شـــيء فظـــيع..!! (1- 2

شـــيء فظـــيع..!! (1- 2)

خالد أبواحمد

يعيش مؤيدو الحزب الحاكم في السودان وأهل السيد الرئيس عمر البشير هذه الأيام مهرجانات من الفرح والسعادة وأعراساً من البهجة والحبور ولا تكاد تسعهم البلاد بما رحبت، البهجة بالسيد الرئيس المترشح لرئاسة الجمهورية بعد أكثر من عقدين شهدت فيها البلاد المآسي والكوارث، والذي يرى المهرجانات السياسية للحزب الحاكم والنشوة التي ترتسم على مؤيديه وهستيريا الرقص الرئاسي يخيل له أن البلاد لم تفقد 2 مليون قتيل على أسوأ الفروض في حربي الجنوب ودارفور، وأن السودانيين كلهم داخل البلاد ليس فيهم نازح ولا مشرد ولا مهاجر،وأن المعتقلات خالية تماماً من السياسيين ومن النساء والأطفال، ولا الآلاف من الذين أحيلوا للصالح العام ظلماً، وأن سجلات منظمة الشهيد تخلو من أعداد الشهداء 50 ألفاً راحوا ضحية الحرب في الجنوب وحدها، وأن البلاد تخلو من جرحى الحربين المذكورتين أكثر من 90 ألف جريح بينهم أكثر من 30 ألفاً بترت أطرافهم بفعل الألغام.. الآن يواجهون المشقة وذل سؤال المنظمات الخيرية.

والذي يرى السيد الرئيس وهو يرقص مُحاطاً بزوجتيه ويعرِض مع نساء المؤتمر الوطني في أول سابقة لرئيس سوداني في تاريخه الحديث، لا يتخيل معها أن عشرات الآلاف من الأسر السودانية ولا نقول ملايين قد فقدت المعيل وأصبحوا في مهب الريح وتشتت بغياب المعيل الأسر شذر مذر، وقد سكن الحزن المقيم كل هذه البيوتات السودانية وعم الإحساس بالغبن وانتشرت بينهم عبارات الاستنكار بل رفع الأكف لرب العزة أن ينتقم ممن كان سبباً في إذلال الناس وضياع حقوقها وقهرها بقوة السلطان، بعد أن أبعدوا كل خُلص السودان في الجهاز القضائي وأتوا بمن أساءوا لسمعة أفضل وأنظف جهاز قضائي في العالم العربي بأن أدخلوا أول سابقة في تاريخه بأن يكون للقاضي نسبة من مبالغ الغرامة التي يصدرها بحق المحكومين في القضايا المختلفة.

الذي يرى الرئيس عمر حسن البشير يرقص فخوراً وسط الجماهير المُغيبة وسط أنغام الموسيقى لا يتخيل أبداً أن تحدث في عهده جرائم القتل من أفراد جيشه ويُمنع القضاء من رد الحقوق لأهل القتيل.

 إغتيال عُلماء المستقبل..!

العالِم الصغير الشهيد غسان أحمد الأمين هارون الذي قضى نحبه ضرباً مبرحاً في معسكر التدريب الموحد بجبل أولياء بعد يومين من تسليم نفسه وحياته طواعيةً لأداء الخدمة (الوطنية) وهو في سن الـ 17 لا يتخيل المرء أنه مات ضرباً في دولة المشروع الاسلامي..!!.

كما لا يتصور المرء بأن دولة (الاسلام) في السودان التي تبث المدائح النبوية وآذان الصلوات الخمس وتنقل صلاة الجمعة في بث مباشر رفضت محاكمة الذين قتلوا الشهيد الذي كان يتوقع له الجميع أن يكون من العلماء الذين يرفعون شأن الأمة، وقد بانت إرهاصات نبوغه منذ صغره وكان من ضمن أوائل الشهادة المتوسطة على مستوى السودان، وأيضا كان من ضمن قائمة الشرف في الشهادة السودانية للعام للدراسي 1999-2000م، لكنه رحل في فاجعة غريبة الأطوار قبل إعلان نتيجة الشهادة.

القتل مرتين..!!.

لم يقتل الشهيد غسان مرة واحدة..بل مرتان..!!.

الأولى عندما قتلوه ضرباً مبرحاً في معسكر التدريب الموحد بجبل أولياء يوم 29 مايو 2000م، وأكد التقرير الطبي لمشرحة مستشفى الخرطوم والذي وقّع عليه الدكتور عبدالله عقيل سوار مدير المشرحة ضم أكثر من مفارقة إذ ضُرب العالِم الصغير بقسوة غير مبررة نجم عنه نزيف داخلي في الرأس أدى إلى وفاته.

وقُتل الشهيد في المرة الثانية عندما صدرت نتيجة الشهادة السودانية وتم أخفاء نتيجته الحقيقية حتى لا تفجع الأسرة مرة آخرى، وبما أن الحقيقة كالشمس لا أحد يستطيع حجبها عن الناس اكتشفت الأسرة بأن الشهيد كان من ضمن الذين أحرزوا مرتبة متقدمة للغاية أكثر من 93% بينما النتيجة التي بلغوا بها من الوزارة لا تتعدى الـ86% أو 87% إمعاناً في اغتيال الأرواح والاستهانة بها دون اعتبار لدين أوعُرف أو مخافة من رب، ولا احترام لشعار الدولة الذي ترفعه في كل الملمات.

لكن دعونا نطالع كلمات أبوالشهيد غسان الدكتور المهندس أحمد الأمين هارون المحاضر بإحدى الجامعات السعودية والذي عبر عن هذه الفاجعة كتابةً بعد إصرار مجموعة من أصحابه واهله وعشيرته..

 فقال أبوالشهيد:

“غسان أحمد الأمين هارون هل هناك من يتذكره غير أصحابه وأهله وأصحابهم ؟.. انه ابن السابعة عشرة الذي كانت تملأ جوانحه الثقة والتفاؤل ، والذي راح ضحية ظروف غير عادية ظهيرة الاثنين التاسع والعشرين من مايو ٢٠٠٠ بمعسكر جبل أولياء الموحد لطلاب الخدمة اﻹلزامية .. قضى نحبه في ظرف ٤٨ ساعة وهو الذي شهد له بكمال الجسم وقوة الاحتمال والأدب الجم (كما وصفه بذلك أستاذنا الجليل محمد عبد الرحيم)”.

ويواصل أبو الشهيد غسان الحديث حول فاجعة ابنه التي هزت المشاعر وأدمعت المُقل:

لقد كان لقائي الأول بالأستاذ محمود حاج الشيخ قبل أقل من العام وأنا ينتابني حزن دفين وأمر بمحنة وألم حقيقي ليس بسبب وفاة ابني غسان فقط، فالموت حق، ولكن بسبب ذلك التقرير الذي خطه قلم الطبيب الشرعي، لقد سعيت لمقابلة وزير العدل ولكن وجهني للمدعي العام الذي أظهر تعاطفاً وحماساً استمده من حماس الوزير وتخيلت بأن قضية وفاة ابني ستُحسم في يومين ولم أدر وقتها بأن سنة واحدة غير كفيلة بكشف المستور، وأنا في تلك الحالة أدركت بأن الطريق ﺇلى الحقيقة درب شاق وطويل أحتاج فيه ﺇلى الدراية والمعرفة القانونية بعيداً عن العاطفة الأبوية، نُصحت بأن أقابل الأستاذ محمود حاج الشيخ عمر، وكم كان من أرشدني ﺇلى الأستاذ محمود مُحقاً وصادقاً في وصفه لي، قابلني الرجل وشقيقي د. حمزة هارون بمودة خففت عني بعض ما أحمل، وانتابني شعور جميل ومريح بأني وجدت ضالتي.

بعد قليل من الكلمات ناولت الأستاذ التقرير الطبي وكان يهمني كثيرا أن أتحسس تعابير وجهه لأرى كم سيتعاطف مع همي، وكم كانت دهشتي عندما رأيت الدمع يسيل من مقلتيه فأخرج منديلاً وخرج من المكتب وتركني وشقيقي لعشر دقائق خلتها ساعات وأنا أتالم لألمه من جراء ذلك التقرير، رجع الأستاذ وكانت شفتاه تنطق بكلمتي “شيء فظيع”.

شيء فظيع..!!

 تصور أخي القارئ بأن كل من قرأ تفاصيل التقرير الطبي لتشريح جثمان الشهيد أصابته موجه من البكاء، وحقيقة أبداً لم أصدق نفسي أن يحدث هذا في عهد (الإنقاذ) التي بذلنا فيها الغالي والنفيس وسنوات العمر التي لا تعوض، والدماء الطاهرة الزكية التي باعت نفسها من أجل دولة الحق والعدل والمساواة بين الناس، هذا التقرير بكل ما فيه سلمت منه أول نسخة للكاتب إسحاق أحمد فضل الله، في تلك اللحظة كنا زُملاء وقد تشاركنا العمل سوياً في أكثرمن موقع..لكن هل يسمع من به صمم..!!

صمت إسحاق صمت القبور ولم ينبث ببنت شفة حول مقتل الطفل العالم الصغير غسان أحمد الأمين هارون، وكعادته كان مشغولاً بتصفية الحسابات مع الآخرين يشتم هذا ويسب ذاك، لم يرى أبداً بأن (النظام) قد انتهك حرمات وقتل الأبرياء لأنه من أكثر المشاركين فيه.

عمر البشير وهو يرقص هذه الأيام بفرحة غامرة لا يعلم أن غالبية أسر الذين قتلتهم (الإنقاذ) يرفعوا أكفهم لله تعالى ليس في بيوتهم فحسب بل يذهبون لأداء فريضة الحج ولا يضيعون فرصة لأداء العمرة، ولا يعلم سيادته ما يدعو به هؤلاء المظاليم وهم بين يدي الله تعالى..!!.

لكن تعالوا لنعرف ماذا كتبت أم الشهيد غسان الأخت الفضلى سميرة عبداللطيف مرسي..

بكلمات حزينة وباكية تظهر بين حروفها عمق الفجيعة، كلمات واثقة من قدرة الله على انتزاع الحق ممن قتلوا ابنها النابغة ولو طال الزمن..كتبت تقول:

 قوم بينا نمشي للبقعة ألفيها ذخرينا.. سيد الكونين
***
من البعثة رجعنا للأوطان.. من أمريكا الما فيها أمان.. وخاب أملنا في عزة السودان
***
يقتص رب العباد… ينصفنا في يوم الميعاد… وللآخرة يبقالنا زاد
***
يشرفنا مصيبتنا ما في الدين..في الحق وصدق اليقين..قوم بينا للبلد الأمين
***
نشهد ليك على رؤوس الأشهاد….استضعاف وظلم للعباد..أما التقوى فهي خير الزاد
***
ابني طالب هم أصحاب سلاح…ود خلائف وأهل صلاح…زهق الباطل وفاز بالفلاح
***
قوم بينا ثاني ما في قول…قوم بينا دي جامعة البترول…توصلنا لي بلد الرسول
***
فوضنا أمرنا للرحمن…تصبرنا ده إكرام غسان…يجمعنا في أعلى الجنان
***
قوم بينا خارج الحدود…قوم بينا ما العمر محدود….قوم بينا ده طريق مسدود
****
قوم بينا وثاني ما في قول… قوم بينا ده مصير مجهول..دي قضية ما في ليها حلول
****
قوم بينا قلوبنا موجوعة.. قوم بينا وشكوانا مرفوعة…وعند الله فلذتنا مودوعة..
***

قوم بينا أصبحنا موسوعة…عند الله أعمالنا مرفوعة…قوم بينا يلاقينا دفوعة
***
قوم بينا ده انتهاك حرمات…شهيد عِلم في المشرحات…استشهاد ودي مبشرات
***
فات الدنيا ولابس الدمورية..عنده إعفاء ما اهتم ليه..ده صدقه يبلغ السرية
***
أسأل الله يكتبنا من الشاهدين..يشفي غليلنا ونكون مع الصابرين..وبالجنة نكون من الفائزين

 

الرقص وسط دعوات المظلومين

لا أدري كيف يرقص سعادة الرئيس عمر حسن البشير وواحدة من أُسر الشعب السوداني تحمل كل هذا الحزن والشعور بالظلم..؟…

كيف يرقص عمر البشير وهو يقراء معنا هذه الكلمات المعبرة عن حجم المأساة والغل الذي سكن دواخل الناس، مبتهجاً مع مؤيديه الذين زينوا له الباطل فقتل نظامه ما قتل من الشعب السوداني..!!.

هذه أم واحدة فقط..!!.

فكيف بالله حال أمهات ضحايا معسكر العيلفون الذين ضربوا بالسلاح وأردوا قتلى..عشرات من علماء المستقبل راحوا ضحية لأفكار شاذة لا تعرف الرحمة ولا تشعر بالأبوة ولا تدرك معنى إنهاء حياة إنسان له طموح ورسالة في هذه الدنيا.

كيف بالله شكّل الغُبن في صدور أمهات وأخوات ضباط 28 رمضان..الذين إلى هذه اللحظة لم يعرفوا أين دفنوا..ولم تُسلم أغراضهم الشخصية ولا وصاياهم..!!.

ويتحدث قادة النظام عن النزاهة والشفافية والعدالة..!!.

 دولة الكذب..!!.

في مقالات سابقة من خلال قراءات لمفهوم النفاق والكذب ومن واقع ممارسة النظام للحُكم في بلادنا وصفت نظام (الانقاذ) بدولة الكذب والنفاق، واليوم وأنا أتابع حملات حزب المؤتمر (الوطني) للفوز برئاسة الجمهورية شاهدت عدداً كبيراً من مخاطبات الرئيس عمر البشير للتجمعات الجماهيرية وكنت حريصاً على تحديد مكان الأكاذيب في حديث الرئيس وقادة حملته الانتخابية.

تحدث سعادة الرئيس البشير حول النزاهة في العملية الانتخابية وأكد في كل خطاباته المتلفزة وتلك التي تكررها قناتي (الشروق- النيل الازرق) بأنه عازم على أن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة، أيضاً نائبه علي عثمان محمد طه قد كرر ذات الكلام، لكن قنوات النظام الفضائية تفضح هذا الكذب الرخيص إذ يظهر عمر البشير كل ساعات اليوم على الشاشات متبختراً تارة وآخرى راقصاً..وباقي مرشحي رئاسة الجمهورية لا يجدون مثل ما يجد عمر البشير من ظهور فضائي لمخاطبة جمهور الناخبين..ولا تزال قناتي الشروق والنيل الازرق تكرران حديث الرئيس حول شفافية ونزاهة الانتخابات وبرغم أن هناك جهات تعمل الآن في مراقبة الانتخابات وترصد كل ذلك إلا أن عدم الحياء و اللعب على الذقون بات أمراً مُخيفاً..!!.

 قادة المؤتمر الوطني ومؤيديه الذين ينشطون هذه الايام في أجهزة الاعلام وفي المواقع السودانية على شبكة الانترنيت يسودون الصفحات بالكذب الصريح على الناس، مثلاً عبدالرحمن سوارالذهب رئيس حملة عمر البشير الانتخابية قال كلاماً في لقاء جماهيري على الهواء مباشرة والله العظيم كلاماً مقززاً. ومؤلماً في ذات الوقت إذ قال بلسانه:

عمر البشير هو الذي أتي بالسلام في السودان..

وأن عمر البشير هو السوداني الوحيد المؤهل لحكم السودان وقيادته نحو التطور..

 وقال سوار الذهب كلاماً كثيراً يخالفه فيه الواقع والمنطق.. وحكاية أن البشير هو الذي أتى بالسلام في السودان كذبة كبرى، وإذا قلنا اتفاقية نيفاشا يعلم كل متابع أن الادارة الامريكية بقيادة الرئيس السابق جورج بوش قد دفعت كل مصاريف منتجع نيفاشا من أكل وشراب وإقامة طيلة أيام المفاوضات..ليس هذا فحسب بل ضغطت على الطرفين من أجل التوصل لاتفاقية سلام وقامت بتهديدهما إن لم يصلا لاتفاقية في وقت محدد..فكانت الاتفاقية.

أما اتفاقية الدوحة الاخيرة للتصالح مع حركة العدل والمساواة أملتها ظروف الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية، علاوة على أن الوفد الحكومي أزعن لكل مطالب الحركة الدارفورية بكل ما فيها من شروط لأنه رفضها قبل سنوات، بل رفض دفع التعويضات لأهالي دارفور المتضررين من الحرب والآن وافقت حكومة المؤتمر الوطني على كل شروط العدل والمساواة وستدفع الحكومة أضعاف المبالغ التي رفضتها بعنجهية في أوقات سابقة.

 كثرة الهتيفة والمصلحجية..!!.

لم استغرب حقيقة من الجموع الهادرة التي تقف إلى جانب الرئيس عمر البشير لأن التجارب علمتنا عدم الاعتداد بالكم، وقد شهدت حادثة السادس من يوليو 1976م وعمري 13 عاماً، ولما كنا على شارع الوادي فإن سكان أمدرمان القديمة كانوا غالبيتهم في تلك الجمعة وقوفاً في الشارع فذات الجموع التي هتفت لـ (المرتزقة) مؤيدة وفرحة بالتغيير هي ذات الجموع التي هتفت لجعفر نميري بعد ساعات قليلة (عائد عائد يا نميري) وكنت ضمنهم هتفت فرحاً صبيانياً باندحار نظام مايو، وكنت أيضاً اهتف فرحة بعودة مايو..!!.

بالطبع المقارنة بين النميري والبشير لا مكان لها..فالنميري عليه رحمة الله مات في بيت أسرته ولم يكن له فلل لا في كافوري ولا في الخارج..

زوجة النميري السيدة الفضلى بثينة خليل لم تكن تظهر في لقاءات الرئيس الجماهيرية ولم ترقص معه في الشارع، وحتى وفاة زوجها الرئيس الأسبق للبلاد لم يكن لها بيتاً حسب علمي وأعرف الكثير من آل نميري في ودنوباوي حيث نسكن، وبثينة خليل امرأة عادية لم تمتلك الاستثمارات ولا العقارات في دبي ولا ماليزيا ولا في ودنوباوي.. ويكفي أن النميري لم يشرك أهله في السلطة ولم نعرف إي من آل نميري كان في السلطة المايوية..والناس تعرف كم من آل حسن أحمد البشير هم الآن في السلطة بل أسسوا أكبر شركات التصدير والاستيراد.. والذي نعلمه في ذلك كثيراً، مما يدل على الجهل وعدم الاعتبار من آل صدام حسين وغيره..!.

هذا هو التاريخ القريب..

وعندما نشاهد في الفضائيات احتفالات الحزب الحاكم ونرى قادته يمضغون في الحلويات والتمر ويبتسمون للكاميرات تظهر علامات النفاق في وجوه القوم الذين ما فتئوا يتحدثون عن الشريعة الاسلامية وعن حاكمية الاسلام، وهم الذين صنعوا الطاغوت في شخصية المؤتمر الوطني بقادته وشخوصه ومؤسساته، كما يقول مؤلف كتاب (انهيار الإنسان في القرآن الكريم- سعيد الشبلي) “إن الطاغوت هو الابن الشرعي لعقيدة النفاق، والمجلى الأصفى والنتاج الأصيل لمنهجها ولمقولاتها، فما استحكم نفاق إلا وظهر طاغوت ليصبح بدوره قيماً على هذه العقيدة يرعاها، ومشرفاً على الأنفس يذيقها ما يسقمها ويوجهها بالكبر والاستعلاء نحو الذل والهوان حتى تؤول إلى الدمار ويصيبها المرض القاتل، مرض القلوب، والطاغوت لا يرعى إلا في مرعى النفاق، فيه ينتعش ويترعرع ويقوى حتى يُصبح جباراً لا يُقتدر عليه، وإرهابياً لا تحلو له الحياة إلا من دماء الأبرياء وانتهاك حرمات الأتقياء”.

