حرب باردة في قلب أفريقيا

لسنوات طويلة ظلت الولايات المتحدة تتجاهل القارة السمراء الغارقة في الحروب والأمراض والصراعات العرقية والكوارث الطبيعية، لكن يبدو أن هذا الوضع تغير لتصبح أفريقيا في مركز متقدم في قائمة أولويات واشنطن.

وتأتي زيارة وزيرة الخارجية الامريكية هيلارى كلينتون إلى عدد من الدول الافريقية لتجسد اهتمام ادارة باراك اوباما بتعديل سياستها ازاء القارة السمراء. ووصلت كلينتون مساء الثلاثاء الى كينيا في بدء جولة افريقية تستمر 11 يوما وتخصص هذه المحطة الاولى بحسب ما أعلنت عنه واشنطن بشكل اساسي لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع القارة واحلال الاستقرار في الصومال.

وقالت كلينتون “ان التقدم في القارة سيتوقف على الادارة الرشيدة وعلى الالتزام بدولة القانون، وهو امر حاسم لاحلال اجواء ايجابية وخالية من التقلبات للاستثمارات ولنمو اقتصادي شامل”.

والقت كلينتون كلمتها امام المنتدى السنوي الثامن لبرنامج النمو والفرص في افريقيا، وهو برنامج امريكي اقره الكونغرس عام 2000 ويقيم تعاونا اقتصاديا وتجاريا مع القارة الافريقية حتى 2015.
ويقضي هذا البرنامج بتسهيل الصادرات الافريقية الى الولايات المتحدة لـ”دعم النمو الاقتصادي وتشجع الاصلاحات”.
وتابعت ان “المستثمرين لن تجذبهم دول تحكمها ادارات فاشلة او ضعيفة، او تتفشى فيها الجريمة والاضطرابات المدنية، او يسودها فساد يطاول اي صفقة او قرار”.

وقال جوهان. كاسن مساعد وزيرة الخارجية الامريكى المسؤول عن الشؤون الافريقية لدى حديثه عن زيارة الوزيرة كلنتون لافريقيا فى هذه المرة:” الولايات المتحدة تأمل فى ان تكون شريكة فى مساعدة افريقيا فى تحقيق التنمية المستدامة “.

ولقد عبر اوباما بوضوح لحظة زيارته لغانا فى الشهر الماضى ان بلاده سوف توفر التعاون” فى سياق بناء القدرة على تحقيق التحول الجذرى”.

وبحسب المراقبين فإن الاهتمام الامريكى بافريقيا بدأ يزداد فعلا منذ وصول اوباما للحكم، وهو استمرار لاستراتيجية بدأت مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بعد زيارته التاريخية التي قام بها لعدة دول أفريقية خلال شهري مارس وابريل من العام 1998 واستمرت اثني عشر يوما، حينما قال “لقد آن الأوان لكي يضع الأمريكيون أفريقيا الجديدة على قائمة خريطتهم”، لتكشف هذه الصيحة التي اطلقها عن المخطط الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة تجاه أفريقيا وكان لها ما بعدها، فقد قام ت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في أعقابها بزيارة لعدد من الدول الأفريقية في شهر أكتوبر من العام 99، ثم قام الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن بزيارة أخري لعدة دول أفريقية في شهر يوليو من العام 2003 ليتابع ما كان قد قام به كلينتون، وقد انعكس الاهتمام الأمريكي بأفريقيا خلال تلك الفترة على سياستها تجاه القارة بشكل عام وتجاه دول القرن الأفريقي والساحل بشكل خاص وطرح تساؤلات عديدة حول سر ذلك الاهتمام.

ويبعث هذا التحول في السياسية الامريكية تجاه القارة في نظر عامة الافارقة الكثير من الارتياب، حيث أن تصرفات الولايات المتحدة فى الصومال والكونغو كينشاسا وغيرهما من المناطق المضطربة فى افريقيا لا يمكنها ان تجلب الثقة الكبيرة الى عامة السكان المحليين .

الولايات المتحدة المتحدة التي لم تتحرك مطلقا من أجل القضايا الإنسانية كما في مشكلة دارفور وجنوب السودان، اتضح أن سر ذلك التحرك هو أن معظم احتياطيات النفط في السودان تقع في مناطق الجنوب لاسيما أن 65 في المئة من نفط السودان تحصل عليه الصين الآن التي تعتبر المناوئ الرئيسي للولايات المتحدة، كما أن الشركات الصينية هي التي تلعب الدور الرئيسي في استخراج نفط السودان، ولم تدخل الصين على السودان فقط وإنما اكتشفت الصين أن قارة أفريقيا مازالت هي المعين الذي لا ينضب من النفط والغاز والمعادن النفيسة بكل أنواعها وعلى رأسها الماس، فوجهت كما ضخما من استثماراتها إلى هناك.

والصورة لا تختلف كثيرا في أماكن كثيرة من قلب القارة، وخصوصا في باقي دول ساحل الصحراء التي تمتد من السودان شرقا وحتى ساحل غينيا غرب القارة، حيث يكمن أحد أكبر مخزونات النفط في العالم، فأفريقيا تنتج حاليا أربعة ملايين برميل من النفط يوميا وهو ما يوازي انتاج إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة، كما أن خليج غينيا يحتوي على احتياطي يبلغ مقداره 24 مليار برميل من النفط، ولأن أمريكا تكون حيث يكون النفط، وحيث تكون مصالح إسرائيل، فقد وضعت عينها على أفريقيا ووضعتها كما قال كلينتون على خريطتها.

ومميزات نفط خليج غينيا أنه غير مكلف في نقله للولايات المتحدة التي تقع سواحلها علي الشاطئ الآخر للمحيط الاطلسي، على خلاف نفط بحر قزوين الذي مازالت الولايات المتحدة تحاول البحث عن طرق آمنة لنقله، علاوة على التكاليف الباهظة لاستخراجه، كما أن نفط الخليج والعراق تخوض الولايات المتحدة حروبا من أجل استمرار تأمين حصولها عليه وفي حالة صعوبة الحصول عليه تحت أي ظروف فإن نفط أفريقيا يكون هو البديل.

هذه المعطيات تفسر سر التواجد العسكري الأمريكي المتعاظم في القارة الأفريقية والذي بدأ مع احتلال الصومال عام 92 ثم هروبهم منه تحت المقاومة وانتقالهم إلى جيبوتي حيث أقاموا قاعدة عسكرية هناك باتفاق مع الفرنسيين، وفي نفس الوقت تتواجد سفنهم في البحر الأحمر تفتش السفن الرائحة والغادية، كما أنهم يسعون للتواجد في قلب القارة من خلال اتفاقات مع دول عديدة، وستكون حماية امدادات النفط للولايات المتحدة ومحاصرة المد الإسلامي من أولي مهامها.

وقد بدت بالفعل مظاهر تكثيف الوجود العسكري الامريكي في القارة من خلال وجود سفن تابعة للبحرية الامريكية امام سواحل القارة للقيام بعمليات متنوعة فهناك قطع بحرية تابعة للاسطول الامريكي تقوم بدوريات امام سواحل شرق افريقيا وتكررت المواجهات وحوادث الاعتراض التي تقوم بها لبعض القطع البحرية لمواجهة من تصفهم القيادة الامريكية بالقراصنة في تلك المنطقة ومتابعة نشاط الجماعات “الارهابية”.

وهناك وجود بحري امام سواحل غرب افريقيا وتحديدا امام سواحل فريتاون بليبيريا وذلك للقيام بعمليات لـتنظيف الميناءعلي حد وصف القيادة الامريكية وتوجد ايضا القوات الامريكية في دول اخري من خلال عمليات تدريب مركزة لقوات تلك الدول كما توجد بعثات طبية وبيطرية وتدريبات لهيئات الاركان مع جيوش دول المنطقة.

وتعتبر الخطوة التي قامت بها إدارة جورج بوش المتخلية بإعلان تشكيل قيادة عسكرية جديدة لإفريقيا،‏ ضمن هيكلية وزارة الدفاع الأمريكية،‏ تعبيرا عن تعاظم الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية،‏ لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب،‏ فضلا عن رغبة الولايات المتحدة في التحسب لاحتمالات تطور الأوضاع السياسية والأمنية في القارة الإفريقية،‏ علاوة على القيام بخطوة استباقية في إطار الاستعداد لاحتمالات اشتعال التنافس الدولي على القارة الإفريقية مستقبلا،‏ بدرجة أكبر مما هي عليه الآن،‏ لاسيما مع الصين‏.‏

العرب اونلاين/العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *