رسالة عتاب مفتوحة الي قادة الحركات الدارفورية المسلحة

 رسالة عتاب مفتوحة الي قادة الحركات الدارفورية المسلحة

   تحية التقدير والأحترام   

      أحي في البداية الأخوة قادة الثوار والمناضلين في كل مكان وخصوصا في ميادين القتال  الذين يتوسطون المدفع ويتبخرون بدخان البارود وتزين أصلابهم شرائط القرنوف وأحي شهداءنا الأبرار الذين عبروا شاطئ  الوجود الي شاطئ الظلام من اجل العزة والكرامة والعدل والمساواة بدءا من داود بولاد, وآخرهم الشهيد البطل ابراهيم الزبيدي وكما احي ابطالنا الإشاوش في سجون الطغاة علي رأسهم البطل عبدالعزيز عشر ورفاقه الذين  دوخوا النظام في يوم النزال ( الذراع الطويل.)   

     أذا عدنا للتاريخ سنجد ان اول ثورة اوأكبر ثورة عرفتها البشرية كانت الثورة الفرنسية عام 1789 وقد قام جياع باريس الذين رفعوا أصواتهم الي ماري انطوانيت مطالبين بالخبز فقالت جملتها المشهورة اذا لم يكن الخبز موجود فلماذا لايأكلون ( جاتوة Le gateau  (

الثورة الكبري الثانية قام بها الشيوعيون في روسيا عام 1917  كان السبب فيها هو الفقر والأحساس بظلم النبلاء للفلاحين . ان الثورات محركها الظلم  ومرتبطة دائما بالمذابح والدماء لأن انتزاع الحقوق لا يمكن ان يتم بسهولة . وما يجري في دار فور الآن سوف يسجل في سطور التاريخ  اكبر ثورة ضد القهر في القرن الحادي والعشرين , ان الهدف من إستدعاء نمازج  الثورات من التاريخ لا يقتصر علي مجرد الأ لمام مما كان من أحداث الماضي وإستحضار ما مر علي مسرح الحياة من فصول الصراع الأنساني ولا التعرف علي بصمات المحركين لهذا الصراع او المشاركين فيه من وراء ستار لأن ذلك كله يبقي الزبد الطافي علي سطح الموج ما يلبث ان يتبدد بتقادم الأيام وإنما الهدف الأسمي هو وقفة متأنية امام العبر والدروس المكنونة ما بين السطور فقضيتنا مع التاريخ ليس تمجيده ولكن فهمه .ا

       وقد علمتنا تجارب الحياة  ومن تاريخ الثورات بأن الثورة علي مر ايام احدي الخيارات التي حددتها حركة الأنسان وعمق تجربته كأداة من أدوات إقتحام الواقع وتغيره وفق معطياتها الوطنية المتاحة , وليستطيع الأنسان من خلالها ان يترجم تلك المعطيات ترجمة عملية للتغير الحال سلما او حربا. لأن التقدم ….والتخلف …العدل …والظلم ,الحرية …والأستعباد هي متناقضات لا تتعايش معا الأ في ظل اوضاع صراع بالغة الحدة ومواجهة دامية تحتدم يوميا بين فريقين يتبني كل منهما احد الطرفين في المعادلة ليستقيم بعد ذلك جدلية الصراع الأجتماعي بين نموذجين متناحرين وهذا لا يتأتي الأ تحت قيادة واحدة ورشيدة وهذا هو بيت القصيد في هذه المسألة  أو بالأحري الهدف الرئيسي من كتابة هذه الرسالة .     

        لما اندلعت ثورة أهل الهامش في دار فور عام 2002  كانت في الساحة  حركة واحدة تضم ابناء دار فور تحت بوتقة واحدة تسمي  حركة تحرير دار فور وكان جميع الثوار لديهم هدف  واحد وقادوا عمليات بطولية  موجعة ضد النظام وتوالت ضربات ناجحة وأنتصارات باهرة , ولكن مع الأسف لم تد م الحال وبدأت حرب المؤامرات وخطط وتدابير ليلية  لتفتيت هذا الكيان الثوري وهكذا اصبح  لدينا اليوم أكثر من عشرين حركة قزمية و جماعات متنافسة وبات كل خشم بيت في دار فور لديها حركة ثورية اغلبها غير مسلحة تكفيها بيان قصير عبر انترنت تسجل شهادة ميلادها معلنة اهدافها , وقيادتها  سياسية  وميدانية  وارقام  هواتفها  من بلدان   مختلفة , كل هذه  الحركات والجبهات أهدافها مختلفة بعضهم إكتفوا  بتحرير دارفور فقط  وآخرون  يستهدفون المركز الذي يصنع منه القرارت المصيرية ويسيطرون الثروة والسلطة , وأصبح كل فريق يستهدف الآخر ويكن له العداوة والنقمة وتناسوا جلهم هدفهم الرئيسي وعدوهم المشترك بل صار بعضهم جواسيس وحراس النظام ضد زملائهم في الكفاح وظهرت الأنتهازية وعدم المبالاة  دون أدني أهتمام بمعاناة أهلهم في معسكرات النزوح واللجوء . وظهرت ايضا جماعات اخري مشاغبة كثير الكلام وقليل الفعل يحاربون عدوهم من خلال شاشات التلفزة ومن وراء الأبواب المؤصدة ومن داخل فنادق خمسة نجوم يكررون كالببغاء نفس الكلام وكل واحد نصب نفسه ديكا صائحا علي ساحة تزداد أتساعا مع الأيام, وهؤلاء جميعا يريدون مكسبا بلا ثمن وانتصارا بلا تضحية ومجابهة بلا أذي . هذه المواقف المتباينة ,أفرزتها ممارسة القبلية السياسية وظاهرة الأستقطاب الجهوي ونتجت عنها التراخي الثوري والرجوع الي المرجعيات العشائرية وبدأ اليأس يدب في نفوس الثوار, وأنتهز النظام هذه الفرصة وصبت الزيت علي النار وصنع حركات مسلحة تابعة لها من اجل تخريب وانقسام وتفتيت الثورة  حتي أصبحنا اليوم  لا نعرف عدد الحركات الدارفورية في الســـاحة  والمجتمع الدولي ما برح يتثاءب دون ان يضع يده علي فاه , وبرغم تدويل القضية وصدور 24 قرارا دوليا بموجب الفصل السابع ووجود قوات اليوناميد ولكن الحالة بقيت كما كانت لم تطرأ شيئا جديدا, بل أصبح السودان مائدة للمدعويين في مجلس الأمن والشغل الشاغل للمندوبيين الدوليين الذين يروحون ويجيئون الي السودان ويناقشون مع رجال الأنقاذ عن فساد مستشري يأكل اوصال الدولة , حتي أوصلونا في مفترق الطرق وأصبحنا في حيرة من أمرنا .   

    ان هذه الأنانية الطاغية من قبل بعض الحركات  والرغبة الجامحة في الثراء بإي ثمن والتسلق والملق والمداهنة وما الي ذلك من أمراض المتعلمين يرجع الي نوع التعليم النفعي الذي نتلقاه في مدارسنا ومعاهدنا الذي يفصلنا عن قيم مجتمعنا ولا يربي فينا غير الأثرة وحب الذات والتثبت بكل غريب أخشي ان أقول ان كثيرا من مثقفينا في حاجة كبيرة لمحو اثار هذا التعليم الضار من عقولنا لأن هذا من غرس الأستعمار الذي علمنا الأنانية والأستخفاف بوعي الجماهير الشعبية .وكانت هذه هي النتيجة .

        نحن هنا لاننوي البكاء علي اللبن المسكوب ولا نهدف الي إلقاء باللائمة علي فريق دون فريق فإن المسئولية تضامنية وما أسهل علي الناس تبرير الفشل وإلقاء التبعية علي الآخرين , إذ ان مسار هذه القضية أمآنة في عنق الجميع ولن يعفينا التاريخ من المسئولية , زعمنا بأن الحركات المسلحة هي السبب في أنحراف القضية, لأن القضية اليوم اعمق وأخطر من كل هذه الحجج الواهية . نحن اليوم في مرحلة خطرة جدا من تاريخنا القومي ووجودنا في خطر حقيقي , الجنوب علي وشك الأنفصال  ومصير دار فور مجهول لا ندري ماذا تخبئها لنا الأيام  بكل صراحة أوضاعنا لا تحتمل مبدأ ممارسة القبلية السياسية كوسيلة لخدمة مصالح رخيصة وتحقيق منافع ضيقة , لأننا اليوم في مفترق الطرق ليس امامنا خيارات إما نكون او لا نكون انطلاقا من هذا الفهم, بات طرح قضية  انقسام وتشرذم الحركات المسلحة الدارفورية أسبابها وما ترتبت عنها من

النتائج  أصبحت ضرورية وخصوصا في هذا الظرف التاريخي المتأزم والعمل علي تقديم مقترحات مناسبة من اجل خروج من هذا النفق المظلم  لأن  مانعيشه ونشاهده اليوم من مواقف مفتعلة ليست هي  كل الحقيقة , فهناك مخططات يراد تطبيقها وواقع يراد فرضه وتأصيله وتجذيره.وقد بدأ المتآمرون مؤخرا يعدون المسرح لتقديم الفصل الأخير من المسرحية الدامية والدراما الأنسانية ودق آخر مسمار في نعش شعب دارفور في إستراتيجيتهم الجديدة التي سميت زورا ( السلام من الداخل ) وهي تعني تفريغ معسكرات النزوح واللجوء بالأكراة والغصب ودفن قضيتهم  كما دفنوا الأبرياء  احياء . إن دفع الثوار والحركات المسلحة  بإتجاة عدونا المشترك بات واجبا بل فريضة وطنية  من كل مواطن دار فوري مخلص , وخصوصا في هذه الأيام العصيبة  نتمني بأن لا يتخلف عنها  اي  كيان سياسي ,كما ان الأنتظار السالب حتي ينجلي غبار معركة التفاوض الجارية في الدوحة هو فعل سياسي سالب يفتقر الي النضج فليس من الوطنية او الفطنة السياسية ان يتعلل البعض ان  ما يجري  يخص الحركات الدارفورية  المسلحة . من مساوي الجدل المشحون بالعواطف والأنفعلات وهو مع الأسف النمط السائد في المشهد السياسي الدار فوري , انه غالبا يحول النقاش في شأن مسالة ما مهما كانت أهميتها الي مجرد عراك ديكة ينهش فيه المتحاورون بعضهم بعضا .وما جدوي المفاوضات مع طرف لا يلتزم أصلا بالعهود ولا لديها إرادة سياسية لأقرار حقوق أهل دار فور .أين إستحققات اتفاقية ابوجا عام 2006 م واين نتائج اتفاقية الدوحة في يناير 2010 مع حركة العدل والمساواة وأخيرا ما مصير اتفاقية الدوحة في مارس 2010 مع حركة العدالة والتحرير وهي اتفاقيات كما تعلمون ضخمها الوسطاء والأعلام الحكومي لكنها لم ولن تحقق السلام  في دار فور .وأتفاقيات كثيرة مع أطراف عديدة في طي النسيان .وهي لا تلزم بالعهود ولا المواثيق وبالتالي ضياع للوقت والجهد في مفاوضات  معروفة سلفا نتائجها.

      يا أخوة الثوار الأبطال إن هذه الحكومة , حكومة مؤسسة الأنقاذ أخذ نجمها يأفل اثرا بعد عين  في لحظاتها الأخيرة من عمرها المعيب وهي تحتضر الآن وأكاد أجزم في ذلك, لأنها محاطة بجملة من مشاكل وصعوبات وتحديات حقيقية , كمشكلة انفصال الجنوب في يناير عام2011 وتربص محكمة الجزاء الدولية , والمعارضة الداخلية وانقسام ونزيف داخلي ينخر كالسوس في جسم النظام وأزمات أقتصادية واجتماعية ونقمة شعبية عارمة , بقيت ضربة خفيفة في عقر دارها من الحركات الدارفورية المسلحة  حتي تنهار نهائيا و تقذف في مزبلة التاريخ ولهذا السبب بإن أي مفاوضات معها ضياع للوقت والجهد .وكما يعني ذلك ببساطة  تبرئة الذئب من دم الحمل وتحميل المجني عليه مسئولية تصرف الجاني.  

    
من أراد الحياة عليه ان يحرص علي الموت وكذلك من أراد السلام عليه ان يحرص علي الحرب .وقد أصبح لدينا قناعة بأن الثورة أهل الهامش علي وشك ان تنتصر بإذن الله , بقيت فقط ان يلتقي جميع قادة الثورة التيجاني سيسي وخليل ابراهيم وعبدالواحد وغيرهم  علي صعيد واحد ويضعون ايديهم فوف بعض ويضعون هدف استراتيجي واحد وهو اسقاط النظام الأقصائي العنصري الفاشي المنهار. لا تنسوا إن التحولات التاريخية لابد الضحايا .

               وما نيل المطالب بالتمني               ولكن تؤخذ الدنيا غلابا  

              إذا الشعب يوما اراد الحياة             فلابد ان يستجيب القدر

              ولابد لليل ان ينجلي                   ولا بد للقيد ان ينكسر

             ومن لم يعانقه شوق الحياة            تبخر في جوها واندثر

    آدم ابو رشيد

  بريطانيا

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *