دوران الدوحة
علي أبو زيد علي
جولة مفاوضات سلام دارفور التي تجرى في الدوحة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة قطعت مسافة معتبرة في الملفات التي تم التداول والتفاوض حولها بين اللجان المشتركة و آخر هذه الملفات ملف الثروة التي نقلت الانباء أمس الأول موافقة الحكومة على تمويل صندوق اعمار وتنمية دارفور بمبلغ اثنين مليار دولار تمويلاً ابتدائياً لتحقيق التمييز الايجابي في مجال التنمية لولايات دارفور.
السؤال الذي يطرح نفسه الان هل سوف تصل المفاوضات الثنائية بين حركة التحرير والعدالة والحكومة السودانية إلي محطة الاتفاق وتوقيع اتفاقية سلام أخرى مع مجموعة مقدرة من الفصائل التي كونت حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني سيسي؟؟
الاجابة على هذا السؤال يدفعنا للاحاطة بالظروف العامة التي تجرى فيها المفاوضات ومن أكثر تلك المؤثرات انشغال الدولة بكل مؤسساتها السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية بموضوع استفتاء تقرير المصير للجنوب والدولة تسعى للوصول إلي اتفاق في دارفور قبل التاريخ المحدد للاستفتاء ويمثل التفاوض عبئاً كبيراً على كاهل الحكومة التي تقف في وجه أكثر من اعصار سياسي في جنوب السودان.
أيضا المؤثرات الخارجية والتي ظلت تلعب دوراً كبيراً فالدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية والمجموعة التي تقود الموسسات الأممية وان قضية دارفور وسلامها ما عادت تحتفظ بالاولوية لسياساتها فهي اتخذت من موضوع انفصال جنوب السودان وتكوين دولة مستقلة هدفاً اساسياً تسخر لة كل المعطيات الأخرى لتحقيقه وتتناول قضية السلام في دارفور في إطار الاجواء المناسبة لإجراء الاستفتاء وتحقيق الانفصال وهي لا تبدى حتى الان الاهتمام الكبير بها يجرى في الدوحة أو ما يجرى في الداخل مثل الاوضاع الحساسة التي تمر بها حركة تحرير السودان الموقعة على سلام ابوجا بقيادة مني اركو.
أما الثالثة والتي اشرنا إليها في أكثر من مقال هو موقف الحركات المسلحة الأخرى العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة عبد الواحد ومجموعة اديس ابابا وخارطة الطريق والمجموعات التي اتخذت من جنوب السودان مقراً لها.
أن غياب هذه الفصائل والتي سبق أن رفضت أو انسحبت من منبر الدوحة لا يحقق السلام الشامل المطلوب مع ملاحظة تحركات حركة العدل والمساواة التي تجرى هذه الايام ووصول وفدها الرفيع المستوى إلي الدوحة للجلوس مع الوسطاء وهذا الموقف جاء نتيجة لتدخلات اقليمية مؤثرة في المقام الأول وهي التدخل الليبي والمصري وهاتين الدولتين لا يمكن أن يكون هنالك حديث عن السلام الشامل مع الحركات المسلحة ما لم يلعبا دوراً فاعلاً وموثراً ومساوئ للدور القطري والمؤسسات الإقليمية.
من بين المؤثرات على مسار الاتفاق النهائي بين المتفاوضين في الدوحة الاوضاع المتوترة في حركة جيش تحرير السودان الموقعة على اتفاقية ابوجا بعد أكثر من اربع سنوات على توقيع الاتفاقية والوضع على الجانبين الجانب الداخلي للحركة وضعف السيطرة عليها سياسياً وعسكرياً منذ توقيع الاتفاق وحتى الان فعلى الجانب العسكري مثلاً تاتي احداث مدينة المهندسين والصدامات المتعددة بين قوات الحركة وحركة العدل والمساواة من جانب والقوات الحكومية والمليشيات القبلية في دارفور وفي الجانب السياسي التوترات التي لازمت الاتفاقية في عضويتها السياسية أو بين الحركة والحكومة كما حدث في اعتكاف رئيسها بدارفور لاربعة أشهر حتى جاءت مصفوفة الفاشر ثم الذي يجرى حالياً باعتصام رئيسها في جنوب السودان والاتهامات التي توجهها الحكومة له وتوجهة نحو العمل المسلضح والتمرد مرة أخرى.
وضع الحركة الموقعة على ابوجا سوف يجعل الاجواء الدارفورية للمنافحين باسم دارفور من حركات غير مهيأة لاحتضان اتفاق آخر من خلال مؤسسات قائمة ممثلة في مؤسسات السلطة الانتقالية أو من خلال استحقاقات سياسية كالمشاركة في السُلطة.
الإشارة الخامسة من هذا المقال انه ورغم الترحيب الواسع الذي وجدته الإستراتيجية الجديدة لسلام دارفور والتي طرحتها الحكومة لفتح مسارات جديدة للعملية السلمية ممثلة في محاور الإستراتيجية الخمسة وتمثل المفاوضات واحدة من هذه المحاور فان المحور الذي يحقق الانسجام والضمانة للسلام المستدام لم تبذل الجهات المسئولة اية جهد في قيامه وهذا المحور يتمثل في المنبر الداخلي للتفاوض مع منظمات المجتمع المدني الدارفوري والذي اشارت الإستراتيجية لقيامه تحت رعاية الوسطاء وان نصب رؤاه مباشرة في منبر الدوحة فان استمرار المفاوضات بالدوحة مع غياب الحوار والتفاوض الدارفوري يضعف فرص أية اتفاقية لاحقة.
نعود لسؤالنا الخاص عن مدى وصول المفاوضات الجارية الآن في الدوحة إلي اتفاق شامل للسلام في دارفور قبل إجراء الاستفتاء ومن خلال النقاط التي اشرنا إليها فان الاتفاق سوف تكون معجزة في الفترة التي تم تحديدها.
ولله الحمد،،،،،