د.جبريل إبراهيم: التهميش والإقصاء ينتج الحركات الاحتجاجية.
.تأجيل مشكلة دارفور إلى ما بعد استفتاء الجنوب..
أمنية حركة العدل والمساواة ان يبقي اهلنا في الجنوب ضمن اطار السودان الواحد
أجرى الحوار :
بليغ فتحي ونجيب اليافعي
يرى د. جبريل إبراهيم مسئول العلاقات الخارجية بحركة العدل والمساواة السودانية أن المشكلة الرئيسية في إدارة الحكم تكمن في الصلاحيات المطلقة وغياب المعارضة والمؤسسات المستقلة الأمر الذي يؤدي إلى شيوع التمرد والاضطرابات في المركز والأطراف.
ومع كونه لاجئاً في بريطانيا منذ 2006م إلا أنه يتردد على الدوحة ضمن وفد حركة العدل والمساواة لبحث إمكانية الوصول إلى إحلال السلام في دارفور وهي إحدى أهم المشاكل الرئيسية التي أرهقت السودان بعد مشكلة استفتاء الجنوب على الوحدة أو الانفصال.
عن الحركة وعلاقتها الحالية بمفاوضات منبر الدوحة والأوضاع في دارفور والجنوب وعلاقتهم بالحركة الشعبية كان لـ”إسلام أون لاين” لقاء مع د. جبريل خلال تواجده في الدوحة، إليكم نصه:
* كيف وجد الدكتور جبريل نفسه في حركة مسلحة وهو في نفس الوقت رجل اقتصادي وأكاديمي؟
-الحركات العسكرية والثورية عادة يقودها مدنيون لأن العسكر معروفون بالانقلابات فقائد الحركة نفسه طبيب مدني (د. خليل إبراهيم) ولكن اضطرته الظروف إلى حمل السلاح في وقت من الأوقات، ومعظم من في الحركة لا يحملون خلفيات عسكرية، بمن فيهم أنا، صحيح العمل العسكري مهم ولكن أيضاً الجوانب السياسية والاقتصادية والتنظيمية مهمة لأي حركة ثورية.
* أنتم محسوبون على تيار الحركة الإسلامية، كيف تفسرون انضمامكم لحركة مسلحة تواجه الحكومة وتصطدم معها عسكرياً؟
-الحقيقة أن الإسلام يحمل قيمة عظيمة وهي قيمة العدالة ويرفض الظلم والجور، والظلم مدعاة للمقاومة والناس بغض النظر عن انتماءاتها السياسية والأيدولوجية عندما تشعر بمرارات الظلم تنتفض وتقاوم الظلم وأعتقد أن هذا ما حدث معنا.. ليس صحيحاً أن جميع المنتسبين للحركة لديهم خلفيات إسلامية.. فهناك من هم في أقصى اليسار وهناك من كان ينتمي لأحزاب أخرى وهناك أيضاً من كان ينتمي للحركة الإسلامية.. ولكن ما يجمع الناس في الحركة هو الشعور بالظلم الواقع على الناس وأن هذه المظالم بحاجة إلى معالجات جذرية.. وكانوا يفضلون الحلول والخيارات السلمية.. ولكن وفي ظل ظروف الكبت وجبروت القوة.. لم يجدوا خياراً غير خيار الثورة ولسوء الحظ أن الناس في مجتمعنا أصابهم الخرس.. فهم على استعداد أن يسمعوا صوت (الدانات) ولكن الصوت الهادئ واللطيف ليسوا مستعدين لسماعه.. فيجبرون الناس إلى حمل السلاح.
* أشرتم في إحدى المقابلات الصحفية إلى أن الحكومة السودانية لا تحترم عهودها واتفاقياتها.. وكنتم في الدوحة عام 2009 لتوقيع اتفاق النوايا الحسنة.. ما الجديد الذي طرأ ودفعكم للعودة مرة أخرى للدوحة؟
-بالتأكيد الذي أتى بنا ليس هو الاتفاقيات السابقة الموقعة مع الحكومة السودانية.. الذي أتي بنا هو بحثنا عن السلام.. فالبحث عن السلام مسؤولية كل من يتحمل مسؤولية أرواح أناس يموتون باستمرار ويعانون في معسكرات اللجوء والنازحين.. ويعيشون أوضاعاً إنسانية غير محتملة مع تشريدهم في كل مكان.. فالسلام هاجس والحرب ليس خياراً مقبولاً ونحن نعرف مرارات وتكاليف الحرب.. فالسعي والبحث عن السلام لا ولن ينقطع بالنسبة لنا.. رغم أن قناعاتنا المطلقة أن الطرف الآخر -الحكومة السودانية- غير جادة في عملية السلام.. خاصة أن ما طرحته مؤخراً بشـأن ما يسمى -الإستراتيجية الجديدة لدارفور- فهي استراتيجية حرب وليست إستراتيجية سلام.. المفاوضات بالنسبة لهم تأتي في المرتبة الخامسة.
الذي دعانا للعودة للدوحة ليس استجابة الحكومة.. نحن جمدنا مشاركتنا في منبر الدوحة بسبب شعورنا أن ما يتم مناقشته هنا في الدوحة لا يسير وفق ما هو مطلوب ووفق ما نراه في الإشكاليات التي تحتاج إلى معالجات وطلبنا من الوساطة أن تجعل مختلف الأطياف يشاركون بقوة في المفاوضات وأن يضمنوا أن يكون هناك إنتاج حقيقي للسلام ونحن أوضحنا ذلك للوساطة ولكنهم لم يستجيبوا لنا حينذاك بسبب أن الوساطة في الفترة الماضية لم تكن متحمسة لأطروحاتنا والنظر في القضايا التي أثرناها معهم، وفي الآونة الأخيرة شعروا بأهمية ما آثرناه من قضايا فلجأوا إلى الاتصال بنا ودعوتنا للعودة لمنبر الدوحة والتفاكر معهم في كيف يمكن إصلاح منبر الدوحة وتفعيل دوره وإصلاح طريقة إدارة المفاوضات.. ولهذا الغرض جئنا..
*هل للحكومة البريطانية دور في عرقلة وتعطيل عملية المفاوضات بحكم أنكم لاجئين فيها؟
-لا على الإطلاق.. بالعكس.. الحكومات الغربية علاقتها بقضية دارفور في حدود العمل الإنساني القائم في دارفور وفي حدود ما تسببه هذه المنظمات الانسانية من إزعاج لدى الرأي العام الأوروبي فهذه المنظمات تقوم بالزخم الإعلامي الكبير من أجل الحصول على دعم وتبرعات الجهات المانحة في أوربا حتى يتمكنوا من تقديم المساعدات وأيضاً الحصول على مكاسبهم المالية فالأوروبيون مهتمون بشكل أكبر بالجنوب والتركيز الأكبر في الجنوب.. الخارجية الأمريكية ترى أن أكبر نجاح استطاعت تحقيقه في الفترة الماضية هو اتفاقية السلام وتبعاتها.. فهم أحرص ما يكونوا على تنفيذ اتفاق السلام في الجنوب.. وهي تعمل جاهدة الآن على تجميد قضية دارفور ومحاولة تأجيلها إلى ما بعد الاستفتاء في الجنوب.. هذا ما يفضلونه.. فلو استطاعت تجميد قضية دارفور ووضعها في ثلاجة إلى ما بعد الاستفتاء لفعلت ذلك.. وإذا كانت هناك طريقة في الوقت الراهن فقط لوقف إطلاق النار في دارفور دون النظر في القضايا الأساسية التي من أجلها انطلقت قضية دارفور لفعلوا ذلك فوراً.. فهذا غاية مبتغاهم.. فليس صحيحاً أن يكون هناك طرف أوربي له دور في تعطيل المحادثات في منبر الدوحة.. بالعكس هم غضبوا بسبب خروجنا من منبر الدوحة لأن مرادهم أن تبقى جميع الأطراف في الدوحة ويوقعوا اتفاق لوقف إطلاق النار..
