و ايداع المفسدين السجون لاعادة المسروقات. وان استطاع البشير الاقدام على هذه الخطوة يثبت للناس أنه استدرك أشواق الشعب. و تغلب على مصالحه الشخصية فى نهاية الامر. ثم علينا أن نضع في اعتبارنا أن صلاح قوش قد ارتكب جرائم فظيعة والسودانيون لاينسون الذين فقدوا أرواحهم و معاشهم و عانوا من أجل قضايا فى النهاية لم تعد بأى نفع بل قسمت البلاد وشردت العباد و جعلتهم من أفقر شعوب الارض على الاطلاق. و الان صلاح قوش على الخط فمن يخلف البشير؟