صراع الأفاعي السمان

أحمد محمود كانم

تضاربت التحاليل والأقاويل حول وقائع حلبة الصراع الدائر الآن بين حلفاء الأمس القريب (مجلس الصحوة – المؤتمر الوطني ) اللذين تحالفا علي أن لا يجدا نقطة دم إلا امتصاها ، ولا قرية صغيرة أو كبيرة إلا نهباها واغتصبا حرائرها وقتلا أهلها وأحرقاهم وأحرقاها ، في حملة أشبه بحملة جنكيز خان الدموية ،
فقطع البعض جازماً بأن ما يجري من مناورات بينهما الآن ما هي إلا سيناريو المرحلة لتشتيت دماء ضحايا العنف الذي ارتكباه من جهة ، وتضليل المحكمة الجنائية الدولية عبر وضعها في مفترق الطرق من جهة أخري ، وذلك إستنباطاً من واقع ما اعتادوا عليه من ألاعيب وفبركات المؤتمر الوطني الرامية إلى لي أعناق الحقائق وتفطيسها ، بينما ذهب البعض إلي الجزم بأن ما يجري الآن من مناوشات تكاد تصل إلي حرب شاملة بين الجيشين هي عين الحقيقة ، لا مزايدة فيها ولا مراء ، ليسدل بذلك الطرفان الستار على أبشع حلقات مسلسل تحالف لإبادة البشر وإنطلاق بداية حلقة جديدة لصراع دموي قد يطول أو يقصر حسب حجم الكفاءة بين الطرفين وأمزجة اللاعبين .
* لكن إذا ما عدنا خطوة الي الوراء وسلطنا التلسكوب إلى أعماق هذا الصراع نتوصل إلي حقيقة أن صراع الشيخ موسى هلال وحلفائه البادي للعيان ما هو إلا أصداء لصراع داخلي أكثر عمقاً بين مهندسي التحالف ، إذ أن الخلاف الذي ضرب أوساط الصف الأول داخل القصر الرئاسي بين علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وأنصار البشير وما تبعه من تداعيات وتباين للرؤي حول تجديد بيعة البشير في انتخابات 2020 وما إلي ذلك ، ألقي بظلاله على طبيعة وضع المليشيات ومصيرها في دارفور سيما وأن لكل من مدير مكتب الرئيس السابق طه الحسين وعلي عثمان محمد طه ونافع علي نافع جيشا جرارا من تلك المليشيات لا تأتمر إلا لأوامر سيدها فقط ، وبالتالي بالضرورة تصيبها ما أصاب سيدها من ضعة أو رفعة .
* وإذا ما عدنا إلي كنه هذا التحالف الذي بموجبه توج هلال زعيماً لمليشيات الجنجويد نجد أنه عندما أخفقت حكومة البشير في استقطاب زعماء القبائل العربية وتحريكهم نحو إحراق إقليم دارفور ، اضطر إلي الاستعانة ب”زبالة” القوم وحثالتهم الذين كان من بينهم المستشيخ موسى هلال ، أحد أبرز مثيري الحرب العنصرية في دارفور والذي أشتهر بإحترافيته للهمبته والنهب المسلح وحقده الصاخب تجاه القبائل ذوي الأصول الأفريقية ، فأطلقت حكومة العصبة الإسلاموية سراحه بعد أن كان معتقلاً بسجن بورتسودان لإدانته بقتل 17 مواطناً بدم بارد في 1997 ضمن قائمة ضحاياه الطويلة ، وفور إطلاق سراحه في 2013 الذي تم تحت اشراف مباشر من نائب رئيس الجمهورية آنذاك علي عثمان محمد طه ، وقائد القوات الجوية غداتئذ عبدالله صافي النور ، أقلته مروحية عسكرية إلي القصر الرئاسي لتوليه زمام المبادرة بتدشين مفارم الهولوكوست في دارفور ، ففتحت له خزائن أموال الدولة بقدرما فتحت له خزائن الأسلحة والزخائر ليتزود منها كيفما شاء بلا حسيب أو رقيب ، فنظم صفوف الجنجويد وفتح لهم معسكرات تدريب ، وشهدت مليشيات الجنجويد علي يديه جميع مراحل تطوراتها إبتداء من “أم باخة ” ومروراً ب”الجنجويد” ف”حرس الحدود” و”الصحوة” ، فأفرغ ثلاث أرباع دارفور من سكانها تقتيلا وتنكيلا تحت ذريعة محاربة الحركات المتمردة ، وحصر من تبقوا أحياء في مخيمات نزوح أشبه ما تكون بزرائب الرق إبان فترة النخاس زبير رحمة منصور ، ، و صارت قرية مستريحة مركزاً لاستيراد كل المنهوبات من قري ومدن دارفور ، وبذلك تصدر إسم الشيخ موسى هلال قائمة كبار مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية .
وفجأة بدأت تنتابه الشكوك حول مؤامرة تحاك ضده من قبل الطرف الآخر ، عندما شرع حليفه في إدارة ظهره عنه تجاه أحد مريديه -حميدتي- الذي بات يجد معاملة مماثلة من قبل المركز ، ورويداً رويداً أحس هلال بأن البساط بات ينسحب من تحت قدميه ، فلجأ إلي مهادنة الحركات المسلحة تارة ومعانقة الحكومة تارة أخرى لاستعادة مكانته المفقودة ، إلي أن وجد نفسه أسيراً في يد حليفه – أو هكذا بدت لنا – في نوفمبر 2017 .
* بقي أن نلفت إلي أن من يصفون محاكمة موسى هلال وأتباعه بالعنصرية والظلم إما أنهم لم يقرأوا واقع تحالف هلال وحلفائه أصلاً ، أو أنهم لم يقرأوا واقع تحالف هلال وحلفائه أصلاً .
فالشيخ موسي هلال نفسه لم يغير قناعاته ومبادئه الجنجويدية البته ، وإلا لكان قد أبدي إعتذاره لضحاياه ولو تلميحاً ولشرع في توسعة أماكن نفوذه وجعلها مناطق محررة علي غرار ما صنعته الحركات التحررية ، وهو ما لم يحدث ولن يحدث أبداً ، إضافة إلى أن موسى هلال لم يكن لديه أية دوافع ثورية تدفعه للتمرد علي أسياده سوي غيرته من تقديم حميدتي عليه وكلاهما حجر شطرنج يحركهما اللاعبون حسبما تقتضيها لعبتهم ، وبالتالي كل الذي جري ويجري هو مجرد صراع أفاعي ولصوص تعذر عليهم اقتسام المسروقات فبان المسروق .
أما محاكمة موسى هلال وأتباعه من عدمها فمرهونة بمدي تفاهم أسيادهم الأفاعي السمان داخل الهئية الرئاسية المشار إليهم في صدر المقال ، فمتي ما اتفقوا ألغيت المحكمة ومتي ما أختلفوا حوكموا نكاية بالطرف الجانب الآخر من طرفي الصراع .
ويبقى السؤال ، إلي متي تظل تلك الرقاب الساذجة عبادا لنظام طفيلي أحمق لا يأبه لأمرها إلا فيما يخدم هوي النظام وشهواته الدموية !!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *