خبراء نزع الألغام ينشطون في ضواحي جوبا لتأمين عاصمة الجنوب
بعد الاعتراف باستقلال الجنوب لا تزال دارفور تشكل تحديا للبشير
الخرطوم – لندن: «الشرق الأوسط»
سمح استفتاء تقرير مصير جنوب السودان الذي جرى بهدوء واعترفت الخرطوم بنتيجته، التي حقق فيها خيار الانفصال انتصارا ساحقا، بحصول الرئيس السوداني عمر البشير على إشادة دولية، إلا أن الأخير لا يزال يواجه تحديا رئيسيا في دارفور حيث تلاحقه مذكرة توقيف دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في هذا الإقليم.
وبعد نجاح الاستفتاء باتت واشنطن تفكر في شطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، إلا أن مصادر من المنظمات الإنسانية أشارت إلى أن الوضع في دارفور الذي يشهد حربا أهلية منذ عام 2003 لن يتحسن قريبا، وأعربت عن تخوفها من أن يطغى التحضير لإعلان دولة جنوب السودان في مطلع يوليو (تموز) على عدم الاستقرار في المنطقة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 43 ألف شخص نزحوا من منازلهم في دارفور منذ ديسمبر (كانون الأول).
وأعلن المتحدث باسم أوكسفام آلون ماكدونالد لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك تحديات كبرى علينا مواجهتها في دارفور حيث لا يزال النزاع قائما. وفي الأسابيع الماضية وحدها، حصلت عمليات قصف ومعارك جديدة واضطر آلاف الأشخاص إلى الهرب من قراهم خصوصا في شمال السودان». وأسفرت الحرب الأهلية الدائرة في إقليم دارفور منذ عام 2003 عن مقتل 300 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة وعشرة آلاف بحسب الخرطوم بالإضافة إلى 2.7 مليون نازح.
وحذر زعماء من المعارضة في الشمال من أن تستوحي حركات انفصالية في دارفور وفي مناطق أخرى غير مستقرة في الشمال من استقلال جنوب السودان.
واعتبر المراقبون أن السودان بموافقته على الاستقلال كسب إشادة الغرب وإعادة لتقييم علاقاته مع الخرطوم. إلا أن الوضع في دارفور يمكن أن يعرقل هذه العملية خصوصا أن الرئيس عمر البشير لا يزال مطلوبا بموجب مذكرة دولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في المنطقة.
وأفاد دبلوماسي غربي «لا أعتقد أن لديه النية في التسامح حول دارفور لمجرد أن الاستفتاء تم سلميا. فدارفور لا يزال موضوعا شائكا للغاية».
إلى ذلك، وفي منطقة صخرية تشرف على العاصمة المستقبلية لدولة جنوب السودان، تتكدس ذخائر غير منفجرة تهدد حياة ساكنيها الجدد.
وكان جبل كوجور بين 1992-1994 إحدى ساحات القتال في الحرب الأهلية الطويلة بين الشمال والجنوب. وقال أكيش إتيو الخبير السابق في نزع الألغام، إن «هذا الجبل يمكن تسميته منطقة تجارية إذ يأتي كثيرون لتكسير الصخور وتحويلها إلى حجارة، وسيصبح حيا جديدا في فترة قريبة». فالمهاجرون الكينيون والأوغنديون، والمعدمون من لاجئي جنوب السودان السابقين الذين عادوا إلى البلاد، يمضون هنا أياما في تكسير الصخر تحت شمس حارقة.
وقال إتيو التقني في «ماين أدفايزوري غروب» إحدى المنظمات غير الحكومية التي تنشط في مجال نزع الألغام في جنوب السودان، إن «ذخائر قديمة تنفجر أحيانا. لكن عندما تكون جائعا فأنت تتجاهل المخاطر».
ويصدر إتيو، الجالس خلف صخرة، تعليمات لرجاله الذين يحاولون أن ينقلوا بروية وحذر بواسطة حبل طويل قذيفة مضادة للدبابات من عيار 122 ملم. وفي ذلك اليوم، جمع خبراء نزع الألغام من «ماين أدفايزوري غروب» 83 لغما وذخائر غير منفجرة، ثم فجروها في موقع خاص يبعد ساعة عن جوبا.
وتقول الأمم المتحدة إنها أحصت في جنوب السودان نحو 600 حقل ألغام، أي ما يوازي مساحة إجمالية تبلغ 250 كلم مربع. ولقي 23 شخصا على الأقل مصرعهم وأصيب 53 في 2010 جراء مخلفات الحرب الأهلية! فيما لم يبلغ عن عدد كبير من الحوادث.
وإذا كانت عمليات نزع الألغام سهلة نسبيا في المناطق الريفية في جنوب السودان المترامي، فإن الأمر يختلف في جبل كوجور، حيث يواجه خبراء نزع الألغام من «ماين أدفايزوري غروب» مشكلة توسع المدن وعودة اللاجئين. ويعتبر الاتصال بالمجموعات المحلية أمرا حاسما.
وبين أكوام الأحجار التي كدسها العمال، تشير أشرطة بلاستيكية حمراء وصفراء إلى المناطق الخطرة.
ويقيم في هذه الضواحي الجديدة لجوبا القسم الأكبر من لاجئي جنوب السودان الذين بلغ عددهم 150 ألفا وعادوا لتوهم إلى بلادهم. وقال إتيو إن «الناس سيواصلون المجيء وتكسير الصخور». وعليه مدى أهمية إزالة الألغام من جبل كوجور والمناطق المفخخة الأخرى. وقال إن «إزالة الألغام تشكل أولوية لتنمية جنوب السودان» سواء على صعيد الزراعة أو شق طرق جديدة.