اكيد أنه من حق خصوم نظام الرئيس البشير أن يفرحوا شماتة عليه . بعد ان حاول وزير الرئيس البشير التاريخى ، احمد هارون ، الذى هو ايضا والى ولاية جنوب كردفان التى تشهد معارك شرسة بين قوات الجبهة الثورية المعارضة وقوات الحكومة فى عدة مناطق فى جنوب كردفان ، بعد ان حاول ، فى حماسة شديدة ، أن يكحل عيون نظامه ويجملها ، فعماها . حدث ذلك اثناء مخاطبة الوزير هارون ، احد اشهر ثلاثة سودانيين مطلوبون للعدالة الدولية بجانب الرئيس البشير ووزير دفاعه عبدالرحيم محمد حسين ، اثناء مخاطبته لقوة عسكرية حكومية فى احدى الحاميات العسكرية . المسئول اللغز ورط نفسه وحكومته بتحريضه لقواته مجددا على ارتكاب نفس الافعال الحربية الاجرامية التى اتهم بها هو والرئيس البشير ووزير دفاعه من قبل كأنه لا يبالى . قناة الجزيرة السباقة دائما ، ارادت أم لم ترد ، لا فرق ، وضعت نظام الرئيس البشير فى موضع لا يحسد عليه بهذا الشريط الدامغ الذى يظهر الوالى هارون وهو يخاطب فى انتشاء مجموعة من ضباطه وجنوده ويحرضهم على قتل اسراهم مستعملا لغة فجة يستحيل ان يتفوه بها قاضى خبر الدروب القانونية فى معاملة اسرى الحروب ، وفى تجنب المزالق الحربية التى تقود من ينجرف فيها الى طاولة القانون الدولى لجرائم الحرب ، وجرائم الابادة الجماعية ، اشهر مادتين متلازمتين من مواد القانون الجنائى الدولى . سقطة الوالى هارون الاعلامية والسياسية التى انجرف اليها والى ولاية جنوب كردفان ، وهو يخاطب ثلة من ضباطه وجنوده فى احد المعسكرات ويطلب اليهم فى انتشاء ظاهر ان يقوموا بمسح ، و كسح ، وقش ، مقاتلى ثوار جنوب كردفان الذين يقعون فى قبضتهم . وعدم احضار أى اسير منهم و هو على قيد الحياة ، لأنه لا توجد لديه اماكن لحفظ اسرى او معتقلين احياء هى سقطة جبارة بكل المقاييس . ولا يمكن ملافاة اثارها الا بطرد هذا الرجل الذى اصبح عبئا على النظام وخطرا على الذين ترميهم اقدارهم فى طريقه . هذا طبعا اذا اراد النظام أن يقلل من نتؤاته الفجة مرة واحدة على اقل تقدير . و هو نادرا ما يريد . هذا المنحى . فى الشريط الذى بثته قناة الجزيرة ونقلته عنها معظم القنوات الفضائية العالمية يدعو السيد هارون ضباطه وجنوده مجددا الى القيام بنفس الاعمال التى ساقته فى الماضى الى ان يكون متهما رئيسيا بجرائم حرب وجرائم ابادة جماعية بجانب رئيسه البشير ووزير دفاعه ، سيصعب على الحكومة السودانية ان تتعامل معه كعادتها دائما بترحيل القضية الى نواميس الدس السياسى والفبركة الاعلامية . والحروب الغربية ضد الدولة الرسالية السودانية . الوالى المتحمس اكتشف ورطته الخطيرة فجأة ، فعمد الى انكار الواقعة ، وهدد قناة الجزيرة بمقاضاتها . رغم انه كان يأمر جنوده بالصوت والصورة وهو يتلاعب بعصاه منتشيا ، يسأل جنوده ان كانوا جاهزين ، فيردون عليه بالتهليل . ربط هذه الافعال الاجرامية باسم الجلالة هو فى حد ذاته جريمة لا تحاسب عليها محكمة الجنايات الدولية ، انما يحاسب عليها العزيز المقتدر . الشريط الدامغ سيكون وثيقة اضافية مدمرة تضاف الى الحيثيات المتراكمة التى ما زالت المحكمة الدولية توالى تجميعها فى مسعى دؤب ومستمر لدى كافة الدول يهدف الى اعتقال المجموعة المطلوبة للعدالة الدولية وتسليمها لها فى لاهاى الهولندية لتجيب على اسئلة *التحقيق الجنائى . لم يكن امام الوالى اللغز الا ان ينكر واقعة الشريط الدامى . والا ان يتهم قناة الجزيرة بفبركته . فالشريط يشكل محنة جديدة من محن النظام التى تأبى أن تفوت أو تموت بالتقادم . وهذا هو الوالى الاسطورة يؤججها من جديد من حيث لا يريد . انكر الرجل واقعة الشريط المحنة . ولكن لا مجال للانكار . فالرجل كان يتحدث بعضمة لسانه وبصورته وشكله الذى حفظه الناس وحفظته كل المدونات الدولية المطالبة برأسه . وهو فى كامل الانتشاء والتبسط مع جنوده و ضباطه المنتشين والمهللين وهو يسألهم ان كانوا جاهزين لفعل التمام . ويردون عليه بمزيد من التهليل . يحتار الانسان كيف يمكن ان يفوت على هذا الوالى أن فى عالم اليوم الذى تحول الى قرية صغيرة مندغمة الاطراف بفضل ثورة المعلومات التى لا تترك صغيرة او كبيرة الا احصتها بالصوت والصورة كانت الواقعة فى صحارى كردفان ، او فى جبالها الوعرة ، اوة فى وهادها المتعرجة . فعيون ثورة المعلومات اللاقطة اكثر من عيون زرقاء اليمامة فى زمانها تقف بالمرصاد . المسئول الذى تغيب عنه هذه المعلومة البسيطة هو مسئول جاهل و ضار لنفسه وللجهة التى يمثلها . وللمهمة التى ينفذها . فى الحالة التى نتحدث عنها يكون السيد هارون قد الحق ضررا كبيرا ومباشرا بنفسه اولا . وبحكومته ثانيا . وبالمهمة التى يعمل على انجازها ثالثا . فالرجل كان ومازال مطاردا من قبل العدالة الدولية بتهم تتعلق بممارسات حربية تتطابق تماما مع ما كان السيد هارون يحرض عليه الضباط المتحلقين فى هذا الشريط اللعنة . كأن سلطان العادة قد غلب عليه هذه المرة ايضا . معلوم ان البت فى تهم الابادة الجماعية وجرائم الحرب ضد المتهمين السودانيين تأخر بسبب رفض المجموعة المثول امام اجهزة التحقيق الجنائى الدولية التى كلفت بمهمة اثبات هذه التهم عليهم او نفيها عنهم . ولك
نها لم تسقط . لأنها من نوع الجرائم التى لا تسقط بالتقادم . واضح ان السد هارون ليس مكترثا البتة تجاه تلك التهم . وإلا لكان اكثر حذرا فى ضبط لسانه واقواله . ولا يعود الى تجديد الدعوة الى ارتكاب نفس الافعال التى قادته وآخرين الى مدونات التحقيقات الجنائية . أن يعود السيد هارون الى الدعوة الى ممارسة نفس الاعمال الحربية التى و جهت اليه بسببها تهم الابادة الجماعية ، فهذا يدل على امرين لا ثالث لهما : اما ان يكون الرجل غير مكترث لأى ردود افعال خارجية او داخلية لأنه مؤمن بما يقول ويفعل . او يكون الرجل غير مدرك أنه بهذه التصرفات يجلب الى حكومته المزيد من المهالك السياسية . النتيجة فى الحالتين هى انه يضع نفسه ونظامه تحت المجهر بصورة مهلكة . ويعطى التهم الموجهة ضد مجموعته المزيد من الزخيرة و من المصداقية. وفى هذا خدمة كبيرة لمسعى المطالبين برأسه . ورأس نظامه . ورأس رئيسه . المحكمة الجنائية الدولية لا تقول للسودانيين المتهمين لديها مثلما قال الحجاج بن يوسف الثقفى للعراقيين أنه يرى رؤوسا قد اينعت وحان موعد قطافها وانه لصاحبها . انما تقول لهم انها ترى اتهامات موثقة ضدهم . وانها تريد فقط التأكد من صحتها او من من عدم صحتها . وتطلب اليهم ان يمثلوا امامها بلا خوف او وجل . وهذا مطلب عادل لا يخافه الا من فى قلبه حرقص كما يقول المثل الشعبى ! فى الشريط الدامغ كان السيد هارون كان عدوا لنفسه وللنظام الذى يخدمه . وسبب لنفسه هاجسا ( وحرقصا ) بات يؤرقه . ويدعوه الى عدم الاستجابة لطلبات المثول امام اجهزة العدالة الدولية ، خصوصا بعد أن ( طبزها طبزة شديدة جديدة فى شريط قناة الجزيرة الذى سيكون له ما بعده .
لغة السيد احمد هارون المشينة ، و طلبه من ضباطه بأن يكسحوا ويمسحوا ويقشوا هى لغة لا يتوقع احد ان يسمعها من مسئول فى منصب كبير مثل السيد هارون ، ناهيك ان يكون هذا المسئول هو قاضى فى الأساس . وما ادراك ما القاضى . قد يكون السيد هارون مقتنعا انه يدير حربا جهادية ضد اعداء الاسلام الذى يتوشح به النظام الذى يخدمه . ولكن متى واين و كيف اباح الاسلام مسح وكسح وقش الخصوم على اطلاقهم دون تمييز او مراعاة كما يطلب القاضى والوالى والسياسى المنفعل من جنوده المهللين باسم الجلالة فى الموقف الخطأ ، ودونه التوجيه الربانى فى معاملة اسرى اعظم معارك الاسلام واجلها ، وهى معركة بدر . ذلك هو القياس . ذلك هو القياس . القاضى هرون يذكرنى بقاضى صدام حسين عواد البندر الذى اعدم قرية كاملة بما فيها من اطفال ونساء وشيوخ كبار بتهمة الاشتراك الجماعى فى مؤامرة اغتيال صدام حسين فى قرية الدجيل فى عام 1982 . لقد كسح القاضى عواد البندر ، ومسح ، وقشّ قرية كاملة بما فيها من اطفال قصر قدمت شهادات ميلادهم فى محاكمة عواد البندر . وبما فيها من نساء وشيوخ كبار السن . لقد كسح عواد البندر ، ومسح ، وقشّ قرية كاملة على الاطلاق. وهو فعل قريب مما دعا اليه الوالى هارون جنوده فى هذا الشريط . لولا ان الذين يريد كسحهم الوالى هارون اصبحوا قادرين على حماية انفسهم .
اننا نعلم جميعا المصير المظلم الذى انتهى اليه عواد البندر بعد عقود من البراح . فقد علق على نفس المشنقة التى علق عليها ثلة من الابرياء لأن الله يمهل ولا يهمل . وذهب القاضى عواد البندر كأسوأ مثل للقاضى الذى باع ضميره القانونى الى سلطان جائر لم يقو على قول كلمته الحق امامه فسحب، انما سايره فى ظلمه وغيه وضلاله . لقد اضر السيد هارون بنظام الحكم الذى اراد خدمته بهذه الحماسة ، وبتلك الغفلة المفرطة حين وجه جيش حكومته بارتكاب اعمال حربية هى من صميم جرائم الحرب المنهى عنها دوليا ، والتى ما زال هو شخصيا ، وكذلك ما زالت حكومته مطالبين دوليا بالرد على تهم محددة بشأنها . كأن الرجل يعيد الكرة على نفسه وعلى حكومته بدون وعى منه . دليل اساءة السيد هارون الى نفسه والى حكومته بهذا الشريط المهلك رأيناه متمثلا فى السرعة التى تناقلت بها الوسائط الاعلامية العالمية و الاقليمية الشريط . مع ما تبع من ادانات عديدة من جهات ومنظمات دولية نافذة . وعودتها الى المطالبة بتوقيف السيد هارون على ذمة الاتهامات القديمة . هل كان السيد هارون ، او كانت حكومته فى حاجة الى كل هذا . أم انه الغدر الذى ياخذ بخناق صاحبه حتى يقتله .
حماية لنظام السودانى المستميتة للسيد هارون كانت وما زالت مثار لغط كبير فى الشارع السياسى السودانى . أقل ما يقال فى هذا اللغط هو أن الرجل ينوم على تل من الاسرار الحربية الخاصة بدارفور. وتسليمه الى العدالة الدولية قد يفضى به الى فتح صندوق الاسرار هذا من باب علىّ وعلى اعدائى . وهذا تصور واقعى ومحتمل . ولكن السيد هارون زود الحماسة حبة . ووضع نفسه فى خانة الصديق الجاهل الذى يضر من حيث يريد النفع . لو كنت فى مكان السيد البشير لطردت هذا الرجل من منصبه الحالى . وتركته الى مصيره فى الشارع العريض . لأن هذا اخف من الاضرار التى يلحقها هذا الرجل بنفسه و بنظام السيد البشير . هذا ليس شفقة منى عليه او على نظام السيد البشير ، لأنهما لا يحتاجان الى شفقتى ، ولكن شفقة منى على الذين يريد ، عواد البندر السودانى هذا كسحهم ، ومسحهم وقشهم .
أخ . . . يا بلد !