دافور .. شاهد كيف تقاتل حركة العدل والمساواة – عزبان دوما
حامد حجر – الميدان – الأراضي المحررة
القائد العام لجيش حركة العدل والمساواة السودانية ،الفريق سليمان صندل في رحلة إستشفاء إلي قاهرة المعز إثر إصابته برصاصة إستقرت في ساقه اليمني محدثاً كسراً مزدوجاً ، كل ذلك في معركة جبل مون وعلي جبهة القتال في قرية سواني وبئر ( كولونقو ) . بعد إخلائه ينوب عنه الجنرال الفريق (بخيت دبجوك) الذي كان في نفس المنصب في جيش تحرير السودان ، بقيادة مني أركو ، فأنضم الي جيش حركة العدل والمساواة السودانية في الصيف العام 2008 وقاد بعد ذلك جيش حركة العدل إلي جنوب دارفور وكردفان في عملية ( قلب الطاولة ) المعروفة لإستعادة المبادرة السياسية عقب تجميد الحركة مشاركتها في مفاوضات الدوحة.
مشهد لثلاث متحركات حكومية تضم المئات من العربات والشاحنات والمدرعات بالإضافة إلي قوات ومليشيات الجنجويد تسير في غفلة من أمرها بإتجاه الطويشة قرية الوالي ( يوسف كبر ) تتصاعد غبارها عمودياً ، ينتبه رجل الإستخبارات والإستطلاع العميق لجيش العدالة والمساواة ، يغادر مكانه إلي أسفل التلة مسرعاً ، يدير رقماً في هاتفه ويقول : ( سعادتك القائد العام ، تروك في سييلييه ) ، هذه العبارة متفقٌ عليها مع الجنرال بخيت دبجوك وأركان حربه وهي كافية لتخرج متحركات العدالة من مخابئها في عواتيل كرويا لبن ، والعبارة أعلاه من تراث دارفور الحربي ، وتعني بأن العدو قد أصبح علي قاب قوسين أو أدني.
تتراصف أكثر من مائتي عربة للعدالة في الإتجاه المقابل لجبال عزبان دوما ، كل محركاتها دائرة وتعمل بشكل منتظم ، سواقها المهرة أيديهم علي مقاود اللاندكروز ( المقيصيصة ) وأخري علي عصاة التبديل ، وعيونهم شاخصة نحو العدو الذي بدأ يقترب رويداً ، إنها لحظة حساسة وتتصاعد فيها نسبة الأدريانيل في الدم . القائد الحربي لجيش الحركة محمد نور المشهور بـ( كونغرس ) يتقدم الجميع ويطلق العنان لبوق سيارته إيذاناً بالهجوم العزوم علي متحرك نظام الإبادة في الخرطوم.
ويهتف مقاتلي العدالة بملئ حناجرهم أهازيج النصر : ( عدالة في كلام مافي ) ، ( مافي حَـل غير البـَل ) ، رويداً بعد هذه الصيحات المُجلجلة ، يتقدم القائد العام عقب القائد الحربي ثم قادة المتحركات ويليهم قادة الفرق وهم يلوحون بقبضات أيديهم إلي المقاتلين قائلين : ( أفانسييه ) بمعني التقدم (Advance) ، وهذه هي الصفحة الأولي للمعركة من صفحات القتال حسب التكتيك المتبع في كل جيوش العالم . أما في العدالة فإن لكلمة الأفانسييه معناً أثيري تعني الإقتحام النافذ لخطوط وصفوف العدو بعزم شديد ، وإستخدام سلاح ( البرشوت ) بشكل مفرط ، لسرعة وشجاعة قوات العدالة يتم دمج صفحتي التقدم والهجوم معاً علي غير العادة في الجيش لسوداني إذ أنها تنتظر حتي وقوع التأثير الناري علي الفصيلة الأمامية ، فيأخذ إحدي القيامات ، تنفيذاً لتمارين معركة الفصيلة كما في كراسة التاكتيك الصغري.
في العُرف العسكري لقوات العدالة بأن يتقدم القائد الحربي العام ، ثم يلي قادة المتحركات ثم يتبعهم قادة الفرق والقادة الحربيين للفرق ، إنه نظام معقد بعض الشيئ لكن هؤلاء هم القيادة الميدانية للمعركة ، والكل يوجهون ويأخذون بزمام المبادرة والأمور حتي إنتهاء القتال.
ما هي إلا برهة قصيرة ، وتبدأ الهجوم الصفحة الثانية للمعركة ، وتتداخل صفوف المقاتلين ، ويقتربون في لمح البصر من الجيش الحكومي الذي بدأ عليه الإرباك لأنه أُخذ علي حين غرة ( المباغتة ) ، فقط لأنه لم يختار الزمان والمكان للمعركة بمحض إرادته فهو في رحلة بين أم ساعونة والطويشة ، وهو يريد أيضاً إنقاذ كتيبة الدبابات التي تحاصرها قوات أخري لحركة العدل والمساواة هناك في جبال ( عدَولة ) ، هذا إن صّح هنا أقوال الأسير ، أبن جبل موية في الجزيرة ، الملازم إحتياط مركزي (ع) ، بينما دارت رُحي المعركة في منطقة منبسطة أختارتها العقلية المرنة والذكية لغرفة عمليات العدالة . القائد الحربي محمد نور الملقب بـ( كونغرس ) يصدر أوامره ويوجه متحرك الجنرال ( جزم ) و الجنرال ( كوم إسكادرو ) إلي عمق أماكن تواجد العدو خاصة المؤخرة و( الكوجينة ) ، بينما يناور بمتحركي كل من الجنرال ( حماد شطة ) و ( كمبي ) بضرب العدو من الأجناب ويستعين بمتحرك ( كُردفان ) أي متحرك اللواء ( أبو رنات ) في الإحتياط والساكُور .
أما القائد الحربي العام محمد نور ( كونغرس ) يطلق بوق عربته بشكلٍ متقطع هذه المرة ، ويتبعه عشرات العربات في موقفٍ مهيب لقطع سلسلة عربات الجيش الحكومي من منتصفه وإلي نصفين ، هذه هي إستثمار الفوز والدفاع الصفحة الثالثة للمعركة ، من أصل أربعة صفحات ، وكما قلنا تكون هذه بعد إستخدام سلاح ( البرشوت ) مباشرةً ، ويختلط عربات المدفعية بأخري للمشاة ، فتلعلع رصاص البنادق الصغيرة ، فتسمع هزيم الإسكادرو ونباح ( الكلب الأميركي ) ـ هذا السلاح شبيه بالدوشكا إلا أنه أقصر طولاً ، ولفاعلية السلاح وسريته أصبح يستخدمه طواقم من جهاز الأمن والمخابرات فقط وهم ويتواجدون في شكل جحفلة مع الجيش الذي أصبح النظام لا يثق فيه ، وأجهزة التوكي ووكي تنقل همهمات الرجال وأهازيجهم تحرض الرفاق علي الصمود والمواجهة إلي آخر لحظة ، ( فوق فوق – عدالة فوق ) ، يا له من مشهد!
كل فلذات أكباد كردفان ودارفور والسودان الكبير ههنا ، البطل الحمَري ود البليل ، الصنديد أبن غرب كردفان محمود بحر الملقب بـ( بترول ) ، والفارس أبن المعاليا الجنرال علي الوافي ، والمغوار الرزيقي زكريا الدش وعبدالرحمن العقيد ، والمسيري جبل مون الأشم أبكورة والبغدادي ، ودمساليت دروتي تترتيو ، والمعلم حضرتو الهباني ، والبرتاوي أبو النخوة ود آدم وتمبرلي ، والفلاتي ودتلس ، وابن سليل ملوك أم كردوس مصدق ، وابن دارميدوب سرور ، ومن وادي هور حماد شطة ، والسليحابي باشمهندس ، ومن كلبس دارقمر البطل منصور ، وآخرون كثر ، ينتهي المداد ولا نصل آخر العقد من الرجال الغياري من أكثر من مائة قبيلة ، إنه سودانٌ مصّغر ، هذه هي الحالة المتميزة في حركة العدل والمساواة الجديدة متجاوزٌ القبيلة والجهة واللون السياسي.
