حسني مبارك..مدير منتجع شرم الشيخ السياحي!
رئيس يسقط من نظر شعبه قبل أن يسقط من كرسيه!
إن المراقب لما يجري الآن من مظاهرات وكلمات ولقاءات وتحركات سياسية، يجد أن هناك صدمة عميقة يعيشها الشعب المصري في هذه اللحظات التاريخية، شعب يعيش لحظات اكتشاف الذات واستعادة الوعي، ينهض – مذهولا لا يكاد يصدق نفسه – كالمارد العملاق ليرسم مستقبله ويستعيد كرامته ويعيد الاعتبار لنفسه، يعيش حالة وجدانية ونهضة ثورية، ويكتشف في الوقت ذاته رئيسه لأول مرة بعد ثلاثين عاما!
لقد عبرت تصرفات الرئيس خلال الثورة المصرية التي نعيش أحداثها الآن كقتل وجرح المئات من أبناء شعبه، وقطع الانترنت والجوال، وايقاف القطارات، وتحليق الطائرات العسكرية في سماء ميدان التحرير، أو تخيير الشعب بينه وبين الفوضى، أو قرارات لم تكن تنسجم مع نبض الشارع المصري وثورته المليونية، كل ذلك وغيره عبر عن رئيس لم يكن يعيش إلا خارج الزمن والتاريخ!
ماذا اكتشف الشعب المصري؟
بداية، لا يمكن فصل الرئاسة عن شخصية وصفات الرئيس، فصفات الرئيس تظهر في مفرداته وتصرفاته وتنعكس على قراراته وخياراته وشعبه. الرئيس يجب أن يكون قائدا بفكره وسلوكه، أليس كذلك! فهل كان حسني مبارك يملك صفات قيادية؟
يكتشف الشعب المصري الآن رئيسا لم يعرف قيمة مصر ولا قدرها ولا تاريخها ولا حاضرها ولا مستقبلها على مدار ثلاثين عاما، رئيسا ساديا بليدا يحتقر نفسه قبل أن يحتقر مشاعر شعبه وذكاءه، رئيسا بمشاعر دونية هدر كرامته الوطنية لثلاثين عاما، رئيسا غبيا يعيش خارج الزمان والمكان!
سمعنا الدكتور محمود صبرة المدير العام السابق لمكتب رئاسة الجمهورية على قناة الجزيرة الذي قال أن مبارك كان يطلب من العاملين بمكتبه إعداد ثلاثة تقارير يوميًّا عن الأحداث في مصر والعالم، مشترطًا ألا يزيد التقرير الخاص بالشارع المصري عن صفحة واحدة، وكان يجن جنونه إذا حدث وزاد التقرير الداخلي عن أكثر من صفحة. تخيلوا رئيسا سياحيا لا يريد أن يعرف أو يحيط بكل ما يخص شعبه من شؤون ومسؤوليات والتزامات وقرارات!
من تابع حسني مبارك ومواقفه وخطاباته وتصريحاته وسلوكه السياسي في ومع حربي الخليج الأولى والثانية، وإسرائيل، وفلسطين، والسودان، وحصار غزة، كان يجد المرء نفسه أمام رئيس نذل بسلوكه، أناني نرجسي بطبعه يتصرف كمتسول في ملعب السياسة الدولية، رجل بلا مروءة شخصية أو كرامة وطنية، مواقف وتصرفات انعكست سلبا على المصريين أينما كانوا.
يتغنى حسني مبارك، الذي قفز بقدرة قادر ليصبح نائبا للسادات في إبريل 1975، بتاريخه الوطني وإنجازاته العسكرية في حرب اكتوبر عندما كان قائدا للقوات الجوية ـ وكأنه اللواء أو الفريق الوحيد في الجيش المصري! ـ محاولا أن ينسى أو يتناسى أنه كان ضابطا مأمورا تحت رئاسة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي انتهى لاجئا في المنفى لمعارضته السادات وعاد إلى مصر في عام 1992 بعد 11 عاما من حكم مبارك. من الذي يجب أن يحسب له نصر أكتوبر، إن كان نصرا، قائد القوات الجوية أم رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أم الجيش المصري والشعب المصري ككل!
يتحدثون عن حكمة مبارك ويتحدثون في الوقت ذاته عن عناده ولا أدري كيف تستقيم الحكمة مع العناد! الحكمة تقتضي أن ترتقي دائما وتتخذ القرار الحكيم في الوقت المناسب. إنه ليس عنادا في نظري بل غباءً مستحكما لرجل تعامل مع شعبه بفكر الفهلوة والفهفهة والوهوهة! رجل فمه أكبر من رأسه! لم يكن الأمر يحتاج لخبير نفسي أو محلل استراتيجي ليكتشف غباء الرجل من خلال التحديق فقط في عيون وشفاه حسني مبارك وهو يجحط كصنم أو يتحدث كشريط كاسيت!
لا أعتقد أن مبارك مصدوم ليكتشف أن شعبه يزدريه ويريد أن يتخلص منه، أعتقد أنه يعاني من عقدة نقص مزمنة ومشاعر دونية تجاه نفسه منذ أمد طويل! فلا اكتشاف جديد لديه، ولا صدمة بالتالي! فلو كان مصدوما حقا لرأيت أداءه يتطور نفسيا ووجدانيا كما تتطور الثورة المصرية، وينهض كما تنهض، ويبدع كما تبدع!
صدمة الشعب المصري عميقة وهو يرى رئيسا يسقط من نظره قبل أن يسقط من كرسيه! ربما يحتاج الشعب المصري لسنوات لاستيعاب غيبوبة استمرت ثلاثين عاما، وليكتشف أنه كان يسير بلا هدي أو بوصلة أو ربان. مع ذلك، فهذه الصدمة التي يعيشها الشعب المصري في لحظات استعادة الوعي والذات هذه، وفي مرحلة النهوض الجماعي التاريخي للذاكرة الجمعية المصرية، ستجعل هذه الصدمة العميقة من ثورته كبيرة وعميقة النتائج! لم يتبق الكثير لتصل العروبة إلى قصر العروبة!
عامر العظم
2 فبراير، 2011