دارفور: أزمة متفاقمة و حلول مهملة عثمان شنقر

الناشط الدارفوري صالح محمود عثمان شنقر

دارفور: أزمة متفاقمة و حلول مهملة   عثمان شنقر 
مازال الوضع فى إقليم دارفور يراوح مكانه، منذ أن نشأت الأزمة فى عام 2003 ، دون تحسن يذكر. الوضع الإنساني في الوقت الراهن بالاقليم يشهد بروز مواجهات من نوع جديد فاقمت من حدة الأزمة.
 الأمر الذى فاقم الوضع أكثرفي دارفور هو تناقض مواقف الحركات المسلحة، تعدد المنابر وأجندة الوسطاء، التلكؤ في تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعدم مقدرة القوات الدولية الموجودة الآن على حماية جنودها أو المدنيين، إلى جانب غياب دور فعلي لقوى المعارضة السودانية فيما يتعلق بتطورات مشكلة دارفور.. كل هذه القضايا الشائكة والمعقدة وضعناها امام الناشط والمحامي صالح محمود، وهو عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني، وأحد أبناء دارفور المقربين لقادة الحركات المسلحة.

س: كيف تقرأ الوضع الحالي للاقليم الذي شهد مواجهات مسلحة عنيفة؟ وماهي حقيقة الوضع هناك؟

ج: الوضع في دارفور يظل متدهورا بصورة مزعجة للغاية، وهذا يعود لحقائق أساسية: حوالي أكثر من 3 مليون شخص تم تشريدهم من مناطقهم الأصلية، و هم يعيشون في معسكرات لفترة امتدت لحوالي 7 سنوات. والآن هؤلاء غير قادرين على العودة إلى مناطقهم، نتيجة لانعدام الأمن والخدمات الأساسية التي تم تدميرها أثناء العمليات المسلحة. المشكلة تعقدت أكثر بعد طرد المنظمات الدولية التي كانت عاملة في مجال المساعدات الإنسانية. طرد هذه المنظمات خلق فجوة كبيرة جداً لم تستطع الحكومة ولا المجتمع الدولي تعويض أو إيجاد بديل لها. بالتالي انعكاسات هذا القرار أدت لتعرض حياة الناس للكثير من المتاعب، خاصة وان اغلب هذه المنظمات كانت تقدم المواد الغذائية والأدوية ومياه الشرب، كما وكانت تحافظ على صحة البيئة بالمعسكرات.

أيضاً من المعلوم أن الحرب لم تتوقف أبدا في دارفور حتى بعد اتفاقية ابوجا التي لم تستطع توفير السلام لمواطني دارفور، بل بالعكس. في بعض الأحيان يمكننا ان نعتبر أن ابوجا كانت سببا في تدهور الوضع الأمني في دارفور. لقد شاهدنا مناطق كثيرة، مثل شرق جبل مرة وشمال دارفور و حتى مناطق في جنوب دارفور، تتعرض لهجمات بعد توقيع الاتفاقية. كانت بعض تلك المواجهات بين حركة العدل والمساواة وقوات مناوي في مناطق مثل قريضة، حسكنيتة أو شعيرية. كل هذا أدى إلى تواصل موجات النزوح للمعسكرات والى المدن الرئيسية…

س: كثر الحديث مؤخراً عن صراعات المجموعات العربية بدارفور، ما هي طبيعة هذه الصراعات ؟

ج: هذه نقطة أخرى مهمة جداً لا يتم الإشارة إليها كثيراً. هذه مواجهات جديدة من نوع جديد اندلعت في مناطق واسعة في دارفور بين المجموعات العربية، وهي بين الرزيقات وحلفائها والمسيرية وحليفائها من القبائل الاخرى، وشهدت الفترة الأخيرة مواجهات مؤسفة حوالي كاس غرب جبل مرة وزالنجي وحتى وادي صالح. في كل هذه المناطق تدور صراعات مسلحة بين القبائل العربية وللأسف فان كل هذه المجموعات مسلحة بشكل أساسي من قبل الحكومة وبالتالي السلاح المستخدم سلاح ثقيل و متطور تستخدمه هذه المجموعات فيما بينها وتخلف خسائر كبيرة.

س: ما هي جذور هذه الصراعات، وما هي أسباب اندلاعها الآن تحديداً، وكيف يمكن معالجتها ؟ 

ج: للأسف الشديد عدم انسجام بين المجموعات الاثنية نتيجة لصراع حول الموارد شائع في افريقيا، وخاصة عندما تكون هذه المجموعات ذات نشاط اقتصادي معين مثل الرعي والزراعة. ولكن المجموعات العربية في دارفور انا اعتقد مشكلتها الرئيسية هي وجود السلاح في أيديهم، لأنه في اقل مشكلة يلجؤون لاستخدام السلاح. نحن من زمن طويل كنا نحذر الحكومة من مغبة تسليح القبائل، لأنه لا توجد ضمانات لعدم استخدام هذا السلاح في المواجهات.

س: إذن كيف يمكن إشراك المجموعات العربية فى المفاوضات الجارية الآن ماداموا اصحاب حق فى الاقليم‪  ؟‬

ج: هذا [إشراك هذه المجموعات] شيء طبيعي إذا كانت المفاوضات تجري على أساس أنها تحدد مستقبل إقليم دارفور. اعتقد أن المجموعات العربية شركاء أساسيين في التاريخ وفي المستقبل، خاصة أصحاب الحواكير من المجموعات العربية، وهذا حقهم ولابد من إن يصبحوا جزء من الحلول. عزلهم به إقصاء غير مبرر و ستظل الاتفاقيات غير كاملة وغير شاملة، ويجب على الوسطاء وأصحاب المبادرات التفكير في كيفية إشراكهم في المفاوضات، فهم أصحاب حق حتى لو لم يرفعوا سلاحهم في وجه الحكومة!

طفل يحمل الرصاص الذي جمعه في رونين، قرية تبعد 15 كلم من شنقل طوباية، شمال دارفور. صور الأمم المتحدة/ ألبرت غونزاليس فران.

س: ما هي الموضوعات الجوهرية التي يجب أن يرتكز عليها التفاوض في الدوحة أو في أي مكان آخر، من اجل إحلال سلام ولو جزئي بدارفور؟   

ج: أولاً هنالك تظلمات تاريخية لأهل دارفور بغض النظر عن قبائلهم، وكل القبائل الافريقية والمجموعات العربية تشترك في أنها كانت هدف للتهميش من مركز الحكم في السودان. عبر التاريخ، منذ الاستقلال حتى اليوم، تتجلى صورانعدام الخدمات الأساسية لكل أهل دارفور مثل الصحة والتعليم والبنيات الأساسية والمؤسسات الحديثة. أيضاً، نصيب أهل دارفور في المشاركة في الخدمة المدنية بشكل عام يظل ضعيف جداً تاريخياً، وهذا يتساوى فيه أهل دارفور جميعاً. ثانياً هذه حقوق مشروعة، وإذا طالب بها أهل دارفور يجب على الحكومة عدم اللجوء إلى الحل العسكري، ويجب أن يتم التفاوض على أساس أن هذه قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية.

على الحكومة أن يتسع صدرها لسماع أهل دارفور، وهذه المسائل لا يوجد خلاف بين أهل دارفور عليها. كذلك يجب ان يظل دارفور كيانا واحدا وإقليما واحدا، فهو يمثل حوالي 25% من جملة السودان وسكانه. اعتقد انه ما المفترض أن يتم التعامل مع دارفورككيان تاريخي واحد، وعدم تجزئته كما حدث في بدايات الإنقاذ وتقسيمه إلى ثلاثة ولايات قائمة على مجالس و على أسس قبلية. هذا أدى إلى إزكاء النعرة القبلية، وساهم فيما بعد في إحداث المواجهات التي نراها اليوم.

س: دعنا ننتقل لمحور آخر. مجلس الأمن اصدر عدد من القرارات فيما يتعلق بالسودان تخص مشكلة دارفور، وهذه القرارات لم تنفذ بالصورة التي رسمت بها. في رأيك ما هي المعيقات التي يمكن أن  تقف إمام تنفيذ هذه القرارات؟

ج: في مجلس الأمن أيضاً هنالك انعدام للإرادة السياسية لدى الدول الخمسة الداعمة لمجلس الأمن. وأحياناً فان المصالح الخاصة لهذه الدول تلعب دور، ورأينا كل القرارات ال 15 التي صدرت من مجلس الأمن بخصوص دارفور تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لم تجد التنفيذ والمتابعة إلا اليسير منها مثل الإحالة إلى المحكمة الجنائية ونشر القوات الدولية وهي غير فعالة بأي حال من الأحوال. جزء من القرارات التي تنفذ ما عدا ذلك بها نوع من انعدام الإرادة السياسية في تنفيذها، وانا أرى إن قرارات مجلس الأمن حبر على ورق.

س: القوات الدولية الموجودة لحفظ الأمن وحماية المدنيين بدارفور هي الآن لا تستطيع حتى حماية جنودها، فكيف يمكن معالجة هذه المسألة؟

ج: الخطأ الكبير هو إن قوام هذه القوة هو نفس القوة الإفريقية التي كانت موجودة، والذي حدث هو انه تم تبديل للخوذات من خضراء إلى زرقاء وبالتالي هي قوات افريقية في المقام الأول وهي تفتقر إلى كثير من العوامل التي يمكن أن تساعدهم في حماية أرواحهم أولا ومن ثم حماية المدنيين .

س: إذن كيف تقرأ مواقف القوى السياسية المعارضة من قضية دارفور؟ وهل لدى هذه القوى اى اتصالات بالحركات المسلحة؟

ج: القوى السياسية في كثير من الاحيان تتخذ قرارات وتشرع فى الاتصال بالحركات المختلفة. وللأسف طبعاً، مع الأوضاع السياسية، لم تتمكن القوى السياسية من تنفيذ برامجها. من الضروري فعلاً الاتصال بالحركات المسلحة المختلفة وقياداتها على أساس إن تساهم القوى السياسية في طرح وجهة نظرها كمقترحات لهذه الحركات. في رأيي ما زالت هناك فرصة وأنا أناشد القوى السياسية أن تلتفت لهذا الدور التاريخي. لقد آن الأوان ألا تترك إمكانية التواصل مع الحركات للمؤتمر الوطني فقط. قيادات الحركات المسلحة كذلك مطلوب منها فتح أبواب الحوار مع القوى السياسية و تجب أن تكون لها مبادرات، لأنها في بعض الأحيان غير متحمسة للتعامل مع القوى السياسية وهذا مضر. من مصلحة الحركات أن تكون مسنودة من القوى السياسية على المستوى الوطني، فالمطلوب منها هو القيام بمبادرات فيما يتعلق بهذا الجانب

 

الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعبر بالضرورة عن رأي الناشر أو عن رأي الموقع www.sudanvotes.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *