الخرطوم: أحمد يونس
يواجه الصحافيون السودانيون فيصل محمد صالح الفائزة بجائزة «بيتر ماكلر» للشجاعة والنزاهة الصحافية لهذا العام، وخالد أحمد، وإدريس حسن، محاكمات قد تصل عقوبتها السجن لعدة أعوام، جراء انتقاد الأول في مقال نشر قبل ثلاثة أعوام لجهاز الأمن السوداني، على خلفية اتهام ناشطة سودانية لأفراد منه باغتصابها، فيما يواجه الثاني اتهامات بارتكاب جرائم ضد الدولة مقدمة من الجيش السوداني، ومسؤولية الأخير باعتباره رئيسا لتحرير صحيفة نشرت فيها المادة موضع الاتهام.
وأجلت محكمة في الخرطوم الخميس النطق بالحكم ضد صالح للثاني والعشرين من الشهر القادم لغياب المتهم الأول في القضية رئيس تحرير صحيفة «الأخبار» إدريس حسن بسبب عدم وجوده في البلاد، وكان مقررا أن تشهد الجلسة النطق بالحكم ضده، فيما أجلت الأسبوع الماضي محاكمة الصحافي خالد أحمد لغياب المتحرى في القضية.
ويحتشد عادة عشرات الصحافيين السودانيين في قاعات المحاكم لحضور المحاكمات، تضامنا مع زملائهم الذين يواجهون عقوبات السجن لعدة سنوات، ولتغطية المحاكمة صحافيا، بيد أن قاضي المحكمة حذر الصحافيين من نشر وقائع الجلسة، وهدد بحرمانهم من حضور الجلسات حال عدم التزامهم بقرار منع النشر.
وقال رئيس هيئة الدفاع في قضية فيصل محمد صالح، المحامي نبيل أديب، لـ«الشرق الأوسط» عقب تأجيل الجلسة مباشرة إن موكليه يواجهان اتهامات تحت المواد 66 من القانون الجنائي السوداني، و26 من قانون الصحافة والمطبوعات وتصل أقصى عقوباتها عشرة سنوات سجنا.
وتقدم جهاز الأمن ببلاغ ضد الصحافي لنشره مقالا بصحيفة الأخبار، ويرأس تحريرها في ذلك الوقت إدريس حسن، معلقا على حادثة اتهام الناشطة «صفية إسحاق» لجهاز الأمن باغتصابها في أحد المعتقلات عام 2011م، فيما يواجه رئيس التحرير إدريس حسن الاتهام ذاته باعتباره رئيسا للتحرير ومسؤولا عما ينشر في الصحيفة.
وألقت السلطات الأمنية القبض على الناشطة لاشتراكها في احتجاجات، وعقب الإفراج عنها تقدمت ببلاغ ضد جهاز الأمن باغتصابها وتعرضها للتعذيب، وطالب صالح في مقاله بالتحقيق في الاتهامات التي وجهتها الناشطة صفية إسحاق لأفراد جهاز الأمن، مشيرا إلى أن قانون الأمن الوطني يعطي حصانات واسعة لأفراد الجهاز تحول دون محاكمتهم إلا بموافقة مديره.
وأضاف أن هناك «بينة» تشير إلى أن الفتاة تعرضت لاعتداء جنسي يستدعي المحاسبة والعقاب، وأن عدم إجراء تحقيق شفاف في القضية يجعل «إحساسه الشخصي» بالأمن له ولأسرته وأصدقائه غير متاح.
وسبق أن تعرض فيصل محمد صالح للاعتقال عدة مرات، ومنح في العام الحالي 2013م جائزة «بيتر ماكلر» للشجاعة والنزاهة الصحافية، من مؤسسة «غلوبال ميديا فورام» بالتعاون مع الفرع الأميركي لمنظمة «مراسلون بلا حدود».
ويواجه الصحافي خالد أحمد اتهامات تحت ستة مواد من القانون الجنائي، ضمن حزمة الجرائم «الموجهة ضد الدولة»، وقال ممثل الدفاع عن المتهم المحامي المعز حضرة إن حزمة تلك المواد استخدمت ضد السياسيين والمعارضين، وتصل عقوبتها الإعدام والسجن المؤبد، وأضاف حضرة أن الجلسة المقررة لنظر القضية أجلت لغياب المتحري.
ويتهم الجيش السوداني – الشاكي – الصحافي الذي رافق وفدا عسكريا إلى منطقة «أبوكرشولا»، عقب استردادها من متمردي «الجبهة الثورية» الذين سيطروا عليها لقرابة الشهر، بتثبيط همة القوات المسلحة، وإفشاء معلومات عسكرية، وإشانة سمعة قادة في الجيش، جراء نشر تقرير في مواقع إلكترونية، وأجلت المحاكمة لوقت آخر لعدم حضور المتحرى عنه في البلاغ.
وفي الوقت الذي تواجه فيه الحريات الصحافية أشكالا مختلفة من الرقابة، تخضع الصحف لنوعين منها، ويطلق عليها محليا «رقابة قبلية وبعدية»، ويقصد بالقبلية رقابة الأجهزة الأمنية المباشرة على نشر أو منع نشر مواد صحافية قبل الطبع، وبالبعدية مصادرة الصحيفة بعد الطباعة لإلحاق خسائر مادية بالناشر.
وتتعرض الصحف للإيقاف والمصادرة بأوامر «شفوية» من جهاز الأمن، ومثلها مكاتب الفضائيات العاملة في البلاد، وأوقفت صحف «رأي الشعب»، و«التيار» عن الصدور نهائيا، فيما تعرضت كثير من الصحف المحلية للإيقاف المؤقت مثل صحف «الجريدة»، و«ألوان»، و«السوداني»، و«اليوم التالي» وصحف أخرى، وتتراوح قرارات الإيقاف بين يوم إلى قرابة العام، فيما أقفلت مكاتب فضائيات «العربية»، و«إسكاي نيوز» إبان أحداث التظاهرات التي شهدتها البلاد أواخر سبتمبر (أيلول) وأوائل أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، ثم سمح لمكتب «إسكاي نيوز» بمواصلة العمل، فيما ظل مكتب فضائية «العربية» مغلقا حتى تاريخه.
ويمنع صحافيون وكتاب من ممارسة مهنتهم والكتابة في الصحف بقرارات شفوية كذلك، ويخضع قرابة العشرين صحافيا لعقوبة المنع من الكتابة أبرزهم الكاتبان عثمان شبونة، وزهير السراج، فيما منع من الكتابة بشكل مؤقت الكاتب «الطاهر ساتي»، الذي سمح له بالكتابة في وقت سابق.
وحوكم صحافيون في أوقات سابقة بأحكام سجن طويلة، أبرزهم «أبو ذر علي الأمين، والطاهر إبراهيم، وأشرف عبد العزيز» الذين قضوا أحكاما تراوحت بين العام والعامين، فيما خضع صحافيون للاعتقال التحفظي لفترات طويلة نسبيا.
وتشتغل الصحافة السودانية بالإضافة إلى التضييق على الحريات والرقابة والإيقاف في ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد، ومنها ارتفاع تكلفة إنتاج الصحيفة والضرائب والرسوم الباهظة التي تفرض على الصحيفة، فضلا عن استخدام «الإعلان» كأداة من أدوات تركيع الصحف.
ولمواجهة التكلفة العالية لإنتاج الصحيفة اضطر ناشرون لرفع سعر النسخة الواحدة من الصحيفة أكثر من مرة، آخرها كان الأسبوع الماضي، إذا قرروا رفع سعر النسخة إلى جنيهين بعد أن كانت 1.5 جنيه، مما يهدد بتراجع مبيعات الصحف «المتراجعة أصلا» بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطن بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وبسبب خلوها من الأحداث التي لا ترغب السلطات في نشرها، بما يؤثر على مصداقيتها، وتواجه صحف كثيرة احتمالات التوقف بسبب الأوضاع الاقتصادية، بل توقفت صحف عن مواصلة الصدور أبرزها صحيفة «القرار» المملوكة لصحافيين شباب.
ويحتل السودان المركز 170 في مؤشر منظمة «مراسلون بلا حدود» المعنية بحرية الإعلام في العالم من أصل 179 دولة، وحافظ على موقعه في هذا التصنيف عامي 2012 و2013 على التوالي.