صدق او لا تصدق ! عشرون عاما لم أرى خلالها حزام الأمان ! والسبب التهميش

إنها ليست طرفة او دعاية للأجهزة الشرطية الخاصة بالمرور ، ولكنها قصة حقيقية تعكس مدى التهميش الواقع على القوم الذين انتمي إليهم تعكس مدى الظلم الذي تعانيه هذة الشريحة من المجتمع السوداني فهل يعقل كيان بشري كبير فيه الأجداد الذين قاتلوا جنباً الي جنب مع السيد محمد أحمد المهدي ضد الغزاة واحفادهم ومن معهم من بنو عمومتهم الذين تم تهميشهم للدرجة التي جعلتهم يعيشون على تخوم المدينة وعلى هامش المجتمع دون ان يكون لهم موظفاً واحداً داخل كل حكومة الخرطوم وإن خوُجد تلقاه إما جندي في الجيش او شرطي يقوم بتنفيذ الأوامر . نعم عشرون عاما لم أرى خلالها شيئا يسمى حزام أمان ولا أدري عنه شيئاً لأنه لا يوجد من أهلي الغبش من لديه سيارة بها هذا الشيئ ، ولم يسبق ليّ ان ركبت سيارة جديدة من سيارات الخرطوم الفارهة التي يملكها فقط بعض المحسوبين للشمال او الوسط او بعض الذين سايروا حكومة المركز او قِلة من التجار او بعض العاملين في قطاع التوظيف الحكومي او الخاص وكلا الإثنين كما أسلفت لا وجود لموظف واحد من أهلي الغلابه طيلة العقود الخمسة الماضية ، نعم عشرين سنة من عمر شبابي قضيتها داخل امدرمان في فقر مدقع حيث اللمبه الفانوس والشمعه هي من تضيئ ظُلمة هذا الظُلم وبها قضيت أجمل ايام تعليمي ومذاكرتي الليلية وحولها إجتمعت الأسرة لعشرات السنين ، نعم لم تسمح ليّ الظروف ان أمتلك او اركب سيارة خاصة واكتفيت بالمواصلات العامة من حافلات وبصات وفي حالات الطوارئ تاكسي ملاكي ! وحتى كل التكاسي التي ركبتها للأسف كانت لسوء الحظ تكاسي قديمه قدم السنين فهي خُرده متحركه واعمارها الإفتراضية منتهيه قبل سنوات عديده ولكن صعوبة الحال وعدم وجود البديل يجعل أصحاب تلكم التكاسي متمسكين بها حتى يدخلوا القبور وإن دعا الحال يجعلوا بقاياها كشواهد لقبورهم تدل على ان المرحوم كان بتاع حديد ومات على الحديد ! والله غالب . ولكي أثبت لكم صحة مضمون هذا المقال دعوني أحكي لكم قصتي الواقعية والتي حدثت فصولها في العام 91 وهي قصة محفورة في أعماق ذاكرتي وستظل معي حتى ادخل بها القبر وان دعا الحال سأكتبها (نحن مظلومون) على شاهد قبري حتى يعلم الناس بأن صاحب هذا القبر رجلٌ من مظاليم الحكومات السودانية المتعاقبه ، ستظل هذة القصة وتلكم الظروف الصعبه التي يعيشها أهلي على أرض سودانهم محفوظة في ذاكرتي الإنسانيه ولن أنساها ما حييت . في ذلك العام 91 وفقني الله للخروج من أرض الظُلم ومن عاصمة الظُلم والفقر والعوز الخرطوم وامدرمان والخرطوم بحري والتي تبدو لك بروعة نيلها أنها مدينة يرقص أهلها في أعراسهم طرباً من جمالها ورونقها ، ولكنهم في واقع الحال يرقصون في حفلات الأفراح كالطير ترقص مزبوحة من الألم وعندما اقول في حفلاتهم أقصد بذلك حفلات أهلي الغلابه الغبش وشتان ما بين حفلات قوم يعطر سماؤها مشاهير الأغنية السودانية وبين حفلات تقام على أرض الهامش المجتمعي الخرطومي ورأس مال الحفله يتكون من خمسين كرسي حديد مُستأجر بكارو الحمار وجردلين مويه لتثبيت الغبار وجهاز أورغن مُستأجر وفنان من شباب الحي من مدارس وفِرد أيمن الرُبع ولمبة رتينه وقطع غيار للشاش وجمهور مقهور بالظُلم فلا يجد سبيلاً لإفراغ هذا الغِبن والتنفيس عن نفسه والشعور باليأس غير الرقيص (والحت) على كل المستويات .. القرد.. والنبق .. وما الي ذلك من أجل الترفيه عن أنفسهم وتعزيتها ونسيان همومهم ونسيان المشاكل الناجمة عن الظلم والفقر والخوف من المصير ، حيث ان الشباب تائهين منذ الميلاد وحتى تسجيل الخروج من هذة الدنيا والشابات عانسات محرومات من العريس الشاب المقتدر الذي يصنع نفسه بنفسه وخائفات من سياط قدو قدو ورفاقه ، وغير قادرات على توفير حق المنكير وكريم الديانا والآباء يعانون من ضيق الحال وكثرة الضرائب و المصير المجهول ! والأمهات الغاليات صِرن لا يملكن مزاجاً لشرب فنجان القهوة مع معارفهن وصديقاتهن خوفاً من تعرضهن للسخرية والإيزاء بسبب ناس فلانه عندهم ! وناس علانه ما عندهم ! على كلٍ نرجع لمواصلة القصة القصيرة
نعم في ذلك العام 91 وفقني الله للإنتقال عبر دويلات وقرى وفيافي الغرب الإفريقي وصولاً الي تلكم المدينة المُذهلة نيو يورك ، لقد كانت نقلة كبيرة وصدمة حضارية مروّعه بكل المقاييس من تخوم جبال المرخيات الي مدينة الجمال والسِحر الأخآز حيث ناطحات السُحب والشواهق العالية والعظمة والجمال والسحر النيو يوركي والناس فيها أشكال وألوان تراهم مُسرعين ومهرولين وكأنهم في (مظاهرات) قُلت في نفسي يا عمك انت في فيلم أمريكي أعمل حسابك وعيش الفلم كما هو ! خلونا من ذلك وتعالوا نعيش الصدمه موضوع هذا المقال ! في صبيحة اليوم الثاني جاء أحد المعارف من ولاية إنديانا ولحُسن الحظ اليوم سأركب لأول مرة في حياتي سيارة ملاكي خاصة ليست ليّ ولكن على الأقل لأحد أصدقائي ومعارفي ! جاء لإستقبالي وفرحاً بوصولي وحقيقة كم كُنت سعيدا لرؤيته وهو يقول (هباردو) وهي تعني كيف الحال ؟ بلغة الزغاوة وبعد ان تبادلنا التحايا وتجاذبنا أطراف الحديث عن السودان وأخبار الأهل والمستجدات السياسية وشعارات ثورة الإنقاذ في ذلك العام 91 وأناشيدهم العجيبه ! قال ليّ لن أتركك تظل مع الشباب هنا لأن نيو يورك غالية وصعبه لشخص مُبتدئ مثلي وانه لن اتمكن من فهم الأمور بالشكل الإيجابي وأنه عليك ان تبدأ حياتك من إنديانا حيث الشباب والحياة المعيشية الرخيصه ، لقد إقتنعت بوجهة نظره وركبنا معه السيارة الجديدة التي كان يمتلكها ! وركبت انا معه في الأمام وجلس إثنين آخرين في المقعد الخلفي ، وعندما تحركنا قال ليّ أعمل حسابك يا عمك وأربط الحزام !! لأن البوليس حيعمل ليك مُشكله وحينها بدأت الصدمة ! ووجدت نفسي مُحرجاً إحراجا ما بعده من إحراج ! لأنني لم استخدم طيلة حياتي هذة المُصيبه ! او بالأحرى لا أعرفها ولا تعرفني ! إلتفت الي اليمين فوجدت حزاما فحاولت ان أُظهر نفسي (تفتيحه وموش فاره) وأنني أجيد فعل الأشياء كما هي ! سحبته حتى مكان يدي اليُسرى ولكن المُشكله كانت انني لا أعرف ان الحديده الصغيره الموجوده في الحزام يجب ضغطها داخل الفتحه وتثبيتها بشكل آلي عند النقطة الحمراء ! لم أكن مُستعداً لإظهار نفسي بهذا الضعف امام هذة المُصيبة الصغيرة فقررت ان أمسكها بيدي اليُسرى وكأنني مُركبها بشكل طبيعي حتى نهاية السفرية الطويلة تخيّل معي يا عزيزي القارئ طيلة السفرية من حي بروكلين الشهير وحتى ولاية إنديانا ظللت ممسكاً بهذة المُصيبه ! وانا أتحدث إليهم واقوم بسرد القصص والحكاوي عن واقع الحال السوداني الذي تركته خلفي وفي الوقت نفسه أشعر بضيق وإحراج للوضع الذي انا فيه ولكنني لم أُظهر ذلك ولم أظهر الورطة التي انا فيها فقد كنت مُستأنساً بهم وانا أقول في نفسي الله يجازيكم يا حكام السودان همشتونا ! أفقرتونا ! جهجهتونا ! فضحتونا ! وجعلتونا بشراً من طراز خاص نعيش ونحيا على هامش المجتمع . وعندما نأتي لمحطة بنزين ونخرج للإستراحه أجد نفسي مُصمماً على مواصلة معركة الحزام ! ذلك انني كنت حينها فتى في العشرين من العمر ولم أكن مُستعداً لأن ابدأ حياتي في إنديانا على وقع السُخرية لأنها لن تزول لسنوات وسنوات ، وما ان تبدأ السيارة بالحركه تبدأ المعركه بلا هواده وتمضي الرحلة لساعات وساعات وعند وصولنا قلت للشباب حمدا لله على سلامة الوصول ولسان حالي يقول من الداخل

يا حكام قصر غردون ستدفعون ليّ حقي يوم الموقف العظيم إن لم أحاسبكم بنفسي في هذة الحياة الدُنيا جراء ظلمكم ليّ ولأهلي الغلابه الغُبش على إمتداد كل السودان وإن لم تعطوني حقي سآتيكم بأذرعي الطويلة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .. البركه في الدول الحُرة والصديقه وأذرعها الطويله .. نواصل
ناشط دارفوري مطالب بالإستقلال والإنفصال
عبد الله بن عُبيد الله
ولاية إنديانا
الولايات المتحدة الأمريكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *