خلال أسبوع واحد وربما في وقت متزامن قتلت أجهزة الامن والشرطة 12 مواطنا وجرحت أكثرمن 120 آخرين خلال مظاهرات نيالا التي خرج المواطنون فيها ضد الغلاء والفساد مثلما خرجت المدن السودانية الأخرى قبل وخلال رمضان المعظم .
وقتل مجهولين ولكنهم معروفون للجميع حكومة ومواطنين وأجهزة أمن، محافظ الواحة بكتم وهي محلية وهمية لا مكان لها في أرض الواقع وإنما تتكون من” دمر” لبعض القبائل العربية بشمال دارفور في محليات مختلفة وأنشئت في مسعى لتقوية وتجميع مليشيات الجنجويد التى تتكون أفرادها من هذه القبائل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا القتلى في نيالا فقط وجميع مدن السودان ثارت ولم تنل حظها من الشهداء؟ هل ما تم بنيالا له صلة بما تم في السابق بدارفور حيث قتل أكثر من 300 الف مواطن والحكومة نفسها اعترفت بعشرة آلاف منهم أم أن الأمر خارج إرادة المركز وفوجئ بها ويجب أن يتحملها حكومة الولاية التي يقال إنها تحكم اسميا ولا تملك السلطة التي هي بيد أجهزة الامن.
من الواضح أن هناك شيئا خطأ فيما يتعلق بسياسة المركز تجاه دارفور ، فالاقليم هو الوحيد الذى قسم الى خمسة أقاليم في شكل بؤر قبلية بحيث أصبحت لكل قبائل متجانسة اومتشاكسة ولاية خاصة بها وهو الاقليم الوحيد الذي يتم فيه الحكم على اساس المحاصصة القبلية من الوالي الى المعتمدين ولذلك ليس غريبا أن تحدث جرائم قتل ترتكبها الاجهزة الامنية والتي هي خارج السيطرةـ فما يحدث بنيالا لا ينفصل عن ماحدث من قبل من جرائم والوالي الحالي نفسه استقبل عهده بجرائم قتل خلال المظاهرات التي خرجت ضده مطالبة بعودة الوالي المنتخب والذي عزل عمدا عبد الحميد موسى كاشا .
المعروف للجميع أن سياسة الحكومة تجاه المناطق المهمشة وهي دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الابيض وحتى الشمال الأقصى والشرق البعيد تقوم على سياسة القبضة الامنية ولذلك ليس غريبا أن يقف النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني والرجل الثاني في الدولة علي عثمان محمد طه مخاطبا البرلمان السوداني في أعقاب أحداث هجليج الشهيرة التى احتلتها حكومة الجنوب لمرتين في شهر واحد ،ويعلن امام لقاء جماهيري بانفعال ظاهر: إطلاق النار بنية القتل .. إطلاق النار بنية القتل وقد قالها قالها باللغة الانجليزية: SHOOT TO KILL! SHOOT TOKILL.
فهذه سياسة واضحة لم تتخذ في الخرطوم ولا مدني والا كوستى حيث جرت مظاهرات ولكنها اتخذت في نيالا وغيرها من مدن وقرى دارفور الأمر الذي ينطوي على عواقب خطيرة لن تنفع معها تشكيل اللجان والاعتذار لان الجميع يدرك حقيقة هذه اللجان والمحاكمات الوهمية، فكم من لجنة شكلت بقضية دارفور ولم تصل الى نتائج بل أريد بها فقط امتصاص الغضب الشعبي الوقتي.
فالمتابع للخطاب السياسي للانقاذ تجاه المعارضة خاصة المظاهرات التي تخرج بشكل عفوي من الجماهير في أي موقع من السودان يلاحظ ان هذا الخطاب ينم على نبرة التحدي وإظهار القوة للنظام مع إظهار الضعف للآخرين وتخوينهم ولذلك فان الاجهزة التابعة للنظام تنفذ هذا الخطاب على الارض وخاصة في دارفور او جنوب كردفان او جنوب النيل الازرق سواء كان في مواجهة المظاهرات التى تخرج في المدن او في مواجهة المتمرد وانها تدرك عدم و وجود مساءلة قانونية او حتى إدارية لان هذه المناطق تدار من قبل اجهزة الامن مباشرة وليس من حكامها الذين يقع عليهم اللوم شعبيا.
ما يهم الشعب السوداني حقيقة معرفة لماذا سياسة “إطلاق النار بنية القتل”هي التى ظلت سياسة ثابتة للنظام في دارفور؟ ولماذا لا تتراجع الحكومة عنها وأين نتائج لجان التحقيق العدلية التي شكلت لمعرفة حقائق هذه الأحداث ؟
الواقع أن أجهزة الامن السودانية المختلفة تحولت من أجهزة لحماية الشعب والسهر على أمنه الى أجهزة قمعية لحماية النظام تنفذ أوامر سياسية وتخلت عن حيادها ولذلك فهي أصبحت جزءا من منظومة النظام المتكاملة وذراع له في مواجهة الآخرين .
فدارفور رغم أزماتها إلا أنها ليست الجرح الوحيد الذي ينزف بالسودان، ولكن التعامل التعسفي تجاهها من قبل النظام هو الذي ميزها عن الآخرين، فهي الوحيدة التي عانت من النظام بشكل مباشر حتى في تركيبتها السكانية ونسيجها الاجتماعي بسبب الممارسات الخاطئة التي قادت الى إعادة القبلية بشكل حاد ليس على مستوى التعامل الفردي وإنما حتى على مستوى التقسيم السياسي والاداري للاقليم لتميز وتحييد القبائل في الصراع الذي وقعت في الحكومة منذ عام 2003.
ورغم الإدانة الشعبية الواسعة والرفض الشعبي من مختلف الأحزاب والتنظيمات لحادث نيالا إلا ان مايحدث لن يثني الحكومة المركزية في تغيير سياستها تجاه دارفور، فحتى مظاهرات الخرطوم والمدن الاخرى كان ضحتيها المباشرة ابناء دارفور من الطلاب حيث إنهم ظلوا يتعرضون للتصفيات والاعتقالات المنتقاة دون غيرهم ، فكم من ناشط دارفوري من الطلاب تعرض للتصفية الجسدية وآخر اوأخرى تعرضت للإهانات العنصرية دون غيره من الطلاب الآخرين الأمر الذي جعل هيئة محامي دارفور التي تدافع عن النشطاء تدق ناقوس الخطر تجاه هذه السياسات التي يتعرض لها الطلاب من أبناء الاقليم.
من المؤكد أن جرح دارفور لن يندمل رغم محاولات إطفاء النيران لان سياسات الحكومة لا تقود إلا لمزيد من التفرقة والإحساس بالغبن ولذلك فان ما حدث بنيالا من قتل عمد للمتظاهرين وماحدث بكتم من تصفية المحافظ ما هو مسلسل من العنف المتواصل بالاقليم، فالمتظاهرون قتلوا عمدا برصاص أجهزة الشرطة أو الامن المفترض ان تحميهم والمحافظ قتل في إطار تصفيات وخلافات داخلية وسط الجنجويد الذين قيل إن الحكومة تخلت عن دعمهم ماليا وتحول أغلبهم الى قطاع الطرق يستهدفون أجهزة الحكومة اولا وان المحافظ القتيل كان من أشد المعارضين لعملياتهم بشمال دارفور ولذلك كان لابد من القضاء عليه رغم محاولات البعض إنكار حقيقة ذلك وتحميل الأمر الى جهات أخرى مثلما حاولوا تحميل اضطرابات نيالا الى إسرائيل والحركات المسلحة التى هي نفسها تتفرج على هذا المسرح الدارفوري اللا معقول والذي يشكل الموطن ضحية لسياسات الجميع ، أولهم الحكومة المركزي