أحسن مؤسسوا ( راديو دبنقا ) الإختيار، حينما اختاروا لمؤسستهم الإعلامية الصامدة، إسماً غير مسبوق – سودانياً وعالمياً- فى عالم الصحافة والإعلام، وقد بحثوا ونقّبوا بجدٍّ واجتهاد، فى التراث السودانى العظيم، ليجدوا ضالّتهم فى الحِكم والأمثال والأقوال المأثورة الدارفورية الصميمة، ليختاروا من كنوزها الساحرة والغنيةّة، إسماً ذا معنى آثر، ومضمون اجتماعى عميق وكبير، فكان ميلاد (( راديو دبنقا ))، المأخوذ من المثل الدارفورى السديد (( دنيا دبنقا، دردقى بشيش))، ومعنى المثل – لمن لا يعرفه – أنّ الدنيا كـ(الإناء المصنوع من الفخّار- أى الطين- لا
بُدّ من التعامل معه/ا بالصبر والتمهُّل واليقظة والإنتباه، والحيطة والحذر، والهدوؤ والرقّة واللُطف المطلوبات، حتّى لا ينكسر)، وهى حكمة تعنى كثيراً، لمن يفقهون!.
نشأ ( داريو دبنقا ) كواحد من أنجح وأنجع مبادرات المجتمع المدنى الصحفى السودانى، ليسد فراغاً فى الإعلام (المسموع) و(المقروء)، وفى وقتٍ قصير، استطاع أن يكسب ثقة واحترام الجمهور، وأصبح معروفاً ومشهوراً، بسبب برامجه المتميزة، وأداء فريقه الإعلامى النابه، وفق سياسة تحريرية، تؤمن بأنّ الخبر مقدّس، والرأى حُر.
ولأنّ الوطن وفضاءاته – لم تك، ومازالت- ليست مُتاحة للـ(جميع)، وغير متوفرة للصوت الآخر والمختلف، وليست مفتوحة، للإعلام الحُروالمستقل، فقد لجأ مؤسسوا (راديو دبنقا) – مُضطّرين ومُجبرين- لخيار البث من خارج حدود الوطن الجغرافية، مع الإعتماد على شبكة مراسلين/ ات فى الداخل، وقد بدأ البث التجريبى فى 15 نوفمبر 2008، تبعه البث الرسمى، والمستدام منذ الأوّل من ديسمبر 2008، وحتّى يومنا هذا.
وبلا أى ” لف أو دوران”، عرّف مؤسسوا ( راديو دبنقا ) مشروعهم الإعلامى للجمهور، بمنتهى الوضوح والصراحة والشفافية، وهذا موجود على صدر صفحة ( راديو دبنقا) فى الإنترنيت، وها نحن نقتطف منه الآتى: ” راديو دبنقا هو مشروع تابع لشبكة راديو دارفور التى تضم تحالف من الصحفيين السودانيين ومنظمات التنمية الدولية. وتدعمها مجموعة من الجهات المانحة الدولية والمنظمات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية المحلية. يتم انتاج راديو دبنقا وتشغيله وتسهيله من قِبل منظمة الصحافة غير المحدودة فى هولندا ” ….إلخ.
قبل سنوات مضت حاولت أجهزة الأمن السودانى، وتابعها وزارة إعلامها الدعائى ” التشويش ” على موجات (( راديو دبنقا )) ليصبح غير مسموع فى دارفور، أوّلاً وأخيراً، ثُمّ – ثانياً- مناطق أُخرى فى السودان، ولكنّها عجزت، وفشلت فى مخططها الرامى لحجب هذا الصوت الجرىء والشجاع، المعنى بنشر ” أخبار مستقلة من قلب دارفور والسودان – بث مُباشر”، فلجأت – مؤخراً- إلى سلاح الدعاية والبروباقاندا الرخيصة، فأشاعت أنّ هذا الراديو يبث الشائعات والأكاذيب الوضع فى دارفور، والسودان (( رمتنى بدائها وانسلّت)) ولكن، هيهات، فقد أثبت (رادبو دبنقا)، أنّه يأخذ / يتلقّى أخباره من قلب الأحداث، ومن مواقعها، أخبار ساخنة وطازجة، رُغم الصُعوبات، وهى أخبار موثّقة ومؤكدة ومدعومة بالصوت، فلجات الحكومة إلى سلاح التآمر، وهو سلاح تجيده (( الإنقاذ ))، وقد نجحت – مؤخراً- فى اغلاق بعض المنافذ – بإعتراف وزير الإعلام السودانى فى تصريح صحفى منشور على الملأ – عبر التعاون الأمنى والإعلامى مع الحكومة المصرية ، إذ استجابت إدارة القمر الصناعى المصرى” نايل سات “، لطلب الحكومة السودانية، لوقف بث ( راديو دبنقا) رُغم ما فى ذلك، من انتهاك صريح للحق فى التعبير،ولكن هيهات !.
ومازلنا نذكر المسرحية التى نفّذها جهاز الأمن السودانى فى نوفمبر 2009، بإعتقال الصحفى جعفر السبكى، ومعه ناشطين مُجتمعيين آخرين، بدعوى مراسلة ( راديو دبنقا )، وإقامة ” استوديو ” له فى قلب الخرطوم، تلك المسرحية التى استمرت أحداثها وفصولهت السمجة، لفترة طويلة، بدأت محاكمات إعلامية، وحملات تشويه السمعة للمعتقلين، ثُمّ إجراءات قضائية وتقاضى منقوص، حتّى أكتوبر 2010، بإعلان ” عفو رئاسى ” عن من أسموهم صحفيي راديو دبنقا، وتفاصيل هذا الحدث – لمن أراد/ت موجودة على الإنترنيت، وموثّقة فى أضابير المحاكم السودانية، وتقارير منظمات حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، كما هى موجودة – أيضاً- فى مؤسسات حقوق الإنسان الأُممية.
التحية والتهنئة لزملائنا وزميلاتنا فى فريق عمل ( راديو دبنقا ) الصامد والمكافح، على الجهد الكبير الذى يبذلونه فى ايصال رسالة الإعلام البديل والإعلام الجديد، وقد نجحوا فى الإنتقال بسلاسة وبسرعةٍ فائقة، للبث عبر القمر (( إنتل سات))، ومزيداً من المصداقية والمهنية والإحترافية، لإلحاق الهزيمة الأخيرة والنهائية بإعلام الزيف والكذب الحكومى المفضوح.. ومعاً، حتّى النصر والإنتصار لشعبنا العظيم، فى ايجاد مناخ سياسى سودانى وإقليمى، يسمح بوجود منظومة/ات اعلام جديد وبديل، وحُر ومستقل، يقوم بأداء رسالة الإعلام والصحافة، على أحسن وأكمل وجه، وماهذا ببعيد على شعب السودان، قاهر المستحيلات، ولو كره الإنقاذيون !… وسيبقى (راديو دبنقا ) منارة إعلامية سودانية سامقة، وإن أُغلقت أمامه بوّابات ( نايل سات)، وغيرها من البوابات ” المتوالية “، أمّا الزبد الإنقاذى الإعلامى الحكومى، اعلام البروباقاندا والأكاذيب البلغاء، فسيذهب جفاء !.
فيصل الباقر
[email protected]