*وماذا عن التصريحات بإمكانية اتفاق السلام بنهاية العام؟
-أنا لا أعتقد أنه يمكن الوصول إلى اتفاق سلام حقيقي في دارفور بنهاية العام الحالي كما أشيع.. فهذا صعب.. ومن الناحية العملية مستحيل.. الواضح أن الفئة الموجودة هنا في الدوحة والتي فاوضت الحكومة لا تمثل شيء يذكر بالنسبة لما يجري على الأرض.. هم مجموعة أفراد.. ليست لها سند شعبي ولا سند عسكري.. فالقوة الحقيقية التي تقاتل الحكومة منذ عام 2006 هي غير موجودة في الحوار.
نحن الآن نتفاوض من أجل المفاوضات.. محادثات من أجل المحادثات.. وليست محادثات.. لأنه حتى تستطيع الدخول لمحادثات جادة تحتاج إلى ترتيبات مسبقة وتهيئة الأجواء المناسبة للدخول للمحادثات.. نحن الآن نتحدث إلى الوساطة من أجل تهيئة الأجواء للدخول في محادثات جادة.. فلم نصل حتى الآن لمرحلة المحادثات الجادة.. وهي مهمة حتى يمكن الوصول إلى نتائج مرضية.
*وماذا عن وضع الحركة في حال حدوث انفصال الجنوب؟
-حركة العدل والمساواة حركة قومية وحدوية، أمنيتها أن يبقى أهلنا في الجنوب ضمن إطار السودان الواحد.. ولكن الحقيقة المهمة أنك لا تستطيع إجبار أحد على البقاء معك ما لم تكن عادلاً ومقنعاً.. وأهلنا في الجنوب مروا بظروف صعبة ولفترة طويلة جداً.. منذ العام 1955 وهم في حروب والاقتتال مستمر.. هناك مرارات متراكمة وشحنات سالبة في نفوس أهل الجنو ب طال بها الوقت.. ما لم يكن هناك جهد جاد ومخلص من طرف بقية أهل السودان لاحتواء هذه الشحنات السالبة وامتصاصها فمن الطبيعي أن يقرروا الانفصال.. وأعتقد أن هذا ما سيحدث.. الحكومة لم تفلح في جذب أهل الجنوب.. فالحكومة لا تتعامل مع الأمور بإخلاص وصدق.. فهي دائماً في حالة تكتيك وتحاول دائماً كيف تضعف الخصم وكيف تكسب نقاط باستمرار.. وهذا ما أوصلها إلى هذه الحالة.. فالبلد ينتظرها مصير صعب.. وهي لحظة محزنة ولا شك ما لم يؤجل هذا الاستفتاء لأكثر من سنتين أو ثلاث سنوات.. فالإستفتاء إذا حدث في موعده فسوف يحصل ما لا يرغب فيه أحد..
*بالنسبة لإقليم دارفور.. هناك حديث متداول أن سبب أزمة دارفور بالأساس هي الثروة الموجودة في دارفور.. ما صحة ذلك؟
-هذه الفرضية غير صحيحة.. فلا يمكن افتعال مشاكل في المناطق التي تحوي ثروات.. ليس صحيحاً أن هناك دولة غربية رغبت في الاستثمار في دارفور والحكومة السودانية رفضت حتى تحدث مشكلة.. بل على العكس الحكومة السودانية هي التي حاولت استقطاب الشركات الأمريكية للاستثمار في استخراج البترول.. شركة “شيفرون” جاءت إلى السودان واكتشفت البترول عام 1974 ولكنها انسحبت بأمر الحكومة الأمريكية.. وحكومة الانقاذ سعت وراء الحكومة الأمريكية لإرجاع الشركات الأمريكية لاستخراج البترول ولكن الكونجرس رفض وفرضوا عقوبات اقتصادية.. هناك شركات فرنسية تعمل الآن في مجال الذهب في شرق وغرب السودان.. وشركات غربية تعمل في الجنوب وهناك شركات صينية تعمل في مجالات مختلفة.. ولذلك ليس صحيحاً أن من يطمع في الموارد يثير المشاكل فيها..
الشيء الآخر أن الموارد الطبيعية في دارفور هي موارد متخيلة.. فليس هناك من يعلم ماذا يوجد من موارد في إقليم دارفور .. فالأوربيون أنفسهم لا يعرفون ماذا يوجد من موارد في إقليم دارفور فهي مجرد توقعات وتخمينات بحكم أن هناك بترول مستكشف في الجنوب وممتد إلى تشاد.. فلا بد أن يكون هناك بترول في دارفور.. والحكومة السودانية تعمل حالياً في عدة مناطق في دارفور لاستكشاف البترول.. وهناك أيضاً بعض المعادن مثل الحديد والنحاس واليورانيوم موجودة في بعض المناطق بدارفور ولكن حتى الآن لم يجري العمل على استغلالها.. ولذلك ليست الموارد هي سبب الحرب في دارفور.
*فلماذا إذن يتواصل الاضطراب في السودان وتزداد شعبية التمرد المسلح؟
-الثورات بدأت في السودان منذ العام 1955 في الجنوب عندما رفضت الحكومة آنذاك تطبيق مبدأ الحكم الذاتي.. ومناطق جبال النوبة أنشئت اتحاد جبال النوبة عام 1958 ومؤتمر البجة في الشرق نشأ عام 1959 وجبهة نهضة دارفور بدأت عام 1964.. فالحركات الاحتجاجية ليست جديدة في السودان.. وكل هذه الجهات محتجة على طريقة إدارة البلاد وأنهم ليسوا جزء أصيل في البلاد ولا يتم إشراكهم في الحكم وأن المركز يسيطر على كل شيء والتنمية غير متوازنة.. فالأطراف مهملة ومهمشة.. فكل هذه التراكمات والشعور بالظلم دفع العديد من الجهات في جنوب وشرق وغرب السودان إلى حمل السلاح ضد الحكومة.. فهذا شعور عام بالظلم ولا أحد يعترف بوجودهم ومساهماتهم.. لا بد من القيام من حلول جذرية.. نحتاج إلى إعادة نظر في طريقة الحكم وإدارة شؤون البلاد..
*وهل سيصب انفصال الجنوب إذا حدث في مصلحة قضية دارفور أم أنه سيزيدها تأزيماً؟
-بالعكس تماماً عندما يكون الهامش السوداني متكامل متحد متحالف سوف يقوى على المركز وعندما ينفصل جزء أساسي من الهامش السوداني ويبتعد ويكون دولة جديدة فسوف يؤثر ذلك على الهامش.. فما الذي يمنع الجنوب أن تغلق الحدود كما فعلت تشاد وليبيا.. ولذلك عندما يكون جزء من الدولة يكون صاحب نفس القضية وهو شريك ويستطيع القول أنه يبحث عن فرص السلام، ولكن الانفصال مضر وليس بمفيد وليس من صالح أي تمرد في الهامش.
*ما هي حدود علاقتكم بالحركة الشعبية في الجنوب؟
-علاقتنا مع الحركة الشعبية متواصلة ولم تنقطع ولكنها ليست متجذرة.. والحركة الشعبية يبدو أنها في طريقها في الانفصال.. ولذلك يمكن البحث معهم عن علاقات حسن الجوار وإمكانية عودتهم مرة أخرى للسودان الواحد إذا تيسر ذلك مستقبلاً.
*هل تتوقع أن تحذو الأطراف كدارفور وكردفان حذو الجنوب نحو الانفصال؟
-أنا لا أتوقع أن يفعل أو يفكر أهل كردفان ودارفور في الانفصال.. فهذا غير وارد إطلاقاً لأنهم يشعرون ويظنون ظناً قوياً أنهم هم أهل السودان بحكم انتشارهم الواسع في شتى أنحاء ومدن السودان فمسألة الانفصال أمر غير وارد إطلاقاً في فكر أهل دارفور وكردفان.
*كيف تنظر إلى إمكانية أن يتوافق السودانيين للعيش والقبول مع بعضهم؟
-جزء من أهل السودان بحكم أنهم ينتمون إلى دين معين يشتكون من أن الناس ينظرون لهم نظرة دونية وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وجزء آخر بحكم “سحناتهم” لديهم شعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.. فهم لا يجدون مشاركة في الحكم.. فالناس التي تعيش في أطراف السودان يشعرون بالتهميش.. ولذلك أصدروا الكتاب الأسود ليوضحوا أن الحقوق غير متساوية وهم محرومون من المشاركة الحقيقية في إدارة البلاد.. ولذلك من الضروري الاهتمام بإشراك الجميع في توزيع السلطة والثروة واتخاذ القرارات الأساسية.. فلا بد أن يعاد النظر في الطريقة التي تدار بها البلاد.. فمشاركة جميع الأطراف في إدارة البلاد مشاركة حقيقية وتوزيع الموارد بشكل عادل سوف يقوي وضع البلاد وزيادة الإنتاج ويجنبها الكثير من المشاكل التي تحدث الآن بسبب الظلم الواقع على الناس.
*كيف ترى وضع حركة العدل والمساواة في هذه المرحلة؟
-نحن أهل مطالب مشروعة يطالب بها أهل دارفور منذ زمان بعيد .. نعتقد أن الحركة مؤسسة وليست أفراد.. وفي الحركة مؤتمر عام.. ومجلس تشريعي أعضاءه من جميع أقاليم السودان من كردفان والشرق والشمال والجنوب.. ولرئيس الحركة نواب يمثلون مختلف الأقاليم في السودان.. ولدينا وجود كبير لدى الطلاب والشباب والمرأة.. وآخر مؤتمر عام حضره أكثر من خمسة آلاف شخص.. وهناك قيادة تنفيذية مكونة من (48) شخص مسؤولة عن اتخاذ القرارات الأساسية.. كل هذه المؤسسات تساهم وتشارك في تسيير الحركة ورئيس الحركة ينظم عمل هذه المؤسسات وخاصة الجهاز التنفيذي فيه حتى تحقق الحركة أهدافها.. وحالما تنتهي حالة الحرب سوف نتحول إلى حزب سياسي.
*هل وجدت من خلال تجربتك السابقة أن لدى الإسلاميين إشكالية في التعامل مع السلطة حالما يصلون إليها كما حصل في السودان؟
-المشكلة أعقد من ذلك.. السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.. ليس لذلك علاقة بالإسلاميين أو غيرهم فمهم جداً وجود مساحة للرأي الآخر ومساحة للنقد.. ووجود مؤسسات مستقلة تحاكم من يخرجون من الخط العام وتعيدهم إلى الجادة.. فإذا انطلقت يد الحاكم بالكامل وغيبت المعارضة لا بد من وقوع الفساد.. بغض النظر عن الأيدلوجية.. وجزء أساسي مما حدث في السودان سببه تغييب المعارضة وتغييب المؤسسات بالكامل.. ولسوء الحظ ليست هناك تجربة إسلامية كبيرة في السودان.. والحركة الإسلامية في السودان تجربتها في الحكم محدودة جداً فبعقلية جماعة الاخوان المسلمين جاءوا فجأة وحكموا البلاد وحاولوا إدارة البلاد بنفس العقلية وهي مسألة مستحيلة.. فوقعوا في أخطاء كبيرة وجسيمة وحملوا الإسلام والمشروع الإسلامي ما لا يحتمل.. فالقهر يولد قهر والكبت يؤدي إلى الظلم.. فالحرية أساس في الدين وأساس في العرف والفطرة.. فمن أراد أن يحكم فعليه توفير العدل والحريات وإيجاد مؤسسات حقيقية ومحاكم مستقلة.. ومعارضة جادة ومحاسبة جادة.. ولذلك هي ليست تجربة إسلامية فاشلة بقدر ما أن أهل الحكم في السودان ادعوا الإسلام وطبقوا غير الإسلام ولذلك فشلوا.
*وكيف ترى مستقبل الأيام القادمة للسودان؟
-السودان مقبل على أيام صعبة جداً.. وللأسف إذا حدث الانفصال قد يدفع الحكومة إلى التشدد أكثر وسيكون خصماً على من حكموا باسم الإسلام وباسم مشروع الحضاري والإسلامي وفي النهاية ينتهي إلى فصل جزء عزيز من البلد.. وهم مسئولين عن هذا الدمار الذي حدث في الجنوب والغرب والشرق.. وهذا سيفقدهم الشرعية.. وبالتأكيد هذا سجل رديء بالنسبة لهم، وبالتالي من المتوقع أن يلجئوا إلى العنف واستخدام مزيد من العنف فتضطر إلى اتخاذ إجراءات استثنائية حتى تحفظ مقاعدها وكراسيها في الحكم..
*كلمة أخيرة تود قولها؟
-أدعو كل المسلمين للدعاء لأهل السودان .. فالسودان في وضع لا يحسد عليه يواجه مجموعة حروب والجنوب في طريقه للانفصال وهل سيكون سلمياً أم سيؤدي لحرب أخرى.. فالأوضاع ليست مبشرة بأي حال.. هناك بؤر قنابل موقوتة كثيرة.. كيف تتطور الأوضاع في دارفور وكردفان لا أحد يعلم كذلك.. ماذا سيحدث في جبال النوبة والنيل الأزرق بعد انفصال الجنوب.. لا أحد يعلم، المركز نفسه هل يستقر بعد الانفصال أم لا؟.. فالنصح والدعاء مطلوب في الوقت الحاضر لأهل السودان.. نصح الحكام وأي طرف من الأطراف واجب.. فالحفاظ على وحدة البلاد مسألة صعبة والأهم من وحدة البلاد الحفاظ على أرواح الناس.. فيجب تحقيق السلام وحقن الدماء.. ولكننا بإذن الله متفائلون بتحقيق السلام.. فكلما تضيق تفرج.. نحن نحاول إسماع من لا يريد أن يسمع.. نحن نبحث عن السلام دائماً ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سيرة ذاتية:
د. جبريل إبراهيم، من مواليد عام 1955 في قرية الطينة على الحدود السودانية التشادية، تخرج عام 1979 من كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وسافر بعد ذلك إلى اليابان ومكث فيها (7) سنوات للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه.
عمل بعدها أستاذاً للاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية حتى نهاية عام 1992 وبعد ذلك عاد إلى السودان وشارك في تأسيس شركة عزة للطيران وعمل مديراً لها لمدة (8) سنوات.
انتقل بعدها إلى دبي عام 2001 وعملت مديراً لإحدى شركات الشحن الجوي وبعد مضي (5) سنوات وبطلب من الحكومة الإماراتية غادر الإمارات بعد أن طلبت منها الحكومة السودانية ذلك ومعه أربعة أصدقاء، وكانت الحكومة السودانية ترى أنهم في وضع مالي يسمح بدعم الحركات الثورية في دارفور.
وفي عام 2006 وبحكم خبرته الاقتصادية شارك كمسؤول عن ملف قسمة الثروة في محادثات أبوجا التي جرت بين الحكومة السودانية والحركات المعارضة في دارفور وبعد نهاية المحادثات انتقل إلى لندن حيث يعيش لاجئاً فيها منذ مايو 2006.
حضر إلى الدوحة على رأس أول وفد لحركة العدل والمساواة في فبراير من عام 2009 لتوقيع اتفاقية حسن النوايا مع الحكومة السودانية، وما زال يتردد على الدوحة بحثاً عن السلام.
إسلام أونلاين