 ومصداقاً لحديث المؤلف..قبل سنوات سألت أحد الإخوة  في السودان ينشط داخل دوائر الحزب الحاكم سألته عن سبب عمله في الحزب الحاكم وهو يعلم تمام العلم فساده وتكبره وتجبره وممارسته للأساليب الفاسدة في تعامله مع الناس وخاصة الذين يحاولون الخروج من عباءته..قال لي الاخ “أنت تعلم اني محمول ولي بنات كلهن في مراحل التعليم المختلفة إضافة لطفلين..ليس لي مفر من العمل مع المؤتمر الوطني”.

حقيقة هناك العشرات من الناس في الحزب الحاكم يعرفون أن مجرد التفكير في الخروج عن الحزب يعني لهم دمار حياتهم لما يجده العُضو من امتيازات، خاصة إذا كان إعلامياً أو تقنياً أو سياسياً لامعاً أو صاحب لسان طويل وحنجرة قوية، لذلك تعتبر فترة ظهور النفاق واستشرائه في قلوب الناس فترة ازدهار الطاغوت أيضاً وتمكنه من أسباب السُلطان، ونشر هيمنته على العباد والبلاد، فإذا ظهر الطاغوت وجعل من نفسه إلهاً معبوداً، اضطر من تحته جميعاً إلى النفاق، ولا يمكن إلا للمنافقين وحدهم أن يصلوا لله وأن يسجدوا في نفس الوقت بين يدي الطاغوت.

إن النفاق هو الإيمان بالله بدون كفر بالطاغوت، وذلك بالضبط ما يلائم أوضاع هذه المخلوقات التائهة العابدة للهوى مُصرة على حب الدنيا ولو بذلت في سبيلها الآخرة وما فيها، ليس عجيباً أن نشاهد اليوم من خطاب للحزب الحاكم الذي اتسم بقلة الأدب الإجتماعي والسياسي لذا سمعنا شتائم قادة الحزب بدءاًً من الرئيس نفسه مروراً بمصطفى عثمان اسماعيل وصلاح قوش ونافع علي نافع، والذين تابعوا خطاب المؤتمر الوطني للمواطنين يدركون انه مجرد كلام لامناص في الحقيقة من أن يصبح البرنامج النفاقي برنامجاً كلامياً مادام يصدر عن ظواهر كلامية، وذوات وهمية، لا عن كيانات حقيقية متجذرة في الحقيقة والواقع، ولا مناص من أن يدخل المنافقون ويدخلون معهم من تبعهم في رحى الوهم والخيال المريض ليخرجوا بعد تجربة الكراهية والحقد الأسود على من يخالفهم الراي، كيانات متعفنة مريضة سوداء فاقدة للنور، ناقمة على كل مؤمن مستنير مرتبط بالحق وبالواقع برباط ثابت حديد، وعندئذٍ، يبدؤون حرباً لا هوادة فيها من أجل نشر الظلام وتدمير كل أثر للنور وللحرية، ولوأد أولئك المستنيرين والزج بهم في أعماق السجون والمعتقلات كي يستقيم لهم الأمر، لا ليفعلوا شيئاً أو لينجزوا عملاً، بل لكي يخلدوا إلى ليل ظلماتهم وإلى شهواتهم البهيمية التي صيرتهم كالأنعام أو أضل سبيلاً..قتلوا الآلاف من أبناء الشعب السودان ولا يرون أنهم فعلاً شيئاً..!!.

 فعلاً.. شيء فظيع..!!.

 نواصل

 3 مارس 2010م

خالد عبدالله- ابواحمد
صحفي وكاتب سيناريو

 مملكة البحرين
موبايل
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *