سلمى التجاني
عندما أعلنت لجنة الأطباء المركزية إضرابها عن العمل في السادس من أكتوبر الماضي تابعت جموع السودانيين الحدث باعجابٍ ودهشة ، فقد أدارت اللجنة الإضراب بنجاح ووجدت المساندة من قطاعٍ واسع من كبار الأطباء والمؤسسات الصحية ، وسط دعم شعبي كبير واحتفاء وتضامن من رواد وسائل التواصل الاجتماعي . وعندما أعلنت اللجنة عن قادتها ازداد التفاف الناس حولهم ، كانوا شاباً بعضهم لم يكمل الثلاثين من عمره ، شباب وُلد وتربى اغلبهم إبان حكم ( الإنقاذ ) ، درسوا كل مراحلهم التعليمية في هذا العهد ، رأوْا الظلم والفساد والتجويع ، سمعوا اكاذيب البشير وشاهدوا يديه تتلطخ بدماء الشعب كل يوم . عرفوا الحكومة وطريقة تفكيرها وخبروا الاعيبها فعلموا كيف يتعاملون معها ، وينازلونها
بوسائل جديدة .
ثم شرعت بعدها قطاعات مهنية مختلفة من صيادلة ومحامين ومعلمين في تنظيم صفوفها ونفذَّت وقفات احتجاجية واصدرت بيانات ادانت فيها الأوضاع المعيشية وكبت الحريات وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين .
منذ ذلك الوقت نمى في خلد الشعب السوداني ان الوسائل القديمة لا تصلح وحدها لمحاربة الحكومة ، وان هناك ادواتٌ للتغيير يمكن ممارستها بفاعلية وبأقل تكلفة في الأرواح ، فلا زالت ثورة سبتمبر التي مهرها اكثر من مائتين شهيد وشهيدة من أبناء وبنات السودان بدمائهم ، ماثلةٌ للعيان .
ثم أعلن شبابٌ سوداني نظموا أنفسهم انطلاقا من وسائل التواصل الاجتماعي ، عن عصيانٍ مدني في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي ، استغلوا فيه وسائل العصر من تكنولوجيا متقدمة فاستثمروا وسائل التواصل الاجتماعي وقادوا عملا ناجحا تداعت اليه شرائح واسعة من قطاعات الشعب ، فكانت صور الشوارع الخالية من المارة ، والمتاجر المغلقة ، وكانت غضبة الحكومة التي لم تجد ما تدين به العصاة سوى وصفهم بمناضلي الكيبورد والواتساب .
مثَّل عصيان 27/نوفمبر خطوة كبيرة في اختبار شباب العصيان لنجاعة فعلهم وتأثيره وقدرته على قول كلمتهم ورفع صوتهم الرافض لسياسات الحكومة العرجاء ، ولم شمل الشعب وتفجير طاقات الغضب والرفض التي ظلت تبحث عن وسيلة تعبر بها عن نفسها .
كانت اكبر نجاحات 27 نوفمبر هو عودة المبادرة للشعب ، واستلامه لزمام مصيره ، وقناعته بأنه في الطريق الصحيح للانعتاق من أسوأ حكمٍ دكتاتوري في تاريخ البلاد .
وبهذا اليقين انطلق الناس نحو خطوةٍ ثانية ، أكثر ثقة وأدق تنظيماً ، وأوسع دعما من قبل الشعب السوداني . فمنذ ان تم الإعلان عن عصيانٍ مدني جديد في التاسع عشر من ديسمبر ، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلاً واستعداداً ل ( لا ) جديدة وقوية يقولها الشعب ، ويسمعها العالم وتوثقها الصور ، ( لا ) ارتجفت لها الحكومة قبل ان يحين وقتها ، فالعصيان المدني اليوم قد نجح قبل ان يبدأ ، نجح عندما كتبه الشباب بمدينة ود مدني على الأسفلت والجدران ، فكان ان استقبلت البشير وهي عاصية ، وكان ان رفض المواطنون بامسنط ومارنجان وبركات الخروج لاستقبال البشير ، فاضطر منظمو الزيارة ( للمشاققة ) بموكبه بالطرق الجانية ليصل لداخل بركات . نجح العصيان يوم ان دعى البشير الشعب ل ( مطالعته الخلا ) بدلا من البقاء في منازلهم ، ونجح يوم ان قرأ المجتمع الدولي ارتفاع ثيرمومتر توتر الحكومة فطالبها بضبط النفس فأبت .
يدخل الشعب اليوم في عصيانه العظيم وقد استبق الحكومات بخطواط ، وأجاد اللُّعبة ، فيدخل حلبة النضال السلمي اليوم بثقةٍ وايمان .
نقرأ في سِفْر الأولين أن سيدنا موسى قد تربى في بيت فرعون ، رأى الظلم فعافته نفسه وتاقت لدولة العدل ، قد يأتينا فرعون في شكل حكومةٍ متجبرة ، ويأتي موسى في أبهى صوره ، كما نراه اليوم .
[email protected]