سوداني المهجر بين سندان الغربة .. وعصا وزارة الداخلية .. 1 – 2 )
بقلم ⁄ آدم جمال أحمد – سدنى
السودان له تاريخ طويل فى مجال استقبال اللاجئين والمهاجرين من دول الجوار نتيجة للظروف السياسية أو الحروب الأهلية أو الكوارث الطبيعية ، ولقد شهدت السنوات الخمسة عشر الأخيرة تحول السودان أن يكون من أكثر الدول تفريخاً لللاجئين والمهاجرين ، فهناك نسبة هائلة من النزوح والهجرة وسط مواطنيه خارج البلاد تقدر الأرقام على نحو ما يتجاوز الأكثر من المليون لاجئ ومهاجر ، فهناك هجرة وشتات ( دياسبورا ) سودانى فى انحاء المعمورة يشمل لاجئين ومغتربين ومنفيين ، أى بالأحرى يوجد سودانيون الآن فى كل قطر من اقطار العالم.
وكثيرون من هؤلاء حصلوا على تأهيل رفيع وبعضهم يتميز ويتمتع بقدر كبير من الثراء ، بينما يناضل معظمهم من أجل البقاء ، وهناك جيل من الأطفال السودانيين صاروا عالميين بثقافات متنوعة ينشأون فى أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية والجنوبية وأوربا واستراليا ونيوزيلندا ، فالسؤال الذى يطرح نفسه .. كيف يصير هؤلاء السودانيين جزءاً كامل الالتحام بالسودان على المستوى الاجتماعى والثقافى والاقتصادى والسياسى ؟!!.. وهناك الكثير من العراقيل والصعاب والسياسات الانتقائية المرسومة ( المصادرة للحقوق المشروعة ) ، التى تحول دونهم من قبل وزارة الداخلية ، والتى ما زالت تصر على أن تعاملهم كأجانب بل وإرغامهم التسجيل فى أروقة إدارة شئون الأجانب وفرض الرسوم الباهظة المتنوعة المسميات ورهن دخولهم الى بلادهم بعد الحصول على إذن وتأشيرة للدخول وكفيل بمثابة ضامن تقع عليه المسئولية فى حالة الاخلال بأى من الشروط التى وضعت بعناية فائقة ( مقصودة ) وبدون دراسة لابعادها وما يترتب عليها فى الوضع الراهن والقريب والبعيد ، متجاهلة كل النواحى القانونية والشرعية والبعد الانسانى وتحاول جاهدة وزارة الداخلية والجهات الأخرى فرضها عليهم ، بطرح خيارين لا ثالث لهما أما الانصياع والخضوع والقبول بها لتفتح عليهم أبواب البلاد لدخولها ، وفى حالة رفضها تصد أبواب دخول البلاد أمامهما وكلاهما مر ، ويستمر قطار المعاناة بين شجون وأحزان الغربة والحنين الى زيارة الوطن والأهل.. بالاضافة الى حرمان أطفالهم وأبنائهم من حق التمتع بالجنسية والمواطنة السودانية ، حيث طوابير الذل والهوان ورتابة الصفوف اليومية والتجاهل التام من قبل العاملين والمسئوليين فى صالة الوصول بالمطار وأقسام وزارة الداخلية وادارة شئون الأجانب والتى يتلذذون فيها برشف أكواب الشاى وتصفح الجرائد حيث بيروقراطية المكاتب فلا إعتبار لأى حقوق أدبية ، فلم تجلب لهم هذه الجوازات الأجنبية إلا صنوف من العذاب الروتينى ونوع من المذلة المقصودة ، فلا ندرى الى متى يتخلص السودان منها؟!. فأى إجراءات عقيمة هذه !!.. وأى قوانين مجحفة بحق هؤلاء !!.. وأى ذنب أو جرم إرتكبوه؟!. هل نتيجة الى تلك الجنسيات والجوازات التى اكتسبوها وحصلوا عليها من الدول المختلفة التى أوتهم ووفرت لهم الحماية ومنحتهم إياها ، وهذا حق مشروع يكفله لهم مشروع دستور جمهورية السودان الانتقالى لسنة 2005 فى الباب الأول: الدولة والدستور والمبادئ الموجهة – الفصل الأول : المواطنة والجنسية .. المادة (7 ) البند (2 ) لكل مولود من أم أو أب سودانى حق لا ينتقص فى التمتع بالجنسية والمواطنة السودانية.
البند (4 ) يجوز لأى سودانى أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون.
وحينما نتحدث عن هذه المعضلة الحقيقية ليس أن نجعل جهدنا مكرساً للاهتمام بالمحنة الراهنة لهؤلاء السودانيون المواطنون المخفيون إلا بالقدر الذى تعتير فيه هذه المحنة ذات الصلة بالتحديات السياسية المستقبلية من أجل الحصول على بعض الاعتبارات ذات الصلة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحق الاقامة وحرية التنقل فى دولتهم دون فرض أى قيود أو شروط عليهم أو تسديد أى رسوم أو مبالغ مالية باهظة ترهق كاهلهم ، وهو حق يكفله لهم الدستور السودانى فى الباب الثانى: حرية التنقل والاقامة .. المادة (42 )..البند (1 ) لكل مواطن الحق فى حرية التنقل وحرية إختيار مكان إقامته إلا لأسباب تقتضيها الصحة العامة أو السلامة وفقاً لما ينظمه القانون.
البند (2 ) لكل مواطن الحق فى مغادرة البلاد وفقاً لما ينظمه القانون وله الحق فى العودة.
فلذلك نحاول لفت إنتباه المسئوليين فى أجهزة الدولة وخاصة وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والجهات ذات الصلة بمراكز القرار بالتركيز علي ما يجب تقديمه من تسهيلات وإجراءات أكثر رحمة لهؤلاء الذين يحملون جنسيات وجوازات دول أخرى وهم بمثابة رعايا للجالية السودانية فى مقر إقاماتهم لعدد من الدول المختلفة ، ولكن لا يمكن لأى شخص أن ينفى ينكر بأنهم غير سودانيون بل هم المواطنون السودانيون المخفيون ، حتى يمكن دمجهم فى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية السودانية التى هربوا من جحيمها حينما فرضت عليهم الظروف المختلفة التى ضربت معظم أرجاء السودان وأدت الى تفكك نسيجه الاجتماعى والسياسى والاقتصادى وتدفق هجرة العقول والخبرات والسواعد المختلفة الى أرخاء المعمورة.
فليست هناك أرقاماً موثوقاً بها عن أعداد هؤلاء السودانيون المخفيون علي مستوى جهاز الاحصاء والمعلومات ، ولكن تعتبر الأرقام الصادرة عن اللجنة الامريكية لللاجئين فى نهاية عام 1997 من أكثر الرقام المتاحة صحة والتى قدرت عددهم بنحو مليون ونصف لاجئ يعيشون فى أقطار أفريقيا والشرق الأوسط وبقية دول العالم ، وفى الغالب فأن هذه الأرقام تزيد كثيراً عن الأعداد التى رصدتها اللجنة الامريكية ، مما تحتاج الى مراجعة ومسح إحصائى دقيق لكل الذين أصبحوا لاجئون ومهاجرون ومخفيون ورعايا دول أخرى ، ومعظمهم لم يشمله التعداد السكانى الأخير والذى أثار جدلاً واسعاً أوساط الساسة والعامة فى السودان فى الفترة الأخيرة من لغط وعدم اعتراف به من بعض الدوائر والمسميات ، وما أثير حوله من شكوك بعدم صحة الأرقام الواردة وطالبت جهات عدة باعادة التعداد لأسباب سيقت فى حينها ، ولكن الحكومة لم تعير الموضوع اهتمامها.
فهؤلاء المواطنون المخفيون تعرضوا للنزوح واللجوء وهجرة السودان خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة ، والأسباب التى قادت الى ذلك عديدة تتمثل فى الحرب والاضطهاد السياسى والانهيار الاقتصادى والمحن الطبيعية ، فكل هذه الأسباب مجتمعة إضافة الى ذلك نلاحظ أن الهجرة والنزوح من الوطن الى الدول الأخرى أو داخل السودان كانت أحد أهداف أجندة الحكومة من وراء الحرب.. ولقد تم ذلك بتخطيط ودراسة مسبقة لمعظم مناطق السودان وخصوصاً الهامش مما دفع بمئات الآلاف من المواطنين بالقوة كى يصيروا نازحين فى معسكرات السلام حيث يمكن السيطرة عليهم واخضائهم الى برامجها المختلفة فى مجالات التغيير الاجتماعى والثقافى والدينى أو المساهمة بطريقة غير مباشرة فى تسهيل إجراءات سفرهم وتدفقهم الى خارج الوطن ليصبحوا لاجئين فى دول أخرى بهدف تفريخهم من مناطقهم حتى لا تعلو أو ترتفع أصواتهم معارضين لسياستها أو تحول بينهم فى الانخراط والانضمام الى صفوف الحركة الشعبية أو قوات التجمع فى ذلك الوقت.
الحديث عن معاناة اللاجئين عموماً تحتاج لصفحات من الكتب ، ولكن نحاول أن نستعرض أو نتناول فقط باختصار بعض تجارب ومحنة ومأساة الذين يحاولون العودة الى السودان لزيارة ذويهم وأهاليهم وهم يحملون جنسيات وجوازات دول أخرى ، وتصنيفهم من قبل وزارة الداخلية والقائمين على أمر البلاد كأجانب بعد مسلسل طويل من المعاناة والظروف القاسية التى مروا من خلالها عبر السنوات الطويلة من التغرب والبعد عن أرض الوطن كرهاً ، رغم قسوتها إلا أنها كانت تجارب إيجابية ، لقد نجحوا فى الحصول على جوازات وجنسيات الدول التى وطنوا اليها فأحسنت إستقبالهم وإستضافتهم وإستشعرتهم بقيمتهم الانسانية وأعطتهم حقوقهم وحاولت جاهدة تأهيلهم ورفع قدراتهم ودمجهم فى مجتمعاتها والتى إفتقدوها فى وطنهم الأم السودان فعجزت أن تمنحهم وتعاملهم كمواطنين لهم حقوق وواجبات دون أى فوارق اجتماعية أو ثقافيى أو سياسية ، فاستطاع الكثيرون منهم فى الحصول على وظائف وعقارات لإيوائهم ومدارس لتعليم أبنائهم الذين إندمجوا فى تلك المجتمعات خاصة الأجيال الشابة ، وتابع الطلاب منهم دراستهم فى مختلف المراحل التعليمية حيث مجانية التعليم .. فتعلموا لغات مختلفة وثقافات متنوعة.
فلذلك يعتبر تدعيم المشاركة الكاملة لهؤلاء المواطنون المخفيون فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد تحدياً ضخماً ، إذ أن استبعاد قطاعات كبيرة من هذه الشرائح (المواطنون المخفيون) والأجيال الجديدة الذين يكبرون غلى تجارب وقيم شديدة الاختلاف عن تلك التى نشأ وترعرع عليها أباؤهم ورصفاؤهم الذين بقوا فى السودان بسبب سياسات وإجراءات وزارة الداخلية الجائرة والعقيمة يمثل وصفة جاهزة للكارثة ، والتى تتعلق بالحصول وثائق السفر من إذن وتأشيرة دخول وتأخير منحهم حق الاقامة المحددة بفترة شهر قابلة للتجديد بعد سداد الرسوم بالاضافة الى التسجيل فى شئون الاجانب خلال اسبوع من وصولهم السودان ، وأصبحت الآن مخاوفهم تتزايد نسبة لشعورهم بأن دولتهم أصبحت دولة مضيفة تضيق عليهم الخناق.. ونواصل فى الحلقة القادمة إنشاء الله…….