شبان سودانيون من الشمال والجنوب: لن نصبح جنودا مشاة في أي صراع جديد
إثنان وعشرون (22) منظمة شبابية من جميع أنحاء السودان اتفقت على برنامج مشترك للعمل من أجل السلام
الخرطوم: «الشرق الأوسط»
يسرع السودان الخطى صوب انفصال قاس، لكن الشبان يمثلون بارقة أمل لإنهاء الدائرة المميتة للحرب الأهلية والقبلية التي عانت منها لعقود أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة.
ولم يعش السودان في ظل الديمقراطية سوى سنوات قليلة منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 وعانى المجتمع المدني من وطأة الحكومات الشمولية المتعاقبة. وأتاح اتفاق السلام بين الشمال والجنوب عام 2005 مساحة محدودة من الديمقراطية ونص على إجراء استفتاء في 2011 حول استقلال الجنوب الذي تعتقد الأغلبية أنه سينفصل ولن يمتثل لجهود الشمال الحثيثة لإعاقة التصويت سعيا للاحتفاظ بالموارد النفطية للجنوب.
لكن رغم استمرار حكومتي الشمال والجنوب في دق طبول الحرب بالخطابة العدوانية توحدت جهود الشبان في السودان في أول تحرك من نوعه عبر الحدود لتوجيه رسالة مفادها أنهم لن يصبحوا جنود مشاة في أي صراع جديد. وقال أديسون جوزيف، وهو من مواطني الجنوب ويعيش في الخرطوم لـ«رويترز»: «الشبان هم أول من يتم استدعاؤهم خلال الحرب وسيكونون أول من يدفع الثمن.. رسالتنا بسيطة وهي أننا لن نقاتل».
واجتمعت في الخرطوم أكثر من 22 منظمة شبابية من جميع أنحاء السودان من الشمال والجنوب والشرق وإقليم دارفور في الغرب واتفقت على برنامج مشترك للعمل من أجل السلام والتعايش، بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء المقرر في التاسع من يناير (كانون الثاني). وأكدت المنظمات التزامها أيضا بالعودة إلى المناطق الخاصة بها لنشر الرسالة.
وتتباين آراء أعضاء المنظمات بشأن ما يريدونه من الاستفتاء، فهناك مجموعة «شباب من أجل الانفصال»، كما توجد مجموعات أخرى تنادي بالوحدة. لكن الشبان في هذه المجموعات يضربون مثلا يحتذى أمام القادة المتنافسين الأكبر منهم سنا في الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب، فهم يتجاهلون الاختلافات بينهم ويعملون معا لتحقيق هدف واحد، هو تجنب الحرب.
وقالت وداد درويش، من مركز ثقافي للشبان في شمال السودان، إن هناك من يؤيد الانفصال وهناك من يؤيد الوحدة، لكن الجميع متفق على الرغبة في أن يكون الاستفتاء حرا ونزيها وسلميا.
وأضافت: «سنحترم خيار شعب جنوب السودان أيا كان». ويريد النشطاء الشبان أيضا استئصال مشكلة وصفوها بأنها واحدة من أكبر المشكلات في السودان، وهي العنصرية.
وقالت وداد درويش إن اجتماع المنظمات الشبابية هو بداية، وأضافت: «مجرد جلوسنا حول هذه الطاولة هو بداية». وذكر الشباب – من الجنسين – الذين يمثلون جماعات مختلفة من كل أنحاء السودان أنهم لا يثقون بالكامل في زعمائهم عندما يقولون إن البلاد لن تنجرف مجددا إلى الحرب، لذا فإنهم قرروا التحرك بأنفسهم في إطار إحياء دور المجتمع المدني الذي يعود إلى اتفاق سلام عام 2005.
وقالت وفاء أحمد، من منطقة كردفان غرب السودان، إن الحكومة والأحزاب السياسية كلها من الجيل نفسه، وهو الجيل الأكبر سنا، أما الشبان فليس لهم دور.
وأضافت أنهم مهمشون، وأن هذا المنتدى منحهم صوتا. وتلقى المنتدى مساعدات وأموالا من السودانيين في الشتات ومن مجموعات أخرى في المجتمع المدني. وقال فاروق محمد إبراهيم، وهو نشط مدني مخضرم، إن جيله الأكبر سنا في السودان هو الذي فشل في الإبقاء على وحدة البلاد، أما جيل الشباب فهو يمثل غالبية السكان، وهو المستقبل.
لكن الجيل الأصغر سنا يواجه مشكلات بالفعل، فلم تمنحه السلطات تراخيص لتنظيم منتديات وتجمعات، كما تلاحق السلطات المجتمع المدني منذ وقت طويل لأنها ترى فيه تهديدا لحكمها. واعتقل 4 على الأقل من النشطاء الشبان في دارفور، مما دفع آخرين في غرب البلاد إلى ممارسة نشاطهم سرا. وقد يكون حذر الحكومة السودانية مبررا بسبب التاريخ القوي للمجتمع المدني في البلاد بعد أن نظمت نقابتا المحامين والأطباء وجهات أخرى في المجتمع المدني انتفاضة حظيت بتأييد شعبي وأطاحت بالرئيس السابق جعفر النميري عام 1985 بعد حكم استمر 16 عاما، لكن النشطاء الشبان في السودان عازمون على نشر رسالتهم بين أبناء جيلهم في البلاد. وقال جوزيف: «نتوقع أن تزداد صعوبة الأمور بعد الاستفتاء.. ستعود هذه الحكومة إلى السياسات الصارمة نفسها التي اتبعتها في الماضي، لكن علينا أن نواصل العمل».