قال الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب، لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار الذي اتخذه عندما كان قائدا للجيش، بإقصاء الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري، في الرابع من أبريل (نيسان) عام 1985، بإعلانه انحياز الجيش للشعب السوداني، توصل إليه بعد أن تأكد له، كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، بأن نميري «بات لا يملك شعبية»، وأكد أن قرار إقصاء نميري، الذي كان في رحلة علاجية في الولايات المتحدة، كان من أجل «حقن دماء السودانيين، ولمنع حدوث انقلاب عسكري من ضابط صغير في الجيش، كما يحدث في بلدان أفريقية».
وشهد السودان في أواخر حكم نميري، انتفاضة شعبية كبرى نظمت ضده، استمرت من أواخر مارس (آذار) وحتى أوائل أبريل (نيسان)، سميت بانتفاضة مارس/أبريل، توجت بإعلان قائد الجيش (سوار الذهب) الانحياز للشعب، وإنهاء حكمه الذي استمر زهاء 16 عاما، وبدأت بعدها فترة انتقالية، لمدة عام، نظمت خلال انتخابات ليسلم الجيش السلطة للمدنيين. ونوه سوار الذهب، الذي يعد من القلائل في العالم، الذين يتنازلون عن السلطة طواعية، إلى أن ولاءه هو وقيادات الجيش لنميري كان «مطلقا»، وقال: «كنا موالين له، إلى أن تأكد لنا بعد مسيرة جماهيرية أطلق عليها مسيرة الردع، نظمها أنصار نميري للرد على الانتفاضة الشعبية كانت «هزيلة»، وكشفت أن الشعب يريد ذهاب نميري».
وقال سوار الذهب: «نميري كان رجلا ذا عزيمة ومحبا لوطنه، وأعطى السودان كثيرا من الإنجازات في شتى المجالات»، وأضاف، «البلاد فقدت أحد أبنائها البررة، حكم البلاد في أكثر مراحلها دقة وخطورة»، ومضى إلى القول أن نميري بجهوده المكثفة وإخلاصه، وضع السودان خلال سنوات حكمه الـ«16» عاما على المسار الصحيح، ويتبوأ موقعه المتقدم من بين الدول النامية.
وسرد سوار الذهب، في رد على أسئلة «الشرق الأوسط»، بمناسبة رحيل نميري، انجازات الأخير، وقال، إن نميري يعود الفضل له في التوسع في المشروعات الزراعية في البلاد، ومن بينها مشروع الرهد الزراعي «الفاو» وسط البلاد، الذي وصفه بأنه من المشروعات الرائدة في البلاد، ويعد من المشروعات الزراعية الكبرى في أفريقيا والمنطقة العربية. وأضاف، أن نميري أحدث التوسع في زراعة السكر، وأشهر ما قام به في هذا الجانب إنشاء مصنع سكر «كنانة» جنوب الخرطوم، الذي حسب سوار الذهب، ليس الأكبر على مستوى السودان وأفريقيا، بل يعتبر من أهم مصانع السكر على مستوى العالم. وقال الرئيس السوداني الأسبق، إن نميري هو الذي طور القوات المسلحة السودانية، «وجعلها قادرة على الدفاع عن السودان ووحدته واستقراره وأمنه». واعتبر سوار الذهب، الذي يرأس الآن هيئة سودانية شعبية لجمع الصف الوطني، أن فترة «حكم الرئيس نميري شهدت استقرارا سياسيا طيبا، مكنه من أن ينجز الكثير من الأمور السودانية، وقال «يكفي أنه حقق السلام في جنوب السودان بعد حرب طويلة، وذلك عن طريق المفاوضات مع الجنوبيين، الذين كانوا يحملون السلاح في ذلك الوقت، وهي حركة، انانيا، بزعامة جوزيف لاقو، ووقع معها اتفاق أديس أبابا في عام 1972، الذي جلب السلام لمدة 10 أعوام.
واثني سوار الذهب على سياسة نميري الخارجية، وقال «على الرغم من أنه أعلن سياسة خارجية في السنوات الأولى لحكمه تميل إلى الشرق، والاتحاد السوفياتي، آنذاك، إلا أنه بعد فترة قدر أن مصلحة السودان تستدعي الاستعانة ببعض الدول الغربية، كما أقنع من خلال تلك العلاقات الحكومة الأميركية باستخراج البترول في السودان». وأضاف سوار الذهب، أن «نميري خلق للسودان موقعا سياسيا معتبرا في المنطقتين الأفريقية والعربية»، ووصفه بأنه أحد «حكماء أفريقيا» ساهم في حل الكثير من المشكلات في القارة، دون تفصيل، لكنه أشار إلى جنوب أفريقيا.
ونوه سوار الذهب، إلى أن «نميري أسس حزب الاتحاد الاشتراكي السوداني، وقد أحجمت الأحزاب السودانية الدخول فيه، ولكن كان يعتقد أن الحكم الشمولي يتيح الفرصة لتنفيذ المشروعات بصورة فاعلة وسريعة، قياسا بالحكومات الديمقراطية»، وأشار إلى أنه يلاحظ أن أغلب المشروعات التنموية أنجزت في العهود الشمولية وليست الديمقراطية، لأن الأخيرة دائما تكون قصيرة ويصعب من خلالها اتخاذ القرارات العملية. واعتبر سوار الذهب، أن دعم نميري للقضية الفلسطينية كان بلا حدود، واستعاد في هذا الخصوص إحداث «أيلول الأسود» بين الفلسطينيين والأردنيين، وقال: «أثناء المواجهات بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية في عام 1970 بعثه جمال عبد الناصر، على رأس وفد عربي يضم الراحل سعد العبد الله، وزير داخلية الكويت آنذاك، والباهي الادغم من تونس، ليتفاكر ثلاثتهم مع القيادة الأردنية حول تلك الأحداث، واستطاع نميري ووفده أن يعود إلى القاهرة، وفي معيته الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي كان محاصرا بسبب تلك الأحداث.
وحسب سوار الذهب، فإن تكليف عبد الناصر، له بالمهمة كان يؤكد بأنه يتمتع بسمعة طيبة وبلا حدود وسط الدول العربية.
ورأى سوار الذهب، في رد على سؤال حول أخطاء نميري بأنها كانت «معدودة وقليلة»، وسرد بعضا منها بالقول، إن الاستجابة لتوصية من جنوب السودان بإعادة الولايات الجنوبية الثلاث بدلا عن الإقليم الواحد المنصوص عليه في اتفاق أديس أبابا كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تجدد الحرب في الجنوب، بزعامة الحركة الشعبيىة لتحرير السودان، التي كان يقودها وقتها جون قرنق، في عام 1983. وقال «هذا ما حدث على الرغم من أن نميري، فقط استجاب إلى توصية من جنوبيين من الاستوائية، بإعادة الولايات الثلاث، بعد أن رأوا أن بعض إخوانهم من قبيلة الدينكا يسيطرون على الجنوب في ظل الإقليم الواحد».
وقال سوار الذهب، إن من القرارات غير الموفقة التي اتخذها نميري، قرار حل الإدارة الأهلية في السودان، وأضاف، أن القرار «فاقم الأوضاع الأمنية في الجنوب، ولولا حلها لما قامت مشكلة دارفور». وردا على سؤال حول الكيفية التي اتخذ بها قراره بالاستيلاء على السلطة لصالح الشعب في الرابع من أبريل (نيسان) عام 1985، قال سوار الذهب، إنه هو وقيادات الجيش السوداني، كان ولاؤهم مطلقا للنميري حتى اللحظات الأخيرة، وفي خضم المظاهرات في الخرطوم المناوئة للرئيس، وأضاف «ولكن عندما دعونا لمظاهرة هادرة أطلق عليها مسيرة الردع لإبراز شعبية نميري، وشاركت فيها شخصيا، اتضح العكس، حيث جاءت هزيلة بعدد قليل جدا من الناس، وأنصار حزب الاتحاد الاشتراكي، فعرفنا في قيادة الجيش أن الشعب يريد التغيير، وأن نميري أصبح بلا شعبية».
ومضى سوار الذهب يقول: «كنا نؤمل في أن تكون له شعبية ويستمر الجيش على رأس الأمور موجودا، ولكن المظاهرة قالت إن الشعب يريد تغيير نميري، فانحاز الجيش للشعب». وكشف أن القرار جاء باتفاق بين أعضاء قيادة الجيش، وبأنه جاء «حقنا للدماء ولقطع الطريق أمام أي ضابط صغير من المتحمل أن يقوم بانقلاب عسكري يقلب الأوضاع»، وشدد أن «القرار تم بالتشاور مع قيادات الجيش، وكانوا مجمعين على الخطوة لأن نميري لم تعد له شعبية»، وأوضح أنه قد قام بجولة على الوحدات العسكرية في العاصمة قبل اتخاذ القرار، ووجد أن كافة قيادات الجيش قد وصلت إلى قناعة بأن نميري أصبح بلا شعبية». من جهة ثانية، قال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة المعارض، وهو يعزي في وفاة نميري: «مهما كانت درجة الخلاف فإن حب الوطن يجمعنا»، من جانبه، قال القيادي في حزب الأمة، بكري أحمد عديل، لـ«الشرق الأوسط»، إن نميري فيه صفات أساسية وهي: «الشجاعة والصدق والصراحة» وأنه «أخ إخوان يتعاطف مع مشكلات الناس»، وأضاف أن كل من عمل معه عن قرب يكتشف فيه هذه الصفات، وأنا واحد من الذين عملوا معه بعد المصالحة الوطنية، حيث كنت حاكما لإقليم كردفان، وعملت معه عن قرب أثناء رحلاته الخاصة باستخراج البترول من جنوب كردفان». وحسب عديل، فإن نميري ارتكب أخطاء خلال سنوات حكمه، «ولكن جاءت إما من التسرع في اتخاذ القرار وعدم مراجعته، أو من استشارة غير صحيحة».
وقال نافع على نافع، مساعد الرئيس السوداني، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، إن «نميري تشهد له الأمة السودانية، وعلى رأسها القيادات التشريعية والتنفيذية بما قدمه إبان فترة توليه الحكم فهوا أنجز قرارات شكلت الواقع المعيش الآن بما فيها أسلمة القوانين السودانية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ووصف ذلك بأنه «أعظم مرحلة»، وقال، إن تلك القوانين ما زالت سارية حتى الآن، وأضاف «نحن نحسب ذلك له»، وقال نافع، إن «السودان شهد لنميري مواقف لن تتكرر، مثل إبادته الخمور، فهذا لم يحصل إلا في صدر الإسلام، ونحن نقول إن هذه الأعمال طيبات»، واعتبره رمزا من رموز الوطن وأحد أبنائه البارزين، وقال، «شهد له الجميع بالصفاء والشهامة ومعروف أنه سوداني أصيل».
وحسب المحامي على السيد، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض، فإن نميري ما له قليل وما عليه كثير، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن نميري «في عهده ورغم ما لديه من وطنية فقد وصلت البلاد مرحلة من التردي». وأضاف «استولى على السلطة بنية حسنة ووضع برنامجا يصلح لكل القوى الوطنية.. غير أنه ككل العساكر تراجع أو اضطر إلى التراجع، فتحول نظامه إلى نظام عسكري بنسبة 180 درجة». وطبقا للسيد، فإن «حكم نميري مهما قيل عنه فإنه أقل مرارة من حكم الإنقاذ الحالي، ووضعنا كان أحسن حالا مما نحن عليه الآن»، وقال: «إن نميري رجل نظيف اليد، جاء إلى الحكم فقيرا وذهب منه وهو فقير، كما أن من كانوا معه شرفاء أتوا فقراء وهاهم نراهم فقراء».
الخرطوم: إسماعيل آدم
الشرق الاوسط