بسم الله الرحمن الرحيم
حول تكييف الوضع القانوني/الدستوري للسلطة
بعد التاسع من يوليو 2009
الفترة الإنتقالية من حيث بدء سريانها وتاريخ إنقضائها ومدى وجداول وبيان إستحقاقاتها محكومة بالدستور الإنتقالي 2005 وإتفاقية السلام الشامل 2005 ، ذلك لأن إستحقاقات الفترة الإنتقالية والإلتزام والوفاء بها من الأهمية بمكان بحيث ترتب آثار قانونية يتوقف عليها مصير البلاد – تكون أو لا تكون – ويتوقف عليها الإستفتاء على خياري الوحدة والإنفصال ، وقبل هذا وذاك الوضع الدستوري والقانوني للسلطة بعد التاسع من يوليو 2009 وهو تاريخ إنقضاء الفترة الإنتقالية ، ووصولاً لرأي وتكييف قانوني سليم لوضع السلطة عقب التاريخ المذكور ، لا بد من إستعراض أحكام الدستور والإتفاقية وملاحقها وأحكام قانون الإنتخابات لسنة 2008 ذات العلاقة :-
أولاً : إستناداً لنص المادة (2-2) من إتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 مقروءة مع المادة (226) من دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 تسري الفترة الإنتقالية الأولى التي بدأت في 9/7/2005 لمدة أربعة سنوات تنتهي في التاسع من يوليو 2009.
ثانياً : يتم خلال الفترة الإنتقالية الأولى التي تنتهي في التاسع من يوليو 2009 إتخاذ التدابير والإجراءات التالية على سبيل المثال لا الحصر :
(i) إجراء إحصاء سكاني في كل أرجاء السودان قبل نهاية العام الرابع من الفترة الإنتقالية (المادة 215(1) من الدستور مقروءة مع 1-8-1 من الإتفاقية).
(ii) إستكمال إستحقات وإجراء الإنتخابات العامة على جميع مستويات الحكم بحلول نهاية السنة الثالثة من الفترة الإنتقالية التي بدأت في التاسع من يوليو 2005 ، وذلك برقابة دولية (المادة 216 من الدستور مقروءة مع المادة 1-8-3 من الإتفاقية).
(iii) إجراء المراجعة الدستورية طبقاً لأحكام المادة 20(12) شاملة من الإتفاقية والمادة (140) (7) من الدستور وذلك بإلغاء و/أو تعديل القوانين بحيث تتواءم مع الدستور.
(iv) إستكمال تكوين المفوضيات وترسيم الحدود.
(v) إجراء إستفتاء لشعب جنوب السودان للتصويت لوحدة السودان أو الإنفصال (المادة 2-5 من الإتفاقية) وهو الإجراء الآخر الذي تختم به الفترة الإنتقالية الممتدة للست سنوات التي تنتهي بحلول نهاية السنوات الستة عمر الفترة الإنتقالية التي تبدأ في التاسع من يوليو 2005 وتنتهي في العام 2011 .
(vi) أخرى.
ثالثاً : إستناداً لنص المادة 225 من الدستور تعتبر كل أحكام إتفاقية السلام الشامل 2005 قد ضمنت في الدستور وأي أحكام لم تضمن صراحة في الدستور تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور.
رابعاً : تنص المادة 226(9) من الدستور الإنتقالي لسنة 2005 ، أن الدستور الإنتقالي يحكم الفترة الإنتقالية التي تنتهي في التاسع من يوليو 2009 على أن يتم أي تعديل و/أو مراجعة للدستور وفق أحكام المادة (224) من الدستور مقروءة مع أحكام المواد 2-2 شاملة و3-5-1 من الإتفاقية من حيث إكتمال النصاب القانوني الواجب توافره لتقديم مشروع التعديل ومن حيث إجراءات تقديم طلبات التعديل للجهة المختصة ومن حيث موافقة طرفي إتفاقية السلام الشامل المسبقة على طرح التعديل فيما يتصل بحقوق شريكي الإتفاقية الدستورية والقانونية.
وحيث لم يتم تعديل المادة (216) من الدستور بتمديد القيد الزمني المقرر خلاله إجراء إنتخابات عامة على كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الإنتقالية والتي تنتهي في التاسع من يوليو 2009 ، وحيث أن تعديل الدستور معلق على ومقيد – وفق أحكام المادة (224) من الدستور – بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهيئة التشريعية في إجتماع منفصل لكل منهما ، وحيث أن التعديل يشترط موافقة طرفي الإتفاقية على أي تعديل من شأنه ترتيب أية آثار قانونية على نصوص الإتفاقية ، كما يشترط شرطاً آخر لا يقل أهمية على ما تقدم من قيود وشروط ، وهو أن لا بد ، بل يجب تقديم مشروع التعديل قبل شهرين على الأقل من المداولات ، والتي قد تطول وتقصر ، وتأكيداً على إستخفافها بخطورة وضعها الدستوري والقانوني بعد التاسع من يوليو 2009 رغم كل ما تقدم ، لم تكلف السلطة الحاكمة نفسها بتقديم مشروع التعديل حتى تاريخه ، بل إستنكرت على من طرح فكرة رفع طعن دستوري للمطالبة بتخليها عن السلطة لإفتقارها لأي شرعية من أي سند دستوري أو قانوني للبقاء في سدة الحكم بعد التاسع من يوليو 2009.
خامساً : مراحل / عملية الإنتقال بموجب إتفاقية السلام الشامل (المادة 2) :
يقرأ الجزء ب : عملية الإنتقال من إتفاقية السلام الشامل كالآتي :-
1- بغية إنهاء النزاع وضمان مستقبل سلمي ومزدهر لكافة شعب السودان وبغية التعاون في مهمة حكم البلاد ، تتفق الأطراف بموجب هذا على تنفيذ إتفاقية السلام طبقاً للتسلسل ، والفترات الزمنية والعملية المحددة أدناه:
2- تكون هناك فترة ما قبل الفترة الإنتقالية مدتها ستة (6) أشهر.
2-2 تبدأ الفترة الإنتقالية في نهاية فترة ما قبل الفترة الإنتقالية أي في التاسع من يوليو 2005 لمدة أربعة سنوات تنتهي في التاسع من يوليو 2009.
النص على تحديد الجدول والقيد الزمني للفترة ما قبل الفترة الإنتقالية والفترة الإنتقالية وتحديد الإستحقاقات والمهام المطلوب تنفيذها خلال كل من الفترتين المذكورتين كما هو وارد في المادة (2-5) من الإتفاقية تؤكد حرص طرفي الإتفاقية على الإلتزام الصارم بتنفيذ الإستحقاقات المتبادلة والمتقابلة خلال القيد الزمني المحدد في كل من الإتفاقية والدستور بالتفصيل الوارد أعلاه ، على أن تستكمل باقي الإستحقاقات من إستفتاء عام وغيره خلال الفترة ما بين التاسع من يوليو 2009 والعام 2011.
سادساً : القول بأن المادة 10(ط) من قانون الإنتخابية لسنة 2008 تمنح مفوضية الإنتخابات سلطة تأجيل الإنتخابات ليس له أي سند دستوري أو قانوني ، فمعلوم بداهة أن أحكام الدستور تسود على غيرها من التشريعات حسب نص المادة (3) من الدستور ، هذا بإفتراض أن المفوضية لها سلطة تأجيل الإنتخابات ، وهذا ليس صحيحاً على إطلاقه ، وفي غياب أسباب ومبررات التأجيل القانونية والموضوعية كأن يتعلق التأجيل بإعلان حالة طوارئ عامة أو جزئية أو في ظل قيام ظرف طارئ أو قاهر حسب المفهوم أو الإصطلاح القانوني للظرف الطارئ أو القاهر. والإشارة للتأجيل في المادة 10(ط) المذكورة مقصود بها تأجيل إجراء ما أثناء الإجراءات الإنتخابية لقيام ظرف قاهر ، والظرف القاهر أو الطارئ معلوم فقهاً وقانوناً ، كما أسلفنا ،ً وليس مقصوداً بها تأجيل تاريخ قيام الإنتخابات حيث أن أي تأجيل لموعد قيام الإنتخابات يخضع لأحكام المادة (27) من قانون الإنتخابات لسنة 2008 ، أي في حالة إعلان حالة طوارئ وفق ما جاء في المادة (210) من الدستور. والمادة (27) المذكورة تعالج حالات تأجيل إنتخاب رئيس الجمهورية أو رئيس حكومة الجنوب أو الوالي. بإختصار لا تملك المفوضية سلطة التأجيل لأسباب لا ترقى لوصفها بظرف قاهر أو أي طارئ على النحو السابق بيانه أو لأسباب لا تمثل حالة طوارئ في معنى المادة (210) المذكورة كما سبق بيانه.
سابعاً : إزاء ما تقدم ، تثور التساؤلات والأسئلة حول التكييف القانوني لوضع السلطة بعد التاسع من يوليو 2009 ، وما هي الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة التي قد تنجم عن حدوث فراغ دستوري. وقبل الإجابة على التساؤلات الخاصة بالتكييف القانوني لوضع السلطة أرى أن نستعرض أحكام المواد 15، 16، 17، و24 من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 مقروءة مع المادة 122(1) من الدستور فيما يلي إختصاصات وسلطات المحكمة الدستورية ذات العلاقة :
* المادة 122(1) من الدستور تقرأ “تكون المحكمة الدستورية حارسة لهذا الدستور ودستور جنوب السودان ودساتير الولايات وتعتبر أحكامها نهائية وملزمة وتتولى :
(أ) تفسير النصوص الدستورية بناءاً على طلب من رئيس الجمهورية أو الحكومة القومية أو حكومة جنوب السودان أو حكومة أي ولاية أو المجلس الوطني أو مجلس الولايات.
(ب) الإختصاص عند الفصل في المنازعات التي يحكمها الدستور ودساتير الولايات الشمالية بناءاً على طلب من الحكومة أو الشخصيات الإعتبارية أو الأفراد.
(ج) _ _ _
(د) حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
(هـ) الفصل في دستورية القوانين والنصوص وفقاً لهذا الدستور أو الدستور الإنتقالي لجنوب السودان أو دستور الولايات المعنية.
(و) الفصل في النزاعات الدستورية فيما بين مستويات الحكم وأجهزته بشأن الإختصاصات الحصرية أو المشتركة أو المتبقية.
ثامناً : إختصاصات المحكمة الدستورية
المادة 15(1) من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 تنص على إختصاصات المحكمة الدستورية. ويلاحظ أنها تطابق تماماً الإختصاصات والسلطات الممنوحة لها بموجب المادة 122(1) من الدستور كما أن سلطاتها وإختصاصاتها هي ذات الإختصاصات والسلطات المخولة لها بموجب المادة (2-11-3-2) من إتفاقية السلام الشامل 2005.
* حسب نص المادة 17(1) من قانون المحكمة الدستورية يقدم طلب تفسير النصوص الدستورية للمحكمة بعريضة من الآتي :-
(أ) رئيس الجمهورية (ب) رئيس المجلس الوطني
(ج) رئيس مجلس الولايات (د) الحكومة القومية بواسطة وزير العدل
(هـ) رئيس حكومة جنوب السودان (و) حكومة أي ولاية.
تاسعا : سلطات المحكمة الدستورية
(د) المادة 16(1) من قانون المحكمة الدستورية 2005 تقرأ :
يكون للمحكمة في سبيل القيام بالإختصاصات المنصوص عليها في المادة (15) ممارسة السلطات الآتية :
(أ) النظر والحكم وإلغاء أي قانون أو عمل مخالف للدستور ورد الحق والحرية للمتظلم وتعويضه عن الضرر.
(ب) إصدار أي أمر إلى أي جهة في أي مسألة أمامها.
عاشراً : إلزامية أحكام المحكمة الدستورية
المادة 24(1) أحكام المحكمة وقراراتها ملزمة لجميع مستويات الحكم في السودان وأجهزة الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان وحكومات الولايات وللعامة فور صدورها ويحدد قانون خاص إجراءات تنفيذ المحكمة لأحكامها.
(2) يترتب على الحكم بعدم دستورية أي نص في أي قانون أو عدم دستورية أي عمل أو تدابير تشريعية فرعية عدم جواز تطبيقها ، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة إستناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن ويقوم الرئيس بتبليغ الجهات المعنية بحسب الحال فور النطق به للإجراء بمقتضاه.
(3) إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص مدني فلا يؤثر ذلك على الحقوق القانونية التي إستقرت قبل صدور الحكم.
حادي عشر : نخلص من إستعراض أحكام الدستور الإنتقالي 2005 وأحكام إتفاقية السلام الشامل 2005 وملاحقها وأحكام قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 وقانون الإنتخابات لسنة 2008 ذات العلاقة بالوضع الدستوري والقانوني للسلطة إلى ما يلي من تكييف :
(أ) المادة 216 نصت على إجراء إنتخابات عامة على كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الإنتقالية التي بدأت في التاسع من يوليو 2005 ، أي يجب إجراؤها في موعد لا يتجاوز التاسع من يوليو 2009.
(ب) إنقضاء الفترة الإنتقالية في التاسع من يوليو 2009 دون إستكمال إستحقاقات إجراء إنتخابات عامة من حيث الإحصاء السكاني وترسيم الحدود وتوزيع الدوائر الجغرافية على كل مستويات الحكم ودون إتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة من حيث تكوين المفوضيات وترسيم الحدود يعني أن بقاء السلطة في كل مستويات الحكم يفتقر لأي سند دستوري أو قانوني ذلك لأن نص المادة 216 نص آمر وملزم ولا يحتمل خياراً آخر غير خيار إجراء الإنتخابات خلال قيد زمني لا يتجاوز التاسع من يوليو 2009.
(ج) المادة (2-2) من الملحق ب من الإتفاقية حدد جدولاً زمنياً لعملية الإنتقال خلال الفترتين ، فترة ما قبل الإنتقالية والفترة الإنتقالية والإلتزام بتسلسل وفترات زمنية وعملية محددة حتى يتم خلالها ترتيبات وإجراءات قانونية وإدارية ومالية وأمنية في كل مستويات الحكم وصولاً لإجراء إستفتاء عام بمراقبة دولية لمواطني جنوب السودان لتحديد موقفهم حيال الوحدة أو الإنفصال ، وهذه لم تتم بالكيفية وحسب المواقيت المحددة لها ، الأمر الذي يعتبر خرقاً وتجاوزاً لأحكام الدستور والإتفاقية مما يفقد السلطة مشروعية بقائها في سدة الحكم.
(د) تأسيساً على ما جاء في (ب) و (ج) أعلاه ، يعتبر النظام ، في كل مستويات الحكم فاقداً لأي شرعية دستورية أو قانونية للبقاء أو الإستمرار في الحكم. الأمر الذي يحتم عليه التنازل عن وتسليم السلطة لحكومة إنتقالية تتولى تصريف أمور البلاد لحين إجراء إنتخابات عامة. إلا أننا نعتقد ، ومن خلال تصريحات ورد فعل المسئولين حول السند الدستوري أو القانوني لبقاء النظام في السلطة ، التي تفاوتت بين التخوين والعمالة والإرتزاق والكيد السياسي والعجز عن والخوف من المنافسة وغيرها من فاجست القول والتهديد والوعيد بالويل والبثور وعظائم الأمور لكل ذلك نعتقد أن مطالبة الحكومة بالتخلي والتنازل عن السلطة لن تجد إستجابة في أو قبولها من النظام للتنازل عن السلطة بالحسنى وبغير الحسنى.
(هـ،) (أ) نصوص أحكام المادتين (216) و 226(4)(9) من الدستور واضحة وصريحة وقاطعة الدلالة بحيث لا تحتاج لطلب تفسيرها من المحكمة الدستورية من قبل الجهات المذكورة – على سبيل الحصر – ولو لم تكن تلك النصوص بهذا القدر من الوضوح وقاطعة الدلالة لاستحال على غير الجهات المذكورة طلب تفسيرها أو إتخاذ أي إجراء قانوني تأسيساً عليها.
(ب) رفع طعن دستوري على أساس أن بقاء الحكومة على سدة الحكم بعد التاسع من يوليو 2009 ، تاريخ إنقضاء الفترة الإنتقالية يعتبر أمراً غير دستوري وبالتالي تكون هناك مسألة صالحة للفصل فيها حسب مقتضى المادة 20(ب) من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005.
(ج) حيث أن الطعن يتعلق بحقوق دستورية وأن بقاء السلطة على سدة الحكم بعد التاسع من يوليو 2009 يعتبر مخالفاً للدستور يتوفر بشرط مصلحة الأحزاب السياسية كشخصيات إعتبارية ومصلحة المواطن السوداني وحقه في رفع طعن دستوري مطالبين الحكومة بالتنازل والتخلي عن السلطة حسب مقتضى المادة 20(ا) من قانون المحكمة الدستورية 2005.
(د) حيث يتعلق الطعن بحقوق دستورية يجوز رفعه للمحكمة الدستورية مباشرة دون حاجة لإستنفاد طرق التظلم الأخرى كما هو وارد في المادة 19(4) و20(د) من قانون المحكمة الدستورية 2005.
(هـ) يرفع الطعن بعد التاسع من يوليو 2009 وليس قبله حق لا يشطب الطعن بإعتباره سابقاً لأوانه أي أن الدعوى الدستورية PREMATURE.
(و) ظل البعض يحسن الظن ، وبعد الظن إثم ، ظل يحسن الظن بشريكي الإتفاقية واستعداهما للتخلي عن السلطة إمتثالاً لما إتفقا عليه في الدستور والإتفاقية ، إلا أن ثمة عقبات قانونية – قد يدفع بها أو يتحجج بها الصقور والمتشددين في المؤتمر الوطني – خصوم التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة – حتى تقف هذه العقبات حائلاً دون التخلي عن السلطة. هذه العقبات تتمثل ، كما أسلفنا ، في إجراء تعديل دستوري لتمديد أمد الفترة الإنتقالية لما بعد التاسع من يوليو 2009 من قبل شريكي نيفاشا طبقاً لأحكام المادة 224(شاملة) مقروءة مع المادة 2-2-7(1)(2) و 3-5-1 من إتفاقية السلام الشامل والمادة 225 من الدستور الإنتقالي وذلك تفادياً لإحداث فراغ دستوري بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية في التاسع من يوليو 2009 وذلك رغم إدراك الشريكين التام بأن التعديل المعني حتى لو أفلح الشريكان في تمريره متجاوزين أحكام المادة (224) المذكورة من حيث النصاب والقيد الزمني المقرر لتقديم طلب التعديل لن يرتب أي آثار قانونية وفقاً لمبدأ عدم رجعية القوانين والتشريعات.
ثاني عشر : لذا نري أن لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية للإلتزام بنصوص الإتفاقية خاصة ما يلي منها أو ما جاء مقيداً ومحدداً بمواقيت وجداول زمنية محددة. لقد رأينا تغافل شريكي الإتفاقية – خاصة المؤتمر الوطني – عن الوفاء بإستحقاقات الإتفاقية المنصوص عليها صراحة في الدستور وفي الإتفاقية كتكوين المفوضيات وإجازة قانون الإنتخابات والوفاء بإستحقاقات العملية الإنتخابية من مفوضية وإحصاء وتسجيل وترسيم حدود وتوزيع وتقسيم دوائر جغرافية وقبل هذا وذاك إلغاء أو تعديل القوانين المقيدة للحريات وكثير غيرها من الإستحقاقات. فقد تعامل المؤتمر الوطني مع هذه النصوص الدستورية والقانونية كأنها أحكام ميتة – Dead Laws – وردت ونص عليها على سبيل التزيد ومن باب الترف اللغوي وليس بإعتبارها أحكاماً دستورية وإلتزامات قانونية وتعاقدية تواثق عليها شريكا نيفاشا تحقيقاً لتحول ديمقراطي وحكم راشد ولترسيخ وتعزيز قيم المساءلة والشفافية وحكم القانون. في ضوء تعنت سلطة الإنقاذ وتمسكها بالسلطة على الوجه الذي نراه ، لا نتوقع منها أن تستجيب لأي مناشدة أو دعوة للتخلي عن السلطة لحكومة إنتقالية أو خلافها بالحسنى وبغير الحسنى كما ورد على لسان بعض منسوبي السلطة.
ثالث عشر : إزاء ما نتوقع من عقبات وعراقيل قانونية من قبل المؤتمر الوطني ، وفي ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للوفاء بالإلتزامات الدستورية والقانونية التي نص عليها في الدستور الإنتقالي وإتفاقية السلام الشامل وإزاء رفض المؤتمر الوطني التعامل مع واقع البلاد المأزوم بحكمة وعقلانية وواقعية وبحس وطني يجنب البلاد شرور التمزق والمعاناة والإنهيار الإقتصادي وحتى لا تصبح دولة عاجزة وفاشلة أكثر مما هو عليه الآن وذلك من خلال حكومة إنتقالية قومية تتولى شئون البلاد من تنفيذ ما بقى من إستحقاقات الفترة الإنتقالية والتحضير لإنتخابات عامة في كل مستويات الحكم وصولاً لإستفتاء عام ، إزاء كل ما تقدم وإذا ما رفض شريك الحكم أو أي منهما خيار الحكومة الإنتقالية وأثر الإنفراد بالسلطة ، يبقى ويظل الخيار الآخر العملي ، ضمن خيارات المعارضة الأخرى ، هو أن تبادر الأحزاب السياسية صاحبة المصلحة الحقيقية ومن حولهم مسئولياتها تجاه الوطن والمواطن لإحداث تحول ديمقراطي من خلال تداول سلمي للسلطة عبر صناديق الإقتراع ، تبادر برفع طعن دستوري لدى المحكمة الدستورية القومية إعمالاً لسلطاتها الواردة في المادتين 15 و 16 من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 والمادة 122(1) من الدستور في مواجهة حكومة السودان طاعنين في مشروعية بقاء السلطة في سدة الحكم بعد التاسع من يوليو 2009 ومطالبين المحكمة بإصدار حكم يقضي بإلزام الحكومة بالتخلي والتنازل عن السلطة تفادياً لحدوث فراغ دستوري بإنقضاء الفترة الإنتقالية في التاريخ المذكور وذلك على أساس أن قيامها بأمر السلطة أصبح غير دستوري بعد التاسع من يوليو 2009 وذلك إستناداً على أحكام المادة (216) والمادة (226) والمادة (122) من الدستور مقروءة مع المادة (2-2 شاملة) من الإتفاقية.
علي قيلوب
المحامي
في 24/6/2009م