شعب جبال النوبة — هل الخصوصية الثقافية– نقمة أم نعمة ؟؟؟

شعب جبال النوبة — هل الخصوصية الثقافية– نقمة أم نعمة ؟؟؟
1—
ربما يسأل سائل : هل هنالك مشكلة فى جبال النوبة ؟ و ان وجدت ,, ألا يمكن تجاوزها أو حلها فى الأطار السياسى بعيدا عن الحلول  العسكرية ؟
جبال النوبة خليط من المشكلات و المخاوف ذات طابع سياسى – اجتماعى – أقتصادى و هى تؤثر على قضية الوحدة الوطنية و خريطة السودان الجغرافية و السياسية و بالتالى هويته ,, و لعل مثل تلك القضايا لا تعالج أو تحسم بالمجاملات و المؤتمرات المرسومة خدمة لنظام سياسى أو هوية محددة ..   ما أتحدث عنه يعتبر خطرا داهما و قائما فى  الحاضر و المستقبل ,, لن تستطيع التجريدات العسكرية مهما أتسع نطاقها و لا الخطاب السياسى الغوغائ حسمها ,, ان لم تكن هنالك أرادة سياسية لكل الفرقاء قابلة للتعايش و ادارة حوار يفجر ينابيع الأمل فى مستقبل السودان ……. و أول تلك الينابيع هو أيقاف حرب الأبادة الجماعية التى يستعر أوارها بجبال النوبة منذ يونيو 2011 ,, و الركون للحلول السياسية التى تحفظ للسودان وحدته وفق ضوابط تحفظ للجميع حقه وواجبه..
ما بين المشروع الحضارى … و السودان الجديد :–
ان تعارض المنطلقات الفكرية و تقاطع المشاريع السياسية بين حزبي المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية لتحرير السودان لعبت دورا فى الأستقطابات المتباينة التى فرقت او تكاد أن تفرق السودان أيدى سبأ ,, و لعل القراءة المتأنية لواقع السودان اليوم يشعرنا بحجم الفارق بين ما يبدو على السطح و ما يتفاعل فى النفوس و الواقع  و أثر ذلك على الوحدة الوطنية و التعايش السلمى …..
جملة الأستقطابات دفعت جموع الشعب السودانى الى الحديث عن تباين الهوية و تعارضها,, و قبل أن أسترسل فى ذلك الأمر ,, يجب تبيان الآتى : أن أختلاف البشر سنة من سنن المولى عز وجل فى الكون ,, لحكمة أرادها العلى القدير ,, لذلك فأن مجرد الأختلاف فى اللون و العرق ,, أو فى العقيدة و الرأى , لا ينبغى أن ينال من كرامة أى مواطن ,,و لا ينتقص من وجوده و حقه فى الحياة الكريمة ……
هذا الأمر يقودنا الى الحديث عن قضية الهوية , و هى من القضايا الشائكة  التى تكرس التقاطع و التراشق و التشرذم أذا لم تدار بمسئولية وفق معايير الحقوق و الواجبات و بعيدا عن دعوات التمايز و التفاضل بين مواطنى الدولة الواحدة ….
لماذا حاول أصحاب المشروع الحضارى أختزال الهوية السودانية فى أطارها العربى و الأسلامى ؟؟؟
للأسف عمد المشروع الحضارى الى تقويض خلايا المجتمع السودانى الفاعلة و أستلبوا الوطن حتى صارت مؤشرات الولاء للسلطة و الحزب دون الوطن  ,, فهى السلطة وحدها فى الساحة فألحقت المجتمع لأهوائها و مصالحها ,, بل أستخدمت حكومة المؤتمر الوطنى نظرية الدولة و العصبية (نظرية أبن خلدون) و أسقطوها على حراكهم السياسى و تثبيت أركان مشروعهم الحضارى….
فبروز العصبية (العرقية و الدينية) دائما ما يكون مقرونا بهبوط المستوى المعيشى و الثقافى للناس و أضمحلال الفكر , و سيطرة الرجرجة و الدهماء و أدعياء الدين و التدين على مقاليد الدولة و مفاصلها, و اليكم أطوار دولة المشروع الحضارى الأربعة:
1— طور الظفر و الأستيلاء  على الحكم غيلة و غلبة و قهرا — أنقلاب عسكرى 29 يونيو 1989 ….
2—طور الأستبداد و الأنفراد بالسلطة ,, طور التمكين ,, الولاء و البراء ,,,
و لذلك أبتدعوا سياسات التمكين التى أصابت قيم المجتمع الأخلاقية فى مقتل , بل سعوا سعيا حثيثا فى تدمير الطبقة الوسطى القابضة على زمام التوازن و رمانة التغيير الأجتماعى وسط المجتمع  و التى كان أساسها شاغلى الخدمة المدنية و على رأسها معلمو المدارس فى أصقاع السودان المختلفة,, و أحلوا مكانها طبقة طفيلية نفعية لا تؤمن بقيم و لا أخلاق و لا دين ,, الدين لديهم مطية لتحقيق مرادهم الدنيوى ( عدة شغل) أنتمائهم لمصالحهم الذاتية لا للوطن ,,, بعد أن تم التوحيد القسرى بين المشروع الحضارى و الدولة و الوطن ..
3— طور الفراغ و الدعة و تحصيل ثمرات الملك و السلطة ,, حيث تسود الراحة و الطمأنينة ,, تعدد الزوجات ,, أستشراء الفساد بأنواعه ,, أكل أموال الناس بالباطل ,, التطاول قى البنيان ,, الفتاوى السلطانية …..
4—طور الهرم و الأنقراض بسبب الأسراف و التبذير ,, الأختلاف و التصارع بفعل المصالح ,,,,,,,,,,
الخطاب السياسى و الأعلامى للدولة أكد أن المشروع الحضارى قد فشل فى أدارة التنوع العرقى و الدينى الموجود فى السودان منذ آلاف السنين .. و لعل ذلك الفشل يجسده أنفصال جنوب السودان و ثورات الهامش المتواتره فى أجزاء السودان الأخرى ……
تظل الهوية مشكلة و أزمة فى السودان أذا لم يدار التنوع و التعدد بما يحفظ للجميع حقوقه وواجباته دون تمييز ,, و به يمكن أكساب الهوية السودانية ظاهرة وظيفية تدفع بعجلة التطور الأجتماعى و السياسى و الأقتصادى الى مراقى التوازن و الأستقرار النسبى خاصة أذا ما كانت محصنة بالمساواة و الحكم  الرشيد ….
أو قد تدفع البلاد الى مهاوى البؤس و تعميق الشقاق و الأقتتال أذا ما أساءت  السلطة قضية الهوية و هو ما يبدو فى أغلب الأمصار اليوم , التى يحركها الواقع الموجع و الذاكرة المشحونة بالغبن و الأحباطات …. هم يحسون أن الآخرين يهيمنون على كل مفاصل الدولة أقتصاديا و أجتماعيا و سياسيا ,, و يدفعونهم للقبول بسياسة الأمر الواقع ,, مما حدى بهم للانتظام فى حركات مسلحة تقاتل من أجل وجودهم و بقائهم فى دولة هم أصلها و تاريخها و مصدر أسمها .. و للآسف ان السيناريو الذى يعيشه السودانيون منذ 1956 ,, يبدو جيدا فى المجتمعات الأنتقالية ( مجتمع العشيرة – القبيلة –فخذ القبيلة – خشم البيوت ….الخ) أما فى المجتمعات المدنية ذات التمايز و التباين و التنوع و التعدد فأن العلاقات أى كان نوعها تقوم على قاعدة المصالح المشتركة فى البدء و الأنتهاء, فى أطار قواعد متعارف عليها وفق معايير الدستور و القانون ..
فاذا كان الأمر لدى أصحاب المشروع الحضارى يعنى أخضاع كل السودانيين الى قيم نابعة من هوية أحادية ( الأسلام – العروبة ) و تسوق الآخرين خدمة لمشروعها … واضعين فى الذاكرة الجماعية لغير العرب( المسلمون و غير المسلمين) أن أمر الهوية لا يعدو بالنسبة لهم سواء أنه قضايا أنسانية عامة لا مجال فيها لممارسةالخصوصية الثقافية الا بمقدار بما يسمح به أصحاب المشروع الحضارى … بينما شواهد التاريخ و الجغرافيا تؤكد  أن كبت الخصوصيات الثقافية و العمل على خنقها هى المحرك الأساسى لصراع الهويات و بالتالى المحرك الأساسى للأحداث فى الخارطة السياسية .. و لنا عبرة فى أنهيار المنظومة الأشتراكية ….
أن الأنتساب الجغرافى للسودان (المواطنة ) دون أنتساب البعض الى معتقداتهم و قيمهم و معاييرهم الأنسانية يجعلهم يشعرون بأنهم مواطنيين من الدرجة الثانية و أن هوياتهم منقوصة و بالتالىتتفاقم الروح الأنفصالية و تستحيل  مطابقة العلاقة بين الوطن و الهوية  و لعل ذلك الأمر هو ما دفع جنوب السودان يقرر مصيره و يفك الأرتباط مع  دولة السودان .. أما دون ذلك فهو الأعتراف بالآخر , و جعله يؤكد ذاته و ينفتح على غيره تواصلا و تكاملا ,, فيقوى مفهوم الدولة الوطنية …
عفوا ,, لم نفق من صدمات المشروع الحضارى ,, و ها نحن نعيش أجواء الجمهورية الثانية التى بنيت أيضا على التجانس العرقى و الدينى  …                       ما هى المصلحة فى أستعادة أجواء العقدين الماضيين و أذكائها ؟؟ فى             حين يعلم الجميع كم كان الحصاد مرا و باهظ الثمن .. هل يخدم ذلك             الأستقرار أو الأمن أو يحقق أى مصلحة عليا للوطن ,,عموما ان الطريق الى  جهنم دائما محفوف بالنوايا الحسنى …
يتبع
مع خالص ودى
موسى عثمان عمرعلى — أستراليا

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *