رهان غبى على الاستقرار: المجتمع الدولى يغض الطرف عن الحملة العسكرية فى جنوب كردفان

بقلم :عثمان نواي
منحة دولية من الوقت
ان جراءة نظام البشير ليقوم بحملته العسكرية الحالية فى جبال النوبة ومناطق الحرب الاخرى, والخروج الى الاعلام للاعلان عنها , يبدو انها تحظى بمباركة دولية من شكل ما, فهو يحاول ان يثبت قدرته على اخماد الحركات المسلحة وبالتالى تجنب التغيير الحتمى فى البلاد , ويبدو ان المجتمع الدولى يغض الطرف تماما عن ما يقوم به نظام البشير لما يشغله حاليا من مواقف دولية مهتزة فى موضوع سوريا واعادة ترتيب المنطقة العربية والشرق الاوسط بعد سقوط اخوان مصر وما اعقب ذلك من ارتباك فى السياسة الغربية التى راهنت على صعود الاسلاميين بالمنطقة, وعلى التحالف معهم كبديل جديد لادارة المنطقة وحليف سهل التعامل معه. فحملة البشير العسكرية وحتى الردود الدولية والواهية على مقتل العشرات فى هبة سبتمبر, انما يعبر عن رغبة دولية عميقة فى اخماد اى محاولة للتغير فى اى دولة فى المنطقة فى الفترة الحالية حتى تنتهى ازمة سوريا وانتظار ما سيؤول اليه الحال فى مصر.
ان زيارة مبعوث اوباما الجديد الى القاهرة بدلا عن زيارة الخرطوم, رغم الرفض المعلن رسميا لاستضافة الخرطوم له, يبدو انها لها دلالة عميقة فى ظل محاولة ترتيب المشهد السياسى فى السودان حتى لا ينفجر السودان على الاقل فى اى وقت قريب. ويبدو ان اعطاء البشير فرصة لقمع الحركات المسلحة واستخدام الخيار العسكرى بدلا عن التفاوض اضافة الى عدم دعم التغيير فى السودان من قبل الغرب كما فعل مع الدول المجاورة, ينبىء موقف دولى لا يهتم بمعاناة البشر على الاطلاق فى مناطق الحرب تلك , والاهم فهو يهتم بدرجة اكبر بمصالحه وبمخططه فى كسب الوقت حتى يرتب مواقفه تجاه الدول الاكثر اهمية استراتجيا له من السودان. فزيارة مبعوث امريكا لمصر لها دلالة اخرى متصلة بعودة مصر لتلعب دورا فى المشهد السودانى خاصة وان النظام السودانى يعد فى معسكر مضاد للتغير الجديد فى مصر, وبالتالى فان نظام الخرطوم يعتبر مهددا ايضا لمصر الان, ولكن يبدو ان الامريكان يحاولون كبح المصريين من التصرف هذا الاتجاه فى الوقت الحالى وهذا كله يكسب البشير ونظامه الوقت لتحقيق استقرار وقتى وسيطرة مؤقتة على الامور فى البلاد , على الاقل حتى يتفرغ المجتمع الدولى للسودان ومشاكله المستعصية.
حملة عسكرية شرسة
وفى ظل هذه المنحة من الوقت التى يمنحها المجتمع الدولى للبشير , فان الحملة العسكرية التى تجرى الان فى جبال النوبة وعلى مسمع ومرأى من العالم اجمع حيث ان البشير وقيادات جيشه ووزير دفاعه قد اعلونها مرارا وتكرار , ادت فى الاسابيع القليلة الماضية الى مقتل العشرات وتهدد حيات الالاف من الذين اضطروا الى الفرار الى الكهوف للاحتماء من غارات الطيران الحكومى على قراهم . ان الجوع يعصف بهؤلاء المدنيين المغلوبين على امرهم, الذين لا تنفك حكومتهم بفعل كل ما تستطيع لتتاكد من قتلهم فى حملة ابادة جماعية واضحة لا شك فى انها اذا استمرت دون تحرك دولى واقليمى قوى ستودى بحياة الالاف خلال اشهر قليلة خاصة وان المناطق التى تم قصفها فى الحملة الاخيرة هى فى قلب جبال النوبة فى مناطق هبيلة ورشاد والتى يصعب لاهلها الوصول الى حدود جنوب السودان ولا يتمكنون ايضا من الهرب الى الولايات الاخرى فى شمال السودان لان الجيش السودانى يغلق الطرق من والى تلك المناطق.
غياب الاعلام
فى ظل الغياب التام للاعلام الدولى والمحلى وانشغال المجتمع الدولى بسوريا وايران ومصر, يتسلل نظام البشير لتنفيذ احدى ابشع خططه لقمع شعب جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق. فبعد ان عزز النظام اسطوله الجوى بطائرات السوخوى الروسية التى تحمل عددا اكبر من القنابل ويمكنها الطيران لمسافات اطول دون الحاجة لوقود, فهاهو وبدعم ايرانى روسى يرتكب جرائم ضد الانسانية وابادة جديدة فى جبال النوبة . بل ويختار هذه المرة الهجوم على مناطق مدنية جديدة فى عمق المنطقة ومختارا موقع قصفه بعناية ليتاكد من ان ما تبقى من اهل تلك المناطق سيكونون محاصرين تماما بلا اى مخرج الى دول مجاورة , فالقصف سابقا فى مناطق جنوب جبال النوبة والتى تسيطر عليها الحركة الشعبية بشكل كبير , كان المواطنون يتحركون نحو معسكرات ييدا للاجئين والى داخل جنوب السودان, اما الان فان المناطق الشمالية الشرقية والغربية لجبال النوبة فليس لدى سكانها اى منافذ للخروج, بل ان الكثير منهم يضطرون للاختباء فى الوداين وفى الغابات فى المنطقة مما يعرضهم لاخطار الاصابة بالامراض والقصف المستمر الذى لا يمكنهم احيانا من الهرب الى مناطق اكثر امنا.
الكارثة الانسانية
والكارثة الحقيقية تكمن فى منع المنظمات الدولية من الدخول الى جبال النوبة ومساعدة المدنيين, وفشل حملة التطعيم الاخيرة هو من اكبر فضائح النظام الانسانية. بل ان النظام ينكر اعداد النازحين الحقيقيين الذين يفرون من قصفه على مناطقهم , فهيئة الشئون اللانسانية التابعة للنظام انما تتبع سياسة التمويه باضدار ارقام غير حقيقية عن النزوح واوضاع النازحين فى تلك المناطق , فى محاولة لمنع الامم المتحدة من الولوج الى تلك المناطق لمعرفة الاوضاع الحقيقي, وهذا التموية ومنع المنظمات من الدخول كان هو الية النظام لتجنب ما اسمته بالاخطاء فى دارفور حتى يتسنى لها ان ترتكب جرائمها فى غياب المراقبة الدولية, خاصة بعد ادانة البشير فى المحكمة الجنائية الدولية.
الرهان الخاسر
ان المجتمع الدولى يقوم بانتهاج سياسة شديدة الغباء فى السودان قد تؤدى الى ان يدفع ثمنها غاليا فى حالة لم يتوقف عن سياسية تفضيل الاستقرار على ايجاد حلول نهائية وحقيقية للازمة السودانية. ان ما يجرى الان من صراع فى السودان له ابعاد اقليمية وخيمة يعلمها المجتمع الدولى لكن مراهنته على قدرة البشير على قمع المطالبات للتغيير ولو لفترة مؤقتة قد يكون رهانا خاسرا اذا لم يتدخل المجتمع الدولى سريعا لاخضاع نظام البشير للتفاوض الجدى لانهاء الحرب , هذا فى ظل رغبة واضحة من الغرب فى دعم مباشر وقوى لقوى التغيير فى السودان سواءا المسلحة او السليمة. وفى ظل هذا الوضع الخطير فان المجتمع الدولى يسمح بابادة جماعية ثالثة فى السودان بعد حرب الجنوب ودارفور فى جبال النوبة, وبالتالى فان المجتمع الدولى سيتحمل حينها اللوم كما جدث فى رواندا كما ان كافة محاولاته للتصحيح والتكفير عن تجاهله لرواندا عبر التحرك المكثف فى دارفور, ستذهب هباءا , اذا لم يتحرك الان وفورا لوقف حملة البشير العسكرية التى تقتل اهل جبال النوبة فى كل لحظة منذ اسابيع , وفى حالة تصاعد مستمر, حتى لا تتحول الازمة الى كارثة لا يمكن تفادى نتائجها.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *