لا تحتمل المرحلة التي نمر بها أن يكون لنا أي هوية أخري غير هويتنا السودانية. ولا مبالغة في القول:ان من لا يكون سودانيا لا يستطيع ولا يمكن أن يكون شيئا آخر:فوراويا أم زغاويا أم عربيا أم نوباويا أم فونجويا أم بجويا أم ميدوبيا …الخ. يكون العربي عربيا بقدر ما يكون سودانيا, أي وطنيا سودانيا من دون أي اضافات, ويكون النوباوي نوباويا بقدر ما يكون سودانيا, أي بقدر ما يضع مطالبه الخاصة المحقة في اطار سوداني, ويراه في ضوء حقبة الحرية والديمقراطية التي ستلي حقبتنا الاستبدادية الراهنة, ويستحيل ان نجتازها بنجاح, اذا فقدنا سودانيتنا كهوية عليا وجامعة أو عجزنا عن أن نكون سودانيين بامتياز: محض سودانيين يرون أنفسهم وأدوارهم في ضوء انتمائهمللسودان كشكل وحيد لوطنيتهم, يعينهم دون سواه علي خوض صراعهم الضاري من أجل حريتهم.
ويربط نظام المؤتمر الوطني انتصاره فيه بتنكرهم ل سودانيتهم, ويحاول لهذا السبب اصطناع هويات جزئية يفرضه عليهم, ان استجابوا لها كان فيها هلاكهم وخراب وطنهم ودولتهم, خاصة ان نجح في تضخيمها وشحنها بأحكام مسبقة مفعمة بالتعصب, من شأنها أن تجعل منها أدوات حرب تقاتل غيرها,وتشتغل وكأنها ليست جزئية أو هامشية بل هويات أصلية, يستخدمها النظام كأسافين تمزق المجتمع وتثير فيه أنماطا من صراعات قاتلة, تنخرط فيها كتل هوجاء متناحرة ومتحاربة, تشتد ضراوة عنفها بمرور الوقت الي أن تبطل الصراع الوحيد الذي يستحق أن يخاض ويضحي في سبيله: صراعنا كشعب من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة, الذي سيكون محكوما بفشل مؤكد, اذا لم يرتبط بانتمائنا الحصري الي هوية سودانية عليا هي اليوم شكل وطنيتنا العملي, واطار جامع يضمنا كشعب واحد, ويمنحنا القدرة علي مواجهة نظام الابادة الجماعية معاد لنا كمواطنات ومواطنين.
لا محل في أيامنا لأي مفاضلة بين كوننا سودانيين وانتمائنا الي خصوصيات وهويات فرعية, مهما كانت أصالتها وديناميتها. لا مجال لهذه المفاضلة اليوم وغدا, بسبب خصوصية وضعنا كشعب يقتل, وأهمية أن نتحد بالنسبة الي نيل حريتنا, التي سنغني خصوصيات شعبنا بعد سقوط الاستبداد وستغني بها, ضمن فضاء الحرية, الذي ستكون لحمته وسداه ومكونا رئيسا منه لن يقبل الانفكاك عنه. اليوم, يعبر سوداننا عن نفسه في مشتركاتنا العامة, التي يتخطي أي انتماء جزئي أو فرعي أو سياسي وأية مصلحة خاصة أو ضيقة, ويفرض علينا تأسيس رؤانا وممارساتنا علي أرضية حد أعظم من الانسجام والتكامل, ليس فقط من أجل ضمان نجاح ثورتنا, بل كذلك لأننا بحاجة الي التفاعل المتبادل والجدي في اطار جامع ومعرف بوضوح ليس انعاشا, تملأه مصلحة وطنية ليس لها أي مداخل أخري غير مدخل هويتنا الوطنية العليا: القادرة وحدها علي التعبير عن مصالح وهويات جميع المكونات السودانية, من دون أن نثير أي تناقض جدي بينها.
لن يستقيم مع الانتماء الي سوداننا الثائر علي الظلم والتمييز أن يمارس أطراف المعارضة أي تمييز بين السودانيين لأي سبب أو مسوغ, مهما كانت خلفياته السياسية والاثنية والثقافية. ويقيني أن فطرة السودانيين الوطنية لن تقبل حيدانهم أو حيدان أي فريق منهم عن مشتركاتهم الوطنية, الخاضنة الآمنة التي صنعها التاريخ ونضالهم المشترك, تموهم بالحماية وبما يحتاجون اليه من وحدة وقوة في نضالهم ضد طغيان سلطوي وشخصي مفترس داب طيلة خمسة وعشرون عاما, علي تمزيقهم واثارة العداء والبغضاء بينهم, ووضعهم بعضهم في مواجهة بعضهم الأخر, وربط مصيره بنجاحه في شحن هوياتهم الدنيا والجزئية بقدر من التنافر والبغضاء يرفضون معه عيشهم المشترك, كمبدأ وكممارسة, وينخرطون في نزاعات اقصائية تتحول الي صراعات عنيفة عند نشوب أول أزمة بينهم. ومن يراقب ما فعلته نظام المؤتمر الوطني منذ انفجار الثورة المسلحة في السودان وحتي اليوم, سيضع يده علي خيط أحمر يسمم سياسات النظام, يتمثل في سعيه الي اثارة نزاعات داخلية وتفجيرها بأقصي ما في الكراهية والعنف من قدرات تدميرية, لادراكه أن انخراط أطراف متناقضة ومختلفة فيها يعني نهاية الثورة والقضاء- وان لبعض الوقت- علي فكرة الحرية وحلم الدولة الديمقراطية, وتمكينه من التقاط انفاسه واستعاد سيطرته كاملة علي البلاد والعباد.
ليس لدينا خيارات كثيرة, فاما أن نكون سودانيين من اليوم وحتي انتصار الثورة, أو أن نضيع كل شئ ونعود الي بيت طاعة المؤتمر الوطني, الذي سيقتلنا بالملايين بتهمة العملاء والمرتزقة. أن نكون(سودانيون وبس) يعني أن ننتصر ونصير احرارا. أما أن نعطي اليوم الأولوية كلوننا عربا ونوبة وزغاوة وفورا…الخ, فهذا معناه نجاح النظام في دق أسافينه بيننا وانتصاره هو علينا.. ماذا تختار؟!
السودان اذن بلد السودانيين ان أساس الانتماء المواطنة وليس الدين أو اللغة أو القبيلة-اذا نظرت الي خارطة العالم ستجد أنه لا يوجد دين له وطن, أو لغة لها وطن, أو قبيلة لها وطن. والعجيب أن البلد الوحيد الذي يقول عكس ذلك هو السودان حيث تكثر التصريحات غير المسئولة والمهددة للوطن وعزته. السوداني هو المنتمي ثقافيا للسودان, أي ينتمي له في ثقافاته المعروفة المتنوعة, والمتحدة عبر آلاف السنين في اطار الوحدة في التنوع وهو شكل وجود.. سودانيون وبس.
بقلم:احمد قارديا
[email protected]