حوار المؤتمر الوطنى مع "الحواريين " محمد بشير ابونمو

حوار المؤتمر الوطنى مع “الحواريين ”
محمد بشير ابونمو
[email protected]
الحواريون فى التاريخ وكما هو معلوم هم اتباع عيسى – عليه السلام – والمفردة هى “الحوارى ” ، اما فى السودان فيسمى التابع ب (الحوار) وله دلالة خاصة لدى رجال الطرق الصوفية ، فتجد من يتعلمون من “شيخ الطريقة” يتراقصون فى “حولياتهم” عند اللزوم كالمهرجين المسليين ، ويتنافسون على خدمته ليل نهار بلا اجر مادى ، مبتغين فقط رضى الشيخ ، وعلاقة هولاء بشيخ الطريقة غاية فى الود والتبعية العمياء ، للدرجة التى تُختصر فيها تحية الشيخ المعنى بتقبيل اليد اوالرأس او الاثنين معا والتمسح ببركاته يمنة ويسرى كناية عن التبجيل والاحترام .
قادتنى الصدفة البحتة قبل يومين الى احدى القنوات الفضائية لنظام الانقاذ لاشاهد اجتماعا ضخما تم اعداده على شكل مائدة مستديرة يديرها الرئيس البشير ، وعلمت من خلال المتابعة ان الاجتماع قد تم الترتيب له “للاعداد” للحوار الذى يدعو له البشير هذه الايام ، فقيل ان الحضور يمثلون الاحزاب والتنظيمات السياسية الاخرى فى البلاد جاءوا ملبين دعوة الرئيس فى الحوار السياسى ، فتجد رئيس الحزب يتقدم المنصة الدائرية وامامه لوحة بمسمى تنظيمه ومن خلفه الاتباع او مساعديه ان شئت ، وعلمت ان الحضور (رؤساء الاحزاب والتنظيمات ) يفوق عددهم الثمانين فى هذه الجلسة ، هذا غير الرافضين للحوار والذين تُركت مقاعدهم شاغرة وهم ايضا فوق العشرة وربما اقل من العشرين بقليل . تفحصت فى وجوه الحضور بمتابعة الكميرا وخاصة القادة ، فعرفت ان قلة منهم فقط رؤساء لاحزاب معروفة وتابعين للمؤتمر الوطنى ، اما من يمكن تسميتهم كاحزاب (معارضة) ، فهم لا يتعدون الاثنين ، وتحديدا الصادق المهدى والترابى ، وربما غازى صلاح الدين ثالثهم ، وهو احدث المنشقين من حزب المؤتمر الوطنى .اما الباقون فاما احزاب مشاركة للمؤتمر الوطنى فى الحكم او حركات موقعة على اتفاقات سلام وهم ايضا مشاركين فى السلطة . اذا علمنا الظروف التى قادت شخصية مثل الترابى الى مثل هذا الجمع فى اطار التقارب المعلن لحزبه مع المؤتمر الوطنى ، فيمكننا التساؤل ببرائة ، ما هى الخلافات السياسية “العويصة” التى استدعت المؤتمر الوطنى الى تنظيم وجمع مثل هذا العدد من القادة السياسين (وكلهم مقيمين فى الخرطوم) للتحاور السياسى للخروج من الازمة السودانية ؟ للاسف لا شئ ولا ضرورة للجلوس مع هولاء لانهم كالحواريين بالنسبة للمؤتمر الوطنى ورهن اشارته ولا يعصوا له امر او طلب ، وقد وضح ذلك من خلال مجريات الاجتماع ، فقد اتاح البشير الفرصة لربع هذا العدد الهائل ، وقاطعهم بعدها قائلا لهم ان الزمن يمضى بسرعة ولا بد من ختام الجلسة وخاصة انها تمهيدية للحوار الاوسع فى مقبل الايام ، وقد شجعه على ذلك مداخلات بعض المشاركين والذين كان خطابهم على شاكلة مخاطبات اعضاء الحزب الشيوعى لكوريا الشمالية الذين يخاطبون الزعيم الاوحد ، وعلى ذكر الدكتاتورية المثوارثة لهذه الدولة تسمع دائما معها العجائب ، فقد اصدر الدكتاتور الشبل لكوريا الشمالية قرارا جمهوريا قبل ايام يلزم الرجال (كل الرجال فى البلاد ) بقص شعرهم بالطريقة التى يقص بها شعره ، ولكن تلك قصة اخرى .
عموما معظم الذين اتيحت لهم فرصة (الحوار) قد اشاد بشجاعة الرئيس لطرح موضوع الحوار فى هذا التوقيت وطالب بعده مباشرة بقفل باب النقاش على نمط مناقشات برلمان البشير ، الم يكن حقا مثل هولاء هم حواريون (تابعون ) اكثر للمؤتمر الوطنى من كونهم سياسيين معارضين و محاورين ؟
كنت احرص لاسمع مداخلات “زعماء الاحزاب” المنتمين لدارفور ، لربما يخرج احدهم من هذا الروتين ويبين للبشير وبادب جم ويقول ان من ضرورات الحوار ايقاف المجازر التى تجرى الان فى دار فور على ايدى الجنجويد وطائرات الانطونوف التى تقذف القرى والمدنيين وماشيتهم ، ولكن لا حياة لمن تنادى فقد تحدثوا كثيرا ولكنهم لم يقولوا شيئا !
الرئيس البشير يعلم تمام العلم ان لا مشكلة له مع هذا الجمع الغفير على الاطلاق ولا يريد حوارا جادا مع هولاء ، وكل هذه المسرحية هى لاضاعة الوقت و لتجاوز بعض الضغوطات المعروفة وللم الشمل مع “الاخوة الاعداء” السابقين كضرورة للمرحلة . لا نستطيع بالطبع القول انه لا يوجد فى الخرطوم من يستحق التحاور ، ولكن للاسف “اصحاب المصلحة ” هناك كلهم خارج تلك القاعة ، والا ائتونى من يقول ان شهداء سبتمبر الماضى والذين تجاوز عددهم المائتين ، قد سقط ايا منهم وهو يحمل شعارا لاحدى هذه الاحزاب الكرتونية الثمانون فى هذه القاعة ؟ لا احد بالطبع . ولكن اذا اراد البشير حوارا جادا لاخراج البلاد من الازمة التى تعيشها ، ونقول البلاد وليس حزبه ، فيلزمه فقط رفع سماعة التليفون ويتصل الى رؤساء احدى الدولتين الجارتين ، جنوب السودان او اثيوبيا ويطلب ترتيب اجتماع على عجل مع قادة الجبهة الثورية ، واجزم ان ذلك يتم فى اقل من ثلاثة ايام ، لان هنالك تكمن المشكلة وليس مع “حواري ” الخرطوم ، والا فيسأل البشير نفسه هذه الاسئلة ليجد الاجابات جاهزة :
– من المسئول من تخصيص اكثر من 80% من موازنة الدولة للمجهود الحربى على حساب البنود الضرورية الاخرى ؟ الاجابة : الجبهة الثورية السودانية
– من المسئول من حيدة الجيش القومى من مقاومة الثوار لتضطر الدولة الى الاستعانة بالمرتزقة الاجانب لقتال الثوار ؟ الاجابة : الجبهة الثورية السودانية
– من المتسبب فى اتهام رئيس الجمهورية بواسطة محكمة الجنايات الدولية واصبح حبيس الحدود السودانية لا يستطيع السفر ؟ الاجابة : الحركات المقاتلة الدارفورية
– من المتسبب بمأساة نازحى ولاجئ دارفور : الاجابة : الجنجويد الذين يمارسون حرب الابادة بالنيابة عن المؤتمر الوطنى ويقتاتون بشراهة من موازنة الحرب الضخمة
ويمكننى صوغ الكثير من الاسئلة من هذا النوع لتجد فى النهاية ان السبب لا علاقة له بالصادق المهدى او الترابى او اى من احزاب التوالى الحاضرة فى تلك القاعة اوحركاتهم “المصنوعة” والتى تدعى انها وقعت على سلام هو اصلا غير موجود على الارض
محمد بشير ابونمو
لندن
الاربعاء 9 ابريل 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *