دارفور بين ثورتي تونس ومصر
ان النفس البشرية السليمة تقبل بكل ما هو مقبول وتستنكر كل ما هو قبيح ومنكور , ولعل ما يجري بالمنطقة العربية وما شهدناه من أحداث ومستجدات عصفت بطواغيت الظلم والاستبداد بكل من تونس ومصر أكبر شاهد على ذلك .
ان الظلم والقهر والعدوان الذي تمارسه الأنظمة يولد بين الشعوب ماردا من الغضب تفوق سطوته قبضة جحافل جيوش الغزاة والباغين . وان الشعوب هي الأبقى دائما مهما طال اجل وامد عمر الحاكم ونظامه , هذا ما علمتنا له كتب التاريخ كدراسات اجتماعية وأثبتته الأحداث والانتفاضات والثورات كواقع معايش منظور و محسوس . ولكن هل لنا من وقفة صادقة نطرح من خلالها تساؤلا عما يحيط بمواطن دارفور وما لاقاه و يلاقيه من نظام الانقاذ وطاغوته الأكبر عمر البشير ومقدار رد الفعل على ذلك من الأنظمة والشعوب بالمجتمع الدولي .
كانت ضربة البداية تونس والتي انتفض شعبها مطالبا بالمزيد والمزيد من الحريات , معترضا على البطالة , ثائرا على الاعتقال والقمع الذي لاقاه من زين العابدين بن علي , ثم مصر التي انفجرت كهيجان بركان يتلظى غضبا من مبارك الذي أثرى وأفحش في الثراء , واعتقل من اعتقل وعذب من عذب وعاث الفساد بمساعدة زبانيته الذين جعلوا من السلطة أداة لتنفيذ أهدافهم وأحلامهم بعيدا عن هموم الشعب المظلوم المهضوم .
قامت ثورتا تونس ومصر ولم تقعدا الدنيا , فهاجت الشعوب العربية ونظمت المظاهرات المنددة والرافضة لحكمي زين العابدين ومبارك والمؤيدة لشعبيهما , وأصبح زين العابدين ومبارك مادة اعلامية تتناولها وسائل الاعلام العالمية شرحا وتحليلا , فتناولت القنوات الفضائية عدد قتلى وشهداء الثورتين وأفردت المساحات للممارسات التي قامت ضد شعبي تونس ومصر .
ولكن ومع تقديري واجلالي وخالص دعواتي للشهداء والمناضلين والثوار من شعبي تونس ومصر يظل يراودني سؤال يأبى مفارقة ذهني !!!!!
أين اضطهاد وقهر وظلم الشعب التونسي من شعب دارفور ؟؟؟؟
اذ كان الشهيد محمد البوعزيزي قد أضرم النار في جسده رافضا الأوضاع الاقتصادية والبطالة في تونس فان دارفور بها الالاف المؤلفة من أمثال البوعزيزي , والذين قد تم اضرام النار فيهم واحراقهم من قبل النظام تعمدا وقبل أن تكبر أحلامهم وأجسادهم لتبحث عن عمل أو تصطدم بواقع اللاوظيفة .
ان كان الشعب التونسي قد انتفض لما راه من ظلم اجتماعي فان شعب دارفور يصطلي بنيران القصف الجوي المنظم من قبل النظام السوداني القائم متمثلا في عمر البشير بمرأى ومسمع من كل الأنظمة العربية واعلامها ولا يوجد من يحرك ساكن .
ان الرئيس زين العابدين قد وقف معترفا ومقرا بأنه قد فهم ما يطلبه شعبه التونسي منه وظل هذا الأعتراف مادة ( اعلانيه) تعرضها مختلف وسائل الاعلام المرئية باعتباره رجلا فاسدا , بينما وقف الرئيس عمر البشير من قبل معترفا أيضا ولكن بأنه قد قتل وحرق من دارفور ما لا يذيد عن العشرة الاف من أبناء الاقليم , وقد كان هذا الاعتراف على مسمع ومرأى من العالم وعبر اعلام نظام البشير وقناته الرسمية , ولكن لم يحرك الاعلام العربي ساكنا وظل البعض منهم يطرح قضية دارفور على أنها نزاع مسلح بين حكومة و حركة متمردة لا ثورة يطالب أفرادها بنفس ما تطالب به الشعوب العربية الان في ثوراتها .
ان الشعب المصري العظيم قد أسقط الطاغية , والذي كثيرا ما ساهم في قتل أبناء دارفور واعتقلهم وقام بابعادهم , وأيا كانت مساويه فانها لا تتجاوز مساوئ واضطهاد نظام البشير الذي أجبر الملايين من أبناء الاقليم الى النزوح الى مختلف أصقاع الأرض بحثا عن مكان امن ناهيك عن وظيفة أو شقة سكنية أو زوجة أو لقمة عيش .
ان نظام الانقاذ برأسه الطاغوتي البشير قد حرق وقتل واغتصب ونهب وأباد وفسد وأفسد واستشرى فساده في جميع الدولة فقطع أوصالها وشتت مواطنيها ومزق نسيجها الاجتماعي .
ولم يخف ذلك بل اعترف به علانية وان ذلك الاعتراف كان محسوسا و معلوما مسموعا من الأنظمة العربية وغيرها ولكن أين هي تلك الدول التي تتحدث عن العدالة والحريات وعن ارادة الشعوب .
ان زين العابدين بن علي و حسني مبارك لم يسبق لأحدهما أن قام بما قام به عمر حسن البشير من جرائم وانتهاكات وفظائع و ابادة باسم الدين وشريعته السمحاء لشعبه الأعزل المجرد من كل شئ سوى ايمانه بالله وبأن لكل ظالم نهاية . فما أولى بالأعلام الذي نحسبه وسيلة نشر للحقائق بأن يفتح الباب على مصراعيه موضحا من هو عمر البشير وكم تبلغ ثرواته وثروات زوجاته ومناصب أهله وذويه في الدولة وممارساته (فيما وراء الكواليس) فكل دور اذا ما تم ينقلب .
د. محمد الفاضل عبدالله
[email protected]