أما الجيش الحكومي التقليدي والمليشيات المتجحفلة معها وحين أخذتهم الغرة بدأ عليهم الإرباك والخوف ، وكالعادة بدأ الجنود يتساقطون مثل أوراق شجر الخريف اليابس من فوق عرباتهم ، فتفقوا يتزاحفون علي الأرض التي لا تعصمهم بالطبع من أسلحة ( البرشوت ) الفتاكة . يا للهول! ، أين السّوق العسكري ( الإستراتيجية ) بالنسبة للضباط العظام الذين يقودون المتحرك الحكومي ؟ ، وأين شهادات الأركان حرب وتقدير الموقف ، ومناضد الرمل ، وخلاصة الإستخبارات التي يتزين بها ضباط الجلابة؟ أكاد لا أصدق ، هذه التساؤلات للمقدم أركان حرب ( عصام ) حينما وقع في الأسر لدي أشاوس جيش العدل والمساواة السودانية.
المقدم أركان حرب ( عصام ) هو بالطبع أحد من عشرات من الضباط الذين تم أسرهم منذ معارك شرق الجبل بعد عملية الذراع الطويل في امدرمان ، الضباط العظام الذين أكملوا الدورات الحتمية المتقدمة في السَوق العسكري ، دورات صرفت عليهم من حُر مال الشعب السوداني ولقمة قوته المقطوعة ، هؤلاء الضباط يتركون اليوم في الأسر ، ويتنكر عليهم الجنرال عمر البشير ، ويقول الناكر الرسمي بأسم الجيش ( الصوارمي خالد ) في تصريح له لعافية دارفور وراديو دبنقا 21شهر يونيو 2010 : (لا علم لدي بوجود أسري لأن لا معارك قد وقعت في الأصل! ) ، عجيب أمر هذا الناكر الرسمي ، والأعجب هو أمر هذه الحكومة التي لا تتحمل تبعات أعمالها المشينة . في كل معركة تنكر الحكومة بأن هنالك معركة قد وقعت في الأساس ، ويتعمد جنود حركة العدل بتزويد الأسري بأجهزة الراديو الصغيرة ، التي يدار عند المساء ، فيأتي صوت ( الناطق الرسمي ) الصوارمي خالد وضيعا ضعيفاً ، فيحدث الصدمة الثانية للأسري ، ويتبسم جنود العدالة بإشفاق علي هؤلاء الضباط الذين تنكرهم حكومة بلادنا بلا نبلٍ أو إستحياء.
إن سرعة وشجاعة مقاتلي جيش حركة العدل والمساواة السودانية ، وإصرارهم علي إنتزاع النصر من عيون أعدائهم لهو السبب في فغر الأفواه وإحداث الصدمة المربكة للجيش لحكومي التقليدي ، أما أمثال المقدم الركن عصام فإنه ليس مأسوراً في سجن إنما هو ضيفٌ عزيزٌ لدي حركة العدل والمساواة السودانية ، ويعامل بأحترام ويحفظ كرامته ، فالحركة ملتزمة بلإتفاقيات ذات الصلة ببرتكول جنيف للأسري وكذلك بعادات وتقاليد الشعب السوداني وأخلاقيات اهل دارفور وكردفان السمحاء ، فالأسير لا حول له ولا قوة وهو إنسانٌ وقع في الأسر في ظروفٍ خاصة ، والدكتور خليل ابراهيم القائد الأعلي لجيش الحركة لا يسامح في هذا مطلقاً ويوصي ضباطه دائماً بأن لا تقتلوا الأسير لأي سبب من الأسباب وأحسنوا معاملتهم.
إنتهت المعركة إذن في ( عزبان دوما ) بالنصر المؤزر لقوات العدالة ، وتم إخلاء الجرحي والشهداء والأسري الحكوميين إلي المنطقة الإدارية المؤقتة ، ودخلت جيش الحركة مرحلة الإنسحاب لإعادة التنظيم ، كصفحة أخيرة والرابعة للمعركة ، في إنتظار جولة جديدة من القتال ، فقيادة الأركان في جيش الحركة قد صممت معركتها لمائة عامٍ القادمة ، لا كلل ولا ملل وحتي ينال المهمشون حقوقهم كاملة وفي سلامٍ عادل يعيد الحقوق لأهلنا في مدن الصفيح والخيام.
إنها صورة قلمية لمعركة يمكن مشاهدتها عزيزي القارئ من خلال يراعنا الصادق . فقط أنتظرنا .. لأنها البداية. ولعل المقال سيكون مفيداً أيضاً للعسكريين السودانيين لجهة أهمية معرفتهم لحقيقة أن العدالة تكتب التعبية ( التكتيك ) العسكرية لحروب غوريلا الصحراء بمداد من دم شهدائها المهمشين.
حامد حجر – قائد ميداني – الأراضي المحررة 20\10\2010