مصطفى اندوشو
بعد ان اعلنت حركة تحرير السودان تمردها فى دارفور عام 2002 و بدأت مع حركة العدل و المساواة الحديثة نسبيا شن هجمات على مراكز الشرطة و الجيش استفحل على اثره التدهور الأمني و زاد توتر الحكومة المركزية التى كانت تقود مفاوضات شاقة مع المتمردين الجنوبيين فى نيفاشا و ان تدشين جبهة قتالية اضافية لجيشها المتهالك الذى تم تصفيته لصالح اصحاب الولاء السياسي و الخوف الناتج من عدم ضمان إخلاص الجنود المنحدرين من اصول دارفورية ,فاتخذت الحكومة خيار حشد الأهالي لعلها تعالج بذلك مؤقتا جزء من مشاكلة الهيكلية المعقدة.
و اوفدت مسؤولين حكوميين و هما اللواء عبد الله صافى النور و اللواء ادم حامد موسى وكلفتهما بتجييش عناصر عسكرية من بعض المجموعات العربية فى دارفور
,فاستدعي الجنرالان الدارفوريان العربيان عددا من قطاع الطرق و النهابين و المجرمين من بعض القبائل العربية و نظموهم فى مجموعات زودت بالأسلحة و منحت هويات عسكرية و اموال لقتال المتمردين من قبائل الزغاوة و الفور و المساليت ,مع ترويج كذبة نية المتمردين فى طرد العرب من دارفور ,باستثمار العداء التقليدي بين العرب و الفور الذى يعود تاريخه الى منتصف الثمانينات.
لقد اعترض حاكم ولاية شمال دارفور الجنرال سليمان إبراهيم وقتها ,على استخدام الحكومة للميليشيات فى مواجهة التمرد ,خوفا من ان يؤدي ذلك الى فتنة قبلية و يزيد النار البادئة لتوها وقودا اضافيا ,ولإيمان سليمان بإمكانية التوصل مع المتمردين على تسوية مبكرة ,خاصة ان مطالبهم كانت بسيطة كما كان يعتقد سليمان ,فقام فى أغسطس 2002 سعياً منه لتقليل حدة التوتر بتشديد الخناق على نشاط الميليشيات باعتقال ثلاثة من زعماء القبائل ممن يعتقد انهم أكثر إثارة للقلاقل ,وكان من بينهم الشيخ موسى هلال عبد الله وأرسلهم للسجن في بورت سودان.
ان هجوم جماعات المتمردين على مدينة الفاشر فى ابريل 2003 ,و الخسائر الفادحة التى تكبدها سلاح الجو السودانى بتدمير المتمردين خمسة من طائراته مقاتلة التى كانت جاثمة على مطار الفاشر بالإضافة الى الخسائر الكبيرة فى الارواح و تمكين المتمردين من اسر عدد من العسكريين الحكوميين كان من بينهم ضباط برتب عليا و الاستيلاء على معدات عسكرية ضخمة ,كان بمثابة النقطة الفاصلة فى تحول مسار الحرب فى دارفور ,أقالت الخرطوم الجنرال سليمان على الفور و عينت مكانه عثمان كبر الراديكالي الذى كان فى مقدمة الرافضين لمنهج سليمان فى التعاطي, و قبل الهجوم بثلاثة اشهر نقلت السلطات موسى هلال من سجنه فى بورتسودان و ضعته قيد الاقامة الجبرية فى الخرطوم.
لقد عجل الهجوم على الفاشر بتحرير هلال , تحت ضغوط كما قيل مارسها كل من نائب الرئيس وقتها على عثمان طه و اللواء عبد الله صافى النور, مقابل المساعدة فى قتال المتمردين و انتدب اللواء ادم حامد موسى لتنسيق عمليات حشد الجنجويد من العرب الدارفورين و كلف الضابط موسى عبد الله بشير بحشد الجنجويد من عرب تشاد بالتنسيق مع المتمردين التشادين الذين كانت تدعمهم الحكومة السودانية للإطاحة بنظام ادريس دبى الداعم الرئيسي لجماعات المتمردين الدارفوريين وقتها ,كما حاولت منسقية الدفاع الشعبي استخدام ذات الاساليب التى استخدمت فى حشد المقاتلين ابان الحرب فى جنوب السودان الا ان الابالة و البدو الفقراء الاميين كانوا يبتغون نقدا و ليس ايدلوجية لا تسمن و لا تغنى من جوع ,كما أيد بعض زعماء القبائل العربية تجنيد ابناءهم لمكافحة التمرد مقابل الحصول على الأرض للمراعي و نيل النفوذ السياسي نظراً لأن الوزن السياسي القبلي فى دارفور مرتبط بحيازة الارض.
و للأمانة و التاريخ لقد رفض بعض نظار القبائل العربية اتخاذ قرار بتجنيد ابنائهم فى هذه المليشيات و هم محمد الدود ناظر المهرية التى ينحدر منها حميدتى نفسه و ان مشاركة ابناء القبيلة فى قوات الجنجويد كانت قرارات فردية لم يوافق عليها الناظر رغم الضغوط التى مورست عليه و انطبق نفس الامر على ناظر الرزيقات سعيد مادبو الذى استدعاه الرئيس البشير الى الخرطوم في سنة 2003 خصيصا للموافقة على هذا الطلب الا انه رفض و اشترط ان يكون تجنيد ابناء الرزيقات تحت قيادة قوات رسمية تتبع للجيش السودانى ,فاستغل البشير زعماء و مثقفي بطون قبيلة الرزيقات الطموحين و الجشعين امثال موسى كاشا و عبد الله مسار ,كما مارست الحكومة ضغط على مادبو من خلال تلبية مطالب قبيلة المعاليا و منح ادارتهم الاهلية درجة ناظر, وايضا رفض الهادي عيسى دبكة ناظر البنى هلبة القبيلة التى قاتل قوات التمرد الذى قاده بولاد فى 1991, قبل ان يغير موقفه سنة 2013 بحصوله على دعم حكومي عبر ابن القبيلة الحاج ادم يوسف نائب الرئيس وقتها لأجل السيطرة على ارضى قبيلة القمر فى كتيلا.
لقد قاتلت مليشيات الجنوجويد فى بدايتها تحت غطاء القوات الحكومية التى تعرف بفرقة الهجانة ,تحت امرت اعتى مجرمان فى دارفور و هما سعيد عبد حسين من احدى القبائل العربية فى كبكابية بشمال دارفور و محمد هادى عمير (دغيرشو) من المهرية بمليط فى شمال دارفور و دغرشو الذى قتل بعد ايام من خلافات حادة كانت قد نشبت بينه وموسى هلال ,هو فى الاصل ابن عم محمد حمدان دقلو (حميدتى), و لا زال حميدتى و اغلب اعيان المهرية يتهمون هلال باغتيال ابنهم (دغيرشو) ,بسبب خلافات عاصفة نشبت بينهما حول نصيب قبيلة المهرية من حصة التجنيد فى قوات حرس الحدود التى كان يقودها هلال زعيم رعاة الابل من المحاميد احد بطون قبيلة الرزيقات العربية.
خلال شهور قليلة ,اصبح موسى هلال قائدا على قوة تتألف من 3 الف عنصر من الجنجويد, اتخذت من مسقط راسه مستريحة بشمال دارفور مقرا لقيادتها ,و ابتعثت الحكومة اثنين من كبار ضباط الاستخبارات العسكرية لمساعدته فى المهام الفنية ,هما المقدم عبد الواحد سعيد علي سعيد بوصفه قائداً عاماً, والمقدم عبد الرحيم محمد عبد الله بوصفه رئيسا للعمليات, و كان يتلقى هذان أوامرهما من اللواء ادم حامد, وأصبح (دغيرشو) ابن عم حميدتى قبل اغتياله بعد ذلك بعامين حارساً شخصياً لموسى هلال ,ويعتبر (دغيرشو) اول من غرس البذرة الاولى للتنافس القبلي العربي على زعامة قوات الجنجويد, خاصة بين قبيلتي المهرية و المحاميد و الذى كان فيما بعد عامل فى تشظى المليشيات العربية ,و فقدان سيطرة الحكومة عليها, المهم ,كان وجود قوات هلال فى شمال دارفور عنصر مهم فى تبديد مخاوف الحكومة بشان امن الفاشر ,ليتحول قلقها فيما بعد الى شواغل جدية بشان تحصين مدينة نيالا بجنوب دارفور من ان تتعرض لنفس سيناريو الهجوم على الفاشر.
وهنا برزت الحاجة الى قوة مماثلة لقوات موسى هلال يوكل اليها مهمة حماية مدنية نيالا ومنع المتمردين من الحركة خارج مرتفعات جبل مرة, و كان وقتها حميدتى مغبون من المتمردين الذين اتهمهم كما يدعى بسرقة اكثر من الف من ابل اسرته و خطف اكثر من 80 شخص من اهله فى جنوب دارفور بواسطة اشخاص يقول حميدتى انهم من جنود قبيلة الزغاوة فى حركة تحرير السودان, فاستغلت الاستخبارات العسكرية الفرصة و استقطبت محمد حمدان حميدتى ابن فخذ اولاد منصور من المهرية ثالث أكبر بطون الرزيقات ,التى تعيش في المنطقة الواقعة شمال غرب مدينة نيالا, وقامت بتوظيف غبنه و منحته اموال و معدات و اسلحة و اوكلت عليه مهمة حماية نيالا و لاحقا فى ديسمبر 2006 دعاه الرئيس البشير فى منزله فى الخرطوم و كلفه بشن حملة عسكرية على منطقتى (امسدر و كاريارى) لتحريهما من سيطر المتمردين, و كمكافأة لجهود حميدتى فى تنفيذ اوامر الحكومة قام على محمود والى جنوب دارفور وقتها عام 2007 بتعين حميدتى مستشارا امنيا فى منصب صورى تنحصر مهامه الوظيفية فى تامين موكب الوالي خارج مدينة نيالا.
وعلى الرغم من الدور القتالي للجنجويد الذين يمثلون العنصر العربي فى دارفور بشكل غير رسمي, إلا ان العرب و مصالحهم غابت عن محادثات السلام التي كانت تجري وقتها في العاصمة النيجيرية ابوجا, وبسبب قلقهم المتزايد بعدم تمثيل الحكومة لمصالحهم و تجاهل مطالبهم المتعلقة بإعادة النظر فى سياسة تمليك الأراضي و تنظيم مسارات الترحال و الرعي لماشيتهم فى بنود اتفاقية ابوجا ,وبسبب الخسائر الكبيرة التى تكبدها العرب الجنجويد فى الارواح و الماشية و تدهور علاقتهم مع جيرانهم التقليدين من القبائل الافريقية و انغلاق ممرات الترحال و التجارة و تدهور الخدمات فى مناطقهم كل هذه الاسباب مجتمعة جعلت البدو ينظرون الى انفسهم على انهم اكثر بؤسا من النازحين الذين يحصلون على مساعدات و تعاطف من قبل الغرب وبتوقيع اتفاق ابوجا سنة 2006 و التى عين بموجبها ابن الزغاوة منى اركو مناوى اعلى مساعدي الرئيس و هو قائد الفصيل الوحيد الذى وقع على الاتفاقية التى نصت على تحييد و نزع سلاح الجنجويد الذين باتوا لا يضمنون امنهم الا بالسلاح كنتيجة حتمية لطبيعة الجرائم التى ارتكبوها فى حق الاخرين, فتأكد للعرب الجنجويد من امكانية ان تتخلى عنهم الحكومة لأجل شركاءها الجدد.
و نتيجة للأسباب اعلاها و بالإضافة دوافع شخصية اخرى شرع اقوى قادة الجنجويد (حرس الحدود) موسى هلال و حميدتى دقلو فى محادثات سرية مع حركة العدل و المساواة عبر وسطاء, تكللت بوقيع حميدتى و هلال على اتفاقين منفصلين مع حركة العدل و المساواة بعد شهرين من توقيع اتفاقية ابوجا للسلام, كانت بفضل مفاوضات اجراها كل من شقيق هلال ,محمد حسن هلال المحامي المقيم بالخليج و شقيق قائد حركة العدل و المساواة د/ جبريل ابراهيم الذى كان مقيما فى السابق فى الخليج, كانت اهم بنود الاتفاقين ,وقف العدوان ,فتح الممرات الرعوية و التجارية و الانسانية و فى يونيو 2007 بعد شهرين من وفاة ابن عمه (دغيرشو) وقع حميدتى اتفاق مع حركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد اتفاق مماثل, التى فتحت الباب الى توقيع العديد من الاتفاقيات بواسطة اعيان من قبائل المهرية و الابالة مع المجموعات المتمردة استهدفت تامين الممرات الرعوية ,اما اهم هذه الاتفاقيات تمثل فى اتفاق اندماج 250 مقاتل من قبيلة المهرية بقيادة احد رجال هلال السابقين (على ابنديغات) فى جيش تحرير السودان فصيل عبد الواحد سنة 2007 .
مع الضغوط و الاتهامات الدولية التى بدات تنهال على الحكومة بسبب دعمها و رعايتها لقوات الجنجويد التى اتهمت بارتكاب جرائم منظمة وشنيعة فى حق بعض القبائل الافريقية ,قسمت الحكومة قوات حرس الحدود التابعة لموسى هلال تحت اشراف الضابط العقيد صلاح مصطفى إلى ميليشيات قبلية منفصلة, لكل منها معسكرها و حصل دغيرشو الذي أنشأ علاقة مباشرة مع رئيس المخابرات العسكرية عواد بن عوف بعد سفره للخرطوم الذى اشتكى فيه من التمييز الذي تلقاه المهرية من قبل موسى هلال, فسمح له بلواء منفصل اتخذ من بلدة مليط مقرا له, كانت عملية تفريق قوات الجنجويد خطوة اتخذتها الحكومة بغرض اضعاف نفوذ موسى هلال المتزايد, و توسيع عملية استقطاب و توريط المزيد من القبائل العربية التى اسال لعابها الفوائد الانية التى حصل عليها هلال كفرد و المحاميد كعشيرة, و فى نفس الوقت كانت خطة لتشتيت انظار العالم من هذه القوات.
و بعيد استداء الرئيس البشير فى سبتمبر 2006 للقائد الجديد حميدتى للقائه فى للخرطوم ,اكتسب المهرية نفوذ متزايد على حساب غريمهم موسى هلال زعيم المحاميد ,لقد اغضبت هذه الخطوة اعيان المحاميد الذين اتهموا الحكومة بالسعي لإضعاف هلال عن طريق تحويل الموارد إلى المهرية ,وارتفعت حدة التوتر بين المحاميد والمهرية في شهر أبريل 2007 عندما قتل دغيرشو في حفل زفاف بعد أيام قليلة من قيام رجاله باعتقال 12 من رجالات موسى هلال بالقرب من غولو ,رفضت المهرية الدية و المزاعم بأن قتل دغيرشو كان سهواً نتيجة لإطلاق اعيرة نارية احتفالية, و طالبوا بحياة موسى هلال ,ولإظهار الوعيد بشكل جدى انتقل حميدتي إلى مليط وهدد باقتياد لواء دغيرشو إلى المتمردين في جبل مرة الا اذا منحت الخرطوم رواتب الجيش ل 500 من رجاله, ودفعت تعويضات لأسر الذين سقطوا صرعى في القتال, والتصديق للمهرية بنظارة ومحلية, اما موسى هلال رفض وساطة الحكومة وأرجع وفدها الذى كان يضم صافي النور وعثمان كبر, و الاستعداد للحرب ضد المهرية بقيادة حميدتى ,و بعد شهور من التوتر و الحشد اتفق الطرفان على تسوية الخلاف كما يبدو في مايو 2007 بعد ان اقسم موسى هلال على المصحف بانه لم يكن له ضلع في وفاة دغيرشو ووعدت الخرطوم بتقديم 50 مركبة و 500 ألف دولار للمهرية.
اشتدت مخاوف العرب من جديد توجسا من وقوع خيانة بعيد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتين باعتقال اثنين أحدهما على كشيب احد ابرز زعماء المليشيات العربية فى غرب دارفور ,و فى نفس الوقت فشلت الخرطوم في الوفاء بوعودها للمهرية و بذلك مهدت الطريق لأعظم تحد لسلطتها في دارفور منذ بدء الحرب, و بدأت فى شهر اغسطس2007 شائعات بتمرد حميدتى على الحكومة تأكدت في شهر أكتوبر من نفس العام ,عندما هدد رجاله باقتحام نيالا ما لم تدفع لهم رواتبهم المتأخرة منذ مدة طويلة, وأدعى حميدتى في نوفمبر بأنه أقام تحالفاً مع جماعة متمردة عربية جديدة، اسمها الجبهة الثورية السودانية بقيادة مهندس كمبيوتر يدعى أنور خاطر من اولاد عيد وهم فرع من المحاميد وجاء في بيان باسم الجبهة الثورية السودانية وصف حميدتى ب(القائد الاعلى ) و انور خاطر (الامين العام ) ,لقد احدث انشقاق حميدتى ومعه ما لا يقل عن 70 مركبة مسلحة تسليحا ثقيلا, اكبر تحول في التوازن العسكري في دارفور منذ بدء الصراع .
قال حميدتي الذي اطلق على حركته المتمردة وقتها قوات الوعد الصادق ,إنه يقاتل من أجل تحقيق العدالة للعرب, وقال في لقاء اجرى معه في سنة 2009 ,إن السبب الرئيس لتمرده هو تعيين الزغاوي ميني ميناوي كبيراً لمستشاري الرئيس ,فى وقت لم يحصل العرب الذين قاتلوا مع الحكومة على رواتبهم ولا تعويضات عن قتلاهم وجرحاهم في الحرب, كما لم تقدم لهم الخدمات الصحية أو البيطرية أو المدارس أو الماء, وأن طرق هجرة مواشيهم ما لبث المتمردون يوصدونها , لقد أقام حميدتى معسكر لرجاله في منطقة بوسط دارفور بالقرب من زالنجى قضى به مدة ستة أشهر, يبحث عن رعاية و اعتراف الا ان جهودها كللت بالفشل عندما رفضته ليبيا وتشاد والامم المتحدة والولايات المتحدة, و فى تلك الاثناء نشب خلاف بينه و حليفه انور خاطر و نفدت أمواله ,و فقال حميدتي انه كان لديه خياران, الانضمام للحكومة مرة اخرى, أو أن يصبح (جنجويد) وهي بلغة العرب البدو فى دارفور تعني لصاً ,و في مطلع سنة 2008 عاد حميدتي إلى حضن الحكومة مجددا.
ما زال الغموض يكتنف دقة شروط الصفقة التي أرجعت الخرطوم بموجبها حميدتي, لكن ما سرب منها ان حميدتى طلب من الحكومة تنمية منطقة ام القرى ,و تعينه برتبة فريق في الجيش و التصديق بنظارة لعمه دوغلو جمعة ومنصب مفوض لشقيقه عبد الرحيم حمدان دوغلو ومبلغ نقدي مقداره مليار جنيه سوداني لنفسه، ونصف هذا المبلغ لتعويض المقاتلين ,و بالفعل اوفت الحكومة بمعظم هذه البنود و ادرجت 3 آلاف من رجاله في الجيش النظامي برواتب الجيش ووعدت بتعين 300 ضباط بعد خضوعهم للتدريب المطلوب.
لم يكن تمرد حميدتى العصيان العربي الاول و الوحيد فى الاقليم ضد الحكومة لقد تمرد ايضا بعض ابناء العرب فى تلك الفترة مطالبين بتمثيل مستقل للعرب فى محادثات السلام و قسمة الثروة و السلطة و كان من بينهم قادة يؤمنون بخط جماعات المتمردين الرئيسية بشان مظالم الاقليم من قبل الحكومات المركزية ,و على سبيل المثال كان من مؤسسي حركة التحرير كل من صلاح محمد عبد الرحمن أبو السرة (الذى يطلق عليه الجنود ابو الثورة ) من عشيرة عبد الحميد موسى كاشا و مؤسس جيش القوات الشعبية لاحقا ,و الجبهة المتحدة للقوات الثورية بقيادة يوسف ياسين المنشق من ابو السرة , فضلا ان انضمام اعداد مقدرة من ابناء العرب من بينهم اسماء بارزة الى حركة تحرير السودان و حركة العدل و المساواة.
بعد تفريق جنود هلال و تحطيم نفوذه و خضوعه لرقابة مشددة من جانب الاستخبارات العسكرية باعتباره غير موثوق ,حالياً يعتبر حميدتى أحد اقوى الزعماء شبه العسكريين في دارفور واضحت قبيلته المهرية منظمة و مسلحة بشكل متزايد خاصة فى منطقة دامرة غرير, و لا زال يمارس زعماء المهرية ضغوط على حميدتى خاصة بعدما ابصروا الفوائد الكبيرة التى حصل عليها هلال و المحاميد من اتفاقهم مع الحكومة, و التى من بين مزاياه ان تساعدهم الحكومة المحاميد على تملك الارض التى تمتد من شمال مستريحة حتى الحدود الليبية, لقد اثمرت ضغوط حميدتى التى مارسها على الحكومة بتعيينه ضابط برتبة عميد فى جهاز الامن و المخابرات الوطني رغم انه اقل من طموح حميدتى الذى كان قد طلب رتبة فريق فى الجيش, لكن بالنظر الى ان جهاز الامن يعتبر الحاكم الفعلي للدولة فى الوقت الحالي, نستطيع ان نقول ان حميدتى الان يتمتع بسلطة اقوى من سطوة الجيش السودانى الذى استبدل بقوات مرتزقة تحت امرت حميدتى نفسه, و لنا فى اعتقال رئيس حزب الامة خير دليل.
و على ما يبدو ان هلال استنفد كل كروت ضغطه على الحكومة لاستعادة موقعه الذى سطي عليه حميدتى, فما عاد اعلان تمرده مجدى, مع فشل مجلس الصحوة الذى اسسه فى إيجاد ارضية له فى دارفور و غسل يديه من الدماء, كما ان التلويح بكرت شهادة الملك غير مثمر فى حالة العجز الكامل التى تعانى منه المحكمة الجنائية الدولية منذ مارس 2009 فى مواجهة البشير و اعوانه, و ان المقارنة معدومة بين قوات هلال (حرس الحدود) التى لم تتجاوز الف فرد فى حوزتهم فقط حوالى 60 عربة و بين قوات الدعم السريع تحت قيادة حميدتى التى تجاوز قوامها الثمانية الف جندي مزودين بمعدات عسكرية حربية ضخمة, و رغم انفضاض الانتهازين من سامر هلال الا ان ذلك لا يقلل من فرص الرجل الماكر فى احداث اى اختراق.
29 مايو 2014
[email protected]