خلاف عربي جديد تفجّره كرة القدم واحتقان في العلاقات بين القاهرة والجزائر

مجتمعات تنتج التعصب وانكار الآخر: مصر والجزائر مثالاً”موقعة الخرطوم” … و”مواقع” العراق والكويت وضعت المباراة «الحاسمة» بين منتخبي مصر والجزائر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في كرة القدم والتي فاز فيها منتخب الجزائر على أرض السودان، العلاقات بين البلدين على المحك بعد أحداث العنف التي شهدتها شوارع الخرطوم عقب المباراة. وشكا مشجعون مصريون من مواطنين ومسؤولين وبرلمانيين من تعرضهم لاعتداءات بالأسلحة البيضاء والحجارة من الجماهير الجزائرية. وعاد المنتخب الجزائري إلى بلاده أمس ولقي استقبالاً رسمياً شعبياً. ومن المقرر أن يكون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استقبل أعضاء الفريق بعد الظهر في قصر الرئاسة. وقبل الاستقبال، وصف بوتفليقة الإنجاز الذي حققه «الخضر» بأنه «كان مدعاة لما لا يمكن وصفه من السعادة العارمة الغامرة لنفوس أبناء الجزائر كلهم».

وفي أول رد فعل مصري على هذه الأحداث، قررت القاهرة استدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور. وأعربت رئاسة الجمهورية المصرية عن أسفها لوقوع ما وصفته بـ «الأعمال الغوغائية»، فيما أعربت وزارة الخارجية عن استيائها من هذه الأحداث واستغربت «داء العداء» لمصر في الجزائر، معتبرة أن «الذكريات الأليمة قد لا يُجدي فيها دواءُ إلا الزمن وقدرات خاصة للحكماء». ورأت أن سفارة الجزائر في القاهرة «سعت إلى إبقاء الفتنة مشتعلة وليس الى إطفائها».

وعاشت مصر ليلة حزينة جراء الهزيمة الكروية وغاضبة من الاعتداءات التي اعتبرت أنها «تمس الكرامة الوطنية». واتصل الرئيس المصري حسني مبارك مساء أول من أمس بالرئيس السوداني عمر البشير وأبلغه أن الأمن السوداني إن لم يكن قادراً على إجلاء المصريين بسلام من شوارع الخرطوم فإن مصر قادرة على إرسال قوات للقيام بهذه المهمة، بحسب ما صرّح وزير الإعلام المصري أنس الفقي الذي قال إن الجزائريين اشتروا سكاكين وأسلحة بيضاء فور وصولهم إلى الخرطوم استعداداً للاعتداء على الجمهور المصري بعد المباراة.

وأرسلت القاهرة فور اندلاع الأحداث سرباً من الطائرات من بينها طائرات عسكرية لنقل المشجّعين بسرعة إلى بلدهم. واستنفرت الأجهزة المصرية أمس في محاولة لتدارك تداعيات هذه الأحداث وبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها لتهدئة الشارع «الغاضب». وعقد الرئيس مبارك اجتماعاً طارئاً مع أركان حكومته أمس لبحث الموقف حضره رئيس الوزراء ورئيسا مجلسي الشعب والشورى ووزراء الخارجية والداخلية والإعلام والشؤون القانونية والمجالس النيابية والإسكان والطيران المدني ورئيس الاستخبارات ورئيس ديوان رئيس الجمهورية ورئيس أركان حرب القوات المسلحة علماً بأن وزير الدفاع يزور تركيا حالياً، ورئيس المجلس القومي للرياضة والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.

وذكر بيان رئاسي أن مبارك كلّف وزير الخارجية استدعاء سفير الجزائر في القاهرة لينقل إليه مطالبة مصر للجزائر بأن تتحمل مسؤولياتها في حماية المواطنين المصريين الموجودين على أراضيها ومختلف المنشآت والمصالح المصرية في الجزائر. وأوضح أن مبارك تابع تنفيذ تكليفاته لرئيس الوزراء والأجهزة المعنية لتأمين عودة المواطنين المصريين وبعثة منتخب مصر القومي من السودان بعد «الأحداث المؤسفة». وذكر البيان أن «الأخوة في السودان بذلوا ما في وسعهم من جهد مشكور للتصدي للأعمال الغوغائية التي مورست في حق المواطنين المصريين عقب خروجهم من استاد أم درمان».

وقال الناطق باسم الحكومة المصرية مجدي راضي لـ «الحياة» إن اتصالات مصرية – جزائرية – سودانية تتم على أعلى المستويات في الدول الثلاث لمعرفة حقيقة ما جرى وتقديره على نحو دقيق قبل أي قرار مصري في شأن العلاقات مع الجزائر، مشيراً إلى أنه لم يتم حصر عدد الإصابات ولا مداها على نحو الدقة حتى ظهر أمس ولا أعداد المصريين الذين ما زالوا في السودان.

واستدعت وزارة الخارجية المصرية أمس سفير الجزائر في القاهرة عبدالقادر حجار وأبلغته «استياء مصر البالغ من الاعتداءات التي تعرض لها المواطنون المصريون في الخرطوم على أيدي مشجعين جزائريين نُقلوا إلى السودان على نفقة الدولة الجزائرية»، ووصفت تصرفات المشجعين الجزائريين بـ «الغوغائية والعدوانية»، وأعربت عن «غضب مصر واستهجانها إزاء استمرار شكاوى واستصراخات أعداد كبيرة من المواطنين المصريين المقيمين في الجزائر إزاء ما يتعرضون إليه من ترويع واعتداء، بالإضافة إلى ما تعرضت له المصالح والممتلكات المصرية الرسمية والخاصة من اعتداءات وتحطيم وسرقة قبل المباراة». وقال الناطق باسم الخارجية في بيان إنه «في الوقت الذي كانت فيه التصريحات الرسمية المصرية على مدار الأيام الماضية تسعى إلى التهدئة وتخفيف الاحتقان، لم تفلح المطالبات المصرية المتكررة في قيام الجانب الجزائري بإصدار تصريحات رسمية مماثلة وهو ما أسهم كثيراً في شحن الأجواء في الجزائر ضد مصر والمصريين وجاءت تبعاته اعتداءات وحشية غير مبررة وتتناقض مع مفهوم العلاقات الأخوية ومع سمو التنافس الرياضي». وذكر أن «السفارة الجزائرية في القاهرة وجهت عقب المباراة الأولى في القاهرة إلى الوزارة مذكرة رسمية تستفسر فيها عن عدد وفيات الجزائريين عقب المباراة وهي تعلم تماماً أنه لم تكن هناك وفيات من الأساس وهو ما قامت الوزارة بالرد عليه في حينه وفي شكل قاطع واعتبرت الوزارة هذه المذكرة غير مبررة وتسعى إلى إبقاء الفتنة مشتعلة وليس الى إطفائها على النحو الذي كان يؤمل به». وأشار إلى أن الشركات المصرية بدأت في مطالبة بتعويضات للأضرار التي تكبدتها من جراء الإعتداءات الأخيرة.

ودعت وزارة الخارجية في بيان آخر الحكماء إلى تشخيص «داء العداء» لمصر في الجزائر ووضع وصفة لعلاجه واستئصال جذوره. وقالت إن «مرارة الهزيمة أضيفت لها ذكريات أليمة قد لا يجدي فيها دواء إلا الزمن الذي ينبغي أن يضاف إلى فعله وأثره ومفعوله قدرات خاصة للحكماء». واعتبر أن «النيات الخبيثة (للإعلام المأجور) تستهدف خلق خلاف وافتعال أزمة بين البلدين تدوم ربما لسنوات بما قد تخلّفه من آثار سلبية وربما خسائر بشرية هنا وهناك في وقت يعمل الحكماء على تخفيف احتقان مفتعل وتطويق إفرازات غريبة على الوعي والذاكرة الجماعية المصرية – الجزائرية».

وطالب برلمانيون عائدون من الخرطوم في بيانات عاجلة بأن تتخذ الحكومة موقفاً رسمياً من الجزائر «لاستعادة كرامة المصريين بعد إهانتهم»، وتحدثوا عن «تواطؤ» أو «ضعف» من قوات الأمن السودانية.

وشوهدت قوات أمنية تطوق السفارتين الجزائرية والسودانية في القاهرة ومنزلي السفيرين خشية تعرضهما لاعتداءات. إذ بدا الشارع المصري غاضباً من أحداث الخرطوم وطالب مواطنون وإعلاميون وفنانون بقطع العلاقات مع الجزائر ومعالجة الأمر بعيداً من الحديث عن «الشقيقة الكبرى والوحدة العربية». وظلت القنوات الفضائية تذيع اتصالات لمصريين قالوا إنهم محاصرون في الخرطوم وأيضاً في الجزائر وطالبوا بتدخل الحكومة المصرية لحمايتهم. وذكر بعضهم أن قتيلاً مصرياً سقط في الخرطوم لكن الناطق باسم الحكومة مجدي راضي أبلغ «الحياة» أنه لم يتسن التأكد من صحة هذا النبأ كما لم يتم حصر أعداد المصابين.

وفي الجزائر، أكد الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للخطوط الجوية الجزائرية عبدالوهاب بوعبدالله أن مجموع المناصرين الجزائريين الذين توجهوا إلى الخرطوم لمساندة فريق «الخضر» سيعودون إلى بلادهم «في ظرف 72 ساعة على الأكثر». ونقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية قوله للقناة الثالثة للإذاعة الوطنية: «لقد برمجنا 52 رحلة عودة نحو الجزائر من العاصمة السودانية وسيتم نقل مجموع المناصرين الجزائريين في ظرف 48 ساعة أو 72 ساعة على الأكثر».

وعمّ «تسونامي أخضر» غير مسبوق المدن الجزائرية ليل الأربعاء عقب انتهاء مباراة الجزائر – مصر بتأهل «الخضر» إلى نهائيات كأس العالم.

وأشادت الصحف الوطنية الصادرة أمس بـ «الإنتصار التاريخي» الذي حققه فريقهم أمام منتخب «الفراعنة». ووصفت يومية «الخبر» الإنتصار بـ «الإنجاز التاريخي» الذي «أثلج صدر الصغير والكبير».

كما خرج آلاف المناصرين الجزائريين مساء الأربعاء إلى شارع الشانزيليزيه في قلب باريس للاحتفال.

ووجه الرئيس بوتفليقة رسالة إلى نظيره السوداني عمر البشير شكره فيه «على ما حظي به أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم وطاقمه التقني وأنصاره من رعاية وعناية ودفء وأخوة في بلدهم الثاني السودان الشقيق بين أحضان إخوانهم وذويهم».

وفي الخرطوم، أعربت السلطات السودانية عن استيائها ازاء اتهامات مصرية بالتقصير في حماية مواطنيها، واستدعت وزارة الخارجية السفير المصري عفيفي عبدالوهاب وأبلغته احتجاجاً شديد اللهجة، معتبرة ما بدر من وسائل إعلام مصرية رسمية ومسؤولين «تجاوزاً غير مقبول وإساءة الى السودان وشعبه».

وقال الناطق باسم الخارجية معاوية عثمان إن حكومته لم تقصر في حماية المشجعين المصريين وإن حادثاً فردياً لا يمكن تعميمه في شكل يشوه صورة السودان.

وقال المسؤول الإداري في مستشفى الخرطوم الفاتح المكي لـ «الحياة» إن المستشفى استقبل 71 شخصاً أصيبوا في حوادث مرتطبة بالمباراة، مشيراً إلى أن غالبية الإصابات من المشجعين الجزائريين.

وقال المدير العام لمستشفى أم درمان يوسف الأمين إنهم استقبلوا 47 حالة منهم 16جزائرياً و16 سودانياً و5 مصريين.
القاهرة – أحمد رحيم، الخرطوم – النور أحمد النور، الجزائر – «الحياة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *