عبد الله علي إبراهيم
قدوم السيد جمال الوالي إلى مائدة الحوار حول إيقاف جريدة السوداني بمثابة مجيء الماء وبطلان التيمم. والتيمم هنا هو تلميذنا الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة “السوداني” الموقوفة. فقد استمعت إليه في المنابر، وهو رئيس التحرير، يخوض في شأن تمويلها بما لا نأخذ به إلا من مالكها. فتحديه للجنة التفكيك أن تكشف عن جنيه واحد دخل على الجريدة من المؤتمر الوطني فوق وصفه الوظيفي كما يقول الخواجات. وما أن دخل جمال الوالي متحدثاً عن نفسه كمالك للسوداني وقناة الشروق حتى وضح أن ضياء غير مطلع عن سرائره التمويلية التي تبني تحليلها. ورسانا جمال بحديثه إلى قيف. واستعدلت مركب الحوار الذي اضطرب به ضياء بين ملكية السوداني، اختصاص قانون الشركات، وحريتها في التعبير التي هي اختصاص الدستور. ولم تكن الأخيرة، حرية السوداني في التعبير، موضوع شغل لجنة التفكيك. فلم تتوقف الجريدة إلا لطعن اللجنة في ملكيتها.
جاء جمال بالماء. وخلافاً لما اذاعه الأستاذ محجوب عروة من أن الإنقاذ “فلفصت” منه السوداني، التي أسسها، بالقوة الجبرية لتصير إلى جمال، قال جمال إنه اشتراها ليخرجه من أثقال الديون التي عليه، وبتوسط كريم من عشيرة محجوب التي له بها نسب ناهيك عن صداقات. وصرح من الجهة الأخرى بأن الحكومة البائدة ضخت مالاً حميداً لإنشاء قناة الشروق. وزاد بأن تمويل صحيفة مثل السوداني مقدور عليه لمن له مثل ثروته ولا يحتاج بالنتيجة إلى تكفف المؤتمر الوطني أو تكفف المؤتمر الوطني له. ثم برر لضخ المال الحكومي لتمويل الشروق بأن مثل قناة الشروق الإخبارية مما يحتاج إلى فيض مال. وهذه معلومات من بيت الكلاوي لابد أنها موضوع نظر مستحق من لجنة تفكيك النظام البائد. غير أني أسرع بالقول إن كون جمال في خفض من المال لا يعني بالضرورة أنه لم يكن واجهة لتمويل من مصدر آخر لشراء السوداني. فلم يمنعه ثراؤه من قبول عطية الحكومة له لإنشاء الشروق وكان بوسعه تمويلها من حر ماله بالطبع.
لي لوم كبير لضياء. والما دارك ما لامك. فاستغربت منه كيف حول زلة لسان للسيد محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة، حجة عليه بإلحاح شره. فقد ظل ضياء يبدي ويعيد بأنه جرى ايقاف السوداني ل”الاشتباه” بعضمة لسان السيد سليمان. مرات ومرات ومرات. وتغاضي بالمرة عن التصحيح الفوري للزلة. فقال السيد سليمان إنه جرى التحفظ والحظر على السوداني وغيرها ل”الاشتباه في أنها واجهات للمؤتمر الوطني، مش اشتباه، ما اشتباه توصية ومعلومات أكيدة بأنها أخذت أموالا إلخ”.
أعرف عن ضياء خلقاً أفضل من نهشه عبارة مصابة بزلل. فقد كان يسعده مني في أعمدتي للصحف التي تولى أمرها هشي الناس عن تفخيخ العبارات لمأربهم. فهششتهم عن الالتواء بعبارة السيد كمال عبيد عن الحقنة المشهورة وعن عبارة أخرى للسيد كرتي في واشنطن نبهني من حضرها إلى تزويرها في النقل.
وأمضني خروج ضياء عن أدب السلوك المعروف عنه مع السيد محمد الفكي سليمان مرات. وسأل هذه المرة، في معرض استصغاره له، عما جاء به من الكويت. ولا أعرف لمثل هذا السؤال موقعاً من الإعراب في تقييم أداء السيد سليمان لواجباته الدستورية.
لا مكان لنقاش حرية الصحافة في إيقاف السوداني والشروق وغيرهما لفحص إن كانا ملكاً للدولة لتقرر الدولة مسيرتها من هنا فصاعداً، أو أنها ملك حلال لأصحابها فترفع يدها عنها. ولو قصدت قحت حرب الرأي المعادي لها لما بدأت بالسوداني. للسوداني ميزات معروفة فيها قبل الثورة وبعدها بفضل قيادة إنسان في مهنية ضياء ودماثته لها.