رحلة الضياع من الظلم والتهميش لأبناء النوبة فى صفوف الحركة الشعبية وأسباب الفشل فى جبال النوبة …. (٢ – ٢ )
بقلم / آدم جمال أحمد – سدنى – استراليا
تناولنا فى الحلقة السابقة الظروف الموضوعية التى أحاطت بالحركة الشعبية فى جبال النوبة وتحدثنا عن بعض الأوضاع بصفة عامة ، ولكن فى هذه الحلقة سوف نتناولها بصفة دقيقة وموضوعية .. تلك الرحلة الطويلة من الضياع والظلم والتهميش لأبناء النوبة داخل صفوف الحركة الشعبية .. والأسباب التى أدت الى الفشل فى جبال النوبة .. وجعلتها فى هذا الموقف:
[ ٥]
إنفصال ريك مشار ولام أكول أفرز واقعاً جديداً على الحركة الشعبية وأثر ذلك على الأوضاع فى داخل الحركة ، مما جعل القائد جون قرنق يقوم بإعادة قراءة الواقع والأوضاع الداخلية للحركة بعد ما وجد نفسه يقاتل قوات الحكومة من جانب خلال عمليات صيف العبور ، وقوات ريك مشار من جانب أخر ، مما جعله يلتقى مرة أخرى مع القائد يوسف كوة فى التفكير ، وبذلك أصبحت منطقة جبال النوبة هدفاً إستراتيجياً ، وإتضح ذلك جلياً من خلال تمثيل أبناء النوبة ضمن وفد الحركة فى محادثات السلام التى تلت مفاوضات أبوجا ، حيث شارك يوسف كوة ضمن وفد الحركة أبان مفاوضات ( الإيقاد ) فى جولة نيروبى الثانية التى إنعقدت فى الفترة ما بين ١٨ الى ٢٩ يوليو ١٩٩٤ م ، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإعادة زرع الثقة لدى أبناء النوبة تجاه الحركة الأم ، خاصة من جانب القادة الآخرين الذين إعتبروا تحرك قرنق الأخير تجاههم أملته عليه الظروف التى وجد فيها نفسه ، وأن هدفه هو إتخاذ منطقة جبال النوبة مرة أخرى قلعة حصينة يمكن أن يجعل منها جذوة حركته الشعبية متقدة فيها مثلما إستخدمها فى السابق كديكور يضفى على حركته صفة القومية ، إضافة الى ذلك كان لأبناء النوبة جملة من الملاحظات على الحركة الشعبية الأم تتمثل فى الآتى:
١- أن الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق لم تثق كل الثقة فى أبناء جبال النوبة ، فلذلك نجدها عينت عدداً قليلاً منهم كضباط فى الحركة مقابل الأعداد الكبيرة منهم كمقاتلين ، والدليل على ذلك دفعة ( إنتصار ) التى كان قوامها عشرة ألاف مقاتل من أبناء النوبة لا تضم سوى ( ١٨ ) ضابطاً فقط ، وقامت الحركة بتعين ياسر عرمان ليكون مسئولاً عن ملف جبال النوبة فى الحركة الشعبية وهم يعلمون أن كثيراً من أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية مؤهلين لحمل هذا الملف .. وعندما يسأل عن سبب ذلك .. ينسب ذلك الى عدم وجود قيادة نوبية قادرة على حمل هذا الملف .. وحتى عندما ترك ياسر عرمان الملف أوصى بتعيين ( وليد حامد ) لحمله حتى لا يخرج الملف عن دائرة الشيوعيين بالحركة ، فلذلك نجد أن قادة الحركة الشعبية كانوا كثيراً ما يلمحون الى عدم ثقتهم فى النوبة وعلى رأسهم جون قرنق نفسه ، لأن الحركة كانت تعانى من مشكلة القبيلة الطاغية جداً حتى قبل إنشقاق ريك مشار ولام أكول ، لأن معسكراتها كانت فى إثيوبيا تقسم على أسس قبلية .. فهناك معسكر للدينكا ومعسكر للنوير وآخر للنوبة وهكذا .. حتى أصبحت كل القبائل أخيراً ضد الدينكا ، وكانت تتوجسهم الريبة وتنتابهم الظنون والشك .. وكان جل إحتمال توقعاتهم بأن ينفصل يوسف كوة عن الحركة ويكون جبهة تحرير خاصة بجبال النوبة ، ولقد أكد سلفاكير ذلك فى محاضرة له بعد إنشقاق مجموعة الناصر وقال: ( إن الحركة قد خذلت من قبل الذين كان لا يتوقع منهم الخيانة بينما ظل الذين كان يتوقع منهم ذلك أوفياء للحركة حتى الآن ) ، ذلك فى إشارة الى أبناء النوبة ، حتى أن القوات التى كان قوامها أبناء النوبة يقودها ضباط من أبناء الدينكا فى جنوب السودان ، وأن جون قرنق لعدم ثقته فى النوبة قام بتعيين القائد دوت من أبناء دينكا بحر الغزال نائباً للقائد يوسف كوة ، وبل لقد تم شغل كل وظائف ضباط الاستخبارات العسكرية والإشارة العاملين فى جبال النوبة بأبناء الدينكا ، والأدهى والأمر من ذلك أن أبناء الدينكا كانوا يعتقدون وما زالوا بأن أبناء النوبة يعتبرون جزءاً من ممتلكاتهم فى الحركة الشعبية وهم يتباهون بذلك ويقولون أن لهم أفضال على النوبة .. وذلك بأنهم هم الذين قدموا السلاح للنوبة.
٢- الدينكا لقد إرتكبوا الكثير من التصرفات التى تعتبر نوعاً من الحماقة والخيانة العظمى فى العمل العسكرى ضد أبناء النوبة وذلك حينما داهمت القوات المسلحة وقامت بإحتلال مدينة كبويتا فى الصباح الباكر عاصمة دولة الأماتونج لحركة قرنق الذى كان ساعتها موجوداً بها ، وحينما علم الدينكا بالهجوم نظموا صفوفهم على الفور وقاموا بالانسحاب هم وأسرهم وبعض معداتهم مستغلين سيارتهم الى كينيا ، وقاموا على الفور بإخطار ضباط الحركة من أبناء الدينكا فى منطقة ( ناروس ) القريبة من كبويتا .. وجبل ( بوما ) .. ونقطة ( ندابال ) .. فأجتمعوا على الفور وحدهم دون إخطار بقية ضباط الحركة من أبناء النوبة والقبائل الأخرى ، وقاموا بنقل أسرهم وإحتياجاتهم فى ذلك الفجر الباكر الى كينيا بإستخدام السيارات الموجودة ، أما بقية الضباط من أبناء النوبة وكان عددهم ثمانية وعلى رأسهم كوكو جقدول وعبدالمنعم الطاهر .. لم يعلموا بالنبأ إلا من إذاعة أم درمان فى الخامسة مساءاً ، فقام كوكو جقدول على الفور بجمع الضباط والجنود من أبناء النوبة البالغ عددهم ( ١١٥ فرداً ) بإبلاغهم النبأ .. شارحاً لهم الموقف وطلب منهم الاستعداد للتحرك الى كينيا وكان معهم النساء والأطفال ، حتى أشرقت عليهم الشمس وهم على الحدود الكينية وعند دخولهم الى كينيا قامت السلطات الكينية بتجريدهم وإستلام سلاحهم وإنتهى بهم المطاف كلاجئين فى معسكر ( كاكوما ) ، وبعد ثلاثة آيام من وصولهم الى كينيا تلقوا تعليمات من قيادة الحركة الشعبية بالعودة الى داخل الحدود السودانية فى الوقت الذى فيه ما زال الدينكا وأسرهم يقيمون فى الفنادق بكينيا والبعض منهم مع ذويهم وأقاربهم ، ولكن أبناء النوبة رفضوا العودة الى الحركة أو الى السودان نتيجة لتلك التصرفات التى إعتبروها خيانة ، ولقد ذكر البعض منهم بأن مشاركة أبناء النوبة فى الحركة الشعبية مع الجنوبيين كان خطأً فادحاً لن يتكرر ، وإنهم يرون إذا كانت الحركة تدعو الى الإنفصال فإن ذلك خيانة عظمى للمبادئ التى شارك على أساسها أبناء النوبة فى الحركة ، وإن كانت الحركة تعمل على الإنفصال لأسباب دينية فإن أبناء النوبة لن يقبلوا بأن يكونوا أقلية عرقية ودينية مستضعفة فى دولة مسيحية.
٣- لقد إرتكبت الحركة الشعبية جرائم فظيعة فى حق جبال النوبة .. مثل تجنيد الأطفال والفتيات التى إنتهى بهن المطاف بائعات للهوى فى معسكرات التمرد .. وقد بلغ عددهن ( ٣٠٠ ) فتاة أحضرن من جبال النوبة ( من أجل التحرير والسودان الجديد ) .. كما أن هناك أكثر من حوالى ألف ( ١٠٠٠ ) من أبناء النوبة ماتوا فى معسكرات التدريب نتيجة لعمل منظم ومقصود .. بالإضافة الى ( ٦٠٠ ) ماتوا أثناء التدريب ضمن دفعة ( إنتصار ) ، وهناك الكثير من الإضطهاد الذى تعرض له أبناء النوبة من الدينكا فى صفوف الحركة الشعبية ، فكانت الحركة تقوم بتسليحهم بالأسلحة الفاسدة حتى لا يتمردوا على الحركة نفسها.
٤- لقد إستغلت الحركة الشعبية أبناء النوبة لأنها كانت حريصة فقط على إستخدامهم دون أن تعطيهم وزنهم الحقيقى ، إذ لا يوجد أياً منهم فى القيادة العليا للحركة عدا يوسف كوة ، وعندما بدأ النوبة يزداد تذمرهم أضيف عضوان آخران الى القيادة العليا ليصبح العدد ثلاثة ، وذلك أثناء إنعقاد المؤتمر القومى الأول للحركة فى منطقة ( شقدوم ) عام ١٩٩٤ م ، والذى تم فيه تكوين ( مجلس التحرير القومى ) والتى تعتبر جبهة عليا لإتخاذ القرارات فى الحركة وهو مجلس قوامه ( ٥٨ ) عضواً ، أصبح للنوبة فيه ثلاثة ممثلين فقط وهم .. يوسف كوة حاكماً لكردفان من قبل الحركة .. ومحمد هارون كافى مسئولاً عن الاعلام والنشر .. ودانيال كودى سكرتيراً للبنية السياسية ، إضافة الى ممثل واحد للأنقسنا هو مالك عقار حاكماً لجنوب النيل الأزرق ، أما المناصب القيادية العليا كالجيش وشئون الحركة الداخلية والخارجية كانت من نصيب الجنوب وأبناء الدينكا على وجه الخصوص ، رغم كل ذلك لقد كان أبناء النوبة البالغ عددهم ما بين ( ٦٠ – ٨٠ ٪ ) من قوات الحركة الشعبية ، كانوا أعضاء فقط .. لم تكن لهم بنية هيكيلية داخل الحركة ، مما أعطى الفرصة لقيادات الحركة ( الدينكا ) لتحريكهم وفق ما تراه مناسباً.
٥- لقد أفاد القائد دانيال كودى فى لقاء خاص معه فى مجلة ( الوسط ) اللندنية .. أنه قاد مجموعة من أبناء النوبة من إثيوبيا حتى كاجوكاجى ويامبيو وطمبرة وتركهم هناك ، وذلك ما بين عام ١٩٩٠ – ١٩٩١ م .. وأن ٧٠ ٪ من قوات الحركة فى غرب الاستوائية هم من أبناء النوبة ، لقد تم تسليحهم وأعيدوا الى غرب الاستوائية حول جوبا ، وتوجد كذلك هنالك أعداد كبيرة منهم فى كايا وكاجوكاجى ، لقد شاركوا فى هجوم جوبا وأصيب البعض منهم فى تلك العمليات ، وأفاد دانيال كودى أنه ظل يراقب التطورات داخل الحركة منذ فترة طويلة .. وهو يعلم بكل المعاناة التى يعانيها أبناء النوبة داخل الحركة .. وأن هناك الكثير من التجاوزات ضد النوبة داخل الحركة ، ولكنه يعزو ذلك الى عدة أسباب منها: الجهل ومنها الغرض والهوى ومنها السياسى الواضح ، ولكنه ظل يتغاضى عن ذلك لأهداف سامية كان يرجوها حسب إعتقاده ، .. وأن الحركة أصبحت الآن تطرح طرحاً إنفصالياً منذ أبوجا وحتى الآن ويعتبر ذلك خطأ كبير ، وقال إنه مع مجموعة من أبناء النوبة إحتجوا بشدة على طرح الإنفصال ، وذكر أن الطرح الذى تطرحه الحركة مهما تدثر بدثار الكونفدرالية وغيرها فإنها دعوة الى الإنفصال ، وأن الحركة إذا إختارت بالفعل الإنفصال فإن ذلك بلا شك خيانة لمبادئ الحركة التى إنضم على أساسها أبناء النوبة اليها ، وأضاف دانيال كودى أن أبناء النوبة ظلوا فى الفترة الأخيرة وبالتحديد منذ عام ١٩٩٠ م وحتى الآن ( أى قبل سلام نيفاشا ) ينفذون أكثر من ٦٠ ٪ من عمليات الحركة العسكرية فى الجنوب ، ولكنهم ظلوا يشكلون ٠ ٪ أى صفراً بالمائة من النشاط السياسى للحركة ، وهذه حقيقة يعلمها الجميع وهو أمر غير مقبول على الإطلاق.
٦- الكوادر المدربة سياسياً وإدارياً فى الحركة الشعبية ليس فيها عدد يذكر من أبناء جبال النوبة ، ويقول محمد هارون كافى : ( إستبعدنا من كل البعثات الى كوبا وزمبابوى .. حتى من بعثات التدريب الداخلى ، ذلك فى الوقت الذى نقاتل فيه نحن بإسم الحركة الشعبية فى جبالنا ونقاتل مع قرنق فى الجنوب ونشارك مع أبناء منطقة جبال الأنقسنا .. لكننا مهمشون داخل الحركة ).
٧- من المأخذ على الحركة الشعبية أنها لم تبذل أى جهد يذكر وذلك لحض المجتمع الدولى أو المساهمة بنفسها فى توصيل الإغاثة الى جبال النوبة ، والمشاركة فى الإتفاقيات التى عقدت بشأن الإغاثة وحتى أن برنامج شريان الحياة لم يشمل جبال النوبة ، والغريب فى الأمر لم تطالب الحركة الشعبية الأم بضم جبال النوبة الى هذا البرنامج ، مما جعل منطقة جبال النوبة تعيش وضعاً مأساوياً ، خاصة المناطق التى كانت تقع تحت سيطرة الحركة بالجبال ، وما يعضد ذلك عندما جاء العائدين من أبناء النوبة ( مختلف الفئات ) ما يفوق اﻟ ( ٣٠ ) ألف شخص من المناطق التى كانت تحتجزهم فيها الحركة الشعبية ، كانت حالتهم مرثية ومرزية عبارة عن بشر فى هياكل عظام.
8- نلاحظ أن كل الاتفاقيات التى أبرمتها الحركة الشعبية مع القوى الشمالية المعارضة ، كانت تخلو من نصوص واضحة بشأن جبال النوبة ، خصوصاً فى إتفاقها مع الحزب الاتحادى الديمقراطى بالقاهرة فى أغسطس ١٩٩٤ م ، وإتفاق شقدوم مع حزب الأمة فى ديسمبر ١٩٩٤ م.
٩- تنازلت الحركة الشعبية فى مفاوضات نيفاشا بكينيا ٢٠٠٤ م عن منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ليحققوا بها أهدافهم كجنوبيين .. وأن ما تم في اتفاقية السلام الأخيرة وما جري من المراوغة والتمنع من قبل الطرفين الحكومة والحركة الشعبية وبعد مساومات وتنازلات بينهما !! فماذا كان نصيب أبناء جبال النوبة من هذه المفاوضات؟ كان حصادهم حبالاً بلا بقر وذراً للرماد في العيون!!.. والخروج بما تسمي بالمشورة السياسية ، فالسيناريو الذي حبكته كل من الحكومة والحركة الشعبية أدخلت ابناء المنطقة في نفق مظلم؟ ! .. ويعزا ذلك لعدم إنضمام أبناء النوبة الي الحركة الشعبية ككيان منظم وفق أطر وأطروحات محددة ومعينة بل كأفراد إختاروا أن يكونوا مقاتلين داخل صفوف الحركة الشعبية ، فلذلك فشلت تجربة أبناء النوبة بالحركة الشعبية في تحقيق مطالب المنطقة وهو إمتداد طبيعي لعدم وجود أى دراسة أو تخطيط .. جرت جبال النوبة لهذه المشاكل التي نعيشها اليوم وتعاني منها المنطقة !! .. فلذلك أى فكرة من ( هؤلاء ) لخوض حرب أخرى بجبال النوبة بالوكالة مرفوضة وسوف نتصدى لها ، خاصة بعد حرب دامت أكثر من قرنين من الزمان كانت المحصلة صفر ، لقد تخلت الحركة الشعبية عن حلفائها أبناء النوبة وساومت بقضيتهم بعد فوضوا النوبة جون قرنق في مؤتمر ( كاودا ) للتفاوض نيابة عنهم ، وأثناء المفاوضات تم تغييب الكثير من المعلومات عن وفد أبناء جبال النوبة ، وتم ( طبخ ) الكثير وراء الدهاليز وتحت الطاولة ، وحتى فى توزيع الحقب الوزارية إستأثر الجنوبيين بحكم الجنوب وحدهم دون إشراك أبناء النوبة في إطار الحقائب والمناصب ! فلم يكن هناك نصيب لأبناء النوبة في السلك الدبلوماسي والأجهزة التنفيذية والوزارات الاتحادية التي من نصيب الحركة الشعبية وهي شريك أساسي في السلطة.
١٠- قيادات الحركة الشعبية ( الجنوبيين ) إستطاعوا أن يحققوا أهدافهم برفع الظلم والتهميش والاضطهاد الواقع عليهم من قبل كل الساسة الشماليين والانظمة الاسلاموعربية لحقب طويلة ، ولكن علي حساب رفاق دربهم في النضال أبناء جبال النوبة ، والآن الحركة الشعبية شريك أساسي في الحكم واصبحت تمثل مع المؤتمر الوطني وجهان لعملة واحدة ومن مصلحتهما إضعاف موقف قضية جبال النوبة .. فالسياسة مصالح وليس من حقنا أن نحاسب الحركة علي تاريخها ولكن من واجبنا نقد الحركة الشعبية علي ممارساتها وسلبياتها واخفاقاتها ونكوصها من العهد الذي قطعته علي نفسها حينما تم تفويضها في مؤتمر كاودا الشهير الذي أثار جدلاً واسعاً فكان مسمار النعش علي القضية النوبية وأكبر خطأ تاريخي واستراتيجي وسابقة فى العمل السياسى بشهادة وإعتراف القيادات التي حضرت المؤتمر نفسه.
١١- الحركة لا تخفي عدائها لأبناء جبال النوبة والدليل علي ذلك حينما عارض بشدة الدكتور جون قرنق فكرة تبني أبناء النوبة حق تقرير المصير لمنطقة جبال النوبة في توصيات مؤتمر مصوع فى عام ١٩٩٢ م .. وعدم تكوين كيان خاص بهم داخل الحركة الشعبية حتي لا يتم سحب البساط وخطف الأضواء عن قضية الجنوب واضعاف حق تقرير المصير للجنوب في تلك الفترة التي كانت قضية جبال النوبة في القمة.
[ ٦]
قادة الحركة الشعبية لأبناء النوبة الكبار ( تلفون كوكو – دانيال كودى – خميس جلاب وغيرهم ) المجتمعون الآن فى مدينة ( ياي ) يكشفون عن حيرتهم وفقدانهم لبوصلة يهتدون بها ، وخاصة بعد الوثيقة الخطيرة فى نصوص بنودها .. التى وقعها القائد عبد العزيز الحلو مع الوالى أحمد هارون ، والذى بدوره إعتذر عبدالعزيز لحضور الاجتماع بحجة المرض والسفر الى كينيا بعد رفض مجلس التحرير وكبار الضباط ال ( ٥٠ ) الوثيقة والتحالف مع المؤتمر الوطنى ، ولقد تمخض إجتماع ياى بأن يقوم أبناء النوبة بفتح جبهة جديدة فى حال إنفصال الجنوب بضمانات من القادة الجنوبيين أكدوا فيها مدهم بالمال والسلاح .. هذا يعتبر مجرد لعبة سخيفة لكسب ود الحركة الشعبية ( الجنوبيين ) وهي لا تفيد في شئ ولن تجعلهم يدركون بعمق حقيقة ما يجرى بأن تكون أرض جبال النوبة محرقة جديدة ، وهو رهان خاسر ونوع من العبث فما هو الهدف من هذه الحرب ولماذا نربط مصير جبال النوبة بإنفصال الجنوب وماذا حققت لنا الحرب فى جبال النوبة ، والتى إستمرت لأكثر من عشرون سنة غير المشورة الشعبية والتى كان بإمكاننا أن نرفضها فى مفاوضات نيفاشا ونلوح بمواصلة الحرب فى ذلك الوقت ونقول لهم نحن غير معنين بما يتم من إتفاقات ثنائية حينها لإلتف كل سكان جبال النوبة من حولهم وتعاطف المجتمع الدولى معهم ، فلذلك أى أمر يخص جبال النوبة يحدده أبناء وسكان جبال النوبة وليس قيادات الحركة الشعبية بجبال النوبة حتى لا يخرجوا علينا من إجتماعهم بمدينة ياى بمواصلة الحرب إذا إنفصل الجنوب ، لأن ما يجرى في الساحة السياسية النوبية لا تتماشي مع الصورة الواقعية لإرادة التزييف والتغييب ، فهنالك إرادة شعب بأكمله تخضع لعملية مسخ ورسم صورة مغايرة له , فلا بد أن نقرأ هذه الأحداث بمنطقية حتي نصل لحقيقة ما يجري في المنطقة بإجماع كل الأطراف ودون إستثناء لأى إثنية بالمنطقة ، وإلا إن الذين سوف يتصدون لهذه الحرب هم من أبناء النوبة أنفسهم والأثنيات الأخرى فى جبال النوبة ، فلا نخدع أنفسنا كثيراً ونطمئن بأن معظم أبناء جبال النوبة هم حركة شعبية أو موالين لها أو متعاطفين معها ، لأننا نرفض أى حرب بالوكالة عن الآخرين ، لأننا لن نأمن أو نضمن الجنوبيين مرة أخرى بعد خيانتهم للنوبة وهم فى خندق واحد فما هى الضمانات أن يضعوا أيديهم مع الشمال لتأمين وبناء دولتهم ويتكالبوا على النوبة لتكون فى واجهة مع الشمال .. مشكلة جبال النوبة تكمن فى المركز .. فالحرب ليس وسيلة مجدية ، وتجربة أبناء النوبة بالحركة الشعبية خير مثال، فلذلك أشواق وتطلعات أبناء جبال النوبة لن تتحول جنوباً.
أن منطقة جبال النوبة تستوجب وقفة صادقة مع النفس ونكران ذات وهذا يتطلب منا جميعاً ابناء الإقليم على اختلاف الواننا السياسية والعرقية والدينية نبذ الفرقة والشتات وليكن طرحنا للقضية جاد وموضوعي وذلك في منبر ديمقراطي حقيقي فى شكل وعاء يتثنى للجميع المشاركة لبلورة رؤية موحدة نتفق عليها جميعاً رغم وجود التباينات الفكرية والعقائدية والعرقية وليكون هذا لمصلحة جميع مواطني المنطقة من نوبة وعرب وغيرهم وذلك من خلال مؤتمر جامع يشارك فية كل ابناء المنطقة دون تمييز.
ونحن نقول لقيادات الحركة اشعبية بجبال النوبة قبل أن تتحدثون عن فتح جبهة جديدة للقتال ، عليكم أولاً الحديث عن تقييم تجربتكم وسنوات قتالكم بالحركة الشعبية والتعايش السلمى والدعوة الى مؤتمر حوار ( نوبى – نوبى ) وحوار ( نوبى – غير نوبى ) مع الأعراق الأخرى ، بدلاً أن تسعوا الى تفتيت جبال النوبة وتكريس التقاطع بين سكانها ، فلذلك نحن نحاول تحصين شعب جبال النوبة وتقوية مناعاته الداخلية حتى يصبح قادراً على صد المؤامرات ومحاولات الإختراق والإستهداف والتسلل الى داخله من خلال إدارة حرب بالوكالة مرة أخرى ، ويجب علينا وضع بداية لتفكير عقلانى مختلف وخطاب سياسى مختلف يستصحب جموع سكان جبال النوبة مع أخذنا فى الإعتبار خصوصية جبال النوبة (العرق) .. ونمد أيادينا بيضاء لكل حادب على جبال النوبة دون عزل أو إقصاء .. خطاب يغوص فى أعماق واقع جبال النوبة بشجاعة بحثاً عن أسباب المشكلة وجذورها ووضع الحلول الناجعة دون وضع قنابل مؤقوتة ، وأن نترك سكان جبال النوبة وحدهم هم الذين يقررون شأنهم ، لأن أحلامهم العامة مع الحركة الشعبية قد تراجعت بعد إختزال السودان الجديد فى دولة الجنوب .. وتوارت مع بواخر وسفن إنفصال الجنوب التى تستعد للإبحار ، وأن أحلام النوبة الخاصة هى التى ستفرض نفسها على الساحة ، والتى تتمثل فى المؤسسات السياسية والاجتماعية التى جنحت بدورها الى الخصوصية ، وإنفصلت بدرجة أو أخرى عن أحلام الوطن الواحد .. فمهما حاول الواهمون إختزالنا من خارطة السودان السياسية والجغرافية .. سنحاول جهدنا التخلص من أسر الخطاب الغوغائى للحركة الشعبية الذى أقعد بقضيتنا وإختزلها فى المشورة الشعبية.. دعونا من السودان الجديد ووهم الامل و التغيير أيها المغرضون .. وهلموا الى قضية جبال النوبة .. دعونا من ( المشورة الشعبية ) .. ذاك المسخ الذى لا لون له ولا طعم له و لا رائحة ، كما سماها د. نافع على نافع .. و دعونا نتعامل بعقلانية واضحة لتغيير واقع جبال النوبة بالآتى:
١- حشد قوانا وتجاوز صراعاتنا و حزازاتنا و تكريس جهدنا وطاقاتنا بالمصارحة والمكاشفة والإعتراف بالاخطاء ثم المصالحة دون إقصاء لعرق أو دين.
٢- توحيد الرؤية وتجاوز الإختلافات والإتفاق على الوسائل التى تحقق أمانى وأحلام سكان جبال النوبة دون تقاطع أو تعارض مصالح.
٣- توحيد الخطاب الإعلامى والسياسى لسكان جبال النوبة وتحميل المركز مسئولية إيجاد معالجة جادة للتفاوت التاريخى والاقتصادى التى عانت منه المنطقة.
٤- إيجاد أرضية للتعايش بصورة إيجابية وحميمة تعمل على رتق نسيج التعايش الاجتماعى وترسيخ قواعده ضمن إطار واضح يقوم على ضوابط محددة يتوافق الجميع عليها.
٥- الإتفاق على القواسم المشتركة والإلتفاف حولها مع الإبقاء على الخصائص المميزة لكل عرق دون غمط لحق أحد.
٦- تبادل إحترام العقائد والمقدسات وتهدئة حرارة الخلافات العقائدية.
٥ أبريل ٢٠١٠ م – سدنى – استراليا
[email protected]