دارفور….القشة التى قصمت ظهر البعير
السودان القطر القارة , المترامى الاطراف , المتعدد الاعراق والديانات ,تشكل عبر حقب زمنية مختلفة , وتوالى على حكمه أهل البلاد الاصليين لاتزال آثار مروى والبجراوية وجبل البركل تحكى عن عظمتهم , بل عبروا الحدود ليحكموا مصر, و ايضا تعاقب على حكمه الغزاة الطامعين على امتداد التاريخ , هذه سنة الحياة والايام دول . و توالت الهجرات الانسانية نحو ضفاف النيل والسهول الخصبة والوديان بكردفان و دارفور .. نتج عن هذا التلاقح البشرى جنس بشرى اسمه (السودانى) …تعايش افراده متسامحين فى كنف الوطن .,,,منذ منتصف القرن الماضى دخل السودان فى دوامة الحروب الاهلية , و هى نتيجة حتمية لبذور الفرقة و سياسة فرق و احكم الاستعمارية بل فشل اكيد للحكومات الوطنية ( الديمقراطية و العسكرية ) فى بناء سودان موحد قوى تتوافر فيه اسباب الوحدة والعدالة , لذلك لم تتشكل الهوية السودانية القومية المؤسسة على المواطنة التى يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات ,و ساد الاستعلاء العرقى و الدينى و انعدمت الرؤى الثاقبة لمواجهة الاسباب الحقيقية لهذة الحروب ,و بدل عن التخطيط العلمى و انشاء البنية التحتية و ايجاد التنمية المستدامة , دأبت الحكومات الوطنية (مجازا) منذ خروج الاستعمار و حتى الان , على الانانية و التشبث بالكراسى و كسب المؤيدين والامعان فى سياسة التهميش و التقتيل حتى صرنا نواجه تحديا حقيقيا لصيروتنا كأمة ضمن دولة اسمها السودان ….
دور الحكومات المركزية فى الحروب الاهلية :
يعتقد العديد من المؤرخين و علماء السياسة ان معظم النزاعات القبلية بالسودان هى وليدة الحكومات المركزية المتحدرة من حكم الاستعمار المبنى على مبدأ (قسم واحكم ) , و لعل هذا الامر وضح جليا فى حقبة العقدين الماضيين التى صال فيها الانقاذيون جهادا فى جنوب السودان , جبال النوبة و جنوب النيل الازرق , و تحت تأثير الضغوط الدولية و الاقليمية كانت اتفاقية ماشاكوس ومن ثم اتفاقية نيفاشا التى وقعت بين حكومة المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية فى يناير 2005 ,لتضع حدا لأطول حرب اهلية فى افريقيا , هذة نقطة ايجابية تحسب لصالح الاتفاقية ولكنها وضعت خازوقا فى نعش وطنا اسمه السودان بتضمينه حق تقرير المصير (كل الشواهد التاريخية تدل على ان ما من جزأ من دولة اعطى هذا الحق فركن الى الوحدة).ثم اتجه ذات السيناريو شرقا مع جبهة البجا والاسود الحرة فكانت اتفاقية اسمرا .
و انتقل ذات السيناريو غربا الى دارفور التى دخلت التاريخ الحديث من اوسع أبوابه ….فكانت حكاية النهب المسلح ثم الجنجويد و سياسة الارض المحروقة التى مارستها الحكومة المركزية لمقاومة توسع الحركات المسلحة , و هنا كانت الفظائع التى سار بذكرها الركبان ………. ……………………………………. و هنا ادعو القارئ للتوصيف الدقيق الذى صاغه احد المعلقيين التلفزيونيين لاحد القنوات الفضائية عن بعض المشاهد المرعبة بدارفور حيث قال …..لم يبق شياطين فى الجحيم ,لقد انتقلوا جميعا الى دارفور .. لقد جلبوا الجحيم معهم …فلقد ذكرتنا دارفور بالحروب الاثنية والقبلية فى القرون الوسطى حيث يمتزج الدين بالسياسة و الاوضاع الاقتصادية بالكوارث الطبيعية فيصبح من الصعب معرفة الاسباب الحقيقية للاقتتال والابادة .
قضية دارفور …و حصان طروادة :
قضية دارفور ما كان لها ان تبلغ هذة الدرجة من التعقيد و لا ان يستغلها الطامعين فينا كحصان طروادة للدخول فى شأننا الداخلى بعد ان اعيتهم الحيل والمكائد السياسية والاقتصادية …ان حكومة المؤتمر الوطنى لم تقم بواجبها فى بحث اسباب المشكلة وايجاد الحلول الجذرية لها و تقديم التنازلات على مستوى المركز والاقليم , فبدلا عن القبضة الامنية و اضاعة الوقت و المال فى المؤتمرات الشكلية و ارضاء بعض الحركات المسلحة و تمويل و تشجيع الحروب القبلية طرف على حساب طرف , كان الامر يستوجب حصار مزالق الفتنة والاقصاء و عدم اثارة الوعى الجماعى من خلال الحروب و مراراتها .
ان الحكومة مهما ادعت الحياد ظاهريا و حاولت ان تعط الحرب الدائرة بدارفور المسحة القبلية الا انها فى الباطن تشجع وتمول الاخر مالا و عتادا , انه توظيف للتطهير العرقى و الباسه لباس حرب اهلية بين عصبيات قبلية ولكن هذه المرة تحت شعار اسلامى سوق له جمهور علمائهم و كثير من فقهائهم على انه (عملا اسلاميا) قام من اجل نصرة الاسلام و رفعته ولمقاومة هولاء الاوباش , وى كأنهم نسوا او تناسوا محمل دارفور و كسوة الكعبة المشرفة ….و تبقى الجبة الدينية و العرقية دائما و ابدا وسيلة للاستقواء السياسى …تارة باسم الجمهورية الاسلامية … و تارة اخرى باسم الصحوة الاسلامية , و اخيرا باسم المشروع الحضارى ……وهى لله .. لا للسلطة و لاللجاه .. لقد جددت الحكومة ذات اللعبة الساحرة فى دارفور … و لكن ما كل مرة تسلم الجرة ….هذه المرة ظهرت المحكمة الدولية الجنائية بقرارها القاضى بمحاكمة الرئيس عمر حسن احمد البشير امام محكمة لاهاى ….و عندما صدر قرار الايقاف اعادة الانقاذ انتاج نفسها و انتهجت ذات الدعاية الخاطئة …..و لكن المى حار ولا لعب قعونج ………………………
يا جماعة…….. الاختشوا ……..ماتوا……….
شدة ما راعنى اعتراف الرئيس السودانى عمر البشير بأن الذين قتلوا فى دارفور عددهم لا يتجاوز ال10000 نسمة و ذلك نفيا لاتهام الصحفى الذى ذكر له ان وسائط الاعلام تزعم ان الذين قتلوا بدارفور عددهم يقارب ال300000 نسمه , فى كلا الحالتين انه الافساد فى الارض …و هنا اقف متسائلا ..هل نحن حقا نعيش فى القرن الواحد العشرين ؟ لماذا يقتل الانسان اخاه الانسان من دون شفقة او رحمة ؟ الانه يختلف عنه بخصائص وسمات لم يخترها بارادته ؟؟؟ بل هى فى معظمها فرضت عليه منذ الولادة , كلون السحنة ,اللغة , الدين و الثقافة اضافة الى السمات المميزة , وهى تختصر كلهل فى الخصائص الاثنية او العرقية .. …و انتم تتلون كتاب الله تعالى صباح مساء … .ألم تقفوا على قوله تعالى :(و من اياته خلق السموات و الارض و اختلاف ألسنتكم وألوانكم ان فى ذلك لآيات للعالمين (22) سورة الروم .
ان الانتماء الموروث هبة ربانية لم و لن يكن منحة او عطية مكتسبة من احد بل سيظل فى الخريطة الجينية لكل فرد منا الى تتغشاها عوامل التبديل و التغيير عبر الاختلاط ( تعايشا وتصاهرا ) , فمهما تباينت الالوان والسحنات وتعددت الالسن فهى من ايات الله فى خلقه الى ان برث الله الارض و ما عليها ….
ان موت الألاف فى دارفور بهذه الصورة الهمجية يثبط العزائم ويفت عضد الوحدة و التلاحم و مما يدمى القلوب ان الصراع لا يخضع لحلول آنية بل ان النظام الحاكم لا يزال يراهن على الزمن و التسويف و كأن سكان دارفور رعايا من دولة اخرى ,ان الذين قتلوا و هجروا من مناطقهم فى دارفور هم جزء اصيل من السودان بل هم 100 % مسلمون بالفطرة , و مع ذلك حتى الاسلام الذى يدينون به لم يشفع لهم ….فجاهدوا فيهم حتى غدى الجهاد تبريرا ايديولوجيا لموقف الولاء و البراء (النحن والهم) , ان مثل هذه الاحداث الدامية تأكد فشل النظام الحاكم فى الاضلاع بمسئوليته الاخلاقيه تجاه سكان دارفور اقلاها الامن والسلام , بل اضحى السودان دولة فاشلة لم يقو اهل الانقاذ او لم يريدوا لاسباب مختلفه (قد تكون من طبيعة اسباب صعودهم) , ان يطوروه انمائيا و ثقافيا و علميا و دستوريا وتربويا ليصبح دولة مدنية ديمقراطية يتعايش فيها الجميع تساويا فى الحقوق والواجبات وقبولا للحياة و اسباب تجددها …
مواقف سالبة تدعو الى التقزز والانكفاء :
ان ما يحدث فى دارفور مفارقة يدفع ثمنها الجميع , ضياعا و دما و مشاريع حروب اهلية , كيف لا و نحن حبيسى ماضينا وثقافتنا السباسبة الاهلية و دوامة العصبيات المتجلببة بالدين والعرق … ندفع ثمنها تأخرا عن الثقافة العالمية بجميع مكوناتها ….. فبا الله هل سأل أحد من الانقاذيين نفسه يوما , عن العلوم التى تهاجر عقولها السودانية الى حيث يمكن ان تنتج وتحترم, بل لفظنا السودان و استقبلتنا المنافى البعيدة و مع ذلك يظل السودان دوما فى حدقات العيون و فى ركح الذاكرة…. والله يجازى الذين جعلون ندفع الثمن شتاتا و تغريبا واختناقا و موتا رخيصا بلا معنى …
هنالك كثيرا من التصريحات والاقوال السالبة التى تحدث جروحا غائرة فى جسد السودان الخائر اصلا , ومما يدهش انها تصدر من اناس فى قمة الهرم التنظيمى للمؤتمر الوطنى , ولكن ماذا نفعل فشر البليه ما يضحك , اولى هذا الاقوال ما قاله احمد ابراهيم الطاهر رئيس البرلمان السودانى ,فى ليلة مناصرة الرئيس عمر البشير التى نظمها اتحاد ابناء الكرفاب بولاية الخرطوم , ( ان الصراع الدائر فى دارفور القصد منه ابعاد العنصر العربى والاتيان بسودان لا يعرف العربية ـ ـ حرب ثقافات لاستبعاد العنصر العربى), ثم دلف قائلا :(ان قرار المحكمة الجنائية القصد منه محو السودان الذى ينطق باللغة العربية والاتيان بسودان لا يعرف العربية , و نؤكد استعداد الدوله لهذه المعركة ) …………………
اما ما قاله الاستاذ على عثمان محمد طه فى مؤتمر القطاع الثقافى للمؤتمرالوطنى فى سبتمبر الماضى فقد ذكرته فى مقال سابق ولكن الشئ بالشئ يذكر , ما قاله:(نحن عرب ومسلمون لن نترك هذه وهذه , فمن اراد الافريقانية فاليذهب اليها ) ,انهم يثيرون الوجدان العربى ويهيجونه , و بعد كل هذا يتحدثون عن الوحدة الجاذبة …..جاذبة آل .
اعزائى انه الاقصاء العرقى والدينى بدون رتوش … انهم لم يأتوا بجديد انه خطاب الانقاذ الذى عودنا على مفارقة القول للخطاب السياسى و على (ازدواجيته) هذه الازدواجية التى ساهمت و ثبتت علاقة اللاثقة و الحذر والخوف ودفع (الهم) الى المذيد من الانكفاء نحو التشكيلات العصبية والمذهبيةــــالدينية والالتفاف حول مراجعها القبلية , تعويضا عن فقدان حق المواطنة فى الداخل من جهة و تعويضا عن حالة نفسية يعيشها المواطن السودانى والذى هو مزيجا من الاحباط والكره تجاه الموقف الانقاذى اللاعادل من جهة اخرى ….
ما قاله هؤلاء غيض من فيض ….انها ثقافة المؤتمر الوطنى لاستقبال كافة انواع التدخل و قابلية سلوكهم السياسى للوقوع فىالافخاخ التى يتيحها تراثهم السلطوى … فعندما تستغل العصبية السياسية الاستقواء بالدين والعرق , فانها تقع فى عصر العولمه , فى افخاخ السياسات الدولية ,فى حروب تحسب نتائجها فى سيناريوهات ترسم غالبا فى الخارج ,ليس هذا فعل تآمرى , بل نتيجة للعلاقة اللامتكافئة بين المتسلط و المقهور….فلا تلوموا جنوب السودان يوما اذا ركن الى الانفصال , فالوحدة افعال قبل ان تكون اقوال….
و فى الختام يبقى ايجاد حل ناجع لقضية دارفور و ردم الهوة بين الشريكين والانتخابات الديمقراطية النزيهة و تعديل الحال بالداخل هى المسؤلية الاخلاقية الاولى للمؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية……
و الا وقع الكل فى الفخ حيث لا تنفع الممانعة و لا بذل الدماء ولا التغنى بالعروبية ولا بالافريقانية ,و من ثم ينقلب السحر على الساحر , بل على كل اللاعبيين فى الداخل والخارج و الاطراف والمركز ,,,,,و يصبح كان اسمها…………….السودان .
بابو عثمان عمر على
بريزبن
ولاية كوينزلاند
استراليا
E-mail: [email protected]