حسنين: شرعيّة الحكومة السودانية الحالية تقوم على الانقلاب
في حوار مع النائب الأول لرئيس الحزب الاتحادي السوداني
اعتبر الدكتور علي محمود حسنين النائب الأول لرئيس الحزب الاتحادي السوداني، أن الحكومة السودانية الحالية لا تتمتّع بالشرعية، وأن السودان منذ ٩ تموز (يوليو) الماضي يعيش حالة من الفراغ الدستوري. وأوضح في حوار مع «المشاهد السياسي» من منزله في القاهرة، أن الحزب الاتحادي وضع خارطة طريق لحلّ جميع مشكلات السودان بما فيها الأزمة في دارفور، لافتاً الى أن انفصال الجنوب عن الشمال واقع لا محالة، مثمّناً الاتفاقيات التي عقدها حزب الأمّة السوداني مع الفصائل المسلّحة في دارفور، مؤكّداً أن تغيير نظام الحكم في السودان يحتاج الى تضافر جهود الجميع.
«المشاهد السياسي» ـ القاهرة
> أنت تمارس السياسة في الحزب الاتحادي منذ الستينيات، لماذا تدعو الآن الى تغيير نظام الحكم في السودان؟
< لأنه نظام غير شرعي، وشرعية الحكومة السودانية انتهت في ٩ تموز (يوليو) الماضي كما يقول الدستور الانتقالي، والدستور الانتقالي الذي تأسس على اتفاقية نيفاشا في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥ التي وضعها شريكا الحكم في السودان (الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني الحاكم). هذه الاتفاقية نصّت على أن تبدأ الفترة الانتقالية من ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٥ وحتي ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩، والحكومة الحالية لم تستطع أن تجد لها شرعية جديدة، باستثناء شرعية الانقلاب التي تقوم عليها الآن، فالحكومة الحالية تمارس كل أنواع العنف والتعذيب على المواطن السوداني، وأي زعيم سياسي يطالب بتسليم الرئيس البشير الى المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يتعرّض لكل المضايقات. وأنا أعتقد أن الحكومة الحالية باعتبارها رمزاً للحكم الشمولي غير الديمقراطي تقوم شرعيّتها على الاجرام والتنكيل بالمعارضين وفرض الرقابة عليهم، والسودان نتيجة هذا الوضع الاستثنائي، يعيش مرحلة بلا حرّيّات، فالصحافة السودانية لا تتمتّع بالحرّيّة، لأن هناك رقابة على الصحف، ويقوم الرقيب بحذف الصفحات التي تنتقد البشير أو أي أحد من أركان النظام السياسي، كما أن التظاهرات، وحتى الاجتماعات الضيّقة، لا يسمح بها إلا بقرار من وزارة الداخلية السودانية، ولهذا هناك شكوك كثيرة حول إجراء الانتخابات المقبلة، لأن إجراء الانتخابات يحتاج الى عمل سياسي وعقد الندوات والمسيرات، وهذا كلّه غير مسموح به في السودان. ورغم الشكوك حول إجراء الانتخابات، إلا أن الانتخابات إذا تمّت ستكون نتيجتها معروفة سلفاً، لأن إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة يحتاج الى أن يتنحّى النظام الحالي عن الحكم، ويتمّ تشكيل حكومة تراضى وإجماع وطني، تقوم بالاشراف الكامل على الانتخابات، لكن امتلاك الحزب الحاكم كل شيء في السودان، بداية من الشرطة والجيش وأموال الدولة، يجعل أي منافسة مقبلة غير عادلة، ولا يمكن أن تفرز أي نتيجة جديدة إلا النتيجة التي أرادها المؤتمر الوطني.
> الى أي مدى هناك اتفاق على ذلك بين القوى السياسية السودانية؟
< جميع القوى السياسية السودانية أعلنت أن الحكومة الحالية غير شرعية، وأخيراً أعلن الصادق المهدي، الذي وقّع اتّفاق مع المؤتمر الوطني، أن شرعية الحكومة الحالية انتهت في ٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٩، ويجري الآن التنسيق بين جميع القوى السياسية للاتفاق على الآليّات والوسائل التي يمكن من خلالها مقاومة النظام وتأكيد عدم شرعيّته.
> لكن الحركة الشعبية، وهي شريك رئيسي في الحياة السياسية، لا تشاطركم هذا الرأي؟
< كنا نتمنّى أن يكون موقف الحركة الشعبية مختلفاً حول شرعية النظام، والسبب يعود الى أن الحركة الشعبية تعتبر أن مكاسبها من نيفاشا، وخصوصاً الاستفتاء الذي سيجري على بقاء الجنوب ٢٠١١ ضمن السودان الموحّد، يأتي من اتفاقها مع المؤتمر الوطني، وفي اعتقادي أن هذا خطأ كبير، والحركة الشعبية كان يمكن لها أن تقول إن شرعية الحكومة انتهت، وعن طريق التنسيق مع القوى السياسية الأخرى في السودان، سوف يستمر السودان في جميع الاستحقاقات التي جاءت في اتفاقية السلام بنيفاشا، لكن مخاوف الحركة الشعبية من ضياع مكاسبها التي حقّقتها في نيفاشا يجعلها تتغاضى عن انتهاء شرعية الحكومة الحالية.
> إذا كانت المعارضة تقول إن النظام غير شرعي، والحكومة تتمسّك ببقائها في السلطة، ما هي السيناريوات التي تراها للسودان بعد أن حذّر الدكتور حيدر إبراهيم، كبير الخبراء في الشأن السوداني، أنه عندما يأتي عيد الميلاد المقبل سيكون السودان مفتّتاً ومقسّماً الى أكثر من دولة؟
< المستقبل في السودان في ظلّ استمرار هذه الأوضاع مظلم للغاية، لأن الانفصال لا يهدّد الجنوب فقط بل يهدّد دارفور أيضاً، وإقرار الأمم المتحدة في التقرير الذي صدر عن الأوضاع الأمنيّة في دارفور، قال بوضوح إن إجراء الانتخابات في دارفور في ظلّ الأوضاع القائمة أمر مستحيل، وهنا السؤال الكبير: ما هو مصير دارفور إذا لم تشارك في الانتخابات المقبلة؟ والاجابة واضحة للغاية، وهي أن دارفور سوف تبحث عن طريق آخر بعيداً عن الأمّة السودانية، لهذا لا بد من الاسراع بإيجاد حلّ سياسي للأزمة في دارفور، قبل أن نندم على ما فات كما حدث مع الجنوب، فالجميع يتذكّر أن مطالب الجنوب في البداية كانت بسيطة للغاية لا تتجاوز إنشاء جامعة في جوبا، وحلّ بعض الخلافات والسماح بقليل من الحرّيّات، لكن عدم التجاوب مع هذه المطالب أوصلنا الى تقرير المصير وانفصال الجنوب عن الشمال.
> هل ترى أن انفصال الجنوب بات وشيكاً؟
< نحن الآن في النصف الثاني من العام ٢٠٠٩، وما يبقى لإجراء الاستفتاء في الجنوب هو أقلّ من عامين. وخلال أربع سنوات من الفترة الانتقالية لم يتحسّن مزاج الجنوبيين تجاه الوحدة، لكن المشكلات المستمرّة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وخصوصاً المشكلات الأمنيّة والانشقاقات التي يغذّيها المؤتمر الوطني في الجنوب، تجعل الوحدة بين الشمال والجنوب في ظلّ هذه الأوضاع غير ممكنة، وأبناء الجنوب عندما يشاهدون ما يحدث في دارفور، يفكّرون في الانفصال بعيداً عن هذه الحكومة التي تمارس كل أنواع الكبت للحرّيّات وترفض التحوّل الديمقراطي كما جاء في اتفاقية السلام، وكان يفترض أن يعمل الجميع من أجل جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً للجنوبيين عند الاستفتاء في تموز (يوليو) ٢٠١١. وأنا أعتقد أن نسبة من يريدون الانفصال الآن في الجنوب أكثر بكثير من الذين يريدون البقاء ضمن السودان الواحد الموحّد.
> إذا كان الوضع بهذا السوء، ما هي خطّتكم البديلة لحلّ الأزمة في دارفور وباقي أقاليم السودان؟
< نحن في الحزب الاتحادي وضعنا خطّة يمكن تسميتها خارطة طريق لحلّ الأزمة، ليس في دارفور فقط بل في جميع مناطق السودان، لأننا نرى أن أزمة دارفور هي نتيجة لأسباب موجودة ومعروفة في جميع مناطق السودان، كما أننا نقرّ بأن الأزمة لن تنتهي عند دارفور بل إن هناك ثورات أخرى تستعدّ لحمل السلاح في مناطق أخرى. ونحن نعتبر أن جميع مشكلات السودان سببها التهميش، لذلك اقترحنا أن يتم تقسيم السودان الى سبعة أقاليم إدارية، والسودان كان دائماً مجموعة من الأقاليم، بشرط أن يكون هناك نائب للرئيس عن كل إقليم، لهذا سيحكم السودان مجلس رئاسي وليس رئيس واحد، بحيث يتكوّن المجلس الرئاسي من الرئيس وسبعة نواب. وهنا تنتهي مطالب دارفور وغيرها والتي تطالب بأن يكون لها نائب للرئيس، ويجب أن يدرك الجميع أن السودان طوال تاريخه السياسي كان يحكمه مجلس رئاسي وليس رئيس. ونقترح أيضاً أن يكون حكّام هذه الأقاليم السبعة، وجميع الموظّفين والحكّام المحلّيين من أبناء الإقليم وليسوا من الخرطوم، ويكون من حق كل إقليم تكوين ما يشاء من الولايات، لأن ضمن المطالب الرئيسية لأبناء دارفور في الوقت الحالي، أن يتم العودة الى الإقليم الواحد وإنهاء نظام الولايات الثلاث في دارفور، كما ندعو الى التحوّل الديمقراطي الكامل، وتكون المواطنة هي الأساس والمعيار الوحيد في البلاد وليس التمييز العرقي أو الديني أو اللغوي،
> لماذا لا تقومون بالتنسيق مع الفصائل المسلّحة في دارفور كما حدث بين حزب الأمّة والعدل والمساواة؟
< التنسيق بين الحزب الاتحادي وجميع القوى السياسية والعسكرية في السودان قائم، لذلك لا يحتاج التنسيق بيننا وبينهم الى اتفاق أو بروتوكول، لكن قد تختلف الوسائل والآليّات لكن الهدف واحد. نحن نطالب بالتغيير عن طريق الوسائل السياسية، لكن الآخرين يمكن أن تكون لهم وسائلهم، والاتفاق الذي تمّ بين حزب الأمّة والعدل والمساواة ترك لكل فريق أن يناضل ضد هذا النظام بالطرق والوسائل التي يراها.
> هل قرار محكمة العدل الدولية يصبّ في مصلحة المؤتمر الوطني ويزيد في فترة بقائه في السلطة كما يقول بعضهم؟
< نحن لا نملك إلا الترحيب بالقرار بعد أن رحّبت به الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، لأن أي حديث آخر في القضية يمكن أن يكون له تأثيره السلبي في استقرار أبيي، لكن لا بد من أن يدرك الجميع أن المؤتمر الوطني هو الذي خلق وعمّق هذه المشكلة، لأنه بموجب بروتوكول أبيي الذي تمّ التوصّل إليه في أيار (مايو) ٢٠٠٤، كان يفترض أن تحلّ المشكلة عن طريق لجنة من الخبراء السودانيين وأبناء أبيي، وتمّ تأكيد ذلك في شهر آب (أغسطس) ٢٠٠٤، حيث أعلن الطرفان التزامهما النهائي بقرار اللجنة. وطبقاً لبروتوكول أبيي، فإن هذه اللجنة تؤسّسها الرئاسة السودانية، رغم أن الرئاسة السودانية التي تضم الرئيس ونائبيه الأول والثاني لم تكن قد تشكّلت بعد، حيث جرى تشكيلها في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥، ورغم ذلك تمّ تشكيل لجنة أخرى تشكّلت من خمسة عناصر من الحركة الشعبية، وخمسة من المؤتمر الوطني، وخمسة من الأجانب، أحدهما بريطاني والثاني أميركي وثلاثة من دول الإيغاد الأفريقية، وأصدرت فتواها بأن أبيي تابعة للجنوب، وهو القرار الذي رفضه المؤتمر الوطني، ولجأ الطرفان الى محكمة العدل الدولية، والآن الأهميّة القصوى لتنفيذ القرار بشفافية وأمانة بعيداً عن المناورات السياسية ووقوف كل طرف وراء فريق في دارفور. وأنا أعتقد بأن هناك صعوبات كبيرة سوف تواجه تنفيذ الاتفاق، وسوف تحسم الارادة السياسية لكل فريق مدى تنفيذ هذا القرار.
> ما حقيقة ما تدّعيه الحركة الشعبية وبعض القوى السياسية السودانية، من قيام المؤتمر الوطني بالسعي الى سحب البساط من الحركة الشعبية في الجنوب وخلق مشكلات أمنيّة ودعم الانشقاقات عن الحركة؟
< هذا صحيح تماماً، لأن خطّة المؤتمر الوطني هو تمزيق خصومه السياسيين، وما يحدث في دارفور من انشقاقات وانقسامات هو نتيجة سياسة دفع الأموال من جانب المؤتمر الوطني لبعض القيادات، حتى تتمرّد على قيادة الحركة الأمّ، وانتهى الأمر الى وجود ما يقرب من ٣٠ حركة وفصيلاً في دارفور، والمؤتمر الوطني يسعى بالطريقة نفسها في جميع الأحزاب، ومنها ما حدث في حزب الأمّة والانشقاقات التي حدثت في الحزب. وأخيراً انشقاق لام أكول عن الحركة الشعبية، وتأسيس حزب جديد. وأستطيع القول إن حزب المؤتمر الوطني له عملاء، ويخترق جميع الأحزاب والقوى السياسية في السودان، وهذا ما يفسّر هجرة بعض العناصر من الحزب الاتحادي وغيره الى المؤتمر الوطني.
> كيف ترى مفاوضات الدوحة؟
< حركة العدل والمساواة أدركت أن الحكومة السودانية سريعة في التوقيع على الاتفاقيات، لكنها لا تطبّق منها شيئاً، لذلك طلبت العدل والمساواة أن يتمّ توقيع اتفاق حسن نوايا يقوم على الافراج عن الأسرى من الطرفين، وإعادة العمل الاغاثي الى دارفور، لكن الحكومة السودانية لم تلتزم ذلك، وتواصل محاكمة أبناء العدل والمساواة أمام المحاكم العسكرية السودانية، ولهذا ليس هناك فرص إيجابية، بسبب عرقلة الحكومة للاتفاق وعدم التزامها ما جاء في اتفاق حسن النوايا >
المشاهد السياسي