زيارة د. عصام شرف والصراحة المنشودة

زيارة د. عصام شرف والصراحة المنشودة
إن أزلية العلاقة بين شعبي السودان ومصر تمتد حقائقها بإمتداد تفاصيل التاريخ وبإنسياب سريان مياه النيل ، نعم ، النيل الذي وصفه الطيب صالح (بالإله الأفعى) الذي تتباين فيه المعتقدات والأفكار والدوافع والرغبات في واقع الحال أو وفقا لما تضمنته أحداث رواية موسم الهجرة إلى الشمال .
وظلت العلاقة بين الشعبين مصدرا لإلهام الشعراء وغناء المطربين ، فتغنّت شادية بما كتبه
 ( السيّد زيادة ) عام 1952 قائلة :
هيا يا سودان يا أخت الحمى   فلنعش حرّين أو نرضى الفناء
  وجاوبها بعد حين الأستاذ عبد الكريم الكابلي برائعة تاج السر الحسن :

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة يا رياضاً عذبة النبع وريقة.. يا حقيقة.. مصر يا أم جمال أم صابر.. ملء روحي أنت يا أخت بلادي سوف نجتث من الوادي الأعادي.. فقد مدت لنا الأيدي الصديقة …
وظلّت العلاقة بين الشعبين كالنيل، تصفو بصفاء طبيعة الشعبين ،وتعتكر بفيضانات الحُكام والأنظمة وببعض من رواسب النظرة الإستعلائية ( الباشوية ) القائمة على الجهل والأمية بفعل التاريخ البغيض والإستعمار .
تشرّفت أرض السودان في اليومين السابقين بزيارة السيد الدكتور/ عصام شرف ، وخرجت جموع الشعب السوداني الأصيل الكريم بمختلف أطيافها إستقبالا لشخصه ولمن هم معه من ضيف كريم ، لم يخرجوا رياءأ ولا نفاقا ولا مداهنة ، خرجوا محبة وصدقا وصفاءا وأملا في أن يكون حال بلادهم كحال مصر الثورة ، خرجوا وهم يبتغون أن يتولى أمرهم من هو بقامة عصام شرف الذي قادته جموع الشعب المصري لأن يكون رئيسا للوزراء بقوة الشعب لا بقوة السلاح وبإختيار شعبي وليس بإنقلاب عسكري . و قد كان السواد الأعظم من مُستقبلي الدكتور / عصام شرف يعرفون شخصه حتى قبل رؤيته ، فهم يعرفون بأنه الرجل المحترم الذي قدّم إستقالته من الوزارة والحكومة السابقة رافضا للفساد والمحسوبية في زمان يتشبث فيه الحكام والوزراء الفاسدون للبقاء  على مناصبهم في تمسك مريض بالسلطة إشباعا لرغباتهم الدنيئة ولغرائزهم السقيمة ، مُتناسين شعوبهم ومصالح بلادهم العامة .
إن جماهير الشعب السوداني سواء بالداخل بالخارج  أوالذين خرج البعض منهم مستقبلا للدكتور عصام شرف ، إنما تحاول إيصال رسالة للسيد رئيس الوزراء أُحاول تلخيص فحواها في النقاط الأتية :
– أنتم أهل لثقة الشعب المصري العظيم الذي حملكم على أكتافه بميدان التحرير – ميدان الكرامة – ميدان العزّة ، وأنتم من أسس جمعية ( عصر العلم ) التي ضمّت علماء بقامة 
د/ أحمد زويل و د/ البرادعي ، وأنتم أهل لثقتنا نحن أهل السودان ، السودان الذي تشظى  وتقسّم بفعل نظام عمر البشير ومؤتمره الوطني الذي لا يخفى عليكم غدره وزيفه وحيله  والتي أستعرض لكم منها القدر اليسير في عدد من المحاور :-
أ)  المحور الداخلي :-
1- لا يخفى على القاصي والداني علاقة النظام السوداني بمواطنه وشعبه وما يكتنفها من قهر وإذلال وقمع وقتل وإرهاب لكل من يرفض المرفوض ولكل من لا يقبل بما هو غير مقبول ، فقد طال التنكيل مختلف القطاعات والشرائح ، طلاب ، عمال ، صحافيين ، أطباء ، حتى الأطفال كان لهم نصيب ، كذلك النساء لم تسلم من الجلد والإهانة بدعوى تطبيق شرع الله في حين أن  أفراد أجهزتهم الأمنية يقومون بإغتصاب النساء وفي مكاتب الدولة التي تُسير بإسم الله زورا وبهتانا .
ولعل التصريحات الأخيرة للمؤتمر الوطني بسحق المعارضة إن حاولت التظاهر خير شاهد على ذلك .
2- لم تخل علاقة النظام السوداني وشريكه في الحكم – الحركة الشعبية – من تعتيم وتاَمر وغدر قبل وبعد الإستفتاء ، مما دفع بالحركة الشعبية لأن تعلن وتفصح وتفضح ذلك على مرأى ومسمع من الرأي العالمي وتقوم بتقديم الشواهد والأدلة الدامغة على ذلك .
3- تمثّل في علاقة النظام السوداني بحزب المؤتمر الشعبي وزعيمه د/ حسن الترابي ( الذي خطط له وأوصله الى السلطة )   كل معاني الخيانة السياسية وغدر ذلك النظام ، فقد إعتقل النظام الأب الروحي له وألقى به في غياهب المعتقلات وناصب حزبه ( المؤتمر الشعبي ) الخصومة والعداء
وبلغ بالحزبين الفجور في الخصومة .
4- لم تقتصر علاقة النظام السوداني العدائية والمُتسلطة على الأحزاب الدينية فحسب بل تجاوزت ذلك لتطال الأحزاب اليسارية والتقدمية فها هي تعتقل الأستاذ / محمد إبراهيم نقد ( سكرتير الحزب الشيوعي السوداني ) في رفض صريح لمبدأ الرأي والرأي الاخر وكشاهد على قمع نظام الحزب الواحد والشمولية والتسلُط .
5- لعل علاقة النظام السوداني بقضية دارفور هي أكثر الشواهد على إجرام النظام وإنتهاكه لحدود الله وإفساده على الأرض ، ولعل جرائم الإبادة والمحارق التي قام بها النظام في دارفور تعتبر من أكثر الجرائم البشرية التي أدمت قلب المجتمع الدولي لبشاعتها وفظاعتها مما دعى المجتمع الدولي وعبر مؤسساته لإستصدار أمراً بإعتقال البشير وملاحقته دوليا .
أما على صعيد التفاوض لإحلال سلام بدارفور مع الحركات التي تناضل مطالبة بالحرية والعدل والمساواة والأمن شأنها في ذلك شأن ثوار 25 يناير من أبناء الشعب المصري وإن إختلفت ألية التنفيذ والكيفية  ،فقد دأب نظام الخرطوم على الكذب والإفتراء و المماطلة وإبتداع الجديد المستهجن من الأفكار والقرارات والتي تتناقض وتتضاد مع المطالب الأساسية لإقرار السلام  أو حتى إدارة الحوار ، فتارة يطالب نظام الخرطوم بالإستفتاء الإداري ( إحدى حيل المؤتمر الوطني ) وتارة يقرر زيادة ولايات الإقليم الى خمس ولايات , في حين أن توافق جميع حركات دارفور هو مبدأ الاقليم الواحد ، ولعل ما يزيد الحنق ويدعو للإستهجان أنه في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات يقوم النظام بقصف المواطنين و ترويعهم وتقوم عناصر مليشياته بإغتصاب النساء
وهتك الأعراض .
6- علاقة النظام بشرق السودان ، اتسمت بأنها علاقة شكلية تخلو من المضمون فقد وقّع النظام إتفاقية سلام عرجاء مع كل من موسى محمد أحمد وأمنه ضرار ومبروك وما كانت هذه الإتفاقية الا حبرا على ورق ، فلم تحرك ساكنا ولم تحقق تقدما للإقليم، وها هو الإقليم يتململ في مرحلة ما قبل الإنفجار .
ب) المحور الخارجي :- 
إن كانت السياسة هي فن الممكن ، فإن النظام السوداني قد جرب كل ما هو ممكنا ليظل على سدة الحكم دونما أي مُثل أو قيُم أو مبادئ ، وتستوقفني في المواقف الخارجية للنظام السوداني علاقته بمصر دون سواها .
تفضل الدكتور عصام شرف بكلمته الرائعة بالخرطوم والتي أشار فيها إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع السودان أساسها الصراحة ! نعم الصراحة هي الغاية والمُراد و المُبتغى لشعبي وادي النيل  ، ولكن أود فقط أن أُشير وأُذكر بسياسة وصراحة نظام الإنقاذ والمؤتمرالوطني والذي يُعبر عن نفسه ولا يُعبر عن شعب السودان :-
– من الذي كان يُهلل لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ويدعي بأنه النظام الأمثل بالمنطقة ، ثم انقلب عليه في كوميديا تفوق الكوميديا المصرية ؟
– ما هي أوجه الإختلاف بين النظام المصري السابق ونظام الخرطوم الحالي ؟
– هل يرفض الدكتور عصام شرف الفساد والمحسوبية والقمع الممارس من الأنظمة الشمولية على الشعب ؟
– ما هي قصة تهريب الأسلحة والعربات التي ضبطها الجيش المصري قادمة من السودان الى مصر إبان تداعيات الثورة المصرية ؟
– أعلن وزير التعاون الدولي السوداني جلال يوسف الدقير عن تبرع الحكومة السودانية بأرض لإنشاء كليات جامعة القاهرة !!!!!!!
أين هي جامعة القاهرة فرع الخرطوم والتي أسسها الزعيم جمال عبدالناصر عام 1956 لتكون جسرا للتواصل العلمي والثقافي بين مصر والسودان وتحولت في عهد الإنقاذ الى جامعة النيلين ؟
– ما هو رأي النظام السوداني الصريح في مثلث حلايب ؟
السيد الدكتور عصام شريف ،
يثق الشعب السوداني في شخصكم وفي نزاهتكم وفي إيمانكم بمبدأ الحرية ويزداد أيمانا بأن من وقف مثلكم بميدان التحرير لا يرضى لشعب كالشعب السوداني أن يُضام أو يُقمع أو يقهر أو ُيذل
من نظام كالنظام الذي طالما إعترضتم ورفضتم سياساته وفساده وخيانته وغدره .

 حماكم الله ووفقكم وحمى  مصر من الشر ظاهره وباطنه وممن هم من أمثال المجرم كارلوس الذي كان ضيفا بالسودان ، وبن لادن ( المستثمر ) الذي استضافته أرض السودان ثم طردته !!!!
       ولكم وللشعب المصري ولأم الدنيا كل الحب والتقدير والإجلال !!!!!
د . محمد الفاضل عبدالله
[email protected]   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *