حوار مهم مع رئيس حركة/جيش تحرير السودان الأستاذ/ عبد الواحد محمد نور
حوار- عبدالرحمن العاجب
عتبة أولى
في مدينة زالنجي العريقة بالريف الغربي لإقليم دارفور منتصف ستينيات القرن المنصرم جاء مولده.. لم يتوقع أفراد أسرته البسيطة أن يكون لهذا الفتى شأن في مقبل الأيام.. لاحقاً صار عبد الواحد محمد أحمد النور من الشخصيات السودانية المثيرة للجدل.. بعيد إكماله مراحله الدراسية في زالنجي ذاتها، التحق بجامعة الخرطوم، كلية القانون، وبعد تخرجه فيها عمل لوقت قصير في حقل القضاء الواقف، وبعدها اختار طريقه، معيّة رفيقه مني أركو مناوي وآخرين، لينهضوا بمهام تشكيل حركة تحرير دارفور، التي تم تغيير اسمها بعد فترة قصيرة إلى حركة تحرير السودان. تقلد عبد الواحد منصب رئيس الحركة، ولمع نجمه إثر الاعتداء على مطار مدينة (الفاشر)، كأول عملية نوعية تنفذها الحركة بعد تأسيسها، وظهر الرجل في ذلك الوقت في القنوات الفضائية والإذاعات في عام 2003م. وقبل انقضاء الثلاث سنوات على التأسيس، ضربت المجموعة سلسلة صراعات عنيفة، أدت الى انشقاقها في مؤتمر (حسكنيته) الشهير، الذي عُقد في عام 2005م، وبموجبه انشطرت الحركة إلى جناحين؛ الأول يقوده عبد الواحد والثاني يقوده مناوي.
في إطار البحث عن الحقائق ومواقف القوى السياسية والحركات من دعوة رئيس الجمهورية للحوار الوطني الشامل، طرحت (اليوم التالي) على عبدالواحد محمد أحمد النور، رئيس حركة تحرير السودان عدة أسئلة، منها المتعلق بأسباب الانشقاقات السالف ذكرها، وإمكانية توحد فصائلها من جديد، فضلاً على الاتهامات التي ظلت تلاحق الحركات المسلحة وقادتها، علاوة على أسباب فشل الاتفاقيات السابقة. عرجنا معه خلال الحوار إلى الحديث عن رؤية الحركة للمخرج من أزمات البلاد والواقع الراهن في دارفور. سألناه عن علاقته بالحزب الشيوعي السوداني، ونظرته لدعوة رئيس الجمهورية للحوار الوطني وقراراته الأخيرة بشأن إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين، ولم يخل الحوار من الاستفسار عن إمكانية مشاركة حركته في الحوار وشروطها ورؤيتها لحل الأزمة السودانية الراهنة، ونظرته للأحزاب التي شاركت في دعوة الحوار ونظرته لمحاولات الاصطفاف الجديد التي تتجه لها أحزاب (الوطني والأمة والشعبي والاتحادي)، وموقف نور ورؤيته حول الحل السياسي الشامل، ونظرتهم لمفاوضات الحكومة وقطاع الشمال.. هذه الأسئلة وغيرها ردَّ عنها الرجل بشفافية، وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار:
* سلامات الأستاذ عبد الواحد، كيف تبدو أحوالك وأنت تتجرع طعم الغربة وهمّ العمل العام؟
– أنا لا أعيش في غربة، بل موجود، وأحمل هموم الشعب السوداني وقضاياه العادلة في التغيير والحرية والكرامة.
* نعود إلى للوراء قليلاً وإلى منصة التأسيس.. برأيك ماذا حققت حركة تحرير السودان منذ تأسيسها وحتى الآن؟
– حركتنا حققت معظم الأشياء التي قامت من أجلها، ولم يتبقّ لها إلا إزالة النظام في الخرطوم؛ حققنا الثورة التي أضحت نبض الجماهير والشارع، والتغيير الشامل لا يتم بين عشية وضحاها، لأن مشروعنا السياسي الذي يهدف إلى إقامة دولة المواطنة المتساوية وفصل الدين عن السياسة، والليبرالية التي تعني الحريات الفردية والجماعية، والفيدرالية الحقيقية.. وذلك هو المشروع الذي يحلم به كل سوداني ويعيش لأجله، وسنظل نقاوم ونناضل إلى أن يتحقق التغيير الشامل وإزالة النظام وبناء الدولة السودانية التي تسع الجميع.
* حسناً.. فيما يخص المشروع السياسي والفكري؛ ماذا حققت الحركة منذ نشأتها وحتى الآن؟
– في العام 2001م كانت الدولة الدينية ومنظروها يقولون إنها دولة إسلامية لا شرقية ولا غربية، بل إسلامية مية المية، ولكن أولئك المنظرين تنازلوا عن مشروعهم الآيديولجي الذي يتعارض مع إرادة الشعب السوداني المتعدد، وأخذ بعضهم يقول إن الإسلام علماني وليبرالي، وأخذ آخرون ينادون على استحياء بالدولة المدنية، ولكن نحن قلنا بوضوح نريد دولة علمانية ليبرالية. نحن أول تنظيم سياسي سوداني ينادي بشجاعة وعزم بعلمانية وليبرالية الدولة، لذا استطاعت الحركة أن تغيِّر جيلا كاملا ليحمل هذه المبادئ والقيم، وهو أكبر انتصار لقيم الحرية والعدالة والكرامة للشعب السوداني، وهذه القيم أي قيم العلمانية والليبرالية التي تنادي بها الحركة تم الإقرار بها في وثيقة الفجر الجديد، وهيكلة الدولة السودانية، من قبل التنظيمات السياسية السودانية، وهذا ليس انتصارا لمشروع الحركة فحسب، بل انتصار للقيم الإنسانية والعدالة والمساواة بين جميع مكونات الشعب السوداني.
* لكن الواقع يؤكد أن كل الشعارات التي رفعتها الحركة لم ترَ النور حتّى الآن.. إلام تعزو هذا الفشل؟
– لا أتفق معك تماماً.. لقد قال الراحل نيلسون مانديلا: “إنّنا نناضل وليس مهمّتنا أن نحقق ما نناضل من أجله بل أن تبقى شعلة النضال مستمرة ونسلمها للأجيال القادمة”.. نحن نؤمن تماما أن كل الشعارات التي رفعناها الآن قد تبنتها الجماهير، والطريق إلى الحرية لم يكن سهلا أبداً، ولكن سنقاوم ونناضل إلى أن تتحقّق كامل الحريّة لشعبنا، وما نقوم به هو جهد إنساني بشري قد تعترضه بعض الهنات، ولا ندعي الكمال أبدا، ولكن ما تمّ وتحقّق حتى الآن راضون عنه كلّ الرضا.
* خلال مسيرتها التي امتدت لأكثر من عقد من الزمان، شهدت حركتكم انشقاقات عنيفة، بدءاً من (حسكنيتة) وبعدها توالى التشظّي.. برأيك ما سبب هذه الانقسامات؟
– هذا يعود لثقافة الاختلاف السياسي السوداني، حيث يعتقد كثيرون أنّ الحركة والتنظيم وسيلة للكسب المادي والمناصب؛ نائب رئيس، مساعد، وزير.. ألخ، بينما نرى نحن أنّ الحركة والتنظيم هما وسيلة لخدمة الوطن والشعب، وليسا لخدمة الذات الشخصية، واكتناز الأموال والمناصب، وهي مبادئنا التي نؤمن بها، أما الانشقاقات والانشطارات فليست بدعاً في حركتنا، بل هي متجذرة في السياسة السودانية؛ بدءاً من مؤتمر الخريجين، والأحزاب السياسية، مثل حزب الأمة وأجنحته، والاتحادي وأجنحته، والحركة الإسلامية قبل وبعد أن تنشطر إلى (شعبي) و(وطني). وحتى الحركة الشعبية في مسيرتها النضالية تعرضت لهذه العوامل، ولكنني أراه تطوراً طبيعياً لابدّ أن نمرّ به، ونتعلم منه، وهو يقوّينا بلا شك.
* برأيك ما هو السبب الموضوعي والمنطقي لهذه الانشقاقات؟
– من الطبيعي جدا أن تحدث تلك الانشقاقات.. لأنّ بعض الذين ركبوا معنا قطار الثورة لهم محطات معلومة، سينزلون فيها، وقد نزلوا بالفعل كما ترون. ولكننا سنستمر إلى أن نحقق جميع الأهداف التي نؤمن بها، فالثورة هي قيم ومبادئ وليست أشخاصاً. وعندما ينشقّ عنا فرد أو أشخاص، ينضمّ إلينا المئات والآلاف، وهذا هو سرّ قوتنا.
* لكن كل القادة الذين قادوا تلك الانشقاقات ظلوا على الدوام يشتكون من عدم المؤسسية وسيطرة رئيس الحركة على مفاصلها! كيف ترد على هذا الاتهام؟
– منذ أول انشقاق في الحركة كانت بياناتهم تقول إنّ عبد الواحد (أكل قروش الحركة)، وإنّني مسيطر على مفاصل الحركة، وإنّه ليست هنالك مؤسسية في الحركة، وإن عبد الواحد ذاهب لتوقيع سلام مع الحكومة، وإلى يومنا هذا، ولكن هذا الكلام مردود عليه من قبل الشعب، الذي يعرف الحقيقة كاملة، والذي وقف إلى جانب المشروع والحركة، ولم يخذلنا يوماً واحداً أبداً، ولكن الحقيقة أن مسألة النضال وظروفه – من جوع ومرض ومعاناة شاقة جداً – لا يحتملها كثير من الناس، بجانب الإغراءات الماليّة والمناصب والتهديدات المحليّة والإقليميّة والعالميّة، لذا يسقطون في أوّل محطة اختبار، ويبحثون عن حجج واهية، كتلك التي يصيغونها، والتي لم تقنع أحداً، وحتّى هم أنفسهم لم يقتنعوا بها. فإذا لم تكن هنالك مؤسسات قائمة في الحركة، فمن أين لهم تلك المناصب والمواقع التنظيمية التي يذهبون بها للتوقيع مع النظام؟ ولماذا لم نسمع منهم هذا الحديث داخل أروقة الحركة إلا بعد ركوبهم قطار المفاوضات والسلطة؟ ألم ينته المصير بكثير منهم إلى التسوية والمشاركة مع الحكومة؟ إذن من الذي تغيّر نحن أم هم؟ ومن الذي تنكّر للمشروع والمبادئ؟ إنّ الثورة والمشروع أكبر من الأشخاص والمبادئ والقيم وحقوق الشعب.
* بعيدا عن الماضي وجراحاته المريرة، لنلق نظرة على المستقبل؛ هل بالإمكان أن تتوحّد فصائل حركة تحرير السودان في جسم واحد؟
– نحن نريد أن نوحّد كل الشعب السوداني، ولكن ليس وحدة شكليّة، بل الوحدة التي تنبني على المبادئ والأهداف التي تتحقّق بإيقاف الحرب، وأن تكون هنالك حريات فردية وجماعية وحقوق متساوية للجميع، وإزالة النظام القائم الذي سبب كل هذه الإشكالات. من يريد أن يذهب إلى التفاوض مع النظام فهذا شأنه، ولن نكون معه بأي شكل من الأشكال، لأن التفاوض مع هذا النظام يعتبر من الخطوط الحمراء عند الحركة.
* هنالك تهمة ظلت تلاحقك منذ أمد بعيد، أرجو تأكيدها أو نفيها؛ بصراحة ما هي علاقة عبد الواحد محمد نور بالحزب الشيوعي السوداني؟
– ليست لديّ أي علاقة بالحزب الشيوعي السوداني، أو الجبهة الديمقراطية، أو ما يحملون من أفكار وآيديولجيا، ولكني أحترم نضالات هذا الحزب، وقادته العظام، الذين أكن لهم كلّ احترام وتقدير بما قدموه للشعب السوداني والوطن بأكمله، كما أعتزّ وأحترم كل القوى السياسية الشريفة، التي ظلت تقف في خندق الشعب وتطلعاته، والتي تؤمن بحتمية التغيير وضرورته، وليس التطبيع مع النظام القائم ومهادنته.
* هنالك اتهام ظل يلاحق الحركات المسلحة، مفاده أنّ معظم قادتها انتهازيون، لا علاقة للمطالب التي ينادون بها بأهل دارفور.. كيف ترد على هذا الحديث؟
– قد يكون هنالك من يبحثون عن مواقع ومناصب وقد تقلدوها فعلاً.. ولكن ما يعنينا نحن فلسنا طلاب مناصب، وإلا كنا في مقدمة المهرولين إلى المفاوضات، وقد رفضنا كل منابر التفاوض؛ منذ (أبوجا) وحتى الآن، وواجهنا أشكال الضغوط والتهديدات الإقليميّة والدوليّة كافة، ورفضنا كل التسويات الجزئيّة، والصفقات الثنائية مع النظام، لأنّ الأهداف التي قمنا من أجلها هي أهداف وطن وشعب، وليست أهداف شخصية؛ من مناصب وغيرها، وسنظل على مبدأنا الرافض لأشكال الحوارات الثنائية كافة، والاستيعاب في النظام، من أجل تغيير شامل لصالح كل الوطن وشعوبه المقهورة.
* بعد الفشل الذي لازم الحركات المسلحة والانشطارات الأميبية التي ظلت تعاني منها، برأيك؛ ما هو المطلوب من هذه الحركات للعب دورها الإيجابي؟
– الحركات المسلحة لم تفشل في دورها أبداً، فالانشقاقات شيء طبيعي في الممارسة السياسية والثورية، التي تتسم بالتعقيد والمصاعب، وصيرورة التشكّل والتكوين، فالفاشل هو الذي يتساقط في منتصف الطريق، وليس الذي يصمد في لظى التغيير، وهي فرصة وسانحة لعمليّة البناء والترميم، من أجل غدٍ أفضل للثورة وشعبنا، ودورها يتمثّل في السير على خطى الثورة والتغيير والقيم والمبادئ والأهداف التي قامت من أجلها إلى أن تتحقّق، وليس ذلك ببعيد المنال.
* برأيك، إلى أين تتّجه دارفور بعد عشر سنوات من الحرب، وما هي رؤيتكم لحل القضية الدارفورية؟
– مشكلة دارفور هي مشكلة جبال النوبة، وهي مشكلة كردفان، وهي مشكلة النيل الأزرق، وهي مشكلة الجزيرة، وهي مشكلة الخرطوم، وهي مشكلة الشرق، وهي مشكلة السودان. لا يمكن الحديث عن حل مشكلة دارفور بمعزل عن حل كل مشاكل الدولة السودانية، وأيّ حلّ لابدّ أن يكون في الإطار الكلّي لمشاكل الدولة السودانيّة، وليست دارفور لوحدها، وإلا سنظلّ ندور في الحلقة المفرغة لنعيد إنتاج الأزمة بشكل جديد، فالحلّ الشامل لكل قضايا الدولة السودانية هو الطريق الأوحد الذي يفضي إلى السلام والاستقرار والأمن.
*هنالك اتهامات ظلت توجه إليكم بأن حكومة جنوب السودان تدعمكم، وتدعم حركات دارفور الأخرى؟
– حركتنا ظهرت إلى الوجود قبل أن تكون هنالك دولة اسمها جنوب السودان، وهذا يكذب هذه الادعاءات. لا نحن ولا غيرنا من الحركات يتلقى أي دعم من حكومة جنوب السودان. ومن قبل كانوا يروّجون لأنّنا نتلقّى دعما من (أمريكا وتشاد وليبيا وإسرائيل) وغيرها من الأكاذيب التي لا تقف على ساقين.
* كيف تنظر للاتفاقيات التي تم توقيعها من (أبوجا) إلى (الدوحة)؟ وبرأيك ما هي أسباب فشلها؟
– هي اتفاقيات وتسويات جزئية وثنائية لم تخاطب جوهر ولب القضايا السودانية، بل خاطبت قضايا أشخاص، ولهذا كان من الطبيعي أن تفشل، لأنها ولدت ميتة من أساسها.
* كيف تنظر إلى أدوار المثقفين والإنتلجنسيا من أبناء الإقليم حول المسألة الدارفورية؟
– هنالك من لعب دورا إيجابيا وهم كثر بكل تأكيد.. ليس لدارفور وحدها بل من أجل كل الوطن السوداني، وقلة منهم لعبت أدوارا سالبة، وانحازوا لمصالحهم الذاتية، على حساب قضية الشعب، ولكن نأمل منهم مزيداً من التفاعل والتلاحم مع قضايا الجماهير، والوطن الملحّة، والتغيير القادم.
* حسناً؛ كيف تنظر إلى تصاعد العنف القبلي في دارفور؟ وما هي أنجع السبل لإيقافه بشكل نهائي؟
– العنف القبلي هو صناعة نظام الخرطوم بامتياز.. وهو الذي غذّى النعرات القبلية والعنصرية، وقسمت دارفور، وقسم السودان إلى (شمال وجنوب ومسيحي وكافر).. الحل كما ذكرت لك سابقا يكمن في ذهاب هذا النظام، لينعم شعبنا بالسلام والأمن والاستقرار، ولا يوجد حل غير ذلك مطلقاً.
* إذا استمر الحال في دارفور بنفس الوتيرة وازداد سوءاً وتأزماً، فهل يمكن أن تنفصل دارفور عن السودان كما فعلها الجنوب من قبل؟
– نحن لا نؤمن بالحلول الجزئية، وإن كنا نؤمن بذلك فإنّ دارفور كانت دولة قائمة منذ قرون، وبطريقة أكثر تنظيما، لكننا نؤمن بأنّ حل الأزمة السودانية لا يكمن في الانفصال والتمزق، بل بإزالة أسباب الانفصال، وهو إزالة النظام القائم الذي تسبب في كل هذه الكوارث التي ألمت ببلادنا، ومن ثم الاعتراف بالتعددية الإثنية والدينية والعرقية والثقافية، وقبول الآخر، والمواطنة المتساوية لكل السودانيين، فالتعدّد والتنوع هو مصدر قوة وإلهام للشعب السوداني، وليس مدعاة للفرقة والتناحر، وتكمن مشكلة الدولة السودانية في كيفية إدارة هذا التنوع، وليس التنوّع بذاته هو المشكلة.
* ما هي رؤيتكم للحوار الوطني الشامل الذي دعا له المشير عمر البشير رئيس الجمهورية مؤخرا؟
– الحوار بالشكل المطروح هو إلتفاف على قضايا الشعب، لإعادة إنتاج الديكتاتورية، وإطالة أمدها، وهو خدعة لا تنطلي على أحد، ولن يخدعنا بها أحد، فالحوار الحقيقي هو (الحوار السوداني السوداني) الذي ينطلق بعد إزالة النظام، وتديره حكومة انتقالية؛ تشمل التنظيمات السياسية، والحركات المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني، والاتحادات، والنقابات الطلابية والشبابية والنسوية، وكافة قوى التغيير، ليكون حواراً شاملاً شفافاً يفضي إلى دستور دائم متّفق عليه من جميع القوى، ويعيد هيكلة الدولة السودانيّة وفق أسس جديدة، وهي أسس الحريّة والعدالة والمساواة، وأن تكون المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق.. هذا هو الحوار الذي نريده ونشارك فيه، وليس حوارا شكلياً؛ يجمل النظام، ويحافظ على وجوده وبقائه في السلطة.
* من بين التوجيهات والقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية إطلاق حريّة النشاط السياسي، وحريّة الإعلام، وإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين السياسيين.. كيف تنظر لهذه الخطوة التي اعتبرها البعض عربوناً للحوار؟
– فليطلقوا أوّلاً سراح الملايين من الشعب السوداني، والمشرّدين في المعسكرات والكهوف والغابات.. فليكبحوا جماح الغلاء الفاحش في أسعار السلع الضرورية، وليعيدوا توازن الاقتصاد السوداني.. ليضعوا حداً للفساد الذي أزكم الأنوف. فليعيدوا حقوق آلاف المشردين وأسرهم تحت دعاوى الصالح العام. فلتطبق القرارات الدولية التي صدرت بحق السودان. فليفعلوا كل هذا وغيره، قبل أن يخدعونا بوثبة حوارهم التي لن تخدع أحداً غيرهم، والسائرين على نهجهم.
* هل يمكن أن تشارك حركتكم في حوار داخل السودان إذا توفّرت لكم الضمانات الكافية؟
– نحن نريد ضمانا للشعب السوداني وقضاياه، وليس ضمانا لحركة جيش تحرير السودان، لأنّ القضايا التي نطالب بها هي قضايا الشعب السوداني كله، وليست قضايا تخصّ الحركة لوحدها.. نحن لن نشارك في أي حوار أو مفاوضات مع النظام داخل السودان أو خارجه.
* كيف تنظر إلى التزام الحكومة واستعدادها لتمكين الحركات المسلحة من المشاركة في الحوار الجامع، وتعهّدها بإعطائها الضمانات المناسبة، والكافية، للحضور والمشاركة؟
– ليس هنالك حوار أو اتفاق مع هذه الحكومة القائمة يمكن أن يؤدّي إلى تغيير حقيقي، وحلحلة مشاكل الدولة السودانيّة، لأنّ نظام الخرطوم عرف بنقض العهود والمواثيق مع كل الذين وقّعوا معه إلى يومنا هذا.. وهنالك (43) اتفاقية تم توقيعها مع النظام ولم يلتزم بتنفيذها، ومن السذاجة القول إنه سيلتزم بتنفيذ الاتفاقية رقم (44(؟!.
* في حال الالتزام بالمطلوبات والشروط اللازمة، هل ستكون حركتكم جزءا من المرحلة الجديدة التي دعا لها رئيس الجمهورية؟
– شروطنا واضحة؛ وهي إزالة هذا النظام، وأيّ شيء خلاف ذلك لن نكون جزءاً منه مطلقاً.
* ما هي رؤيتكم للحوار الوطني الشامل الذي يقود إلى حلول لمشاكل الوطن، بشكل يرضي جميع مكوّناته السياسيّة والاجتماعيّة؟
– رؤيتنا تتمثّل في إزالة النظام، وتكوين حكومة انتقاليّة، بمشاركة الجميع؛ من تنظيمات سياسيّة، وحركات مسلحة، ومنظمات مجتمع مدني، وقوى شبابية ومنظمات النساء وغيرها.. هذه الحكومة الانتقاليّة مهمّتها الأساسيّة التحضير لمؤتمر دستوري، لإقرار دستور دائم للبلاد، وإطلاق الحريّات الفرديّة والجماعيّة، وحفظ الأمن والنظام، وتقديم المجرمين لمحاكمات عادلة، والإشراف على الانتخابات الديمقراطيّة الشفّافة، المراقبة محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، وصندوق الاقتراع هو الذي يقول كلمته. أمّا حوار في ظلّ وجود النظام الحالي على السلطة، فلن نكون طرفاً فيه أبداً.
* ما هي نظرتكم للأحزاب التي استجابت لدعوة الحوار الوطني؟
– كل حزب له مطلق الحريّة في اتخاذ قراره؛ في الانخراط في الحوار مع النظام أم خلافه. ليس من حقنا أن نحجر على أحد في اتخاذ قراره، وهذا شأن يخصّهم وحدهم، ولا يعنينا في شيء.
* هنالك اعتقاد سائد بأنّ أحزاب (المؤتمر الوطني والأمة والشعبي والاتحادي) تتّجه للتقارب. ما هو موقفكم من هذا الاصطفاف، الذي ربّما يؤثر على مستقبل السودان؟
– في السودان هنالك قوّتان؛ قوى تريد التغيير الشامل، ونحن جزء منها، وقوى أخرى تريد المحافظة على النظام القائم، وهي التنظيمات ذات المرجعيّة الدينيّة والإسلام السياسي، التي تشمل المؤتمَرَيْن (الوطني) و(الشعبي)، والحزبين الطائفيين؛ الأمّة بقيادة (الصادق)، والاتحادي بقيادة (الميرغني).. وهنالك تشكّل لقوى الإسلام السياسي في مواجهة القوى العلمانيّة والليبراليّة، التي تعمل على التغيير الشامل، وإعادة هيكلة الدولة السودانيّة. إنّ مشروع الدولة الدينيّة هُزم هزيمة نكراء، لأنّه يتعارض مع أُسُس التعدّد والتنوّع الذي تزخر به الدولة السودانيّة، وهو عامل للفرقة والشتات، وليس للوحدة والتلاحم، وهو سبب في كل الأزمات السودانيّة… وهذا هو فرز للكيمان، لذا نُناشد كل القوى السياسيّة الرافضة للحوار مع النظام، ومنظمات المجتمع المدني، وتنظيمات الشباب والطلاب والمرأة، بأن نتحالف ونتعاون معاً، ونوحّد جهودنا من أجل التغيير الشامل، وإسقاط النظام، والحركة ترحّب بأي جهود في هذا الصدد، من كل الحادبين على التغيير؛ تنظيمات أم جماعات أم أفراد.
* ما هو موقف الجبهة الثوريّة السودانيّة من المفاوضات الجارية بين الحكومة والحركة الشعبيّة قطاع الشمال؟
– وثائق الجبهة الثورية السودانية تقول بالحلّ السلمي الشامل، المفضي إلى التغيير، والحركة الشعبيّة قطاع الشمال حليف استراتيجي بالنسبة لنا، وبيننا وبينهم تحالف متقدّم جداً، ونحترم كل قياداتها، ونتفهّم دواعي ذهابهم للتفاوض. إنّنا مقتنعون تماماً بأنّهم لن يذهبوا إلى الحلول الثنائيّة والجزئيّة، ولهم تجربة سابقة.. وفي كل الأحوال نحن في الجبهة الثورية السودانية نؤمن بأنّ الحل هو إزالة النظام، أو على الأقل، هو موقف حركتنا.
* في حال وصول الطرفين إلى اتفاق؛ ماذا سيحدث وقتها؟
– ليس هنالك جديداً في الأمر.. من قبل كانت الحركة الشعبية في اتفاق مع الحكومة، وكانت لنا علاقة جيّدة معها، وسيظلّ موقفنا ثابتاً ومبدئيّاً معها، وسنحترم مواقف بعضنا البعض.
اليوم التالي